المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من جريدة الصباح : الثقافة في عصر الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات


AHMED ADEL
Nov-11-2006, 05:06 PM
http://www.alsabaah.com/pictures/logo.gif

الثقافة في عصر الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات
بغداد ـ محمد نعمان مراد:
تبقى الثقافة نبع الحياة الدائم المتدفق يرتوي منه طالبها الى الأبد لاتتأثر بمتغيرات عوامل الزمن، وهي شيء من الأشياء التي لاتقف عند حد معين، وتستمد تطورها من تطور الزمن والعصر بإمكانياته وأساليبه وفنونه المتنوعة والمتعددة. فالمثقف في القرن التاسع عشر ليس بطبيعة الحال كالمثقف في القرن العشرين، والمثقف في بداية القرن ليس كمثله في اواسط القرن او آخره، والحال سيأخذبعداً زمنياً وعمقاً حضارياً ليفيد من التطور الذي يحل في العصر، لأن الحياة تختلف بمجرياتها واحداثها وعناصرها كافة، لذلك فالتراث الثقافي في محصلته يمثل طبيعة المجتمع لانه يربط ربطاً وثيقاً بينه وبين المجتمع والعصر، والحياة بطبيعتها تأخذ نهجاً يتبع الأداة الثقافية.


اننا نعيش في عصر الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، عصر فيه طريق المعلومات فائق السرعة، وهو الطريق السالك الذي يسهم، بشكل او بآخر، في تطور مجريات الحياة بسرعة، اذ لايمكن في هذا العصر ان يؤسس احد منا شيئاً حتى يلقى شيئاً اخر جديداً يطور العمل داخل المجتمع. هذا التسابق مع الزمن لايخضع لقاعدة او مقياس. اصبح فيه الحاسوب لغة وأداة ومرآة نستطيع من خلاله تنفيذ أعمال شتى( تجارة، بحوث، قراءة صحف، مطالعة ، محادثة ، ومشاهدة أفلام) وسواها من الأعمال التي تدخل في مجريات حياتنا اليومية بسرعة فائقة.
تؤدي المعلومات في مبناها ومعناها دوراً حاسماً في أمور الحياة.عصر المعلومات هو العصر الذي تتطور فيه أساليب مصادر المعلومات كي يستطيع استقبال المعلومات، وان ندرك ان ثمة آلة ستقرر مصير العالم، لابد من استخدامها للخير لا للاساءة البشرية. لقد اصبح التغير والتطور السمتين الوحيدتين الثابتتين في حياتنا، والمثقف يدرك هذا التطورعلى نحو صحيح.
وجاءت المعلوماتية بتقنياتها لتعالج المعلومات، فالمعلومات هي ذلك الكم الهائل من المعرفة والبيانات والحقائق والوقائع بمختلف اشكالها وقوالبها التي تشكل اسساً واصولا وقواعد تخضع الاشياء اليها، بالتالي فهي تعد اليوم اهم وسيلة لتنامي ثقافة المجتمعات. تأتي بعد ذلك التقنيات التي تنقل وتسترجع وتبث فيها المعلومات مثل الحاسوب والتلفاز والمذياع.
كيف يمكن للمرء ان ينظر الى ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واثرها الثقافي وطنيا وانسانياً، منذ وضعت الركائز المتينة للاتصالات؟ ان ثورة الاتصالات تعني في عمل المثقف وفي البنية الثقافية، الوعي الدقيق الاخر لفهم حركة التاريخ ومعنى الوجود ذاته. ان التقنية بهذا المعنى لاتفلت من العقل البشري ولاتدمره. فثورة الاتصالات بهذا الافق هي ثورة الخيال بذاته، إنها تمثل تحقيق الكينونة بكل أبعادها وبكل ما يمتلك العقل البشري من وعي بقدره ومصيره.
والثقافة لاتعني الالمام بالأشياء والمعرفة فيها ومخطئ من يتصور هذا التصور وفي نظرته قصور، فالثقافة تعني كيفية توظيف مايلم به المثقف من معلومات خدمة للمجتمع والوطن. وهذا لايمكن ان يتم مالم يستطع المثقف الالمام بأدوات عصره والتحدث بلغته. لايمكن للانسان الواعي ان يستغني عن الجوانب الثقافية، والثقافة تصنع الابداع وتنميه.
لقد جاء الحاسوب ليلبي رغبات طبقات المجتمع في مجالات الثقافة كافة من خلال تقنية الحاسوب والبرمجيات على حد سواء. فزاد من انتشار الوعي الثقافي عن طريق المعلومات فائق السرعة، إذ نجد شبكة الانترنت ومايمكن ان تقدمه من خدمات تزيد الانسان قدرة علمية وثقافية ومعرفية، فضلاً عما تقدمه البرمجيات التي انتشرت على شكل اقراص حاسوبية ليزرية مدمجة( CD-ROM) تحوي مواد ثقافية على شكل موسوعات حاسوبية في شتى العلوم والمعارف الثقافية بكل فنونها وأشكالها وتعرضها بالصوت والصورة.
يقول نجيب محفوظ:(انا امي) ، فيتصور معنا القارئ، وهل يصدق ان اديباً وكاتباً كبيراً ممن حصلوا على جائزة نوبل في الآداب، وصاحب هذا الارث الثقافي مثل نجيب محفوظ يمكن ان يكون أمياً؟ لقد اراد محفوظ ان يعبر لنا عن أميته تلك لأنه لايعرف شيئاً عن الحاسوب وتقنياته، لأنه أدرك كغيره إن الحاسوب يعد اليوم( لغة العصر الجديدة) اللغة التي نستورد من خلالها الثقافة لأنفسنا، وفي الوقت ذاته نستطيع عبره تصدير ما في عقولنا وصدورنا من ثقافة على شكل نتاج ثقافي يفيد البشرية كي لاتبقى كامنة في قلوبنا الى ان يأكلها غبار الزمن.
هل كان المثقف قبل ولادة الحاسوب هو ذات المثقف بعد ولادته؟ كيف حال المثقف اليوم وهو يواجه حتمية لامفر منها في عصر تطغى عليه التقنية والحاسوب والبرمجيات والاتصالات؟ كيف سيكون شكل الثقافة بعد جيل أو قرن؟اسئلة كثيرة تستحق البحث للإجابة عنها إجابة شافية وشاملة.
هناك جملة فوائد يمكن أن يفيد الحاسوب وتقنياته البرمجية في عصر المعلوماتية الطبقة المثقفة في المجتمع( العلماء والكتاب والادباء والصحفيون والفنانون) وسواهم، لتعميق جوانب الثقافة، منها نذكر:
* مطالعة الصحف العربية والعالمية بعد رواج الصحافة الالكترونية، ودخول صاحبة الجلالة عصر الالكترونيات والاتصالات والانترنت.
* الاطلاع على النتاج الثقافي العالمي من خلال الدخول الى مكتبات الجامعات والكليات ومراكز المعلومات ومراكز البحث العلمي والمنتديات الثقافية، كما يمكنه عرض نتاجه الثقافي في شبكة الانترنت.
* التطبيقات والبرامج التي يوفرها الحاسوب في مختلف التوجهات لاسيما تلك التي تستخدم لأغراض الطباعة، اذ اصبحت الطباعة بالحاسوب من أوضح أدوات الطباعة وأسهلها من حيث الإخراج الفني والتنضيد واختصار الوقت في عمليات الاضافة والتعديل والحذف وسواها، فاذا تعلم الكاتب او الأديب الطباعة بالحاسوب امكنه التحكم الواسع بالانموذج الذي يريده من حيث الشكل والتنضيد.
* الاسلوب الجديد في نشر الكتب وطريقة عرضها للقارئ. ونرى اليوم انتشار موسوعات ثقافية منوعة كثيرة مخزونة على أقراص حاسوبية ليزرية مدمجة(CD-ROM) في تخصصات متعددة في ( التاريخ والدين والادب والشعر والطب والزراعة والاقتصاد والعلوم والفنون) وسواها من مجالات الثقافة يمكن الحصول عليها في سوق البرمجيات. كما جاء الجيل الجديد من الكتب عبر الكتاب الالكتروني (E-book) اختصاراً لـ(Electronic) فقد بدأت الشركات المختصة بالالكترونيات والبرمجيات باصدار الكتب الالكترونية، وهي عبارة عن أجهزة صغيرة تعمل الكترونيا يمكن حملها في الحقيبة اليدوية، تضم من المعلومات كتباً وروايات متعددة يمكن نقلها الى هذا الجهاز( الكتاب) من شبكة الانترنت.
والجدير ذكره هنا انه في أحد أشهر معارض الكتاب الذي أقيم قبل نهاية القرن العشرين بعامين في ألمانيا كان شعار المعرض( وداعاً للكتاب) اي وداعاً للنشر بالورق،لان الكتاب الجديد أصبح بالحاسوب، اما بواسطة الكتاب الالكتروني او على أقراص ليزرية مدمجة CD- ROM لما يشهده العالم من تطور هائل في الحاسوب والاتصالات عبر شبكة الانترنيت، فضلاً عن ان القرص الحاسوبي يمكن ان يضم موسوعة كاملة من الكتب والمجلدات تعرض بالصوت والصورة.
ان فائدة مثل هذه الكتب الالكترونية او موسوعات المعرفة المخزونة على الاقراص الحاسوبية المدمجة، هي إغناء الباحثين والكتاب والعلماء والمثقفين على وجه العموم عن البحث في المكتبات ويحقق الكثير من الراحة وتقليل العناء والجهد الذي يبذله في هذه المهمة، فهي توفر للقارئ مجموعة كبيرة من المصادر والمراجع الثقافية، في مرجع صغير الحجم، وبدلاً من مجلدات تحتل حيزاً في رفوف المكتبات فإنها توجد على قرص نصف إنجان ونصف. فضلاً عن السرعة الكبيرة في ايجاد ومطالعة المعلومات والبحث فيها واسترجاعها،ولما يوفره هذا الأسلوب من نشر واسع وسريع ولما فيه من عناصر التشويق والمتعة في أسلوب العرض للقارئ.
كما تسهم الكتب الالكترونية او تلك المخزونة على الأقراص الحاسوبية بشكل كبير في حل مشكلة احتكار الكتب وتنتهي بذلك عبارة” الكتاب معار “ وعدم الحصول على المصادر جراء استعارة الاخرين لها، كما تحفظ الكتاب من التلف والضياع والفقدان.
لعل أهم تغير يطرأ على استخدام الكتب الالكترونية يتمثل في وضع حد للطرق التقليدية المألوفة لمعطيات الفهرسة في متن النص، أي المقدمة والفهرس والهوامش.
في عصر المعلوماتية ووسائطها سيصبح النشر بلا ورق، بل سيصبح الورق شيئاً من الماضي،وسوف تغلق مصانع الورق في المستقبل، وتزداد المصانع الالكترونية التي تنتج الأقراص الحاسوبية المدمجة والفيديوية، والكتب الالكترونية.
لقد أصبح الحاسوب لغة العصر وأصبح أداة كالقلم والورقة والكتاب، والمستقبل يشير الى أنه سيحل بديلاً عنها. وجميل أن نرى الثقافة تأخذ طابعا جديداً في اكتسابها، طابعاً تطغى عليه التقنيات الحديثة والمعاصرة، والأجمل من ذلك ان توظف تلك التقنيات من أجل الثقافة.
والمثقف والمختص أصبحا اكثر المستفيدين من ثورة المعلوماتية والمعلومات المتطايرة في عالم مفتوح، بلا حدود ولا حواجز، يستطيعان من خلالها المطالعة والقراءة والبحث للإفادة من المعلومات وتطوير القابليات المعرفية والثقافية بشكل عام مما يوسع مداركه، وبالتالي توسيع دائرة إنتاجه الثقافي والمعرفي. وأن يضع معطيات الثقافة بمختلف تجلياتها وفروعها وتوجهاتها ورسوخ هذا الدور في اغناء الثقافة العربية وهو يحفر في مجرى الثقافة انتاجاً وفكراً بحيث يصبح عنصراً فعلاً يخدم مجتمعه.