د.محمود قطر
Feb-14-2007, 08:47 AM
المخطوطات الشارحة
(تعريف المصطلح ، محاور المؤتمر)
يأتى مؤتمرنا المزمع عقده أوائل العام القادم ، تحت عنوان (المخطوطات الشارحة) امتداداً للمؤتمرات الدولية التى نظمها مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ، بغية الكشف عن الجوانب المجهولة والمنسية والمهملة فى التراث العربى . ليمثل مؤتمر (المخطوطات الشارحة) خطوة جديدة على الدرب الذى انتهجناه وعقدنا فى ثناياه مؤتمرىْ : المخطوطات الألفية (سبتمبر 2004) المخطوطات الموقعة (أبريل 2005) فكشفا –كلاهما- جانبين هامين ومهمين ، من جوانب تراثنا المخطوط الموزَّع على أرجاء العالم .. أو بالأحرى : المنـزوى فى الخزانات الخطية فى العالم. وكما حرصنا فى المؤتمرين السابقين على إقامة (معرض) لهذه المخطوطات : الألفية والموقعة، بغية استحضار هذه المخطوطات وتلك ، أمام أعين أهل الزمان ، فى محاولة لعبور الهوة الفاصلة بين ثقافتنا المعاصرة وجذورها التراثية . فلسوف نفعل ذلك ، أيضاً فى مؤتمرنا القادم الذى يطرح –كسابقيه- مفهوماً تراثياً جديداً ، وتطرح محاوره مداخل غير نمطية للبحث التراثى ، مداخل تنـزع إلى الارتقاء بالتراث من عمليات النص (الفهرسة ، التحقيق ، الدرس المتخصص) إلى عمليات الخطاب (الاستكشاف ، الفهم ، المثاقفة) وهو ما نطمح أن يضيف مؤتمر المخطوطات الشارحة إليه بعداً جديداً .. فلننظر أولاً فى طبيعة هذا المصطلح الذى نطرحه، ثم نعقبه بإلماحات إلى المداخل والمحاور التى يمكن من خلالها التوغُّل فى أفق هذا المصطلح، عبر فعاليات المؤتمر : المعرض ، البحوث المشاركة ، المناقشات المستفيضة للموضوعات المتعلقة بالمخطوطة الشارحة .
مفهوم المخطوطة الشارحة
يعتقد كثيرون أن (الشرح) بعامة ، يقل أهميةً ومرتبةً عن (المتن) المشروح.. فهو فى اعتقادهم ، كتابةٌ من الدرجة الثانية ، كتابةٌ هامشية ! ومن هذه الزاوية ، تكون (الحواشى) التى توضع على الشروح ، كتابة من الدرجة الثالثة ، أو هى : هوامش الهامش .. ومن ثم ، فالمؤلِّف الذى وضع (المتن) هو الرائد ، وهو الجدير بالاعتبار ؛ أما الذى يضع على المتن أعمالاً ، فهو لايستحق عندنا وصف (المؤلف) وإنما ندعوه (الشارح) وفى الدرجة الثالثة – أعنى الحاشية – نسميه فى المصطلح التراثى (المحشِّى) فإن كتب كاتبٌ على الحاشية كتابة رابعة على هيئة تعليقات أو تعقيبات، فهو (المعقِّب) .. ولاننسى هنا أن كتابة التعليق أو التعقيب أو الاستدراك ، تتلوها أحياناً كتابةٌ خامسة من حيث المرتبة وتسلسل الأهمية ، هى كتابة (الطيارات) التى تصادفنا على هيئة أوراق صغيرة بين صفحات المخطوطات ، وغالباً ما تكون مكتوبة بقلم دقيق وبأسلوب موجز ، ولاتزيد فى معظم الأحوال عن فقرة واحدة ، وهو ما يسمح بوضعها بين أوراق المخطوطة ، سواءً منفصلة ، أو مجلدة مع المخطوطة إن أُعيد تجليدها بعد تدوين هذه الطيارات المحتوية على ملاحظات تفصيلية تخص موضعاً بعينه من المخطوطة .
لدينا إذن خمس مراتب للكتابة : المؤلف (المتن) الشارح (الشرح ، التفسير، التحرير) المحشِّى (الحاشية ، شرح الشرح) المعقِّب (التعليق ، التعقيب، الاستدراك) مدوِّن الملاحظات (الطيارات) .. وقد ساد الاعتقاد ، كما أسلفنا ، أن المؤلَّف رائدٌ والآخرين تابعون له . ومن هنا ، نرانا إذا أردنا التقليل من شأن القرون الأخيرة من تاريخ الثقافة العربية / الإسلامية ، وصفناها بأنها : قرون الشروح والحواشى (فى مقابل أزمنة التأليف والإبداع العلمى فى القرون الأولى) .. أم ترانا وجدنا القرون الأخيرة مليئة بالشروح والحواشى ، فوصفناها بقرون التخلُّف !
http://www.manuscriptcenter.org/commentary/images/manu.jpg
والمسألة برمتها تحتاج لإعادة نظر ، إعادة نظر من زاوية لاترى فى (الشرح) بالضرورة نصاً هامشياً ثانوياً ، ولاترى بالضرورة أن كل كتابة (تالية) هى متأخرة من حيث المرتبة عن الكتابة الأسبق . وإلا ، فلطالما صادفتنا شروحٌ لاتقل أهمية عن متونها ! من ذلك شروح العلامة نصير الدين الطوسى على المتون الرياضية والفلكية التى دونها علماء اليونان وعلماء الإسكندرية ، وهى شروح جعلها الطوسى بعنوان (التحريرات) فترك لنا : تحرير المجسطى لبطليموس ، تحرير أصول الهندسة لأقليدس ، تحرير كتاب الكرة والأسطوانة لأرشميدس ، تحرير كتاب الأكر لمنالاوس ، تحرير كتاب الأشكال البسيطة والكرية لبنى موسى بن شاكر .. ومع مثل هذه الشروح أو التحريرات التى وضع منها الطوسى أربعة عشر تحريراً ، لايجوز النظر إلى نصير الدين الطوسى باعتباره كاتباً ثانوياً، فقد كان الرجل يعيد بناء العلم القديم بكامله، ويسعى لتحريره من أخطاء يرى أن سابقيه وقعوا فيها ، وهنا يصير نصه (الشارح) فى أهمية (المتن) المشروح، وربما يتجاوزه فى بعض المواضع أهميةً .
وعلى النحو السابق ، ننظر إلى الشروح التى دوَّنها الأطباء العرب ، خلال ألف عام من تاريخ الحضارة العربية / الإسلامية ، على مؤلفات أبقراط وجالينوس .. فنرى فى تلك الشروح (مرايا) تنعكس على صفحتها طبيعةُ المعرفة الطبية فى عصر هذا الشارح أو ذاك، الذى هو بالضرورة : قامة طبية عالية فى زمانه . ومن خلال هذه الشروح ، يمكن التأريخ لتطور علم الطب فى تراثنا العربى .
المخطوطة الشارحة ، إذن ، ليست نصاً ثانوياً لكاتب من الدرجة الثانية . هذا من حيث المضمون، ومن حيث الشكل أو ما يسمى (الوعاء) فللمخطوطة الشارحة خصوصية وأهمية بحسب نوع الشرح .. فهناك الشرح الممزوج ، والشرح بطريقة (قال ، أقول) الذى يمكن منه استخراج المتن فى حالة ضياعه ، والشرح المجمل لمراد المؤلِّف الأول. ومن أشكال الشروح فيما نرى : التفاسير وكتب الغريب (غريب القرآن، غريب الحديث) والشروح النمطية للأشعار والقصائد المشهورة ، والشروح غير النمطية كعمليات التلثيث والتخميس والتسبيع للأبيات .. بالإضافة إلى عديد من أنماط المخطوطات الشارحة التى ستلقى بحوث المؤتمر عليها مزيداً من الضوء .
محاورُ المؤتمر
تتوزع محاور المؤتمر على الأنحاء التالية المتعلقة بفحوى مصطلح المخطوطات الشارحة ودلالاته العامة ، وبطبيعة (الشروح) فى تراثنا ، وبأشكال المخطوطة الشارحة .. فمن ذلك :
أولاً :
طبيعة العلاقة بين النصوص التراثية ومراتبها الموصوفة بألفاظ : المتن، الشرح، الحاشية ، التعليق .. باعتبار ذلك نظاماً للتأليف أو التدريس أو إعادة الصياغة أو تطوير المباحث الفرعية الواردة فى النص . وبحث المفاهيم المتعلقة بالشرح، كالتفسير والتأويل والاستدراك . للنظر فى المسافة الممتدة بين : شرح تشريح القانون لابن النفيس، وتشريح الأفلاك للعاملى ! أو بين : تفسير الجلالين ، وكتاب التفسرة (مثلاً) .
ثانياً :
بحث أثر المخطوطات الشارحة فى الامتداد المعرفى عبر قرون الحضارة الإسلامية، بإبقاء النص حياً عبر عمليات الشرح بمستوياته المختلفة وبأغراضه المتنوعة . ودلالة انتشار الأنماط المختلفة للنص الشارح ، فى فترة زمنية معينة وفى علوم تراثية بعينها. كما هو الحال فى انتشار شروح فصول أبقراط فى القرنين السابع والثامن الهجريين (مثلاً).
ثالثاً :
المخطوطات الشارحة باعتبارها وعاءً معرفياً ذا قالب خاص (من حيث الشكل) قد ينساب فيه الشرح متحلِّقاً حول النص المشروح ، وقد يستقل الشرح بلون من الحبر يختلف عن لون الحبر المكتوب به النص المشروح . وطريقة إدراج الحواشى والطيارات فى المخطوطات العربية ، والحالات التى يستقل فيها النص الشارح فى مخطوطة مستقلة قد تبلغ عدة مجلدات، كما هو الحال فى حاشية ابن عابدين مثلاً .
رابعاً :
دراسة الأشكال غير النمطية للمخطوطة الشارحة ، وتنوع المداخل الشارحة للنص .. ومنها : إدماج مجموعة شروح معاً لاستخراج شرح موحد ، إدراج بعض الفقرات الشارحة فى دوائر تحلِّى الفراغ المحيط بالنص المشروح ، إضافة جزء متعلِّق بالنص فى أسفل الصفحات كما هو الحال فى المغنى عن حمل الأسفار فى تخريج مافى الإحياء من الأخبار ، للعراقى مثلاً .
خامساً :
استعراض واستكشاف لبعض نماذج المخطوطات الشارحة بدءاً من هذه التى تقع فى مجلدات كبار ، أو تلك التى وردت فى مخطوطة بعينها على هيئة طيارات لانجدها فى مخطوطة أخرى من مخطوطات الكتاب .. ومقارنة المخطوطات الشارحة فى الثقافة العربية بالنص الشارح فى ثقافات أخرى ، قديمة ومعاصرة ، لبحث الصلات العميقة الكائنة بين تجليات العقلية الشارحة فى الثقافات المختلفة ، ومن ذلك: التفسير عند المسلمين والهرمنيوطيقا فى التراث الأوروبى .. التأويل الرمزى لأسفار العهد القديم وحساب الـجُمَّل عند المسلمين .. استخدام ألفاظ شارحة من لغات أخرى ، خاصة فى مجالات العلوم الطبيعية . وغير ذلك عديد من الأمثلة .
.. وغنىٌّ عن البيان، أن المؤتمر يسعى للإطلال على هذا العالم الغنى ، المخطوطات الشارحة ، لاستكشاف موقعه فى المنظومة التراثية العربية ، التى امتدت عناصرها فى حالةٍ تساندية متفاعلة ، خلال القرون المديدة من عمر الثقافة العربية / الإسلامية ، هذه الثقافة الكتابية المدوِّنة .
المصدر
http://www.manuscriptcenter.org/commentary/Arabic/about.asp
(تعريف المصطلح ، محاور المؤتمر)
يأتى مؤتمرنا المزمع عقده أوائل العام القادم ، تحت عنوان (المخطوطات الشارحة) امتداداً للمؤتمرات الدولية التى نظمها مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ، بغية الكشف عن الجوانب المجهولة والمنسية والمهملة فى التراث العربى . ليمثل مؤتمر (المخطوطات الشارحة) خطوة جديدة على الدرب الذى انتهجناه وعقدنا فى ثناياه مؤتمرىْ : المخطوطات الألفية (سبتمبر 2004) المخطوطات الموقعة (أبريل 2005) فكشفا –كلاهما- جانبين هامين ومهمين ، من جوانب تراثنا المخطوط الموزَّع على أرجاء العالم .. أو بالأحرى : المنـزوى فى الخزانات الخطية فى العالم. وكما حرصنا فى المؤتمرين السابقين على إقامة (معرض) لهذه المخطوطات : الألفية والموقعة، بغية استحضار هذه المخطوطات وتلك ، أمام أعين أهل الزمان ، فى محاولة لعبور الهوة الفاصلة بين ثقافتنا المعاصرة وجذورها التراثية . فلسوف نفعل ذلك ، أيضاً فى مؤتمرنا القادم الذى يطرح –كسابقيه- مفهوماً تراثياً جديداً ، وتطرح محاوره مداخل غير نمطية للبحث التراثى ، مداخل تنـزع إلى الارتقاء بالتراث من عمليات النص (الفهرسة ، التحقيق ، الدرس المتخصص) إلى عمليات الخطاب (الاستكشاف ، الفهم ، المثاقفة) وهو ما نطمح أن يضيف مؤتمر المخطوطات الشارحة إليه بعداً جديداً .. فلننظر أولاً فى طبيعة هذا المصطلح الذى نطرحه، ثم نعقبه بإلماحات إلى المداخل والمحاور التى يمكن من خلالها التوغُّل فى أفق هذا المصطلح، عبر فعاليات المؤتمر : المعرض ، البحوث المشاركة ، المناقشات المستفيضة للموضوعات المتعلقة بالمخطوطة الشارحة .
مفهوم المخطوطة الشارحة
يعتقد كثيرون أن (الشرح) بعامة ، يقل أهميةً ومرتبةً عن (المتن) المشروح.. فهو فى اعتقادهم ، كتابةٌ من الدرجة الثانية ، كتابةٌ هامشية ! ومن هذه الزاوية ، تكون (الحواشى) التى توضع على الشروح ، كتابة من الدرجة الثالثة ، أو هى : هوامش الهامش .. ومن ثم ، فالمؤلِّف الذى وضع (المتن) هو الرائد ، وهو الجدير بالاعتبار ؛ أما الذى يضع على المتن أعمالاً ، فهو لايستحق عندنا وصف (المؤلف) وإنما ندعوه (الشارح) وفى الدرجة الثالثة – أعنى الحاشية – نسميه فى المصطلح التراثى (المحشِّى) فإن كتب كاتبٌ على الحاشية كتابة رابعة على هيئة تعليقات أو تعقيبات، فهو (المعقِّب) .. ولاننسى هنا أن كتابة التعليق أو التعقيب أو الاستدراك ، تتلوها أحياناً كتابةٌ خامسة من حيث المرتبة وتسلسل الأهمية ، هى كتابة (الطيارات) التى تصادفنا على هيئة أوراق صغيرة بين صفحات المخطوطات ، وغالباً ما تكون مكتوبة بقلم دقيق وبأسلوب موجز ، ولاتزيد فى معظم الأحوال عن فقرة واحدة ، وهو ما يسمح بوضعها بين أوراق المخطوطة ، سواءً منفصلة ، أو مجلدة مع المخطوطة إن أُعيد تجليدها بعد تدوين هذه الطيارات المحتوية على ملاحظات تفصيلية تخص موضعاً بعينه من المخطوطة .
لدينا إذن خمس مراتب للكتابة : المؤلف (المتن) الشارح (الشرح ، التفسير، التحرير) المحشِّى (الحاشية ، شرح الشرح) المعقِّب (التعليق ، التعقيب، الاستدراك) مدوِّن الملاحظات (الطيارات) .. وقد ساد الاعتقاد ، كما أسلفنا ، أن المؤلَّف رائدٌ والآخرين تابعون له . ومن هنا ، نرانا إذا أردنا التقليل من شأن القرون الأخيرة من تاريخ الثقافة العربية / الإسلامية ، وصفناها بأنها : قرون الشروح والحواشى (فى مقابل أزمنة التأليف والإبداع العلمى فى القرون الأولى) .. أم ترانا وجدنا القرون الأخيرة مليئة بالشروح والحواشى ، فوصفناها بقرون التخلُّف !
http://www.manuscriptcenter.org/commentary/images/manu.jpg
والمسألة برمتها تحتاج لإعادة نظر ، إعادة نظر من زاوية لاترى فى (الشرح) بالضرورة نصاً هامشياً ثانوياً ، ولاترى بالضرورة أن كل كتابة (تالية) هى متأخرة من حيث المرتبة عن الكتابة الأسبق . وإلا ، فلطالما صادفتنا شروحٌ لاتقل أهمية عن متونها ! من ذلك شروح العلامة نصير الدين الطوسى على المتون الرياضية والفلكية التى دونها علماء اليونان وعلماء الإسكندرية ، وهى شروح جعلها الطوسى بعنوان (التحريرات) فترك لنا : تحرير المجسطى لبطليموس ، تحرير أصول الهندسة لأقليدس ، تحرير كتاب الكرة والأسطوانة لأرشميدس ، تحرير كتاب الأكر لمنالاوس ، تحرير كتاب الأشكال البسيطة والكرية لبنى موسى بن شاكر .. ومع مثل هذه الشروح أو التحريرات التى وضع منها الطوسى أربعة عشر تحريراً ، لايجوز النظر إلى نصير الدين الطوسى باعتباره كاتباً ثانوياً، فقد كان الرجل يعيد بناء العلم القديم بكامله، ويسعى لتحريره من أخطاء يرى أن سابقيه وقعوا فيها ، وهنا يصير نصه (الشارح) فى أهمية (المتن) المشروح، وربما يتجاوزه فى بعض المواضع أهميةً .
وعلى النحو السابق ، ننظر إلى الشروح التى دوَّنها الأطباء العرب ، خلال ألف عام من تاريخ الحضارة العربية / الإسلامية ، على مؤلفات أبقراط وجالينوس .. فنرى فى تلك الشروح (مرايا) تنعكس على صفحتها طبيعةُ المعرفة الطبية فى عصر هذا الشارح أو ذاك، الذى هو بالضرورة : قامة طبية عالية فى زمانه . ومن خلال هذه الشروح ، يمكن التأريخ لتطور علم الطب فى تراثنا العربى .
المخطوطة الشارحة ، إذن ، ليست نصاً ثانوياً لكاتب من الدرجة الثانية . هذا من حيث المضمون، ومن حيث الشكل أو ما يسمى (الوعاء) فللمخطوطة الشارحة خصوصية وأهمية بحسب نوع الشرح .. فهناك الشرح الممزوج ، والشرح بطريقة (قال ، أقول) الذى يمكن منه استخراج المتن فى حالة ضياعه ، والشرح المجمل لمراد المؤلِّف الأول. ومن أشكال الشروح فيما نرى : التفاسير وكتب الغريب (غريب القرآن، غريب الحديث) والشروح النمطية للأشعار والقصائد المشهورة ، والشروح غير النمطية كعمليات التلثيث والتخميس والتسبيع للأبيات .. بالإضافة إلى عديد من أنماط المخطوطات الشارحة التى ستلقى بحوث المؤتمر عليها مزيداً من الضوء .
محاورُ المؤتمر
تتوزع محاور المؤتمر على الأنحاء التالية المتعلقة بفحوى مصطلح المخطوطات الشارحة ودلالاته العامة ، وبطبيعة (الشروح) فى تراثنا ، وبأشكال المخطوطة الشارحة .. فمن ذلك :
أولاً :
طبيعة العلاقة بين النصوص التراثية ومراتبها الموصوفة بألفاظ : المتن، الشرح، الحاشية ، التعليق .. باعتبار ذلك نظاماً للتأليف أو التدريس أو إعادة الصياغة أو تطوير المباحث الفرعية الواردة فى النص . وبحث المفاهيم المتعلقة بالشرح، كالتفسير والتأويل والاستدراك . للنظر فى المسافة الممتدة بين : شرح تشريح القانون لابن النفيس، وتشريح الأفلاك للعاملى ! أو بين : تفسير الجلالين ، وكتاب التفسرة (مثلاً) .
ثانياً :
بحث أثر المخطوطات الشارحة فى الامتداد المعرفى عبر قرون الحضارة الإسلامية، بإبقاء النص حياً عبر عمليات الشرح بمستوياته المختلفة وبأغراضه المتنوعة . ودلالة انتشار الأنماط المختلفة للنص الشارح ، فى فترة زمنية معينة وفى علوم تراثية بعينها. كما هو الحال فى انتشار شروح فصول أبقراط فى القرنين السابع والثامن الهجريين (مثلاً).
ثالثاً :
المخطوطات الشارحة باعتبارها وعاءً معرفياً ذا قالب خاص (من حيث الشكل) قد ينساب فيه الشرح متحلِّقاً حول النص المشروح ، وقد يستقل الشرح بلون من الحبر يختلف عن لون الحبر المكتوب به النص المشروح . وطريقة إدراج الحواشى والطيارات فى المخطوطات العربية ، والحالات التى يستقل فيها النص الشارح فى مخطوطة مستقلة قد تبلغ عدة مجلدات، كما هو الحال فى حاشية ابن عابدين مثلاً .
رابعاً :
دراسة الأشكال غير النمطية للمخطوطة الشارحة ، وتنوع المداخل الشارحة للنص .. ومنها : إدماج مجموعة شروح معاً لاستخراج شرح موحد ، إدراج بعض الفقرات الشارحة فى دوائر تحلِّى الفراغ المحيط بالنص المشروح ، إضافة جزء متعلِّق بالنص فى أسفل الصفحات كما هو الحال فى المغنى عن حمل الأسفار فى تخريج مافى الإحياء من الأخبار ، للعراقى مثلاً .
خامساً :
استعراض واستكشاف لبعض نماذج المخطوطات الشارحة بدءاً من هذه التى تقع فى مجلدات كبار ، أو تلك التى وردت فى مخطوطة بعينها على هيئة طيارات لانجدها فى مخطوطة أخرى من مخطوطات الكتاب .. ومقارنة المخطوطات الشارحة فى الثقافة العربية بالنص الشارح فى ثقافات أخرى ، قديمة ومعاصرة ، لبحث الصلات العميقة الكائنة بين تجليات العقلية الشارحة فى الثقافات المختلفة ، ومن ذلك: التفسير عند المسلمين والهرمنيوطيقا فى التراث الأوروبى .. التأويل الرمزى لأسفار العهد القديم وحساب الـجُمَّل عند المسلمين .. استخدام ألفاظ شارحة من لغات أخرى ، خاصة فى مجالات العلوم الطبيعية . وغير ذلك عديد من الأمثلة .
.. وغنىٌّ عن البيان، أن المؤتمر يسعى للإطلال على هذا العالم الغنى ، المخطوطات الشارحة ، لاستكشاف موقعه فى المنظومة التراثية العربية ، التى امتدت عناصرها فى حالةٍ تساندية متفاعلة ، خلال القرون المديدة من عمر الثقافة العربية / الإسلامية ، هذه الثقافة الكتابية المدوِّنة .
المصدر
http://www.manuscriptcenter.org/commentary/Arabic/about.asp