المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محيط العمل داخل المكتبات: شروطه ومتطلباته


د.محمود قطر
Mar-12-2007, 09:18 AM
محيـط العمـل داخل المكتبات : شروطه ومتطلباته
طاشور محمد
قسم علم المكتبات، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
جامعة منتوري، قسنطينة

مستخلص
للبيئة الداخلية لأي مبنى دور كبير في إقبال الناس على ارتياده وقضاء وقت كبير فيه. لذا فإن ثراء المكتبة بموارد المعلومات وكفاءة العاملين فيها لا يغنيان عن توفير بيئة جيدة تجعلها مكانا مريحا لمرتاديها. هناك عدد من المكونات التي تشكل مجمل البيئة الداخلية للمكتبة, وينبغي أن تبذل الجهود لجعلها تعمل متظافرة على تحقيق ذلك. ومن أهم هذه المكونات الإضاءة ـ طبيعية كانت أو اصطناعية ـ والتهوية والتدفئة والتبريد والرطوبة, والحد من الضوضاء .

تتطلب عملية القراءة والتركيز توفير مجموعة من العناصر الأساسـية والتحكم فيها وذلك لتشجيع القارئ على البقاء داخل المكتبة أطول مدة ممكنة، ولتوفير الظروف المناسبة للموظفين للقيام بمهامهم على أحسن وجه. وتزداد هذه العملية تعقيدا لما تقتضيه من توازن بين عدة عناصر: نوعية الإضاءة وشدتها (1)، التهوية وتكييف الهواء (2)، درجة الهدوء والتحكم في الضوضاء (3) ويتطلب كل هذا من المهندس المعماري، مهارة وحنكة وتعاونا للنجاح في اختيار واستعمال ما يناسب الرواد والموظفين والمجموعات معا.
نوعية الإضاءة وشدتها
الإضاءة من أهم عناصر البيئة الداخلية للمكتبات. لأن أغلب النشاطات التي تجري في المكتبات لها علاقة مباشرة بحاسة البصر. ولن تكون هذه البيئة ملائمة مهما بلغ حسن تخطيطها أو جودة أثاثها ما لم تكن إضاءتها جيدة وكافية ومستقرة. فالإضاءة غير المستقرة تسبب هدرا في مساحة المكتبة, إذ سيتكتل المستفيدون في المكان الذي يرون أنه مستقر الإضاءة ويتركون غيره(1).
ويشكل تصميم نظام إضاءة فعال في المكتبة مشكلة فريدة إذا قورنت بإضاءة غيرها من مباني المكتبة ـ التي يتطلب كل منها مستوى كيفيا وكميا من الإضاءة يختلف عن غيره ـ من الصعوبة بمكان استخدام نمط موحد من الإضاءة. ولم يتم إدماج عنصر الإضاءة في مجمل تصميم مباني المكتبات على نحو متسق إلا مؤخرا، نتيجة لما حصل من تطور في مجال تقنية الإضاءة(2).
ومع ما حدث من تغير في أنماط إضاءة المكتبات وزيادة كثافتها بنسبة كبيرة, فإن إسهام الإضاءة في تكوين جو مريح للقراء في المكتبات لا يزال محدودا. وربما يعود السبب في هذا إلى التغير الكبير الذي طرأ على أشكال مباني المكتبات والمتمثل في التوسع الأفقي والرأسي الكبيرين دون أن يواكب هذا توسع مماثل في الاستفادة من الضوء الطبيعي. وبدلا من ذلك عمد كثير من مصممي مباني المكتبات إلى تكثيف الإضاءة الاصطناعية رغما عن ارتفاع تكلفتها وعدم كونها بديلا صحيا للإضاءة الطبيعية.

بالرغم من أهمية الإضاءة في مباني المكتبات والتفات المهتمين بموضوع مباني المكتبات إلى ذلك, فإن هذا الأمر يبدو أنه لم يستقر في أذهان كثير من مصممي مباني المكتبات. ويشهد بذلك الاختلاف الكبير في أنماط الإضاءة المستخدمة في المباني ومقاديرها. لقد كان مستوى الإضاءة متدنيا إلى حد كبير في مباني المكتبات، وبعد التغير الذي طرأ على نظم التعليم وزيادة الإنتاج الفكري وما صاحب ذلك من زيادة كبيرة في أعداد المترددين على المكتبات حدث تطور كبير في إضاءة المكتبات, واستمر مستوى الإضاءة في الزيادة في الولايات المتحدة, مثلا, حتى حدوث أزمة الطاقة في السبعينات من القرن الماضي، حين بدأ المصممون في خفضها إلى مستوى أدنى بكثير من ذي قبل. واستبدلت المكتبات أنظمة أكثر تعقيدا وأكثر إنتاجا للطاقة بالمصابيح العادية, فحلت المصابيح المشعة fluorescent محل المصابيح المتوهجة incandescent (3).

وقد أخذت بعض المكتبات بمبدأ استخدام أكثر من نمط واحد للإضاءة, وذلك تبعا لما يتم في وحداتها من نشاطات. فجعلت المصابيح عالية التوهج في بعض المناطق, والمصابيح المشعة في مناطق أخرى والمصابيح عالية التوهج في المناطق عالية الأسقف. كما توسعت في استعمال الإضاءة الموضعية وأنظمة الإضاءة المؤقتة.

تعتبر الإضاءة أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على المحيط بصفة عامة واستعمالاتها في المكتبة بصفة خاصة. ويتطلب حسن التحكم فيها عبر الزمان والمكان، مع حسن استعمال مصادرها الطبيعية والاصطناعية، سواء كان الاستعمال متزامنا أو منفردا أمرا ضروريا. وقد أصبحت مشكلة الإضاءة من القضايا التي تشغل بال المهندسين والمكتبيين والرواد معا. هذا وكان الاعتقاد السائد أن الإضاءة القوية هي الأمثل، لكن الأمر تغير مع مرور الزمن، إذ تبين أن الإضاءة الطبيعية هي الأفضل والأحسن، بالنسبة للمكتبات، كما يعتبرها البعض أحد المكونات الأساسية في الهندسة المعمارية. وبالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة يحاول المهندسون التحكم في الجزء المضر من أشعة الشمس واستعمال الحرارة المنبثقة عنها(4).

إن انعكاس الإنارة الشديدة على الصفحات البيضاء أو حتى الطاولات، يؤثر سلبا على راحة الرواد، وخاصة عيونهم وتسبب الإبهار. أما الضوء القليل فلا يساعد على الرؤيا الصحيحة ويتعب العيون، خاصة وأن وظيفة النظر الأساسية في المكتبات تتجلى في قراءة الكتب المطبوعة قبل أي شكل آخر من الأشكال الأقل أهمية(5). بالإضافة إلى هذا فإن الإضاءة الطبيعية تؤثر سلبا على المجموعات وبخاصة تلك الموضوعة رهن التناول المباشر. ولتفادي ذلك يستحسن أن توضع رفوفها وخزائنها بعيدا عن مجال الإضاءة الطبيعية، كوسط قاعات المطالعة، وتستعمل الإضاءة الاصطناعية لإبراز هذه المجموعات وتسهيل استعمالها من طرف الرواد، كما تتطلب قراءة الرموز والأرقام المكتوبة على أكعاب الكتب، أنظمة إضاءة خاصة لجعل الإضاءة واحدة من أعلى إلى أسفل. أما شروط الإضاءة في قاعات المكاتب والسلالم و الممرات فهي لا تختلف عن شروطها في المباني الأخرى.

مما سبق، يتضح أن عملية توفير الإضاءة المناسبة لقاعات المطالعة والعمل، تتوقف على حسن استعمال الإضاءة الطبيعية والاصطناعية، استعمالا متزامنا، أو كل واحدة بمفردها وذلك وفق ما تقتضيه الحاجة، ولذا فإنه ليس من السهل توفير الإضاءة المناسبة، التي تريح نظر القارئ والموظف وحماية المجموعات من الأشعة التي تؤثر سلبا عليها. إن مستويات العمل داخل المكتبة من حيث المبدأ هي أفقية (طاولات العمل)، ولكنها عمودية أيضا (أرقام وعناوين الكتب فوق الرفوف، مختلف أنواع الشاشات...الخ)، هذا بالإضافة إلى الأشكال المختلفة للأوعية الفكرية: الكتب، صور الفيديو والمعلومات الإلكترونية المقروءة عن طريق الشاشة(6).
الإضاءة الطبيعية
تعتبر الإضاءة الطبيعية، الوحدة المعيارية التي تقاس بدلالتها الأنواع الأخرى للإضاءة باختلاف مصادرها. وبالنظر لارتياح الرواد لها، تلجأ المكتبات إلى استعمال الواجهات الزجاجية التي تسمح بمرور الإضاءة الطبيعية داخل مكاتب الموظفين أو فضاءات المطالعة بالنظر لما تتركه من أثر إيجابي على نفسية الرواد والموظفين، ومع هذا فإنها تؤثر سلبا على أعينهم. كما تترك الإضاءة الطبيعية آثارا سلبية على المجموعات، ولذا تلجأ المكتبات التي تتوفر على الواجهات الزجاجية، إلى إبعادها قدر المستطاع عن أشعة الشمس، وقد تستعمل عدة وسائل لتفادي هذه التأثيرات السلبية، وذلك بوضع خزائن الكتب في عمق القاعات، بحيث تكون موازية للضوء، وفي هذا الصدد هناك قـاعدة تقول:" أن ضوء النهار يمكن الإفادة منه داخل القاعات، ضمن مساحتين تعادل مرتين ونصف ارتفاع النوافذ، إنطلاقا منها إلى الداخل" (7).

وقد استعملت عدة وسائل للتحكم في ضوء النهار وتفادي مساوئه؛ كاستقبال الإضاءة الطبيعية وتوزيعها بشكل مباشر أو غير مباشر، مع تفادي تأثير الحرارة الناجمة عنها والإبهار الذي تسببه، والأشعة المنبثقة عنها، والتي تعتبر مصدر أذى للمجموعات. كما أن اعتماد الواجهات الزجاجية تعتبر وسائل مكلفة، وتتطلب صيانة خاصة. أما المخازن، فينصح بعدم تعريضها للإضاءة الطبيعية، لأنها لا توفر الظروف المناسبة للمحافظة على الوثائق، وذلك بسبب الأشعة تحت الحمراء التي تتسبب في ارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى الأشعة فوق البنفسجية، التي تساعد على بداية التفاعلات الكيميائية وتنشيطها (8)، وتعويضها بالإضاءة الاصطناعية لإمكانية التحكم فيها. كما أن مصابيح النيون تعطي إضاءة خافتة تكون قريبة من الإضاءة الطبيعية.

وللحماية من التأثيرات السلبية للإضاءة الطبيعية، فإن المكتبات تستعمل عدة وسائل كالألواح الزجاجية، التي تمنع الإبهار والتوهج وتمتص الأشعة فوق البنفسجية وتعكس الأشعة تحت الحمراء (9)، وقد تستعمل الستائر الخارجية التي توضع فوق النوافذ لمنع دخول أشعة الشمس القوية، هذا بالإضافة إلى الستائر الملفوفة والستائر الداخلية العادية.

ومن هنا تأتي ضرورة دراسة أبعاد النوافذ ومكان تواجدها، لتفادي سلبيات الإضاءة الطبيعية، والتي يكون مصدرها عادة النوافذ الجانبية. وقد تكون الإضاءة عمودية، إذا دعت الحاجة إلى إضاءة وسط البناية. وتكون الإضاءة الطبيعية كافية، إذا كانت مساحة النوافذ تمثل سدس (1/6) المساحة المراد إضاءتها، وتقل فعاليتها كلما ابتعدنا من الواجهة إلى وسط القاعات وتصبح غير كافية إذا تعدى البعد 6 أو 8 أمتار(10)، وهو البعد الذي يجب البحث ابتداء منه عن مصادر أخرى للإضاءة، للتغلب على ظلال خزائن ورفوف الكتب الناجمة عن الإضاءات الجانبية، والنوافذ والواجهات ليست مصدر إضاءة فحسب، لأنها و إنطلاقا من المناظر التي توفرها، تعتبر عنصرا من العناصر الجمالية، ومصدر توازن، فكل واحد منا يسره النظر عبر النوافذ ومتابعة اختلافات أوقات النهار وتتابع الفصول، وفي هذا الصدد يمكن القول بأن "ضوء النهار هو من أجل القراء، وليس من أجل القراءة " (11).
ومن العوامل التي توضع في الحسبان للتغلب على محدودية الإضاءة الطبيعية ما يأتي:(12)
- إحداث فتحات كثيرة وضيقة في الجدران الخارجية بدلا من فتحات قليلة وواسعة.
- تنسيق ألوان جميع مسطحات المناطق الداخلية.
- تجنب تعريض المناطق النشطة لأشعة الشمس مدة طويلة, وذلك لصعوبة التحكم فيها، ولما للأشعة فوق البنفسجية من أثر ضار على الورق والتجليد.
- تجنب سقوط أشعة الشمس مباشرة إلى داخل المبنى, إما بعدم تعريض النوافذ إلى أشعة الشمس مباشرة, أو بالاستفادة من مكونات المبنى لنشر هذه الأشعة قبل دخولها إلى المبنى, أو باستخدام النوافذ المائلة.
- جعل مداخل الإضاءة عالية في الجدران الخارجية أو جعلها في السقف مع استخدام زجاج يشتت الأشعة أو تصميم النوافذ, بحيث لا يتجه الضوء منها مباشرة إلى داخل المبنى.
- عدم التوسع في حجم النوافذ ما لم تكن مواجهة للشرق في المناطق المعتدلة.
الإضاءة الاصطناعية
لا تمثل الإضاءة الاصطناعية أي خطر لإمكانية قياسها والتحكم فيها، قصد تعديلها بالزيادة أو النقصان، وقد تغيرت قوة الإضاءة المعتمدة في المكتبات عبر الزمن، ففي سنة 1958 اقترح جون بلوتون Jean Bletonأن تتـراوح قوة الإضاءة ما بين 30 لوكس إلى 250 لوكس وهذا حسب طبيعة المصالح والفضاءات المراد إضاءتها. أما المصلحة المركزية للتنظيم والمناهج، التابعة لمديرية الميزانية لوزارة الاقتصاد والميزانية في فرنسا، نصحت عام 1977 بجعل الإضاءة تتراوح ما بين 150 لوكس إلى 1000 لوكس أو حتى 1500 لوكس (13). وتتعلق هذه الزيادات أساسا بالبنايات التي لا يمكن الاستغناء فيها عن الإضاءة الاصطناعية حتى في منتصف النهار، وهي المباني العريضة جدا والتي يكون مركزها بعيدا جدا عن الواجهات الزجاجية، وكذا المباني التي تضطر إلى الإقلال من عدد النوافذ بسبب تواجدها في منطقة ملوثة أو تكثر بها الضوضاء.
ويمكن الحصول على الإضاءة الاصطناعية من مصدرين هما: المصابيح العادية ومصابيح النيون، ولكليهما مزايا وعيوبا...

للإطلاع على النص الكامل للدراسة ، يرجى الضغط على الرابط المدرج في المصدر
المصدر
طاشور محمد. محيـط العمـل داخل المكتبات : شروطه ومتطلباته .- cybrarians journal .- ع 12 (مارس 2007) . - تاريخ الاتاحة 12/3/2007 . - متاح في : http://www.cybrarians.info/journal/no12/lib-envrn.htm (http://www.cybrarians.info/journal/no12/lib-envrn.htm)