عرض مشاركة واحدة
قديم Nov-10-2009, 09:42 AM   المشاركة622
المعلومات

HAMZA MALALLAH
مكتبي فعّال

HAMZA MALALLAH غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 69795
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: الكـــويت
المشاركات: 151
بمعدل : 0.03 يومياً


افتراضي

خذلته المصادرة وثقافة العزلة
معرض الكتاب.. احتفال يتيم بعالم يبتعد

كتب مهاب نصر:
أفراح الكتاب لدينا شحيحة، تماما مثلما هي شحيحة قدرتنا على التواصل مع العالم الذي يمثله وراء حدودنا، فمؤتمر الناشرين الذي عقد أخيرا في بيروت يشير إلى أن إسهام العرب في الاصدارات العالمية 1.1% وأن نسبة إسهام المواطن العربي في التأليف تبلغ عنوانا لكل 11950 عربيا، ولهذا تبرز معارض الكتب وكأنها حدث فوق العادة، تستثير فينا أمل التغيير، فوراء غابة العنواين المتراصة نوافذ لعوالم اخرى وحياة نجهلها تسير على خلاف مألوفنا، ومع هذا لا تدخر معارضنا صدمة الإحباط؛ فتقتنص الرقابة جزءا من بهجتها، ويسحب من رصيدها فقر المعروض وتخلف مادته، ويبدو معرض الكتاب في النهاية كأنه حدث رسمي أعد على عجل لتسديد حسابات.. فهل تتلاءم تجربة المعارض لدينا مع حصيلتها؟

قبل كل افتتاح معرض يقام مؤتمر صحفي ويدلي بعض الصحافيين بمقترحاتهم، فمتى نظر إلى هذه المقترحات بجدية؟ أين تضع معارضنا نفسها مقارنة بمثيلاتها في أنحاء العالم المتحضر وصالات معارضنا حافلة بكتب العفاريت والجان وثقافة الاستهلاك المحلي لمجتمعات مجروحة؟ هل تمثل الندوات التي يقدمها المعرض تعبيرا عن رؤية حقيقية؟ مع هذا يبقى المذاق اللاذع لاحتفاليته حافزا لذاكرة عدد من المثقفين استطلعنا تجربتهم معه ورؤيتهم بحرية أقرب إلى تداعي الأفكار.
حديقة الأصدقاء
يقول الشاعر السعودي زكي الصدير:
معرض الكتاب هو احتفاليتي الخاصة للقيا الأصدقاء والفرح معهم وبهم حول الكتاب الذي صرنا نفرح به بصورة أقل وهجا عن الوهج الذي كنا نشعر به سابقا قبل زمن الانترنت، ففي غياب المعلومة يصبح الكتاب ملكا متوجا على عرشه، لكن الأمر اختلف الآن كثيرا.
حين أحضر لمعرض لا أجدني رهنا في الاقتناء إذ أكتفي بالمراقبة البعيدة وأفرح لو اقتنيت كتابا في كل زيارة للمعرض أخرج من المبنى محتفيا به في علاقة شرعية تماما.
وفي حفلة التواقيع التي أحضرها وخاصة عندما تكون لأصدقاء، تراني أجوب المكان ملتقطا الصورة تلو الأخرى، المعرض يستحيل الى حديقة للقيا الأصدقاء، نحن في زمن يركض وعلينا أن نحافط على ألا نتجوف من الداخل، نحيل المعرض إلى ذكرى نعيد تفاصيلها سوية كل مرة نتبادل اسماء الكتب التي قد تكون سقطت من ذاكرة أحدنا وكثيرا ما نبتاع للكل فترى ناصر ابتاع ليوسف ومنال لليلى، معرض الكتاب حديقة لقلوب وعقول تركض بفرح.
دكاكين تبيع أوراقا
ويقول الناقد والصحافي علاء الجابر:
اذهب الى معارض الكتاب في اي مكان كان بحكم العادة التي تحولت مع مرور السنوات الى داء لا يمكنني الافلات من قبضته
في كل صباح اقول لنفسي كفى مالدي من الكتب التي فاض بها منزلي وامتلأت بها سيارتي واقسم ان هذا المعرض سيكون الاخير الذي اذهب اليه واقتني كتبا منه ولكنني في كل معرض/ مغناطيس احنث بقسمي وأجد سيارتي تقودني رغما عني الى المعرض لأخرج حاملا اسفاري على كتفي!
أما ما الذي ينقص معارضنا فكثير كثير. ينقصها ان تتحول الى رغبة وليس عادة، ينقصها ان تغير جلودها من دكاكين تبيع اوراقا مضمومة باغلفة زاهية الى اجنحة للنقاش والمتعة والحوار، ينقصها ان تتحول الى احتفالية حقيقية تحتفي بها الدولة كلها لا ان تنزوي في قاعات بائسة نائية لا يعلم بها الا قلة من الناس،
ينقصها الالتحام الحقيقي مع الناس وجذبهم بكل الطرق والوسائل الى القراءة والاطلاع وخلق علاقة فعلية مع الكتب تبدأ من سرير الطفل في سنواته الاولى مرورا بالروضة والمدرسة والجامعة واماكن العمل.
اضطرتني الظروف يوما ان ارقد في احد مستشفيات هولندا فوجدت لديهم عادة يومية تتمثل في مكتبة عامة تطوف صباح كل يوم على عربة بين اسرة المرضى لتعرض عليهم استعارة مجانية لعشرات الكتب الجديدة او تطلب منهم ان يحددوا الكتب التي يودون قراءتها في الغد ليحضرها لهم المشرف على عربة الكتب مجانا!
هكذا تخلق الدول المتقدمة العلاقة مع الكتاب وتحفز الاطفال منذ الصغر على القراءة بطرق احتاج لصفحات لأوردها.
اما نحن في الوطن العربي عموما فان حصة القراءة - ان وجدت - هي حصة غبية صممت لإراحة المدرس أو التغطية على مدرس غائب أو فسحة «ليرغي» بها الاطفال.
الاظرف من كل ذلك ان لجان الرقابة مازالت تستنزف من الدولة آلاف الدنانير لموظفين لا ضرورة لهم ولا نفع في ظل هذه الثورة الخارقة في عالم الاتصالات التي تفتح الابواب في كل صباح لعشرات المعلومات التي لا تستطيع اية رقابة ايقاف مدها مهما كانت عبقريتها؟!
الكتاب العربي لا يثير فضولي
أما الشاعرمحمد هشام المغربي فيرى {أن معارضنا تحتاج لاستقطاب الجمهور يجب أن تتضمن فعاليات توقيع كتب عالمية، عوضا عن دور النشر التي تتعامل مع الأمر بشكل تجاري بحت فيصبح الأمر «سوقا» أكثر منه تظاهرة ثقافية. حقيقة تقلصت رغبتي في حضور معرض الكتاب، فبعد أن كنت أرتاد أيامه كلها، وصلت إلى مرحلة أن يأتي ويذهب دون أن أدخل قاعاته. والأمر -صدقا- لا علاقة له بالرقابة أو كما أسميتها «المصادرات». بالنسبة لي لم يؤثر هذا علي كقارئ بتاتا ولم يحجّم أفق قراءتي أو يحد من خياراتي. ولكن قد يستفيد القارئ من معارض الكتب لاقتناء المراجع التي لا يصل إليها، أما الجديد من الإصدارات فعملية الشراء بالانترنت تكفلت بالأمر بامتياز. الكتب متوافرة ولكن وقت القراءة الواعية ما ينقصنا.أخيرا، أصبحت أميل لقراءة الكتب غير العربية، الانكَليزية تحديدا، وخصوصا ما يتعلق بالكمبيوتر ودراسة برمجياته ثم الأدب المكتوب بهذه اللغة، لذلك أصبح معرض الكتاب «العربي» لا يثير فضولي، لأن الكتاب عربيا لم يعد يعجبني مع الأسف. أما بخصوص حفلات التوقيع، فكل الموقعين من كتّاب الكويت، فالأمر لا يعدو أكثر من مساندتي لصديق}.
الصوت الغائب
تتناول الكاتبة فتحية الحداد غياب ثقافة المسموع:
في معرض الكتاب فراغ يثير أكثر من سؤال: هل تتوقف الثقافة عند القراءة؟ وهل أثّر ذلك في نوعية كتاباتنا التي تبحث في المؤلفات المكتوبة فتفصلنا عن الحياة اليومية؟ لماذا لا نهتم بالمسرح وبتجربة الاعلام المرئي والسمعي؟ لماذا لا نطالب الفرق المسرحية ومعهد الفنون المسرحية بتحمل مسؤوليتها الثقافية تجاه المجتمع، لتشغل بالتناوب مساحة من معرض الكتاب، يتعرف فيها الناس على تاريخ الفرقة ويقابلون أعضاءها ويشاهدون نماذج من أعمالها؟ لماذا لا تقوم وزارة الاعلام بتوفير مواد تسجيلية يشتريها جمهور المعرض فيعرف المذيعين القدامى، ومن ساهم في اعداد وتقديم برامج اذاعة الكويت فيستمع مثلا إلى برنامج «ساعة مع» الذي أعده عبدالعزيز السريع وقدمه صقر الرشود الذي أجرى مقابلة مع عوض دوخي وغيره من الفنانين؟ قبل فترة اقـتـنيت «سي دي» انتجته محطة بي بي سي البريطانية يغطي الفترة ما بين عام 1990 إلى 1999 عنوانه eyewitness، وفوجئت بسماع صوت الشيخ سعود ناصر الصباح، الذي تحدث أيام غزو الكويت عام 1990، فلماذا لا تقوم وزارة الاعلام عندنا بالأمر نفسه؟، في فرنسا تباع برامج اذاعية ومنها مقابلات مع جورج بومبيدو يتعرف فيها جيل اليوم على فكر هذا السياسي وتوجهاته الأدبية، فلماذا لا يكون معرض الكتاب فرصة ليتواصل الجمهور مع مكتبة التلفزيون والإذاعة ويكون في متناول الناس مختارات من البرامج ومن تسجيل لمقابلات أجريت مع شخصيات كويتية وعربية مثل الملحن رياض السنباطي؟.
هناك.. أعلى من الأرض قليلا
القاصة استبرق أحمد صاغت نصا كاملا عن معرض الكتاب كرحلة اكتشاف.:
تعليمات:
- غدا رحلة
تومض النظرات، تتسع الحركات السعيدة، تطير التعليقات.. نقفز..
-احضروا نقودا، سنذهب لمعرض الكتاب
الفرح يهدر، والضحكات في الذروة..
في الغد، نترك حقائبنا الثقيلة في الفصل، نتحسس نقودنا المدسوسة عميقا في جيوبنا، الجيوب الغائرة كتحذيرات الأهل، نسرع.. نمشي مشحونين بالخلاص..
نصعد الباص، وقع خطونا المعدني ضاج، نستقر على مقاعدنا الباردة، تفتح البوابة، تنطلق الرحلة، التحولات تمور في النفس، تفرغ أي حدث اليوم من الاعتيادية، تغمره بحلم المغامرة/المغادرة ..
في داخل أفواهنا الصامتة يتردد رجاء..»يارب نتأخر» بــ «: عطل، توهان عن الطريق، ازدحام مروري، مشاجرة ،ضياع قصير لطالبة.. أي عذر يجعل عودتنا متأخرة، يهرم فيها الوقت وتساقط أكبر عدد من الحصص، ونعفى من الدروس والواجبات.
في الطريق، كأنما لأول مرة، نكتشف الخارج، الحياة الفسيحة، تطل رؤوسنا الصغيرة من النوافذ الكبيرة، نطالع، الشوارع، البيوت، المشاهد..
نحن فقط، الممتلئين غبطة، نشهق للسكون، بينما لا نثير أي فضول في الأشياء.
تختلط بهجتنا للفرار المشروع، ذاهبين للمكان السحري، موطن الحكايا البراقة والقصص المضيئة.
يتباطأ مسير الحافلة، تخفت سرعة الصور، يعلو صوت المعلمة/الرقيب بالتعليمات للجميع والتحذيرات الشديدة للبعض الشقي.
يفتح الباب، لا نكترث لانزلاق وتكسّر أغلب التعليمات تحت أحذيتنا اللامعة، نهرع للنزول..
-اثنتان اثنتان، امسكي يد زميلتك.. طابور
يعاود صوت المعلمة الارتفاع، ضبطا وتقنينا للفوضى، مع الكثير من التسامح والتساهل.. محاذرة إطفاء السرور.
ندخل معرض الكتاب، نظراتنا تستدير في الجهات، مدوخين، ذاهلين برائحة الألوان، نبحث عن أجمل المغارات /المكتبات، ترتفع أيادينا الصغيرة، أكمامنا الواسعة تنزلق فيها العناوين، تصل للقلب، الساحر يستجيب، والمعلمة نادرا ماتتدخل بما نجد هواه في أنفسنا.
تنفد النقود، نريد الكثير ولا يفي الحال بالمزيد..
ونعود للحافلة/الباص، مدركين العودة لمملكة الضوابط الكئيبة، بينما الأكياس ممتلئة، ترفرف السعادة بالقلب، نحلق بارتفاع بسيط عن الأرض..
تدخلات
حاليا الذهاب للمعرض بمركباتنا الخاصة «خلاص..كبرنا»، مسرعين بلا انتباه للطريق، الصور تهرول ساحبة تفاصيلها، محفظتنا المحشوة بالنقود وبطاقات السحب الآلي، نفرح لانفرادنا بالرحلة، لا صوت لخبط الأقدام، لا طعم إلا لمعدن الأيام الصدئة بالانتظار السابق، تهترئ القدرة على الاستمتاع بالأشياء من حولنا وتتضاءل، لكن يبقى المعرض السنوي أعلاها وأسطعها متعة.
نصل، متذكرين بضعة عناوين، أعشاش الفائدة، لانريد تفريطا بثانية واحدة..
ندخل المكان الأروع، نجد الأشباه والأصدقاء، تتولد بداخلنا رغبة تستشري رويدا رويدا بحيازة كل الكتب التي أشاروا لأهميتها كنتاجات، وعن نصوص متوافرة أو عن عدد من الكتب كائنة في غيمة المجهول، نبحث، نعثر على بعضها ونتعثر بمزاجية رقيب وزارة الإعلام في المعرض، فهو أقل تسامحا وملاحقا النوايا، لايهمه نضجنا ووعينا الكافي و«خلاص..كبرنا» لايلتفت لها، لذا غالبا هو مثار سخرية وأحيانا نادرة نتعاطف معه لوقوعه في أرخبيل التصفيات والتدخلات السافرة، فالمعرض هو قضية القضايا وجالب الرزايا، بين أضلعه وأرففه عصيان وبهتان، والرقيب يمارس عمله بلا حرية وكموظف محدود الأفق وليس كمثقف عال سقف أفكاره، يده المغلولة تنظر لمرؤوسيه وضغوط تيارات سياسية حديّة الطرح، أما اسلوبه التفتيشي خلال المعرض فتلك قضية محزنة أخرى..
نمضي، نحدث أنفسنا بغبطة إزاء الأرفف المتخمة:
- هذه السنة مختلفة، قيل المصادرة طالت فقط 20 كتابا، بينما عام 2005 قيل انها 130 كتابا
لكن نفسك الأمّارة بالسوء تخبرك: الكتب الـ 20 الممنوعة هي الكتب التي شنقها الرقيب، لكن ما العدد الفعلي للكتب التي لم تعرض على الرقيب رعبا وإدراكا لمتاهات عقليته؟
تأتي الإجابة وتنهيدة ساخنة تحفر صدورنا، ويخفت تحليقنا..
عذابات
في البحث، التقصي، في تخطف الكتب، تتضخم الأكياس، إذ رغم كل شيء المعرض ليس مفرغا من الفائدة وإلا ل.مَ تأتي جموع القراء المحترفين والكتاب؟ المعرض هو أحد أفضل المعارض التي تباع بها الكتب رغم تذمر الناشرين وذلك باعترافهم..
نكمل طريقنا.. يبدأ حز الأكياس لاهبا في اليد، يزيده التعب تأكيدا، نظل ننتقي، نبحث، يصادفنا وجه، يجعلك أمام حقائق لا تمحوها الكتب ولا تفسر لك تصاريف الجشع بإنسان أكثر جوعا وتعبا وواقعا، أقل حلما، بات في السنوات الأخيرة كثير الظهور، وجوده في المعرض دليل على عدم وجود رقيب من نوع آخر على أحوال يومه، ظروف عيشه، غبن رب عمله، مضطرا يطبق تجاهنا قاعدة «كلما زادت الأكياس ..اتسع الإرهاق وجاء الرزق»، «عامل/حامل الأكياس» نراه عنوانا لسخرة متزايدة، تضرب مبادئنا، تشي بوجود نموذج مظلم وغير إنساني بالمجتمع يتجاسر على آخر، ولا من شيء يحرر رقبة وضع الآخر المزري، وعقد رقه، تشعر معه أن كل كتب العالم لا تكفي لمحو حقيقة اهتراء كوفيته المحيطة بوجهه النحيل، وملابسه المنسلة الأطراف، هو واقع ندبجه في النص أحيانا لكنه يظل أشد وجعا من الكلمة، أقسى من الخيال. تحفر صدرك تنهيدة أخرى.. نهبط.. ننصرف بالكتب مثقلين بالألم .
جريدة القبس الكويتية 10/11/2009












  رد مع اقتباس