عرض مشاركة واحدة
قديم Feb-10-2007, 01:24 PM   المشاركة1
المعلومات

د.محمود قطر
مستشار المنتدى للمكتبات والمعلومات
أستاذ مساعد بجامعة الطائف
 
الصورة الرمزية د.محمود قطر

د.محمود قطر غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 13450
تاريخ التسجيل: Oct 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 4,379
بمعدل : 0.64 يومياً


افتراضي فوضى المعلوماتية

يطمع مستخدمو "الويب" في الانعتاق من أية رقابة، ويتحرقون ليوم تتيسر فيه الخدمة عليها دون مقابل؛ لذا ستظل لعبة شد الحبل باقية بين الأنظمة والحكومات والشركات من جهة، والمستخدمين من جهة أخرى؛ فالأنظمة، ومِنْ ورائها الحكومات، لديها قائمة مسوغات للرقابة لا تقنع المستخدمين. والمستخدمون تحلِّق بهم أحلامهم بالخدمة المجانية، بعيدًا عن استنزاف الشركات لمواردهم.
وقد بشَّر موقع "نابستر" وبرنامجه، الذي يحمل نفس الاسم بأن تأكل الإنترنت قياصرتها، حينما سمح لمستخدمي "الإنترنت" أن يديروا أظهرهم لعمالقة الويب، وأن يصعِّروا خدودهم للخوادم التي لا بد أن يمروا بها عند طلب أي خدمة، والتي تخضع لعيون وآذان عديدة، ثم ما لبث أن تكالب عليه المضارون منه، وطاردوه قضائيًّا؛ حتى توقف عن العمل بأمر المحكمة.
و"نابستر" هو رائد استخدام مستخدم الإنترنت العادي لتقنية الند للند peer-to-peer ، وتختصر إلى p2p، ولب فكرتها السّماح للحاسبات أن تتصل مباشرةً على الإنترنت، دون الحاجة إلى خوادم مركزية، وهو ما يعني أن تتغير الطريقة التي يتعامل بها الناس مع الشبكة، والأهم أنه يعني سلب المؤسسات والحكومات قدرتها على مراقبة ما يتم في الفضاء المعلوماتي، أو التحكم فيه، أو الانتفاع منه ماديًّا.
ولما مات نموذج نابستر، شرع ثوريو الفضاء المعلوماتي، ومعهم الفوضويون، في البحث عن بديل، كان وراءه مجموعة من المبرمجين ذوي العقلية الثورية، ومنهم "إيان كلارك" مبتكر نظام تام - اللامركزية، الذي يُدعى freenet، ويعتمد على تقنية P2P، وتستحيل مراقبته، ويكون مستخدمه هو المجهول بعينه، فيما يعني فوضى معلوماتية أو cyber-anarchy لتصبح متاحة للجميع.
والمستقبل القريب يشي بأن ثوريي الفضاء المعلوماتي سوف يهجرون الويب لبديل عاطل من الرقابة تمامًا، أهم ما يميزه الفوضى، ثم ما يلبثون أن يمثلوا القاطرة التي تجر وراءها باقي المستخدمين؛ فقد يكون نموذج نابستر لتبادل الموسيقى بين جماهير الإنترنت مات ودُفن، بيد أن روحه ما زالت حية، وعندما يستقر غبار الزوبعة المثارة، فإن الذي سيذكره الناس أن نابستر بدأ فصلاً من فصول عهد جديد تتغير فيه الإنترنت، لا كما يروج له المضارون من تقنيته، بأنه كان بوابة القرصنة الموسيقية على الويب.
النذر تتجمع في الأفق
وتقنيًّا، لا تُعَدّ شبكات P2P جديدة؛ فالإنترنت نفسها بدأت بنفس التقنية؛ حيث كانت حاسبات الجامعات التي تشكل الخوادم الرئيسية للإنترنت تتبادل المعلومات على نفس الأرضية المتساوية، لكن لما بدأت الجماهير تنشد الوصول للمعلومات، بدأ مبدأ الندية يتلاشى بظهور شركات خاصة تعرض سرعات فائقة للوصول للمعلومات، التي تصدرت كلمة online معظم خدماتها. وألقت تلك الشركات الخاصة بنفسها في مسار تبادل المعلومات، وولدت بظهورها علاقة خادم - عميل على الإنترنت، والتي تمثل الحاسبات العملاقة لتلك الشركات الخادمَ، بينما كانت الحاسبات الشخصية المتواضعة للمستخدمين في المنازل هي العميل، وهي خدمة هرمية البناء؛ ممتازة وسريعة كلما اقتربنا من قمة الهرم، مضنية وبطيئة كلما التصق المستخدم العادي بالقاعدة.
ثم رجع نموذج نابستر بفكرة p2p؛ حيث منح مستخدمي الويب تبادل الموسيقى من جهاز مستخدم عادي، يجلس في منزله – مثلاً – لجهاز مستخدم آخر بتقنية P2P، وأعاد للوجود مبدأ المساواة. وبدلاً من أن يحصل المستخدم على قطعة موسيقية أو أغنية نظير مبلغ يدفعه للشركة التي تخزنها على حاسباتها ذات القدرات التخزينية العالية، أصبح من الممكن أن تتبادل الأقراص الصلبة على الحاسبات الشخصية المعلومات التي كان قوامها ملفات MP3 الصوتية، دون تدخُّل من موقع نابستر، سوى عرض ما لدى المستخدمين، الذين ناهز عددهم 70 مليونًا لقائمة تلك الملفات، يقوم من خلالها المستخدم بإنزال ما يريد على القرص الصلب لجهازه من القرص الصلب لجهاز مستخدم آخر مباشرة.
وبالطبع فَقَدَ عمالقة الويب الكثيرَ من العملاء والنقود معًا، وأثار نابستر حفيظة الشركات التي تربح الملايين نظير تقديم تلك الخدمات على الويب، فقاضتها شركات warner, sony, universal, BMG، واستمر الماراثون القضائي، إلى أن منعت محكمة أمريكية الموقع من تمكينه للمستخدمين بتبادل القطع الموسيقية والأغاني في فبراير 2001.
مات نموذج نابستر، غير أنه كان المُلهِم لغيره من النماذج التي تعتمد على تقنية P2P، ومنها نظام Gnutell، الذي أنتجته شركة Nullsoft، إحدى شركات America Online، والتي كانت بصدد الاندماج مع شركة Warner الضالعة في وفاة نابستر. ولإتمام صفقة الإندماج، وتحت ضغط "أمريكا أون لاين" الشركة الأم - سحبت شركة Nullsoft برنامج Gnutella، الذي اختفى بالفعل، غير أن الـ hackers كانوا لشفرة البرنامج بالمرصاد، واستطاعوا الاستيلاء عليه قبل أن تقبره شركة America Online
ووعى الجميع درس نابستر، وتلافوا تكرار خطئه؛ فلم تكن هناك بعد سرقة برنامج Gnutella جهة ما مسؤولة عنه. وفي غضون أسابيع كان هناك العديد من أخواتGnutella التي سرقها الـ hackers، تطرق الويب، وأخذت أسماءً بعضها يشبه الأصل، مثل: Gnotella, Newtella, Gnut, LimeWire وToadNode.
تحت الأرض بعيدًا عن الرقابة

تبادل المعلومات مشفرة بين أجهزة شخصية









أهم جزء في القصة هو أنه بمجرد تثبيت أي من تلك البرامج على أي جهاز، فإنه يتحول إلى ما اصطُلح على تسميته بـ "servant"، ويتحول الجهاز إلى خادم وعميل في الوقت نفسه. وهناك الكثير من عناوين هذه الـ "servants" منشور على صفحات الويب الشخصية، كما يمكن للمستخدمين التعرف على بعضهم من خلال غرف الدردشة، وغيرها من وسائل اتصال الإنترنت.
وحيث إن لكل جهاز على الإنترنت عنوانه (IP) الرقمي، الذي لا يتكرر، وهي الطريقة التي تتعرف بها الأجهزة بعضها على بعض عبر الإنترنت - فإن أجهزة الحاسب الشخصية تتصل مباشرة، وليس من خلال خادم server، وتتبادل ما تشتهي من معلومات وغيرها من ملفات. وهذه الـ "servants" تنتشر بشكل سرطاني رهيب في كل مكان.
هنا يأتي بيان أن برنامج Gnutella، بصوَرِه الأخرى، قد صمم لتبادل كل أنواع الملفات لا ملفات الموسيقى فحسب؛ حيث يمكن تبادل ملفات الصور، والنصوص، والبرامج، وكذلك ملفات الصوت. وقد تم تقدير الذين يتبادلون الملفات بطريقة p2p بحوالي 50000 مستخدم يوميًّا، وهو عدد يتكاثر بمتوالية هندسية، وهو ما لم تحتمله شبكة واحدة؛ وهو ما أدى إلى تفكيكها إلى شبكات أصغر، تمثل كل شبكة فيها مجتمعًا صغيرًا، لا يزيد عدد الأجهزة فيه عن 1200 جهاز، لها أفكارها وطقوسها وأسرارها، والتي بات لديها – مثلاً – طريقة تتواصل بها بعيدًا عن البريد الإلكتروني المراقب...
ومرة أخرى علت الأصوات لمراقبة هذه المجتمعات من منطلق ملاحقة القرصنة، وهو ما أمكن إنجازه جزئيًّا على المستوى التقني، غير أن أحد تلك الأنظمة، التي تعتمد تقنية p2p، أمكنها الإفلات من تلك الرقابة، ويُدعى نظام freenet، والذي يقوم على ضياع الهوية تمامًا؛ حيث يعتمد الإنترنت عصبًا لاتصالاته، بينما يختلف عن Gnutella في أنه يعفي على آثاره بالإخفاء والتضليل قبل وبعد وأثناء الاتصال، كما يقول مطوره عن طريق التشفير لكل إشارة اتصال عبر الإنترنت.
ومثل Gnutella، فإن إنزال برنامج freenet على القرص الصلب يجعل جهاز الحاسب الشخصي "node" ضمن شبكة النظام التي تشكلها آلاف الـ"nodes". وتفاصيل ذلك المشروع يمكن العثور عليها من موقع freenet. ولا داعي للدخول في تفاصيل فنية قد تكون مزعجة للبعض، أو الرجوع للتقنية الأم p2p نفسها، غير أنه علينا أن ننبه إلى أن صاحب الجهاز لا يعرف الكثير عن الشبكة كلها، كما هو الحال مع باقي النماذج التي تعتمد نفس التقنية؛ وإنما يعرف القليل عن بعض الجيران في الشبكة، ولا يمكن له بحال معرفة كل شيء عن الشبكة، وهو ما ينشئ نظامًا عنقوديًّا، على الباحث فيه عن ملف ما أن يبحث بنفسه عما يريد بطريقة بدائية عن طريق السؤال عما يريد. وبينما هو يقترب، وهو في طريقه لما يبحث عنه، قطعًا سوف يجد إجابة مهما بَعُد عن دائرته الأقرب. وهذا النظام البدائي عبّر عنه مطوره بأنه نفس الطريقة، التي يتبعها المرء في الترحال والتجوال قبل استخدام الخرائط قديمًا.

الأزمـــة
وبالرغم من تصدير الهروب من الرقابة في اعتماد هذا الأسلوب في التواصل كهدف لاستخدامه، فإنه بيئة خصبة لكل ما هو غير قانوني ولا أخلاقي وإلحادي. وإن فوضى معلوماتية هبَّت وتوشك أن تشتد؛ فتقدم لنا أنماطًا للعمل تحت الأرض، تستعين فيها بالتقنيات العالية؛ ليختفي موقع يقطر دمًا وعنفًا، ويروج للفوضى من على الويب المراقبة؛ ليعمل تحت الأرض.
وإذا كانت تجربة نابستر فشلت في الاستمرار، فإنها نجحت في أن تحرم عمالقة الويب من قطع كبيرة من كعكة المستخدمين، وهو ليس أخطر ما في الموضوع؛ وإنما رياح التغيير التي تهب على الإنترنت، لا للأفضل، ولكن للأسوأ، كما يبدو حتى الآن.
لذا، فإن هاجس الفوضى هذا لن يسكن، بل سيتعاظم في الفترات القادمة. وإذا كانت الويب تعطي الفرصة لشخصين أن يتبادلا الرسائل، ويعقدا الصفقات الإلكترونية، دون معرفة الاسم الحقيقي، أو الهوية القانونية؛ فإن الطرق الجديدة سوف تجعل التفاعلات على شبكة "الإنترنت" غير قابلة للاقتفاء؛ لتغير من طبيعة العلاقات الحاكمة للتواصل عبر الإنترنت، والتي تتسم بالفعل - حاليًا - بالفوضى، غير أنها فوضى نسبية، بما هو منتظر، والذي قد يأخذ صفة الفوضى المطلقة.
كل ما سبق دفع الأنظمة والحكومات إلى أن تحاول جاهدة لتبطئ أو توقف انتشار مثل تلك التقنيات، التي تنعدم الشخصية مع استخدامها، فيما يعرف بنظم الـ" zero-knowledge"، وبما يعود بمردود سلبي – اقتصاديًّا واجتماعيًّا – على الأمم والشعوب؛ لانعدام الثقة، وضياع الهوية، وتصبح معها أسرار ومقدرات الأمم رهن الخطوات العملية، التي يتخذها أفراد أو جماعات لها من الأفكار والمنطلقات ما يغاير ما اصطلح عليه الناس.
المصدر : هشام سليمان
http://www.islamonline.net/arabic/sc...rticle14.shtml












التوقيع
تكون .. أو لا تكون .. هذا هو السؤال
  رد مع اقتباس