عرض مشاركة واحدة
قديم May-14-2009, 08:15 AM   المشاركة3
المعلومات

محمد القلموني
مكتبي فعّال

محمد القلموني غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 41337
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: لبنـــان
المشاركات: 143
بمعدل : 0.02 يومياً


افتراضي

بغض النظر عن الموقف الشخصي مما يُطرح في قضية الحقوق الفكرية، وبعيداً عن وجهات النظر المتباعدة والمتقاربة في هذا الموضوع، أحب أن أعقب على من سخر من هذه الندوة أن تقام في غزة الجريحة، وأقول له:

إن قيام هذه الندوة في غزة الجريحة المدمرة، ليس مدعاة سخرية واستهزاء بأهل غزة الصامدين، بل هو مدعاة فخر بهؤلاء.
لأننا نراهم رغم جراحهم الكثيرة، يعيشون حياتهم كما تعيش سائر الدول، غير عابئين بما ينزل بهم من مصائب، وما يلحق بهم من دمار، وما يرهقهم من الجوع جراء تكالب الدنيا، عُربها وعجمها، وعدوها وصديقها.
إن دلّت هذه الندوة على شيء، فهي تدل على استهزاء أهل غزة بكل ما يدور حولهم، استهزائهم بالحصار والجوع والفقر والدمار وكل ما ابتغاه الأعداء من حصارهم وتجويعهم وتدميرهم.
كأنهم يقولون للعالم كلّه: حاصر ما شئت، وجوع ما شئت، ودمر ما شئت، فإنك لن تستطيع أن تفتح في جدار صمودنا ثغرة يلج منها ما يُقرّ بالك.

نعم إن أهل غزة يأتون بكل يوم بما يحيّر العقول، ويثير الإعجاب، من مثل هذا الصمود الأسطوري الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، فما إن انتهت الحرب حتى عادت الأمور وكأن شيئا لم يكن.
مدارس مدمرة وطلاب لا ينقطون عنها ولو اقتضى الأمر أن يدرسوا في الخيام.
منشآت انهارت أعمدتها، وبقيت نفوس موظفيها شامخة كالجبال، يسيرون معاملات الناس في الشوارع والخيام.
إعاقات دائمة، وأمراض مستعصية، وبطالة متفشية، وبيوت مدمرة، والأقبال على الزواج وبناء الأسر وتوسع الأفراح لسائر طبقات المجتمع يحيّر العقول، لتصل نسبة العنوسة فيها أقل نسبة في العالم كلّه.
جوع وقهر وعذاب ومرض، والناس تناقش في كل الموضوعات، وتعقد الندوات الفكرية بين مختلف التيارات، وتناقش ما يعتبره الكثيرون ترفاً فكرياً كأنّهم يعيشون في قصور فارهة، وأعمال واسعة، لا ينقصهم فيها غير النقاش العلمي في شتى الموضوعات الفكرية المطروحة.
بينما نجد في المقابل أن الحياة كلّها تعطلت في سديروت وغيرها من المستوطنات التي دوت فيها أصوات الصواريخ الفسلطينية بدائية الصنع، فلا مدارس، ولا جامعات، ولا أفراح، ولا بسمات، فضلاً أن يفكر أحد بالندوات والنقاشات والعلوم.

هكذا يجب أن نقرأ ما يحدث في غزة من ندوات، وما يطرح فيها من أفكار، إنه عنوان الصمود، ودليل التحدي، وبريق الصبر، واستصغار العدو، واستقواء الضعيف.

إنه باختصار: نيشان العزة والكرامة التي عزّت في أمتنا هذه الأيّام، وضاعت بين المليار وخمسمئة مليون، الذين يتوزعون بين أقصى المشرق والمغرب، لنجدها في أقل من مليون ونصف، يعيشون في بقعة جغرافية صغيرة.












  رد مع اقتباس