عرض مشاركة واحدة
قديم Jun-29-2003, 03:32 PM   المشاركة1
المعلومات

أبـوفـيـصـل
إدارة المنتدى

أبـوفـيـصـل غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 391
تاريخ التسجيل: Aug 2002
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 2,363
بمعدل : 0.30 يومياً


افتراضي جروح المكتبات - بدرية البشر

قدّر الله عليّ بعد أربع سنوات أن أعود للتسول في شارع البحث العلمي لنيل الدكتوراه وأمد يدي لكل مكتبة ومركز معلومات سائلة المشرفين والمشرفات: لوجه الله يا محسنين عطوني الله يعطيكم! وإن كانت هذه العبارة تنجح في ترقيق قلوب المشرفين من الرجال بعد أن قطع علينا مدراؤهم، الطريق وآثروا الرجال بأربعة أيام مقابل يوم مسائي للنساء فإن قلوب النساء ظل بعضها بارداً، قليلة الرحمة. لا زلت أذكر رد أمينة إحدى المكتبات الجامعية حين شكوت لها أن طالبات البكالوريوس من داخل الجامعة اللاتي يفدن للمكتبة على ما يبدو ليتبردن بهوائها، وينشرن الهرج والمرج حولهن فيقطعن علينا تركيزنا، قالت لي ظانة أنها توحي لي بحسن تفهمها وعميق ودها: ماذا أفعل لهن إنهن عصافير صغار، صو، صو، وراحت تقلد صوت العصافير حتى ظننت أنني دخلت خطأ إلى حديقة للطيور، ولست في مكتبة جامعية، لا زلت أذكر مقالتي (الموظفة النائمة) حيث دخلت في نوم عميق على طاولة مكتبة عامة أمام الباحثات فيما كانت العاملة السريلانكية تنفض بفوطتها وجه الكتب تنظفها فوق رأسي دون أن أجد من يسعفني ويبعدها عني، عادت جروح المكتبات تتفتح في خاطري بعد هذه السنين حتى أنني بت أدرك أن لا شيء تغير في مسلسل (جروح المكتبات) وأن عرضه لا يزال مستمراً، وتعلمت أن لوحة (القسم النسائي) هي علامة مميزة لسوء الخبرة، وقلة الوعي بقيم العمل حيث زرت مكتبة عامة مؤخراً ورأيت الموظفات يدرن مكتبة نسائية عامة، كما لو كن يجلسن في بيوتهن، يثرثرن فوق رؤوس القارئات عن هموم العمل وقسوة المديرين وخلافاتهن مع الأهل، وقوائم أغذية الريجيم، ينادين بعضهن وهن وقوفاً في الأبواب يا منيرة ويا حصة، الهواتف المحمولة ترن في كل مكان يجرين أحاديث حميمة مع الوالدة والخالة والعمة، العاملات يتمددن في غرف الانتظار، كأنهن خرجن من بيوتهن فقط للتسلية وإلا فما هو معيار نجاح عملهن إذا كانت مكتبة عامة تفشل في تقديم ساعة قراءة هادئة؟. في نهاية الدوام سمعت موظفة تتذمر من كثرة العمل وهي تخبط بالكتب تعيدها لرفوفها منذرة إياي بنهاية الدوام، وبعد ثلاث دقائق، وأنا أهم بالخروج وجدتها تلعب (لعبة الورق) على شاشة الكمبيوتر على مرأى من المراجعات، فلمت نفسي لأنني كدت أصدقها، لم تعد قصة جروح المكتبات جديدة حتى أنني عزفت عن روايتها لولا موقف أخير غير نهاية القصة حين زرت في المساء التالي مكتبة مكتب التربية لدول الخليج، فوجئت بسيدة صغيرة تركض كلما دخلت زائرة تحييها بأدب وتسألها عن نوع الخدمة التي ترغبها، وباتصال مستمر مع المشرف على المكتبة كانت تنقل لي في أقل من دقائق أوراقاً تضم كافة المعلومات عن عنوان بحثي بل ظننت أنني أعمل مع فريق عمل حين شاهدتها تفتش لي عن كتاب أخبرها المشرف أنه قد يفيد موضوعي صدر حديثا، بدوت في منتهي السذاجة وهي تمد يدها بفنجان من الشاي لي وأنا أسألها: هل هذا لي؟ لم أصدق ما يحدث لي كانت السيدة الصغيرة والمشرف على المكتبة من غرفة أخرى يقدمان خدماتهما لنا وكأننا ضيوف في بيتهما، وحين انتهى الوقت لم تصفق السيدة بالكتب فوق رؤوسنا، بل راحت تعتذر وتخبرنا أنها تود البقاء أكثر لولا أن حراس الأمن يستعجلونهم دائماً للخروج في الوقت المحدد، ثم دق هاتف المشرف يطلب منها أن تسألنا إن كنا قد استفدنا وإن كان ينقصنا شيء ليوفره في المرة القادمة، قدمت للمشرف كل الشكر والامتنان فقدم لي آخر المفاجآت وهي أنه يعمل متطوعاً في المكتبة وهو يحرص أن لا يتأخر عن المكتبة، ولو أخذ إجازة قصيرة، يعود إليها باكراً، وأن السيدة الصغيرة التي تعمل في المساء هي ابنته التي كبرت معه بين الكتب منذ كانت طفلة وهي الآن خريجة جامعية تساعده في يوم النساء الوحيد، قلبت نظري في البشر بعد أن قلبتها في الكتب فلم أجد تفسيراً، هل المتطوعون يخدمون أفضل ممن يقبضون ثمناً أم أنها طبائع وأخلاق البشر، بعضهم يرى أن الحياة سباق لتقديم أفضل ما عنده وبعضهم يقدم الأقل ما أمكنه؟؟؟!!جريدة الرياض @ نت الرياض الخميس 16 / 3 / 2003 م












  رد مع اقتباس