عرض مشاركة واحدة
قديم May-16-2008, 09:36 PM   المشاركة6
المعلومات

سفيان بوحرات
مكتبي نشيط

سفيان بوحرات غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 40992
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الإمارات
المشاركات: 69
بمعدل : 0.01 يومياً


افتراضي الأرشيفيون يعانون في الكثير من البلدان !!!

السلام عليكم و رحمة الله
وبعد

أقدم بين أيديكم دراسة حول دور الأرشيفيين في جنوب إفريقيا قامت بها فيرني هاريس و ترجمتها ريم الجابي و نشرتها مجلة العربية رقم 1 سنة 2001 / النادي العربي للمعلومات. و هذه الدراسة تحتوي على عدة نماذج من معاناة الأرشيفيين في تلك البلاد و تبين وعيهم و تحركهم الإيجابي للقيام بوظائفهم على الرغم من صعوبة الوضع.


العنوان : معرفة الخطأ من الصواب للعاملين في الأرشيف وحماية الحقوق


مستخلص
يتحدث الموضوع عن تطور الحقوق في جنوب أفريقيا وعمل الأرشيفيين وذلك بعد فترة ما يسمى بالتمييز العنصري ودخولها المجتمع الدولي، لما لهذا التحول من انعكاسات على عمل المؤرشفين وقراراتهم المهنية التي أصبحت تابعة لقانون الحقوق في جنوب أفريقيا، وبما يمثله الأرشيف والعاملون فيه من خصوصيات في خدمة المستفيدين ودعم اتخاذ القرارات الصائبة في الحفاظ على التراث الوطني والإنساني.

الكلمات المفتاحية
جنوب أفريقيا، الأرشيف، أمناء الأرشيف.
في العهد الماضي القريب أي قبل أن تطرأ التغيرات السياسية والاجتماعية الواسعة على جنوب أفريقيا كانت مسألة الحقوق المتعلقة بالأرشفة متعلقة وإلى حد كبير بالمناقشات والجدل حول حقوق إمكانية الولوج العامة وحفظ السجلات الرئيسة أي تلك السجلات التي توثق حقوق المواطنين.
أدى تحول جنوب أفريقيا إلى الديموقراطية إلى دخول الأرشفيين إلى عهد جديد، بأعمالهم وقراراتهم المهنية كلها التي أصبحت تابعة لقانون الحقوق في دستور البلد، إضافة إلى ذلك، إعادة دخول جنوب أفريقيا إلى المجتمع الدولي ثانية ساعدها في التركيز أكثر على ضرورة حفظ السجلات بالطريقة المناسبة من أجل حماية المواطنين وبالتالي ركز على ضرورة توليد السجلات وأنظمة حفظ السجلات البيئية الإلكترونية، النقل، حرية المعلومات وحماية الخصوصية، هذه الحقائق تظهر بشكل جوهري الطريقة التي يتطلع بها الأرشيفيون إلى دورهم في المجتمع (في جنوب أفريقا وكثير من الدول الأخرى) والإستراتيجيات المتبعة لتوفير الخدمات الفعالة.
مسألة الحقوق معقدة في أية صيغة ظهرت فكل مجتمع يعرف الحقوق بطريقته الخاصة ولفترة معينة، كما تتحول وتتغير تلك الحقوق بتطوير التكنولوجيا، مثال على ذلك هو إدخال "حقوق النشر" على الإنترنت وبالتالي على الأرشيفيين تحويل حقوق إطار العمل "حقوق النشر" إلى مخترعي السجلات المحترفين في مجال الأرشفة، والمجتمع ككل، وسيتم التركيز في هذا المقال على البعد الأخلاقي الذي يضع العامل في مجال الأرشفة في صراع لا ينتهي مع الزمن لمعرفة الصواب من الخطأ.
في خطابه الافتتاحي كرئيس للأرشيفيين في جامعة أمستردام عام 1998، تحدث /إيريك كيتلار/ عن هذا الصراع الأبدي قائلاً:
"اعتماداً على مبدأ الأخلاقيات التي وضعها عام 1996 المجلس الدولي للأرشفة، على الأرشيفيين حماية أصول الأرشفة ومقاومة أي ضغط من أي مصدر كان للتلاعب بالحقائق بشكل يتم فيه تزوير أو قلب الحقائق، وعليهم في الوقت ذاته الأخذ بعين الاهتمام حقوق ومصالح مالكي تلك الوثائق والبيانات والتفكير بمستخدميهم، وهذا المبدأ لا يعطي صيغة جاهزة حول كيفية التوازن بين هذه المصالح المختلفة. فهل مصالح الأحياء أهم من مصالح الأموات في مجال الأرشفة؟ هل تعد خاصية الأشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة أهم من مصالح الأبحاث التاريخية وحق إمكانية الولوج تبرر مسألة حق النسيان؟ المناقشة الرسمية والقانونية لتلك الموضوعات يجب أن تتحلى بدافع جديد..
يدعم /كيتلار/ مناقشته التي قدمها بطرح عدد من الأسئلة، من ضمن الأسئلة الافتتاحية التي من الممكن أن تطرح، مثال على ذلك: إلى أي حد يمكن لأمن الدولة أن يفتح المجال أمام المصلحة العامة هل حق إمكانية الولوج يعطي المجال أكثر من ضروريات الحفظ؟ هل الالتزامات المقدمة إلى مستخدمي الأرشفة أهم من الالتزامات المقدمة إلى الموظفين؟ هل الضمير أعلى من سلطة القانون؟ مشكلة الأسئلة التي يطرحها /كيتلار/ أنها تؤدي إلى طرح المزيد من الأسئلة، مثال: لدى الأشخاص المتوفين مصالح شرعية؟ ما المعيارات المناسبة نحو حقوق الخاصية؟ كما يشير /كيتلار/ إلى أن هذا الصراع الأخلاقي لا يعرف أية صيغة جاهزة أو حتى مسودة قرار لوضع الحقوق.
تأثر /كيتلار/ بما كتبته الروائية الأمريكية /مارثا كولي/ في روايتها الأرشفي The Archivist التي تم طباعتها عام 1998 المتحدث في الرواية هو مات لان أرشيفي وخريج جامعة ومسؤول عن الأرشفة الأدبية والكتب النادرة في الجامعة، تدور حبكة القصة عندما يكتشف مات لان مجموعة من رسائل ومخطوطات كتبها الشاعر البريطاني المشهور: ف . س إيليوت وفيها يعلن عن رغبته الكاملة في حرق الرسائل جميعها، وخلاف هذه الرواية تحاول الكاتبة إظهار ما يحق على العامل بالأرشيف القيام به وما لايحق له فعلى سبيل المثال، هل يحق للعامل بالأرشيف إحراق الوثائق الهامة التي بين يديه إذا كان صاحب الوثيقة قد أوصى بذلك.
والقصة الحقيقية هي أنه كان هناك رسائل متبادلة بين الشاعر إيليوت وحبيبته إيملي هال، وبعد فترة من الزمن تريد هال إرسال الوثائق إلى جامعة أمريكية معروفة، تحاول إقناع إيليوت أن يفعل الأمر ذاته بالرسائل التي أرسلتها له إلا أن إيليوت يغضب من هذا الاقتراح ويطلب منها حرق الرسائل، ولكن دون أن يذكر شيئاً حول موضع القصائد. إلا أن هال تسلم الرسائل إلى الجامعة وتطلب منهم إبقاء الرسائل مختبئة حتى عام 2020.
هنا يبرز عدد من الأسئلة من الناحية القانونية، الوثائق التي في حوزة هال ولو أن إيليوت كتبها، هي من حق هال ولكن هناك البعد الأخلاقي للموضوع والسؤال هو:هل كانت هال محقة في وضع مصلحة الأجيال قبل مصلحة (أمنية) إيليوت؟ أي من الحقوق أهم:حق التذكر أم حق النسيان؟ هل لدى إيليوت أي حق بعد وفاته؟ هل على الجامعة أن تعمل وفق رغبة إيليوت؟وفي الرواية يحتفظ لان لنفسه بالوثائق وفق رغبة إيليوت.وهو يعرف تفاصيل حياته ويظهر هناك تشابه بينهما لم يكن إيليلوت مرتاحاً في حياته الزوجية، إذ توفيت زوجته فيفيان إيليوت في مصحة عقلية، وكذلك زوجة لان أيضاً في مصحة عقلية عندما انتحرت، ومن خلال الرسائل يظهر الجانب الإنساني الضعيف لهذا الشاعر الكبير، وكيف أنه خان أسرته، كل هذا يظهر في رسائل إيليوت التي يذكر فيها الرسائل التي كانت تكتبها زوجته في المصحة العقلية لأنها كانت تشعر بالعزلة وأنها غير مرغوب بها.
تتطور أحداث الرواية عندما تنمو علاقة بين لان وروبيتا وهي شاعرة وخريجة، حيث تحاول روبيتا إقناع لان بالسماح لها لتتطلع على رسائل إيليوت، وبذلك تشكل روبيتا تهديداً بما سيتم نشره عن إيليوت، أمور لا يعرفها الجمهور، وفي الوقت ذاته تتفاقم آلام لان عندما يتذكر زوجته وهنا يظهر الصراع الذي يعيشه ويتوصل إلى نتيجة مفادها:
(من مهام العامل بالأرشيف هو خدمة رغبة القارئ ولكن ماذا عن رغبة الوثائق ألا تأخذ بعين الاهتمام الرسائل التي أرسلها إيليوت إلى (إيملي ) خطأ. لم يكن من المفروض علينا قراءتها إذ كانت موجهة لإيملي فقط وهي التي تخلت عنها فهو لم يرد سوى أن يترك لنا القصائد فهذا كل ما يهمه والباقي ليس من شأننا، وقام بإعطاء روبيتا نسخة من تلك القصائد هل كان مخطئاً؟ العمل الذي قام به هو بالتأكيد غير قانوني، حيث تجاوز حقوق إيملي هال ولكن هل كان خاطئاً من الناحية الأخلاقية ألم يكن لان على صواب في احترام حقوق إيليوت وإطاعة ضميره ويظهر هناك عدد آخر من الأسئلة المتعلقة بصدق نوايا لان نحو حرق الوثائق، والرواية عامة تطرح أسئلة دون الإجابة عنها، والسبب الأساس في عرض الرواية، طرح مسألة ما يسمى بـ "الإثم الأرشيفي" أي قيام العامل بالأرشيف بحرق وثائق ذات قيمة تاريخية كبيرة دون أن يكون حد للفصل بين ما هو خطأ وما هو صواب، ليتم المحاسبة على أساسه.
السبب الآخر في إعطاء كل هذه الأهمية إلى قصة لان هو أن القصة تفترض ما يتم نسيانه عادة، ويذكرها /كيتلار/ في أثناء انتقاده لـ لان وهو أن لدى الأرشيفي حقوق واهتمامات، فنحن كلنا كبشر، مواطنين، مهنيين، وموظفين لدينا اهتمامات وحقوق علينا أن نعرف ما هي وكيف يتم ممارستها، وعند الضرورة كيف يتم حمايتها، يجب أن تكون هذه الحقوق حاضرة معنا في كل دقيقة من حياتنا المهنية، سواء أكنا نعطي تقويماً لسلة من السجلات أم نقوم بمساعدة باحث في اجتماع مع المدير، أم نشرب الشاي في أثناء الاستراحة، على سبيل المثال، إذا كنت الموظف الوحيد المتواجد في قاعة القراءة في المكتبة ووصل إليك باحثان في آن واحد يطلب كلاهما المساعدة كيف تقوم بالموازنة بين تلبية حقهم الشرعي، أي مساعدتهم بقدر المستطاع ضمن إمكانياتك المحددة وطلباتهم الآنية؟ كيف توازن بين من هو الأحق، من حيث الأهمية والواجب لتقديم الخدمة إليه أولاً؟
وفي مثال آخر: ماذا تفعل عندما تخدم أحد الزبائن وتكتشف أن زملاءك الذين كانوا يشرفون على خدمته من قبل قد أعطوه معلومات مضللة؟ وهل تغطي على الشيء الذي فعله زملاؤك أو تكشف أمرهم؟ وماذا تفعل إذا كنت تقوم بعرض سجلات هامة وإعطاء النصائح حول أمور تتعلق بإدارة السجلات إلى شخص مسؤول ولديه أصدقاء في مناصب حكومية كبيرة،ويقوم بإظهار عدم تحمسه لما تقوله ومهاجمته للموضوعات المطروحة فهل تبقى صامتاً حتى لا تفقد صداقته أو تثير انزعاجه أو إنك تعبر عن رأيك بصدق.
نحن أمام تحد كبير عامة لمجرد معرفة ما هي حقوقنا واهتماماتنا، من الناحية الفكرية والأخلاقية، وما هو أكثر تحدياً كما يظهر ذلك واضح في قصة لان هو معرفة كيف تتم الموازنة بين حقوقك مع حقوق الآخرين ومعرفة كيف يتم التوفيق بين صراع "الحقوق المتضاربة" و "المصالح المتضاربة" للآخرين فعبارة "معرفة كيف" تشكل السؤال الحاسم ولكن قبل إعطاء جواب محدد على هذا السؤال الملح، يجب أن ننتبه إلى وجود عدد من التفسيرات والمعاني لكلمة "الحقوق" وكلها في المستوى ذاته من الأهمية، فهناك ما نسميه "حقوق الإنسان" التي نعرفها بأنها الحقوق الرئيسة التي لا تتغير مع الزمن، المكان، القوانين والثقافة، ومع ذلك وكما نعرف كلنا، نحن البشر نختلف حول ما يدخل ضمن سياق حقوق الإنسان.
فنحن نفسر تلك الحقوق بطرق مختلفة،ونختلف حول كيفية "الحقوق المتضاربة" على سبيل المثال، حرية الصحافة أمام حق المواطن في أن يكون له حياته الخاصة التي لا يتدخل بها أحد، مثال آخر حق الحياة أمام مطالبة النساء بحقهن في التحكم بالإنجاب.
ويظهر أن الحقوق التي تم تحديدها بشكل أدق وأكثر تحديداً وبالتالي يصبح من الأسهل التعاطي معها هي تلك الحقوق التي حدها القانون، سواء على المستوى الدولي أو القومي أو أي مستوى آخر، وهنا أقول إن الأمر يصبح أكثر سهولة وليس سهلاً،لأن القوانين بحد ذاتها تتعرض للتفسير والشرح لأن هناك كثيراً من الناس ممن يكسبون رزقهم من وراء سن وشرح القوانين، إذ إن شرح القوانين معرض للتغييرات السياسية وحتى القوانين الديمقراطية بإمكانها
أن تتعارض مع حقوق الإنسان، الحقوق الدينية والمبادئ الأخلاقية المتعارف عليها، ففي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، في أثناء الحكم العنصري نادراً ما كان هناك تطابق بين ما هو قانوني وما هو عادل،لأن أولئك الذين كانوا يتعاملون مع القانون مع اختيار ما هو الخطأ من الصواب، كان الخروج عن القانون (بالنسبة لهم) سبيل في الحياة.كما أن هناك حقوقاً تم تعريفها نتيجة لتراكمات اجتماعية وتعقيداتها، وهذا بالطبع يختلف من مجتمع إلى أخر حسب انفتاحه وهيمنته وتصبح الحقوق الاجتماعية بذلك تعتمد على فعالية المجتمع وتحولاته إضافة إلى العادات والتقاليد والمعتقدات الدينية والسياسية .. إلخ.
ولكننا نقع هنا أيضاً كما في حال سن القوانين، في مشكلة إعطاء تفسير محدد لتلك الحقوق، خاصة وأن الحقوق الاجتماعية على درجة كبيرة من الفعالية،ويصبح واضحاً هنا بالذات أنه ليس هناك شخصان باستطاعتهما إعطاء تفسير واحد متطابق حول الحقوق الاجتماعية على درجة كبيرة من الفعالية،ويصبح واضحاً هنا بالذات أنه ليس هناك شخصان باستطاعتهما إعطاء تفسير واحد متطابق حول الحقوق الاجتماعية، ولكن بالنسبة لأولئك المختصين بالأرشفة، فمن واجبهم عملياً العودة إلى مبادئ المجلس الدولي حول الأرشفة أو أنه مؤسسة مشابهة حول الأرشفة والوثائق للتقيد بنصوصها، ولكن على الرغم من أن هذا الحل يبدو مناسباً وسهلاً إلا أنه في حال التطبيق يظهر فيه الكثير من التعقيدات والملابسات، فالمبادئ الإرشادية التي تنص عليها مؤسسات الأرشفة قد تؤدي أحياناً إلى تصعيد التوتر بدل من إيجاد سبل مناسبة لحل المشكلة المطروقة، وهنا نطرح مثالين على ذلك مثال من فرنسا وآخر من جنوب أفريقيا.
مثال فرنسا: عام 1999 كانت عاملة الأرشيف /بريجيت لين/ تدلي بشهادتها أمام المحكمة في القضية التي أثارها /موريس بابون/ لتشويه سمعة الكاتب /جان لوك إينادي/ إذ اتهم إينادي في كتابه بابون أنهمدان بجرائم حربية، وارتكاب جرائم بشعة عندما كان ضابط شرطة عام 1961، إذ قام بقتل متظاهرين من شمال أفريقيا، فقام بابون برفع دعوى طعن ضد الكاتب في أثناء إدلائها بالشهادة، أكدت بريجيت لين وجود سجلات أرشيفية تدعم ادعاءات إينادي،ونتيجة لذلك اتهمت بأنها أساءت استخدام منصبها الوظيفي في مديرية الأرشفة الفرنسية والجمعية الفرنسية للأرشفة على أرضية أنها تحدت القوانين التي تمنعها من الوصول على المعلومات واعتمدت الجمعية على قوانين من المجلس الدولي للأرشفة أيضاً.
مثال آخر من جنوب أفريقيا: في عام 1993،كان فيرن هاريس الكاتب يعمل كعامل أرشفة في مديرية السجلات في جنوب أفريقيا، وفي تموز وصلته تقارير من موظفين في عدد من الأقسام الحكومية تفيد بأنهم تلقوا تعليمات تطلب منهم القضاء على بعض السجلات دون إعلام مديرية الأرشفة وبعد التحريات اكتشفت أن تلك الأقسام تعمل بناء على تعليمات حكومية واسعة الانتشار صادرة عن أمانة السر في الدولة،وهنا تبرز عملية واسعة للقضاء على سجلات عامة حساسة خارج نطاق قانون الأرشفة.
قمت بإخبار المدير حول الموضوع وأكد لي أنه سيتخذ كل التدابير القانونية اللازمة عبر القنوات الرسمية لوقف عملية هدم الأرشفة ولكن مع مرور الأيام أصبح من الواضح أن الإجراءات القانونية الرسمية لن تحل المشكلة حتى ولو استطاعت الحصول على موافقة لمنع عملية الهدم سيكون ذلك بعد فوات الأوان. وهنا واجه هاريس قراراً صعباً، هل أترك الأمر ليتم حله قانونياً؟أو هل علي العمل خارج القنوات الرسمية في محاولة لوقف عملية الهد؟ في محاولة للوصول إلى ما هو صحيح وما هو خاطئ إذا اطلعت على قانون الأرشفة في مجتمع جنوب أفريقيا، تجد أن أحد نصوصه تؤكد على أن لدى الأرشيفي واجباً أخلاقياً لحفظ معلومات الماضي والحاضر من أجل المستقبل،ونص آخر يقول: على الأرشيفي حماية وحدة الأرشفة (أي الأرشفة كاملة دون نقص) والمعلومات ضد أي تحول أو نقل أو هدم أو سرقة، وبدا أن هذين النصين كافيان لأتخذ الإجراءات اللازمة حتى ولو كان ذلك يتعارض والقانون،ولكن يتم ذلك حسب تفسيري من أجل منع القضاء غير القانوني على سجلات عامة ذات أهمية أرشيفية كبرى، ولكن هناك نصاً آخر يشير إلى أنه: في كل الأوقات على الأرشيفي العمل ضمن نطاق القوانين الموضوعة له،ونص آخر يقول:الأرشيفي يحافظ على سرية الوثائق الموضوعة تحت رعايته وذلك بالمشاورة مع موظفيه، هنا يكون الموظفون في خطراً فإذا قمت بإخبار الصحافة وبعض الوكالات الخارجية عما يحدث، وذلك بإعطائهم نسخاً عن الأوامر، سأكون بذلك أتحدى سياسة الثقة المنصوص عليها في قانون الأرشفة وقد أدان لإساءة استخدام منصبي فأنا هنا موضوع أمام متعارضات ولا أجد أي دليل يساعدني على حل هذه المشكلة.
في النهاية، فعلت ما كان يعد خاطئاً بنظر القانون والموظفين ومبدأ المهنة، قمت بإخبار ما يحدث إلى صحفيين ومحامين في منظمات حقوق الإنسان، وأعطيت نسخاً تدعم أقوالي، نتيجة لذلك تم طلب موظفيّ إلى المحاكمة وأجبروا على الاعتراف بأنهم خالفوا قانون المهنة الأرشيفية، وهنا من المهام الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا حالياً تحاول سن القوانين التي تحمي بموجبها العامل في الأرشفة.
يمكن تفسير القرار الذي اتخذه فيرن هاريس أنه تجاوز مسألة معرفة الصواب من الخطأ حسب ماورد في قانون الأرشفة حول معنى حقوق الإنسان والقيم الاجتماعية، وكان القرار الذي اتخذه في النهاية قراراً فردياً وضميرياً، وحسب رأيه أن كل إنسان يوضع في هذا الموقف بعد أن يكون قد استنفذ كل التحليلات والمناقشات والتحريات المنطقية، فليس هناك أية معرفة للصواب والخطأ دون إعطاء اهتمام للأخلاقية الشخصية فلدى كل إنسان الحق والالتزام بأن يكون صادقاً مع ذاته.
هذا يعيدنا إلى سؤال: كيف علينا أن نوازي بين الحقوق المتضاربة والمصالح، ذكر الكاتب أن البعد الأخلاقي حاضر دائم في العمل الأرشيفي، وليس فقط في الأوقات الحاسمة التي يتم تسليط الضوء على مشكلة ما في المهنة، ويجب أن نكون واعين لهذه المسألة، كما ذكرت أن الحدود بين الصح والخطأ غامضة، نادراً ما يكون هناك جواب محدد لمسألة من هذا النوع في معظم الأوقات يتوقف على الخيار على اختيار الأقل ضرراً بين مسألتين يتم الجدل حولهما، أو اختيار الخيار الأكثر توافقاً والظروف المحيطة، أو اختيار الأفضل بين خيارات عدة حسب منظورات مختلفة وأي من المنظورات توافق المسألة إلى أبعد حد، كما يأخذ في عين الاهتمام أن ليس هناك إنسان بمعزل فلا نستطيع أن نقف خارج إطار التطور أو إدخال شيء في ذاتنا على المجتمع، فأكثر ما نستطيع تبريره القرارات التي نتخذها وتقديم الدواعي التي دفعتنا لاتخاذ مثل هذا القرار، وأنه تم أخذها بطريقة مناسبة، وهنا نقف أمام 4 عناصر قد تساعدنا في الوصول إلى ما هو صحيح، أولاً: تسليط الضوء على جملة من الحقوق التي وضعتها الأطراف المعينة ودرجات مختلفة، ثانياً: إجراء تحليل يهدف إلى الموازنة بين الادعاءات المطروحة وفي الظروف المحددة التي يواجهها الأرشيفي، ثالثاً: مناقشة الآراء والأحاسيس حول الموضوع مع زملاء يثق بهم، ورابعاً: وضع مسألة الضمير في عين الاهتمام، فإذا أعطينا أهمية فقط للضمير دون مراعاة النقاط الثلاث الأولى نكون قد تخلينا عن مبدأ المصداقية ونقع في خطر أن نعطي لأنفسنا سلطة تتجاوز قدراتنا الأخلاقية أما إذا تجنبنا مسألة الضمير واعتمدنا فقط على محاكمة العقل ننكر بذلك إنسانيتنا ونتجنب عناء الاختيار فقط عندما نطبق العناصر الأربعة نشعر بارتياح حتى ولو قمنا بتجاوز القانون أحياناً يكون هناك ما يبرر ذلك، هذا من وجهة نظر الكاتب الذي يعترف أن ليس كل زملائه العاملين معه بالأرشفة يوافقونه الرأي، وبالتالي كما يطرح الموضوع حتى الآن لا يمكن الوصول إلى نتيجة واحدة حول ما هو صح، فالمسألة تتجاوز الرؤية الإنسانية المجردة إلى النفس البشرية العميقة، ولهذا لا يمكن أن نفسر تماماً: لم قام لان بحرق رسائل إيليوت من يعرف ماذا كان يدور في أعماق نفس لان؟ وبم كانت بريجيت لين تفكر عندما أدلت بشهادتها ضد جان لوك إينادي ؟ والأمر ذاته ينطبق على الكاتب عندما كشف عن رسائل أمانة سر الدولة من يعرف؟







http://www.arabcin.net/arabiaall/2001/12.html












  رد مع اقتباس