عرض مشاركة واحدة
قديم Aug-13-2010, 04:48 AM   المشاركة20
المعلومات

hanbezan
د. حنان الصادق بيزان
مشرفة منتديات اليسير
أكاديمية الدراسات العليا

hanbezan غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 2972
تاريخ التسجيل: Mar 2003
الدولة: ليبيــا
المشاركات: 397
بمعدل : 0.05 يومياً


قلم القــــــراءة ... من اجل ان نكون امة قارئة


تُعد القراءة عملية بالغة الاهمية لحياة الفرد والمجتمع معا، ولعل مايزيد القراءة شرفا وقدرا أنها أول أمر إلهي جاء به الوحي الامين للنبي الأمي خاتم الانبياء والمرسلين (إقرأ...) ، ولم يقل صلي ، إركع ..اسجد، كل.. اشرب، لكن قال تعالي في أول آيه انزلها على نبيه الخاتم (إقرأ)، وهذا برهان لايقبل جدلا في ان القراءة تفوق كل شيء أهمية وقيمة في الحياة، ولهذا فهي مصدر لكل ثقافة وبها سمي القرآن كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (المكتوب في المصاحف).

والقراءة منه في التنزيل العزيز (فاذا قرأناه فاتبع قرآنه) اي قراءته. لذلك فان القراءة اكثر الاشياء ربحا في الدنيا والاخرة، يكفي انك في نصف ساعة تقرأ جزء من القرآن الكريم فتنال بعدد حروفه حسنات.

لذا تتضمن هذه الورقه تناول موضوع القراءة كنشاط فكري... من ناحية المفهوم وما له من فوائد تنعكس على المستويين الفردي والمجتمعي في ظل ثورة المعلومات التي تبشر بحضارة جديدة قائمه على القراءة والادراك والاستيعاب للمعلومات، مع الوقوف على انجع الطرق والاساليب لتنمية المهارات القرائية من اجل ان نكون امة قارئة بكل معنى الكلمة .

يتبادر للاذهان في بداية المقام عدة تساؤلات من بين اهمها ما هي المعوقات التي تحول دون الإقبال على القراءة من اجل ان نكون امة قارئة..؟ وكيف للإنسان أن يكون قارئا جيدا في هذا العصر المعلوماتي ؟ لعل السؤال الاصح ما ماهية القراءة في حد ذاتها ...؟ حيث أن القراءة لا تعني أن تعرف الحروف والكلمات والنطق فحسب، وإنما تعني الفهم والتمثل والاستيعاب والنقد والاستنتاج والتحليل والموازنة ومعرفة ليس ما بين السطور فقط بل معرفة المعاني البعيدة والغايات.

لذا توصف القراءة بأنها استخلاص للمعنى من المادة المطبوعة أو المكتوبة، أو القدرة على فك رموز المعاني من الأشكال المكتوبة، وتتضمن القراءة سلسلة متكاملة من المهارات الثانوية مثل الإحاطة بنظام الحروف الهجائي وعلاقة بعض الحروف مع بعضها لتشكل صوتاً لغوياً آخر . كما تتضمن أيضاً المهارة الذهنية والحركة الآلية الخفيفة للعين، وقد يواجه القارئ في بعض اللغات مثل الإنجليزية صعوبات في تطبيق بعض المهارات السابقة ، ومن الصعوبات ايضا التي قد يواجهها القارئ الصغير هي العلاقة بين الصوت والشكل الكتابي حيث لا يوجد علاقة ثابتة بينهما في اللغة الإنجليزية.

اذ ان إختلاف اتجاه القراءة والكتابة من لغة إلى أخرى قد تشكل عائق او صعوبة، حيث القراءة باللغة العربية من اليمين إلى اليسار على العكس اللغة الإنجليزية، لذا ينبغي على القارئ ألا يبدأ بأي شكل من القراءة قبل التعود على المادة المقروءة، فالقارئ الصغير كمبتدئ لا يتوقع منه قراءة كلمات لم يسمعها أو يرددها عدة مرات .ويجب ألا تأخذه النشوة بالقدرة على القراءة في البداية للإستمرار في مختارات أصعب .وبدلاً من ذلك لابد أن يعطى مواد متدرجة تبدأ بالصور مرتبطةً بجمل سهلة ثم المقاطع أو الفقرات القصيرة ومن المهم أيضاً أن يكون محتوى المفردات له علاقة ببيئة واهتماماته تلميذا كان او طالبا .وكلما تقدم القارئ في تعلم اللغة ، يتطور معه مستوى المادة المقروءة . وهناك مسألة ينبغي الاهتمام بها لتطوير مهارات القراءة وتنميتها، كتدريس آليات قراءة الحروف الهجائية، اتجاه القراءة (يمين ، يسار)، الوقفات ، سرعة القراءة ، والأصوات الخاصة بكل لغة ...الخ، كلها مسائل غاية في الاهمية. سيكون لنا معها عودة لاحقا بشكل اكثر تفصيلا .

تُعد القراءة من مهارات الاستقبال فالقارئ يعمل على تفكيك الرسالة التي يريد الكاتب أن يرسلها إليه. وعملية تفكيك الرسالة من الأهمية بمكان ذلك أن الرسالة تشتمل على عواطف ومشاعر وأحاسيس وفكر ومعان وغايات بعيدة. ومن هنا فإن القراءة الجيدة والقراءة الفعالة والقراءة الناقدة التي من خلالها يستطيع المرء أن يفرق بين البخس والثمين، بين ما يلائم المجتمع وما لا يلائمه، بين ما ينعكس عليه خصبا ونماء وما ينعكس على المجتمع في الوقت نفسه خصبا ونماء.

وتتفـق معظـم الدراسـات على طبيعة القـراءة بانها عمليـة تكويـن المعنـى من نصوص مكتوبـة وهي عمليـة معقــدة تتطلب توافـق عــدد من المصادر المترابطــة للمعلومـات، ويمكـن تحليـل القـراءة الى مهـارات فرعية مثـل التمييـز بين الحـروف وتعـرف الكلمـات فان اداء المهارات الفرعية كل على حــده لا يشكــل عملية القــراءة ويمكـن الـقــول ان القراءة تحــدث فقط عندما تجتمع الاجزاء معا في اداء متكامل سلس .

وازاء على ذلك فان نجاح القراءة يتطلب مرانا لفترات زمنية طويلة مثله في ذلك مثل اكتساب المهارة في عزوف الالات الموسيقية، وقد يكون للنص اكثر من تفسير واحد ويعتمد التفسير على الخلفية المعرفية للقارئ، وعلى هدف القراءة وعلى السياق الذي تتم فيه القراءة، كيف تحدث عملية القراءة ؟ ان وجهة النظر الشائعة هي ان القراءة عملية فيها تنطق الكلمات فيتم فهم معانيها ثم تتجمع معاني الكلمات فتشكل معاني العبارات والجمل وترتبط معاني الجمل معا فتنتج معاني الفقرات، وفي ضوء هذا المفهوم ينظر الى القراء على انهم دائما يبدءون من اسفل يتعرفون الحروف ثم يتعاملون مع الكلمات والجمل الى المستويات الاعلى حتى يفهموا اخيرا معنى النص .

لاشك في ان القراءة عملية تشترك فيها المعلومات المستقاة من النص والمعرفة السابقة التي يمتلكها القارئ لانتاج معنى ما، لذا فان القارئ غير المتمرس قد يعتمد اكثر من اللازم اما على تحليل النص حرفا حرفا او كلمة كلمة واما على معرفته السابقة عن موضوع النص وهذا ما نلاحظه على بعض الاطفال حينما ينهكون انفسهم في قراءة النص كلمة كلمة واحيانا حرفا حرفا بعد حرف بهدف إصررهم على نطق الكلمات بصورة صحيحة لدرجة انه يفوتهم جانب المعنى، وفي القراءة الجهرية يميل الاطفال الى الوقوع في اخطاء عديمة المعنى، فاحيانا ما يفشل هولاء الاطفال في استخدام، ما قد يكون لديهم من معرفة عن الموضوع ويفكرون فقط فيما يحاولون قراءته.

لذا يصدق القول المأثور بان الكتاب خير جليس وخير صديق. حيث يتواصل مع الإنسان عبر الكلمة المقرؤة، فهي تفتح للإنسان مجالا للتخيل ومجالا للابتكار والإبداع في حين أن الصورة تفتت ملكة الخيال. وملكة الخيال، كما نعرف علميا، هي التي تقف وراء أهم الإنجازات العلمية والأدبية والفنية فإذا مات الخيال عند الإنسان مات الفن والشعر والتصوير والعلم أيضا. لذا يجب أن نزاوج لا أن نعوض شيئا بشيء آخر.

لذا فان القراءة ليست هوية فحسب، بل انها اساس التقدم الحضاري ولعل هنا تكمن المشكلة ومدى معاناة الكتاب من العزوف عن قراءته، اذ تكشف الدراسات الحقائق المخجله ان متوسط ساعات القراءة في احدى الدول الاوربية يصل الى 200 ساعة سنويا، بينما تنخفض هذه الساعات وتتقلص الى 6 دقائق سنويا للفرد العربي!، وقد قامت احدى الباحثات بدراسة قبل 3 سنوات على احد مراكز التدريب النسائية بالسعودية حول القراءة واستخدام المكتبة الموجودة بالمركز وكانت النتائج مذهلة ان اكثر من 41% من المتدربات طوال سنوات التدريب لم يداخلن المكتبة، و70% يقرأن فقط ما يطلب منهن ومعظمها تكون مناهج دراسية، وان 66% قراءاتهن تقتصر على المواضيع العامة من المجلات (النسائية) والصحف المحلية، و71.6% يعتقدن ان الاستمتاع هو الهدف الرئيسي من وراء القراءة.

تبدأ القراءة في المنزل وبدرجات متفاوتة، حيث يعتمد الاطفال على المنزل في اكتساب المعرفة قبل الذهاب الى المدرسة، تلك المعرفة التي تضع الاساس للقراءة فالاطفال يكتسبون مفاهيما عن ادراك الاشياء والاحداث والافكار والمشاعر كما يكتسبون ألفاظا شفهية للتغبير عن هذه المفاهيم ويكتسبون ايضا أساسيات النحو للغة الشفهية. وبدرجات متفاوته يكتسب الاطفال معرفة معينة عن اللغة المكتوبة قبل ذهابهم الى المدرسة بل ان بعض الاطفال يتعلمون القراءة في المنزل ويتعلم كل الاطفال تقريبا شيئا ما عن القوالب القصصية وعن كيفية الاسئلة والرد عليها وعن كيفية تعرف عدد يقل او يكثر من الحروف والكلمات.

فكلما استطاع الاطفال اكتساب معرفة اكثر في المنزل كلما زادت فرصتهم للنجاح في القراءة مستقبلا، فعلى سبيل المثال فهم القصص البسيطة يمكن ان يعتمد بدرجة كبيرة على امتلاك المعارف العامة فالاطفال الذين قاموا برحلات وقضوا أوقاتا في المنتزهات العامة وزاروا المتاحف وراوء الحيوانات بالتاكيذ سيكون لديهم خلفية معرفية مرتبطة بالقراءة المدرسية، الا ان الخبرة الواسعة وحدها ليست كافية ، فالطريقة التي يتحدث بها أولياء لاطفالهم عن خبرة ما تؤثر على نوعية المعرفة التى يكتسبها الاطفال دون ادنى شك، اذ ان محتوى العبارات التقريرية والاستفهامية والطريقة التي تصاغ بها تؤثر على ما يتعلمه الاطفال مستقبلا من الخبرة ، كما ان الاسئلة التي تثير التفكير تنشط النمو العقلي الذي يحتاجه الطفل للنجاح في عملية القراءة .

كما ان الاطفال الذين يتحدثون باستفاضة مع أولياء امورهم في المنزل احاديثا تجعلهم يفكرون في خبراتهم يتعلمون صناعة المعنى من الاحداث ويتمتعون بمزية لاحقة في تعلم القراءة، الا ان اكثر انماط التعليم المنزلي تأثيرا يتخذ شكلا مغايرا لمايتم داخل المدرسة، واكثر الانشطة اهمية لتكوين المعرفة المطلوبة للنجاح النهائي في القراءة يتخذ شكل القراءة الجهرية للاطفال ويتم ذلك على وجه الخصوص في السنوات ما قبل الدرسة وتكون تلك القراءة اكثر ما تكون فائدو عندما يكون الطفل مشاركا فعالا ينخرط في المناقشات عن القصص التى يسمعها ويتعلم تعرف الحروف والكلمات والحديث عن معاني تلك المفردات.

لذا فانه من المفيد جدا استخدام الوسائل التعليمية التقليدية مثل السبورة الطباشيرية والورقة والقلم الرصاص فهي ذات أهمية بالغة في تعلم الاطفال القراءة، وعندما قورن الاطفال الذين تعلموا القراءة قبل ذهابهم الى المدرسة، باقرانهم الذين لم يتعلموا القراءة قبل الالتحاق بالمدرسة، وجد ان الذين تعلموا القراءة مبكرا يجيدون بصورة اكبر استخدام السبورة الطباشيرية والورقة والقلم الرصاص، كما ان كمية الكتابة التي ينجزونها اكثر، حيث تعطي الكتابة الاطفال طريقة للتدريب على العلاقات بين اشكال الحروف واصواتها، ويمكن استخدام سبورة الحروف عند تعليم صغار الاطفال الذين لم يكتبوا بعد بالقلم الرصاص كما ان هذا النشاط يمكنه ان ينمي معرفة الارتباط بين شكل الحرف وصوته.

ويمكن للاباء ان يؤثروا في تعلم اطفالهم من برامج التليفزيون التي تعلم اطفال ما قبل المدرسة القراءة أضافة لبرامج الكمبيوتر حيث تزود بعض الحزم التعليمية الاطفال بخبرات جديدة ، الا ان اولياء الامور يلعبون دورا ذا اهمية لا تقدر في ارساء اساس تعلم القراءة فولي الامر اول مرشد للطفل في عالم شاسع غير مألوف كما انه اول مراقب لما تعنيه الكلمات بالنسبة للطفل ولكيفية التعبير عن الاشياء بالكلمات وهو كذلك اول معلم في كشف النقاب عن ذلك العالم السحري للغة المكتوبة واخيرا فهو المصدر الدائم للطفل الذي يمده بالايمان بان الطفل بشكل ما عاجلا ام اجلا سوف يصبح قارئا جيدا
وهنالك عدة عوامل توثر ايجابيا او سلبيا على وجود الرغبة وابداء الاستعداد القرائي منذ بداية المراحل العمرية للفرد من بين اهمها مايلي :ـ

1- العوامل العقلية مرتبطه بالنمو والنضج ارتباطا وثيقا.
2- العوامل الجسمية تتعلق بالحواس السمع والبصر والنطق .
3- عوامل الانفعالية تعني الاستجابة للمواقف بفعاليه، لان الاستقرار الانفعالي سمة بارزة من سمات الشخصية السوية من اجل اكتساب قدرة متميزة على الانتباه والتركيز بشكل تمكنه من التحليل والنقد البناء.
4- العوامل البيئية تتضمن مجموعة الخبرات والتجارب التي يحصل عليها المتعلم والتي ترتبط بصورة مباشرة بظروف معيشته والطرق التعليمية المختلفة التى توفرت له.

لاشك ان العوامل السابقة تتيح تكوين الشخصية السليمة وصقل المهارات والقدرات وتنمي القاموس اللغوي شاملا المعـانٍ والمفاهيم المختلفة، وتزيد من الحصيلة المعرفيه المعلوماتية، وبالتالي تتولـد الرغبة المستمرة في ممارسة القراءة، وتوظيف الخبرات المكتسبه في حـل المشاكل، وتكوين المواقف اتجاههـا، ومواجهة التحديات. لان التنشئة السلمية على وجه الخصوص للقارئ الصغير تعمل على صقل قدراته القارئية واكسابه مهارات التعليم الذاتي، والبحث الفردي عن المعلومات من اجل ايجاد حلول للمشكلات .

لاشك انه عند التدريب وصقل مهارة القراءة، يلاحظ تعلق الاطفال بمادة القراءة، مثلما يتعلق السمك بسنارة الصياد. ولعل الهدف من ذلك زيادة نسبة الاطفال الذين يقرؤون باستفاضه واستمتاع ظاهر، شريطة ان لا يكون ذلك في قوالب روتينية او مهام مدرسية، لانه ستتحول العملية الى ملل. حيث اوضحت نتائج احد الدراسات ان معظم الاطفال يحبون القراءة، ولكن معظمهم لا يحبون الانشطه التى تقدم في حصص القراءة داخل المدرسة، ولعل هذا له علاقة وثيقة بالدافعية التى سبق التنويه عنها، اذ ان التحفيز والدافعية من قبل المعلمين في تقديم دروس متنوعه من شأنه دفع الاطفال الى حب القراءة وتنمية المهارة القرائية اسرع من غيرهم، ولعل هذه المهارة والشغف بالقراءة تكون من خلال المعلمين الذين لديهم قناعة بان التدريس عملية انتاجية لكنها تتسم بعنصري الصداقة والدعم النفسي للمتعلمين بالدرجة الاولى.

حيث تنتقل الفعالية للتلاميذ عن طريق الحديث او الفعل، بان كل فرد يستطيع تعلم القراءة اذا ما انتبه وطبق ما يقوله المعلم بنفسه مثلا، كما ان للتشجيع دورا كبيرا حيث يأتي من تميز تلاميذ عن غيرهم، فالمديح يعطى كاعتراف لنجاح يحققه تلميذ معين دون غيره، خصوصا وان تنمية مهارة القراءة غالبا تأخذ شكل الشرح واسداء النصح والمساندة اثناء الممارسة للقراءة، وهكذا فانه في ظل برنامج للقراءة حسن الاعداد، فان اتقان مهارات جزئية ليس هدفا في ذاته، بل وسيلة لتحقيق غاية كما يوجد توازن صحيح بين التدريب على المهارات الجزئية والتدريب على المهارة الكلية.

ومن الجدير بالذكر ان القارئ الماهر، يبدو انه لا يتعرف الكلمات غير المالوفه عن طريق التطبيق السريع الذى يحكم العلاقات بين الحروف واصواتها، لكن بدلا من ذلك يتراء من نتائج البحوث انه يتعرف عليها عن طريق مقارنتها بكلمات معروفة، فمثلا نطق كلمة "كضى" غير حقيقية ينطقها لمعرفته لنطق كلمة "مضى"، لذا فان مهارة القراءة يجب تنميتها حتى تصبح آلية تلقائية تتطلب القليل من الانتباه الواعى، حتى يتوفر انتباه القارئ لتفسير النص بدلا من تعرف الكلمات واحيانا يكون القارئ غير المتمرس غير قادر على التركيز على المعنى أثناء القراءة، ذلك ان مهارة التعرف لديه ذات مستوى متدن. وهو يوجه معظم انتباهه لنطق الكلمات حرفا بعد حرف وقطعة بعد قطعة، وحتى القارئ الجيد يظهر قدرا اقل من الفهم لما يقرأ عندما يجبر على الاهتمام بالظواهر السطحية للمادة القرائية.

ويتبين من نتائج الدراسات ان الطفل المتوسط في الصف الثالث، يمكنه ان يقراء قصة لا يعرفها من قبل قراءة جهرية، بحوالي 100 كلمة في الدقيقة، وفيما يتعلق بالقاري الضعيف في نفس الصف تبلغ سرعته من 50 الى 70 كلمة في الدقيقة، وطبقا لرأي فريق من الباحثين فان معدل السرعة هذا الاخير، يعد بطئ لدرجة انه يعوق الفهم حتى بالنسبة للمادة القرائية السهلة، كما انه من المؤكد لا يترك للقارئ اية امكانية لتنمية قدرات استيعابية جديدة. وينبغي تعليم الطفل بان هنالك اهدافا مختلفة للقراءة، وان عليه ان يغير من طريقته للقراءة تبعا لتلك الاهداف، فعلى سبيل المثال ان نمط القراءة بهدف الاستمتاع لا تتطلب فهما تفصيليا للنص، بينما قد تتطلب ذلك بهدف الاستعداد للامتحان.
وقد ترجع عدم قدرة القراء الضعاف على التحكم في القراءة بطريقة مناسبة، الى عدم ادراكهم لموضوع مادة القراءة، وان احد مظاهر هذا التحكم هو قدرة القارئ على مراقبة نفسه اثناء القراءة، وملاحظة اوجه الفشل عند وقوعها، وذلك باتخاذ اجراءات تصحيحية وفقا للحصيلة المعرفية، واذا ما اكتشف القارئ وجود قصور في الفهم، يعرف القارئ الجيد ما الذي ينبغي عليه ان يفعله لو واجه مشكله ما اثناء القراءة كان يطلب عون من مصادر خارجية او يقوم بتأجيل التفكير فيها الى حين تتضح اجاباتها في النص ذاته فيما بعد. ولعل هذا ما يؤكد ان القراءة الماهرة ينبغي ان تكون قراءة استراتيجية، وهذا يعني انه على القارئ ان يراقب مدى تقدمه في فهم المادة المقرؤة كما سبق واوضحنا.

وقد كشفت دراسة على ان الاطفال لا يجيدون الاستفادة من المعرفة السابقة، خاصة في البيئة المدرسية وقد يعرفون شيئا عما يتعلق بموضوع القراءة، ومع ذلك لا يستخدمونه عند محاولة فهمهم لنص ما، ويحتمل ان تحدث حالات الفشل تلك عندما يتطلب الفهم الاستفادة من معرفتهم السابقة، وحتى اذا وجد فارق عميق بين تفسير طفل ما للنص والفهم الصحيح للنص كما يدركه القارئ البالغ، فان هذا الفرق يعطى انطباعا ان الطفل لا يفهم المادة القرائية. لذا تنوه البحوث الى انه بصرف النظر عن الاستراتيجيات المستخدمة لتعلم الاطفال المبتدئين القراءة، فان الاطفال الذين يحصلون على اعلى الدرجات في اختبارات فهم المقروء في الصف الثاني، هم الذين حققوا أعلى درجة في تعرف الكلمات بشكل صحيح وسريع أثناء وجودهم في الصف الاول. وعلى الطفل القارئ ان يكون قادرا على تعرف الكلمة بسرعة ودقة، حتى تتآزر هذه العملية بشكل انسيابي مع عملية بناء معنى دلالي للنص.

ان اكثر ما يحتاجه الطفل الذي لديه استعداد كاف للتعلم المنظم للقراءة، هو الخبرة المناسبة باللغة المنطوقة والمكتوبة معا، فهي توفر فرص مبكرة للبدء في تعلم الكتابة، وفي هذا المنعطف يتبادر للادهان تساؤل مهم: متى ينبغي البدء بتعلم القراءة بصورة منتظمة بالتحديد ..؟ لاشك ان الاجابة تجعلنا نتأمل في اهمية القراءة كعملية مستمرة على كافة المراحل العمرية، الا انه باختصار شديد ان الاطفال يمكنهم الاستفادة من التعليم المبكر للغة والقراءة في مرحلتي ما قبل المدرسة ورياض الاطفال كما سبق واوضحنا .

ويتضح في هذا المنعطف اهمية تنمية اللغة الشفهية فهي جزء مهم من النمو اللغوي العام للطفل، وليست كمهارة جزئية منفصلة عن مهارات الاستمتاع والتحدث والكتابة، وتقوم القراءة على اللغة الشفهية خاصة. فلو كان هذا الاساس ضعيفا فان التقدم في القراءة سيكون بطيئا وغير مؤكد، فيجب ان يكون لدى الاطفال حصيلة من المفردات الاساسية على الاقل وقدر معقول من معرفة العالم من حولهم، وقدرة على الحديث عما يعرفون وهذه قدرات تشكل اساس الفهم النص القرائي، اذ انه لاشك في ان كفاءة فهم النص المسموع في مرحلة رياض الاطفال والصف الاول الابتدائي مؤشر جيد على فهم النص المقروء او حتى المكتوب بمستوى طفل الصف الثالث.

ولعل في مستوى ما بعد رياض الاطفال تلعب مكتبة المدرسة دورا بارزا في تنمية وصقل المهارات القرائية لدى الاطفال، حيث يستمتع الاطفال بحصة المكتبة وسماع القصص من معلمة المكتبة مرة بعد مرة، وهذه الحقيقة يمكن استخدامها كمحور ارتكاز لتعلم القراءة للمبتدئين، لذا فان التعليم المبكر يمد الاطفال بالمفاهيم الاساسية عن وظائف القراءة والكتابة وكذلك بمعلومات عن الحروف واصواتها وعن الكلمات، ومن ناحية اخرى بالنسبة للاطفال الذين يلتحقون برياض الاطفال وهم يستطيعون قراءة القصص البسيطة قد لايكون ضروريا تدريس اي من هذه الاساسيات لهـم، وهكـذا فان المبـدأ الرئيسي لاي تدريس جيـد الا وهو تقديـر ايـن يقف كـل تلميـذ والبنـاء فـوق ذلك ذو اهمية مضاعقة بالنسبة لمعلمـي رياض الاطفال. ويضاف لما تقدم انه من بين اساليب تنمية المهارات القرائية تعلم الكتابة، حيث يساعد على تنمية مهارة القراءة.

باعتبار ان الرغبة في التواصل مع الاخرين يعطي حافزا لاستعمل اللغة المكتوبة، واوضحت احد الدراسات التتبعية على الاطفال الذين تعلموا القراءة قبل ان يدخلوا الصف الاول الابتدائي وصف اولياء الامور، هولاء الاطفال بانهم اطفال "الورقة والقلم"، واحيانا يكون تعلم القراءة احد النواتج الفرعية لشغف بالكتابة، وبشكل عام ان الانشطة الكتابية تعطيهم فرصة جيدة بان يوسعوا معرفتهم. كما انه من اساليب تنمية المهارات القرائية الطريقة الصوتية اي تعلم العلاقة بين الحروف والصوات، ولاتستهدف سرد القواعد التى تحكم علاقات الحروف باصواتها، بل الغرض منها هو التعرض لمبدأ الحروف الابجدية والقائل بان هناك علاقات منتظمة بين الحروف واصواتها، لذا ينبغي ان ينظر الى الطريقة الصوتية على انها اسلوب يساعد الاطفال على البداية السريعة في رسم خريطة للعلاقات بين الحروف واصواتها.

وقد يبدو مزج الحروف سهلا بالنسبة للبالغ الذي يعرف فعلا كيف يقرأ، الا انه في الحقيقة خطوة صعبة بالنسبة للعديد من الاطفال، لذا فان تشجيع الاطفال على ان يعطوا كلمات يعرفونها وتكون ذات هجاء مشابه لكلمة تقابلهم لايستطيعون التعرف الفوري عليها فاننا نساعدهم على تنمية استراتيجية يستخدمها الكبار عندما يفسرون كلمات لايعرفونها بمقارنتها بكلمات معروفة لهم من قبل، وتلك احدى نقاط القوة في المدخل الضمني الذي في جوهره يتخذ من الكلمة اساسا له، فان البرامج الصوتية الصريحة تشرح عن طريق الكلمات العلاقات بين الحروف والاصوات .

الا ان التعليم في بعض هذه البرامج يتعزز لو اردت العناية باعطاء كلمات تعمل كشواهد مجسدة وذلك بصورة منتظمة، خلاصة القول ان هدف الطريقة الصوتية هو تعليم الاطفال اساس الابجدية والغاية من ذلك ان تصبح الابجدية ذات قيمة عملية حتى يمكن للقراء الصغار ان يستخدموا بصورة متسقة المعلومات التى لديهم عن العلاقة بين الحروف والاصوات والمعاني للمساعدة في تعرف الكلمات المالوفة. بشكل عام ينبغي ان تكون القراءة الجهرية والصامته كلتاهما هامة للمبتئدين، وينبغي ان تركز دروس القراءة على فهم وتذوق محتوى النص وينبغي على المناقشات التي تتم قبل القراءة والمناقشات وطرح الاسئلة ان تثير مستويات عليا من التفكير لدى الاطفال مع التأكيد على اظهار العلاقات بين المعرفة السابقة لدى الاطفال عن موضوع القراءة ، كل ذلك من شأنه تنمية وصقل المهارات الاطفال وجعلهم قراء مهرة مستقبلا .

وهنالك من يتسأل عن تأثير التليفزيون على القراءة، فقد اوضحت نتائج احد الدراسات بانه لا تأثر سلبا على تعلم القراءة، خصوصا عندما لا تتجاوز اقصى حد عشر ساعات اسبوعيا، فهناك علاقة ايجابية الا انها ضعيفة بين مقدار الوقت الذي يقضيه الاطفال في مشاهدة التليفزيون وتحصيلهم الدراسي بما فيه التحصيل في القراءة، الا انه مع تزايد ساعات مشاهدة التليفزيون يضعف التحصيل بشكل واضح جدا. فيما عدا البرامج المعدة خصيصا لتقديم قيمة تربوية لصغار الاطفال حيث تنمى القراءة بالفعل. لذا فان تزايد الوقت الذي يقضية الاطفال في مشاهدة التلفزيون والتغيرات التي طرأت على حجم الاسرة والحيز المتاح لكل طفل والتحولات في دافعية الناس واهدافهم المعيشية جميعها اسباب تضغف من مستوى التحصيل الدراسي.

وهنالك عدة مداخل لتقويم مستوى الكفاءة في القراءة، من بينها مقارنة التحصيل الدراسي، وقد اوضح مسح للاداء القرائي في خمس عشرة دولة غربية تم اجراؤه منذ عشر سنوات ان الامريكيين لم يحرزو ابدا المركز الاول ولا المركز الثاني في اي اختبار وجاء ترتيبهم في معظم الاختبارات حول او اقل من المتوسط العالمي، وفي مقارنة احدث اجريت بين الطلاب في الولايات المتحدة وفي اليابان وتايوان، ظهر ان اداء الطلاب في مختلف الولايات لا باس به، لكن عدد القراء الضعاف لا يتناسب مع عدد أقرانهم في الدولتين الاخريين.

لابد من العمل على جعل القراءة عملية مستمرة من اجل ايجاد امة قارئة، بناء على إن أول اتصال بين السماء والأرض ثم مع بداية مشارف الرسالة المحمدية على صاحبها افضل الصلاة والتسليم. وهذا ما كان الا تقديرا لقيمة وأهمية القراءة والعلم والمعرفة في كل زمان ومكان، فهى المفتاح الذي بواسطتها تتصل الأفكار وبها يصبح التفكير الإنساني عملية جماعية متصلة ومستمرة، وعن طريقها يمكن نشر الثقافة بين الشعوب.

وتستطيع فيها العقول أن تتفاعل مع بعضها متخطية حواجز الزمان والمكان من اجل خلق حياة افضل لبنى البشر. فمن خلال التعليم بشكلا مستمرا يتمكن الأفراد من تحسين أدائهم فى الأعمال التى يقومون بها بحيث يكون في مقدورهم مواكبة التغيرات التى تطرأ على تلك الأعمال. اذ ان المفهوم التقليدي السائد بإن الفرد بمجرد حصوله على المؤهل العلمي، يصبح مؤهلا لوظيفة ما فانه يكون غير محتاج الى مزيد من القراءة والاطلاع والتعليم، فهذا المفهوم التقليدي لم يعد له سند، فمن اجل أن يكون الشخص فعالا ومقتدرا في مجتمع المعلومات والمعرفة، فانه يتعين عليه الاطلاع الدائم والإلمام التام بكافة ما يستجد من تطورات الحديثة في مجال تخصصه.

لذا فان فكرة التعليم المستمر وتحديث المعلومات والمعارف على مدى الحياة، جاءت نتيجة التطوير والتغيير السريع في تقنيات المعلومات والاتصالات، حيث اصبحت سمة هذا العصر، فهذا النمط من التعليم المستمر من شأنه أن يضمن الرقي بالمستوى الثقافي والفكري وينعكس على الاداء على الوجه السليم، وما شهدته السنوات الأخيرة من تطورات ملحوظة في هذه البرامج "التعليم المستمر" في ضوء انتشار شبكات المعلومات "الانترنت"، يستوجب ضرورة اعتبار التعليم المستمر أحد أهم المحاور الرئيسية في منظومة التقدم الحضاري بالمجتمع والذي يستند عادة على الاطلاع والقراءة بصورة مستمره على مدى الحياة.

الا ان القضية الاكثر خطورة، تتمحور في مدى مقدرة الاجيال الحالية في إجادتها للقراءة والكتابة بصورة تكفي لمواجهة المتطلبات المعاصره والمستقبلية، فالعالم يدخل عصر المعلوماتية، وهو عصر تمثل فيه المعرفة قوة، وما كان يعد مستوى مرضيا لمعرفة القراءة والكتابة ابان العقود السابقة، قد أصبح هامشيا ومرفوضا بحلول هذه الالفية!!!.












التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
(قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم)
صَدَقَ اللّهُ العظيم
  رد مع اقتباس