عرض مشاركة واحدة
قديم Feb-14-2010, 01:54 PM   المشاركة51
المعلومات

ابراهيم محمد الفيومي
مشرف منتديات اليسير
أخصائي مكتبات ومعلومات
 
الصورة الرمزية ابراهيم محمد الفيومي

ابراهيم محمد الفيومي غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 31463
تاريخ التسجيل: Jun 2007
الدولة: الأردن
المشاركات: 2,507
بمعدل : 0.41 يومياً


تعجب

معرض القاهرة للكتاب يقاوم أعراض الشيخوخة
كباب وكفتة وحمص الشام وكتب يفوح منها التراب
انطلق المعرض في عام 1969 على يد الراحلة الدكتورة سهير القلماوي وشكل منذ ذلك التاريخ بصمة معرفية في ذاكرة الثقافة في مصر والعالم العربي («الشرق الأوسط»)
القاهرة:

جمال القصاص
اثنان وأربعون عاما قطعها معرض القاهرة الدولي للكتاب، مشكلا منذ انطلاقه في عام 1969 على يد الراحلة الدكتورة سهير القلماوي بصمة معرفية في ذاكرة الثقافة في مصر والعالم العربي. لكن يبدو أن المعرض في دورته الحالية قد تسللت إليه أعراض الشيخوخة، فلم يفلح بعد هذه السن المديدة في أن يستثمر وهج النضج، وأن يتلمس ببصيرة الخبرة وتراكم التجربة حكمة الكتاب كوعاء للمعرفة والفكر، ووقود للذات الإنسانية في سعيها للرقي الفكري والجمالي.. تدوخ السبع دوخات، لكي تصل إلى عنوان محدد، وربما تسعفك الصدفة، وتصبح سعيد الحظ، حين تصادف أحدا اشتراه من قبل، فيوفر عليك دوخة أو دوختين، مع أن الأمر أصبح ميسورا جدا في عصر تطور التكنولوجيا والإنترنت، ويمكن ببساطة شديدة أن يحصل زائر المعرض على كتاب إرشادي يدله على عناوين الكتب الموجودة بكل دار مشاركة في المعرض وأسعارها وطبعاتها، بل يمكن أيضا أن يباع هذا الدليل بسعر رمزي، مما يدر عائدا للمعرض، يمكنه من تحسين منظومة الخدمات المتردية، ويصبح المعرض بالفعل أكثر نظافة ونظاما وإشراقا، بدلا من هذه المتاهة التي يغوص فيها نحو 800 ناشر من 31 دولة عربية وأجنبية، وتستمر حتى يوم 13 فبراير (شباط) الجاري موعد انتهاء المعرض.

الروائي والناقد الليبي أحمد الفيتوري يتحسر على أيام المعرض قبل عدة سنوات ويقول: معرض القاهرة للكتاب معرض عريق وكبير، كنا نشد الرحال إليه من ليبيا كل عام، لنرجع بزاد من الثقافة والعلم والمعرفة نتقوت به حتى موعد عقد المعرض في العام المقبل، وكان المعرض عرسا ثقافيا بحق تتلاقح فيه الأفكار والرؤى، والقضايا، الساخنة في سجال فكري وحوار بناء بين شتى الأجيال والتيارات من الكتاب والمثقفين والمبدعين.. أذكر أن القاعات كانت تكتظ بالجمهور من الداخل والخارج في ندوات يحاضر فيها رموز وقمم فكرية من مثل الراحلين الدكتور فرج فودة والشيخ محمد الغزالي.. ويتساءل الفيتوري قائلا «لا أعرف السبب وراء غياب قامة فكرية مثل الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل عن المشاركة في برنامج المعرض الثقافي والتفاعل في ندوة حية مع الجمهور».
ويتابع الفيتوري: كان هناك وعي بخصوصية الثقافة العربية، وكان المعرض بخاصة في أيام الراحل الدكتور سمير سرحان بمثابة طاولة كبيرة ومتنوعة، لمناقشة مظاهر هذه الثقافة، والحوار حول مناطق السلب والإضافة فيها. أما الآن فالمسألة أصبحت مجرد سد خانة، البرنامج الثقافي هذا العام مجرد كم، ومغرق في العمومية، وكثير من الندوات فارغة من الجمهور، بل غاب عن بعضها المشاركون فيها، ولم يخطروا بها من الأصل، كما أن الأمسيات الشعرية بائسة وفقيرة، افتقدت الشعراء المؤثرين المصريين والعرب، وأذكر أن المعرض في دوراته السابقة كان بمثابة نافذة أطل منها عدد من الأصوات الشعرية المهمة، وأسهم المعرض في التعريف بهم لدى القارئ. ويخلص الفيتوري: معرض القاهرة معرض عريق، ويستحق اهتماما أكبر من المسؤولين، كي يستعيد دوره وزخمه الثقافي. ويقترح الفيتوري تقليص البرنامج الثقافي، والتركيز على القضايا المهمة في مجالات المعرفة والإبداع والعلم والفن، والتركيز على قضايا الكتاب والنشر، فالمعرض بالأساس سوق للكتاب.
وبرغم ذلك يحافظ المعرض هذا العام على طابعه الفولكلوري، ويضيف إليه رائحة خاصة، تختلط فيها لذة المعرفة ومشاكسات العقل بلذة المعدة وفنون الطهو، فبجانب روائح الكتب المتربة، بخاصة في رواق سور الأزبكية، والتي تلقى الرواج الأكبر من جمهور المعرض لرخص أسعارها، مقارنة بالأسعار النارية في دور النشر الأخرى.. بجانب كل هذا تطل روائح كباب وكفتة وتمر هندي وحمص الشام وسمك مقلي من المقهى الثقافي، ومطاعم «التيك أواي» المنتشرة بكثرة في المعرض، وفي الخلفية سيتناهى إلى سمعك أصداء رقص ومغنى، لمطربين مغمورين وفرق شعبية، تحفل بهم خيمة السينما والمسرح بالمعرض.
ومثلما تقول وفاء أحمد، محاسبة بإحدى الشركات المالية وهي تنظر لطفليها باسم (9 سنوات) وريهام (7 سنوات): المعرض بالنسبة لنا يعتبر فسحة عائلية، نحن نأتي للترويح وقضاء وقت ظريف، وشراء بعض القصص والكتب للأطفال بأسعار مناسبة.. الأولاد بيفرحوا بعروض الرقص الشعبي، أنا أحب القراءة، وبخاصة الروايات لكن الكتب غالية نار، مثلا رواية «اسمي أحمر» لبرهان باموك بسبعين جنيها، «وشفرة دافنشي» بمائة جنيه.. لكن سور الأزبكية، هو المنقذ، أنا اشتريت منه رواية «ذئب البراري» لهرمان هسة بخمسة جنيهات.
تبتسم وفاء وهي تودعني: «كان نفسي أشترى كتبا كثيرة، لكن ما باليد حيلة.. كمان المعرض زحمة ومش منظم، لكن احنا تعودنا عليه». ويأخذ محسن بركات، موظف بمؤسسة حكومية على منظمي المعرض إلغاءه الاحتفالية التي أعلن عنها بمنتخب مصر الكروي الذي حقق بطولة أفريقيا للمرة الثالثة على التوالي، وتنظيم لقاء لهم مع جمهور المعرض. ففي ظن بركات لا تنفصل الكرة عن الثقافة، ويقول: «كل المصريين مثقفون وبسطاء وناس عاديون كانوا يتابعون مباريات المنتخب بالبطولة، ومنهم من خرج ورقص في الشوارع مع الجماهير فرحا بالنصر.. يتابع بركات بحماس «هذا اللقاء لو تم، كان هيدي المعرض شكل حلو، ويخلي الرِّجل عليه أكتر». وقبل أن أسأله عن الكتب بادرني بالإجابة: «يا عم أنا جاي أهيص شويه مع شلة من أصدقائي، والمعرض فرصة، فيه قهاوي، ومشروبات دافيه، وكباب وكفتة».
ولم يخلُ المعرض من شبح المصادرة التي أصبحت من لوازمه بخاصة في السنوات الأخيرة، ومن أبرز الكتب المصادرة هذا العام رواية «الزعيم يحلق شعره» للروائي المصري إدريس علي، والتي صودرت من دار «الوعد» الناشرة لها، بحجة السخرية من الزعيم الليبي معمر القذافي، لكن إدريس علي أوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «الرواية تتلامس ومن منطلق نقدي مع بعض الأفكار التي طرحها الزعيم القذافي، وليس لدي موقف شخصي من الزعيم الليبي، ولا من أي زعيم عربي، لكن أفكار الزعماء ليست مقدسة، بخاصة حين تفشل على أرض الواقع، وأنا أتصور أن الكتاب الأخضر وقع في بعض الأخطاء والشعارات من قبيل «البيت لمن يسكنه» و«شركاء لا أجراء»، فتحت مظلة الشعار الأول حوّل الشعب الليبي كل ثروته إلى عقارات، وأصبحت أموالهم لا تعرف البنوك، وهذا أضر بالاقتصاد والمجتمع الليبي، كذلك طبق الزعيم الليبي شعار «شركاء لا أجراء» بشكل خاطئ في نظري لأن الملاك الأصليين في أية مؤسسة فضلوا فيها، وطبيعي حين تجرى انتخابات أن ينتخب العمال أصحاب المال، حتى بلغ رصيد الكثير من المؤسسات صفرا في البنوك.
أضاف إدريس: تجربة الرواية عشتها في ليبيا على مدى نحو 4 سنوات من العمل عانيت خلالها معاناة شديدة، وهذه الرواية هي الجزء الثالث من سيرتي الذاتية، بعد الجزء الأول «تحت خط الفقر» والثاني «مشاهد من قلب الجحيم» والذي حصل على جائزة اتحاد الكتاب المصري لهذا العام، وهناك جزء رابع، سأعكف على كتابته في الأيام المقبلة. وحول تأثير مصادرة الرواية عليه، قال إدريس: إن هذا التدخل من قبل جهات الأمن ومصادرة الرواية في معرض الكتاب، عمل غير مقبول وغير حضاري، ولا يليق بعرس ثقافي ننتظره كل عام، ويشكل واجهة مصر الثقافية، وفي حضور ناشرين من مختلف دول العالم. وسياسة المصادرة ترجعنا إلى الوراء إلى سنوات التخلف.
وتشبه الصحافية سارة ربيع معرض الكتاب بسوق الجمعة الشعبي الشهير في القاهرة.. تقول سارة: كانت العائلات تتوافد للخروج في نزهات في الهواء الطلق إلى معرض الكتاب بأرض المعارض، لكن هذا العام زاحمت المعرض السلع التجارية والمنتشرة في المعرض بشكل مبالغ فيه، وذلك على حساب عرض الكتب والمجلدات، فنشاهد أكشاكا صغيرة تباع فيها المأكولات والمشروبات بصورة أوسع من العام الماضي، وتتنوع ما بين المشويات الطازجة والدجاج المقلي والبيتزا، وفي بعضها تجد ركنا مخصصا للمأكولات الشامية.
وتلفت سارة لاتساع ظاهرة الكتاب الديني في المعرض، بخاصة بين عدد كبير من الزوار ينتمون لدول جنوب شرق آسيا، ومعظمهم يدرس بالأزهر، فهم لا يشترون إلا كتبا في مجالات الشريعة والتفسير واللغة والحديث. وترجع ذلك إلى رخص أسعار الكتاب الديني، مقارنة بالكتب الأدبية والفلسفية والعلمية.

أما عن سور الأزبكية، فترى أنه تحول إلى سويقة عشوائية بالفعل، فالنداءات على الكتب تخترق أذنك وبنغمات متفاوتة من قبيل: «قرب قرب ويلا يلا أي كتاب بجنيه واحد، قرب يا أستاذ قرب يا دكتور». لكن الحشود تتجمع أمام مجلدات ميكي وتان تان والمكتبة الخضراء لشراء 10 أعداد قديمة بـ 10 جنيهات مصرية. فهو «أوكازيون» كما يرددون.. وتستدرك سارة: مهم توفير أماكن للترويح في معرض كبير، قد يقضي المرء يومه كله بداخله، لكن إذا ما خطر في بالك وقادك حظك العاثر في البحث عن كتاب ما تريده ولا تعرف في أي دار للنشر، فاستعد فأنت أمام متاهة مثل متاهة «علي بابا». فبرغم شهرة معرض الكتاب وانتظار الجميع له، فإنه لا يوفر منشورات إرشادية عن المطبوعات المطروحة، ولا يذكر أماكن دور النشر وفى أي الصالات تكون! توافقها الرأي مروى صبري «مترجمة» وتقول: بصراحة صدمت من مستوى التنظيم بوجه عام في المعرض بالغ الضخامة، ومن الطبيعي أن يجد المرء نفسه كالتائه في مولد، بين كل هذه القاعات الكثيرة، وليس هناك أي دليل إرشادي لدور النشر المشاركة وطبيعة الكتب التي تعرضها، والقاعات التي تشارك فيها، بحيث يسهل للقارئ الوصول إلى ما يبتغيه.
تتابع صبري: لكن الصدمة الأكبر كانت في تدني مستوى النظام والنظافة وأسلوب عرض الكتب، والإضاءة شديدة السوء، وأنا أتصور أن طريقة عرض الكتاب فن يقودك إلى محتوى الكتاب، ويحببك في عملية القراءة نفسها.. أتمنى أن تتلاشى كل هذه الظواهر السلبية في المعرض العام المقبل.














التوقيع
إن الكل يموت ويذهب صداه
الا الكاتب يموت وصوته حي
  رد مع اقتباس