عرض مشاركة واحدة
قديم Feb-20-2007, 09:24 AM   المشاركة3
المعلومات

السايح
مشرف منتديات اليسير
محمد الغول

السايح غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 16419
تاريخ التسجيل: Mar 2006
الدولة: فلسطيـن
المشاركات: 1,360
بمعدل : 0.21 يومياً


افتراضي تكملة

ويلاحظ في الوقت الحاضر أن هذه المكتبات المسجدية – كغيرها من المكتبات الفلسطينية – تعاني واقعًا مريرًا حيث إن الكثير من مقتنياتها تعرض للسرقة والضياع والتلف نتيجة عوامل الجو والزمن،فضلاً عن معاناة البلاد بما فيها المكتبات، من الحصار الإسرائيلي والتدمير الصهيوني المتعمد لكل رموز وهوية الثقافة الإسلامية في فلسطين. لذا فالمطلوب هو المزيد من الدعم والاهتمام بإحياء مجد تلك المكتبات العريقة، عن طريق رصد الميزانيات المناسبة لشراء مصادر المعلومات، وتجهيز هذه المكتبات بالأجهزة اللازمة للحفاظ على مخطوطاتها، وأخيرًا الإشراف عليها من قبل أشخاص مؤهلين.
وأخيرًا تقف على قمة مكتبات المساجد مكتبة المسجد الأقصى عبر تاريخها الطويل، ذات الشهرة العريقة والتاريخ التليد، واكبت المد الحضاري الإسلامي وعكست صورته بكل الشموخ في كل أنحاء العالم الإسلامي، وهذا هو موضوع العنصر التالي .
2/2 نشأة مكتبة المسجد الأقصى :
اتضح مما سبق أن مكتبات المساجد هي المكتبات الأولى التي عرفتها مدن فلسطين بما فيها مدينة القدس، وكان أهم مكتبات المساجد في القدس هي "خزائن المسجد الأقصى"، فقد كان المسجد الأقصى كغيره من المساجد الكبيرة في الأقطار الإسلامية مركزًا للحياة الفكرية ومدرسة لتدريس العلوم، سواء علوم دينية أو علوم دنيوية، ولا يمكن أن تنتعش الحياة العلمية والفكرية في رحاب المسجد دون وجود مكتبة تضم الكتب الأمهات ونفائس المخطوطات، ومن هنا بدأت البواكير الأولى لمكتبة المسجد الأقصى، وتطورت على مر العصور ابتداء من الفتح الإسلامي للقدس حتى يومنا هذا، وقبل أن نمضي في سرد تاريخ هذه المكتبة خلال فترات تاريخها الطويل، تجدر الإشارة إلى الأسماء والمصطلحات التي سميت بها على مدى هذا التاريخ، وهذه الأسماء والمصطلحات كانت تطلق على المكتبات العربية في حقب التاريخ المختلفة – وقد حصر البعض(92) هذه الأسماء في الكلمات التالية :
1- بيت الحكمة.
2- خزانة الحكمة.
3- دار الحكمة.
4- دار العلم.
5- دار الكتب.
6- خزانة الكتب.
7- بيت الكتب.
وفي هذه التعبيرات السبع توجد ست كلمات مختلفة هي : بيت – خزانة – دار – حكمة – علم – كتب، وتشير الثلاث الأولى منها إلى أنواع أمكنة، بينما تدل الكلمات الثلاث الأخرى على موضوع هذه الأمكنة، وتصلح لوصفها، ولكل واحدة من هذه الكلمات قيمتها الخاصة، وأنها تحدد مجتمعة اثنتين اثنتين طابع المكتبات المختلفة.
وقد سميت مكتبة المسجد الأقصى – على مدى تاريخها الطويل – بالأسماء التالية : خزانة الكتب، دار الكتب، مكتبة، فالأولى تدل على مدى الحرص على الكتب، والثانية تدل على ضخامة الكتب المقتناة، والثالثة تدل على الاستعمال العصري، وفي الفقرات التالية عرض مبسط للمراحل والفترات الزمنية التي مرت بها مكتبة المسجد الأقصى على اختلاف مسمياتها.
2/2/1 الفترة الأولى : من الفتح الإسلامي حتى نهاية العصر الفاطمي:
تعود نشأة خزانة المسجد الأقصى إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين على التوالي، وهذا ما أشارت إليه بعض النصوص التاريخية التي تتعلق بمكتبة المسجد الأقصى.
وأول هذه النصوص ما ذكره ابن الفقيه في كتابه البلدان الذي ألفه سنة 290ه/902م، أنه كان في المسجد الأقصى في زمنه "ستة عشر تابوتًا (أي صندوقًا) للمصاحف المسبَّلة، وفيها مصاحف لا يستقلَّها الرجل"(93).
وثمة نص آخر ذكره ابن عبد ربه المتوفى سنة 328ه/939م في كتابه العقد الفريد "وفيه (أي في المسجد الأقصى) سبعون مصحفًا، وفيه من الكبار التي في الورقة منها جلد ستة مصاحف على كراس تجعل فيها"(94).
ومن خلال تحليل هذين النصين يمكن أن نستخلص بعض الحقائق على النحو التالي:
1- تمثلت البواكير الأولى لمكتبة المسجد الأقصى في وجود توابيت (صناديق) خصصت لحفظ المقتنيات فيها.
2- أهم ما كانت تضمه هذه التوابيت (المكتبة) من مقتنيات كانت نسخ القرآن الكريم، التي كانت توضع في المسجد أو توقف عليه أو تهدى إليه.
3- كانت المصاحف النواة الأولى لخزائن المسجد الأقصى.
وهناك نص آخر يتعلق بالمسجد الأقصى وبه إشارة إلى خزائنه من المصاحف، وقد أورد هذا النص محمد علي بن ميّسر المتوفى سنة 677ه/1278م. وذكره فيليب دي طرازي في كتابه الموسوم "خزائن الكتب العربية في الخافقين". يقول ابن ميّسر : "إن الإفرنج حاصروا بيت المقدس في رجب سنة 492ه/1099م، وكانوا قد ملكوا الرملة، فخرج إليهم الأفضل في عساكره، فلما بلغ الفرنج خروجه، جدّوا في حصار بيت المقدس حتى ملكوه، فهدموا المساجد وقبر الخليل وقتلوا أهل البلد جميعهم إلا اليسير وانحازت طائفة إلى محراب داوود عليه السلام، وأحرقوا المصاحف وأخذوا من الصخرة ما لا ينحصر من قناديل الفضة والذهب والآلات"(95).
من خلال تحليل هذا النص يمكن رصد المؤشرين التاليين :
1- وجود مصاحف في المسجد الأقصى كنواة لخزانة المسجد ولم يحدد النص عددها، وإن كان يشتم منه أنها كثيرة.
2- أن أكبر كارثة حلت ببيت المقدس هي ما قام به الإفرنج (الصليبيون) من قتل الناس وتدمير كل شيء في بيت المقدس ومنها حرق المصاحف الموجودة بالمسجد الأقصى.
هذه بعض الإشارات التاريخية القليلة – نتيجة شح المصادر عن هذه الفترة – والتي تؤكد على وجود مكتبة بشكل ما في المسجد الأقصى سواء أكانت على شكل تابوت أو خزانة، وأنها تمثل البواكير الأولى لمكتبة المسجد الأقصى أو مرحلة البدايات، حيث تطورت فيما بعد على مر العصور.
ويجب أن نذكر هنا في خلال الفترة، أن الفاطميين أنشاوا دار علم في القدس الشريف أيضًا، هدفها الظاهري علمي مثل نظيرتها في القاهرة، وكان مقر هذه الدار كنيسة القديسة حنّة(*) التي حولها صلاح الدين الأيوبي فيما بعد إلى مدرسة للشافعية، وأغلب الظن أن هذه الدار كانت تضم مكتبة لزوم الدراسة بها، ولما ملك الفرنجة القدس سنة 492ه/1099م أعادوها كنيسة وطردوا الفاطميين منها(96).
وعلى أي حال فقد حاولنا في الفقرات السابقة تلمس البواكيرالأولى لمرحلة النشأة لمكتبة المسجد الأقصى خلال تلك الفترة، التي غشاها عدم وضوح رؤية – آنذاك – لمفهوم خزانة الكتب، فلم يتبلور هذا المفهوم أو يتحدد معناه مثل ما نجده فيما بعد من فترات.
2/2/2 الفترة الثانية : وتشمل العصرين الأيوبي والمملوكي:
قبل رصد تاريخ مكتبة المسجد الأقصى في هذه الفترة، تجدر الإشارة إلى أنه كان يطلق عليها وقتئذ اسم "خزانة أو خزائن" كما يطلق على سائر مكتبات العالم الإسلامي. وذلك أن الكتب الموضوعة في خزائن كانت هي المكتبة، وأما قاعات المطالعة المخصصة لرواد المكتبة من القراء والباحثين فلم تكن معروفة بشكل واضح كما هي معروفة الآن، ففي مكتبات المساجد – والتي تقف على قمتها مكتبة المسجد الأقصى بكل شموخ وفخر – كانت الكتب تخرج من الخزانة لتقرأ في أية ناحية من أنحاء المسجد، ثم تعاد إلى الخزانة مرة أخرى تحت إشراف الخازن، وهو يقوم مقام أمين المكتبة في أيامنا هذه. لذا سادت كلمة "خزانة الكتب" أو "خزائن الكتب" لتدل على المكتبة في هذه الفترة.
وتعتبر هذه الفترة من أخصب الفترات التي مرت بها "خزانة المسجد الأقصى" فابتداء من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي أخذت تتبلور ملامح جديدة للحركة المكتبية في فلسطين عامة وفي مدينة القدس خاصة، حيث شهد عصر الأيوبيين والمماليك نهضة علمية كبيرة وحركة فكرية موازية تمثلت هذه وتلك في مظاهر متعددة، منها البدء في إنشاء المدارس وكثرة المساجد وتعميرها في مختلف أنحاء البلاد، واستقطاب عدد كبير من العلماء سواء من فلسطين أو من خارجها للتدريس في المسجد الأقصى، كانوا أساتذة زائرين لو جاز لنا استخدام مصطلحات العصر، كذلك نشطت حركة التأليف وراجت الكتب وازداد عددها كمًا وتباينت موضوعاتها نوعًا. كل هذا النشاط الفكري أدى إلى إغناء المكتبات، والعناية بها والاهتمام بأمورها، في هذه الأجواء نشطت الحركة المكتبية نشاطًا ملحوظًا وتطورت تطورًا مشهودًا في القدس، ومن الملامح البارزة لهذا التطور نمو ملحوظ في مكتبات المساجد وخاصة مكتبة المسجد الأقصى.
وكان المسجد الأقصى، ولا يزال، مركزًا للحياة الفكرية وجامعة إسلامية لتدريس العلوم ولا سيما العلوم الإسلامية، ولا يمكن أن تنتعش الحياة الفكرية وتنشط وتؤتي ثمارها – التي كان مركزها المسجد الأقصى – دون وجود مجموعات مناسبة كمًا ونوعًا من الكتب والمخطوطات، وفي طليعتها القرآن الكريم وكتب الحديث والتفسير والفقه.
وهكذا "تطورت خزائن المسجد الأقصى بمرور الوقت، فاصبحت تضم آلاف الكتب التي تبحث، فضلاً عن العلوم الدينية الأساسية، في علوم العربية والتاريخ والأنساب والميقات والمنطق، ومنها مؤلفات المدرسين الذين عملوا في المسجد الأقصى على مدى العصور"(97).
من خلال تحليل هذا النص نستنتج ما يلي :
1- ضخامة مقتنيات مكتبة المسجد في هذه الفترة.
2- كانت موضوعات هذه المقتنيات تتحوصل حول العلوم الشرعية بفروعها واللغة العربية بعلومها، هذا بالإضافة إلى التاريخ والحساب والفلك والمنطق.
3- كان الإبداع – في هذه الفترة المبكرة – يمثل أحد مصادر بناء مجموعة المكتبة، وهو حصيلة ما أودعه المدرسون من مؤلفاتهم في المكتبة.
ومن أهم المؤلفات التي أودعها هؤلاء المدرسون كتب فضائل بيت المقدس، ومنها كتب كثيرة كتبت في القدس، وكانت من جملة الدروس التي أمليت في المسجد الأقصى.
وقد ذكر السيوطي في مقدمة كتابه "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى" الكتب التي ألفت عن المسجد الأقصى في العصور الغابرة، وسمى الكتب التي نقل عنها بقوله "مما كان في خزائن المسجد الأقصى" ككتاب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام للمقدسي (ت 765ه) وكتاب باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس لابن إسحق الفزازي المعروف بابن الفركاح (ت 729ه) وكتاب الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى لابن عساكر (ت 600ه) وغيرها كثير(98).
وكانت ظاهرة وقف الكتب والمصاحف الشريفة منتشرة في بيت المقدس، بل أمرًا شائعًا في معظم بلدان العالم الإسلامي بصورة تدعو إلى الفخر والرصد، حيث كانت تمثل مصدرًا من أكبرالمصادر في بناء مجموعات خزائن الكتب في هذه الفترة، وخاصة خزائن المسجد الأقصى.
فقد مر من قبل أن صلاح الدين الأيوبي عندما فتح بيت المقدس أعاد حال الصخرة كما كانت وعين لها إمامًا حسن القراءة ووقف عليها دارًا وأرضًا وحمل إلى محراب المسجد الأقصى مصاحف وختمات وربعات شريفة(99).
ومما وقف على المسجد الأقصى من مصاحف، المصحف الذي كتبه السلطان أبوسعيد عثمان بن أبي يوسف المريني ملك المغرب بخط يده وأرسله إلى المسجد الأقصى سنة 745ه/ 1344م(100).
وكان من عادة سلاطين المماليك أن يضعوا المصاحف في المسجد الأقصى ويقفوا أوقافًا على قارئ يتولى قراءتها، ومن هؤلاء الملك الأشرف برسباي الذي وضع مصحفًا كبيرًا في المسجد الأقصى ووقف عليه جهة للقارئ والخادم وشرط النظر لمن يكون شيخ الصلاحية وقرر في القراءة فيه الشيخ شمس الدين الرملي المقرئ(101).
ويفيد الحنبلي أن الشيء ذاته بعد برسباي فعله كل من : الملك الظاهر جقمق فوضع مصحفًا في الصخرة المشرفة وجعل له قارئًا، والملك الأشرف إينال الذي وضع مصحفًا بالمسجد الأقصى ورتب له قارئًا ووقف عليه جهة، وكذلك الملك الظاهر خشقدم(102).
وإذا تركنا عملية الوقف كمصدر من مصادر بناء مجموعات خزائن المسجد الأقصى، نجد مصدرَا آخر لا يقل أهمية عن الوقف، ألا وهو الإهداء، حيث حرص كثير من العلماء والفقهاء خلال هذه الفترة على أن يرسلوا نسخة من مصنفاتهم كهدية إلى المسجد الأقصى لتحفظ في خزائنه.
من هؤلاء – على سبيل المثال – الإمام موفق الدين أحمد بن يوسف الموصلي الكواشي المفسّر (ت 680ه/1281م) الذي أرسل نسخة من كلا مصنفيه الكبير والصغر إلى القدس(103). وكانت هذه النسخ تسمى باسم "نسخ القدس".
ويشتم من النصوص السابقة والإشارات التاريخية السالفة أن خزائن الكتب في الحرم القدسي الشريف كانت موزعة بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وخزائن المسجد الأقصى هي الخزانة المركزية الرئيسية، أما خزانة قبة الصخرة فكانت بمثابة الخزانة الفرعية، كما نذكر في أيامنا هذه "المكتبة الرئيسية أو المكتبة المركزية" و"المكتبة الفرعية". وكان لكل من الخزانتين بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة خزنة أو أمناء خاصون، فيذكر السخاوي أن شمس الدين محمد بن أحمد بن حبيب الغانمي المقدسي كان خازن الكتب في المسجد الأٌقصى في أواسط القرن التاسع للهجرة(104).
وممن تولى أمانة الكتب في الصخرة المشرفة في القرن الحادي عشر الهجري الشيخ بشير الخليلي، وتشير إحدى الوثائق إلى وجود وظيفة بمسمى "أمانة الكتب في الصخرة المشرفة"، وهذه الوثيقة مؤرخة بتاريخ 5 صفر سنة 1060ه. وبعد وفاة الشيخ بشير الخليلي تولى هذه الوظيفة – كما نصت الوثيقة – ولداه الشيخ إبراهيم، والشيخ عبدالرحمن سوية بينهما(105).
هذه صورة مبسطة لما كانت عليه خزائن المسجد الأقصى، عكست باقتدار مدى التقدم الحضاري والنهضة العلمية التي كانت عليها مدينة القدس خلال العصرين الأيوبي والمملوكي.
2/2/3 الفترة الثالثة : العصر العثماني:
بدأت في أوائل العصر العثماني نهضة علمية واسعة النطاق في البلاد التي فتحها العثمانيون، وكونوا منها ما يسمى "الإمبراطورية العثمانية"، وكانت فلسطين منها بما فيها مدينة القدس، واهتم سلاطين العثمانيين الأوائل بالعلم والعمل على نشره في أرجاء هذه الإمبراطورية.
وكان من مظاهر هذا الاهتمام تزويد مكتبة المسجد الأقصى بالكتب والمصاحف، وكانت ظاهرة الوقف منتشرة خلال القرن الأول من حكم العثمانيين للقدس، وهذا يتجلى بوضوح لدى السلطان سليمان القانوني الذي وقف مصحفًا على المسجد الأقصى وعين له قارئًا ومعلومًا قدره عثمانيان في اليوم. كما وقف المصاحف على المسجد الأقصى أيضًا الوزير العثماني سنان باشا في القرن الحادي عشر الهجري، وكذلك فعل ناظر الحربية العثماني أنور باشا سنة 1335ه(106).
وهكذا ظل المسجد الأقصى موضع اهتمام الحكام العثمانيين، وأصبح من أكبر المساجد الفلسطينية التي اشتهرت بحلقات التدريس في العصر العثماني، وكان يؤمه العلماء من مختلف البلدان ويلقون دروسًا فيه.
وعندما بدأ الضعف في أوصال الإمبراطورية العثمانية نتيجة للحروب التي خاضتها ضد أعدائها، وزاد هذا الضعف استفحالاً عندما بدأ الغزو الاستعماري الأوربي السياسي والاقتصادي لها، كل هذه الأوضاع انعكست بالسلب على أقطار الدولة العثمانية ومنها فلسطين بما فيها القدس.
وقد أدى ذلك إلى تخلف الوضع العلمي والتعليمي في القدس، وانسحب هذا بدوره على خزائن الكتب الموجودة في المؤسسات التعليمية وخاصة المساجد ومنها خزائن المسجد الأقصى.
ويذكر العسلي أن هذه الخزائن نهبت ودمر بعضها، وأن ما بقي من الكتب والمخطوطات التي كانت في خزائن المسجد الأقصى وما حوله من مدارس هو نزر يسير مما كان في مرحلة الازدهار التي شهدتها هذه المؤسسات في العصور السابقة، ويستطرد قائلاً : إن قصة هذه الكتب والمخطوطات قصة محزنة مثيرة للأسى العميق فقد ضاع قسم كبير منها وتلف قسم كبير آخر وسرق أيضًا قسم كبير أو بيع بأبخس الأثمان(107).
وثمة مجموعة من العوامل التي تضافرت في صنع هذه المأساة، يمكن رصدها على النحو التالي :
1- أن مدينة القدس كانت على مدى تاريخها الطويل من أكثر المدن معاناة وتعرضًا للنكبات.
2- الجهل الذي ساد في القرون المظلمة وران على قلوب كثير من الناس.
3- ما نهبه الغرب وما أخذه من كتب ومخطوطات في وقت لم يكن فيه أهل البلاد يعرفون قيمتها.
وعلى هذا النحو تسرب كثير من كتب التراث إلى أوروبا وأمريكا ويؤكد البعض هذه الحقيقة بقوله: إن هناك صناديق مليئة بالمخطوطات في جامعة هيدلبرج في ألمانيا عليها ختم المسجد الأقصى(108).
2/2/4 الفترة الرابعة : القرن العشرون:
سيختصر الحديث عن هذه الفترة، لأنها تدخل ضمن الفترة الراهنة إلى حد ما، وقد تم التعرض لها بالتفصيل في المبحث الثالث، لذا سيرصد هنا فقط الملامح العامة لهذه الفترة.
فعندما أنشئ المجلس الإسلامي الأعلى في مدينة القدس سنة 1921م، أولى عناية كبيرة للكتب القديمة في القدس، فجمع كثيرًا منها ومن المخطوطات الباقية في خزائن المسجد الأقصى، وأنشأ مكتبة في المسجد الأقصى ووضع فيها ما أمكن جمعه من الكتب والمخطوطات التي نجت من الإهمال وسوء التصرف، أطلق عليها "دار كتب المسجد الأقصى".
وافتتحت هذه الدار عام 1922م في القبة النحوية التي كانت مدرسة للنحو والأدب، أنشأها الملك المعظم ثم نقلت فيما بعد إلى المكتبة الأسعردية بعد أن رممها المجلس الأعلى في عهد الحاج أمين الحسيني، وقد نقلت الدار بعد ذلك حوالي عام 1929م إلى المتحف الإسلامي، وبقيت مغلقة (مخزونة) لمدة خمسة عقود تقريبًا، وكان كثير من كتب هذه الدار في حالة رثة، وظل الوضع هكذا حتى عام 1976م عندما ارتأت دائرة الأوقاف والمقدسات الإسلامية في القدس إحياء هذه المكتبة من جديد، لذا عملت جهدها في جمع الكتب المخزونة في المتحف الإسلامي باسم "دار كتب المسجد الأقصى"، وأضافت إليها مكتبات بعض الأسر التي تبرع بها أصحابها، وجمعت ذلك كله في مبنى المدرسة الأشرفية التي بنيت في عهد السلطان قايتباي سنة 886ه/1481م، ونقلت هذه المقتنيات في هذا المقر الجديد تحت اسم "مكتبة المسجد الأقصى"، وهذه المكتبة هي التي درست دراسة مستفيضة لوضعها الراهن في المبحث الثالث.
المبحث الثالث : مكتبة المسجد الأقصى : دراسة للوضع الراهن :
3/0 تمهيد:
يعالج هذا المبحث بالدراسة والعرض والتحليل الوضع الراهن لمكتبة المسجد الأقصى من حيث مقوماتها المادية والبشرية، فيتناول الموقع والمبنى والتجهيزات، ثم مجموعات المقتنيات من الكتب والدوريات والمخطوطات، يلي ذلك الموظفون بالمكتبة، على أساس أن هذه العناصر الثلاثة تمثل الركائز الأساسية أو المقومات الرئيسية لأية مكتبة تسعى إلى تقديم خدمة مكتبية ومعلوماتية ذات مستوى مناسب لروادها من القراء والباحثين، وقد تم معالجة هذه العناصر في نطاق المعلومات والبيانات المتاحة، حيث تعيش كل المدن الفلسطينية وعلى رأسها مدينة القدس وضعًا عسير ًا وظروفًا صعبة أثرت بصورة مباشرة على كل مناشط الحياة في هذه المدينة الصامدة.
3/1 الموقع والمبنى والتجهيزات:
تقلبت على مكتبة المسجد الأقصى عوامل متعددة تبعثرت خلالها كتبها وتغيرت أماكنها على مر العصور.
3/1/1 الموقع :
وقبل الحديث عن مبنى المكتبة ومكانه، لزم الأمر إعطاء صورة مبسطة عن موقع الحرم القدسي الشريف الذي يضم مكان المكتبة ومبناها.
تضم مدينة القدس أماكن مقدسة كثيرة بالنسبة للمسلمين، ومن أهم هذه الأماكن منطقة الحرم القدسي الشريف، وتبلغ مساحة هذه المنطقة نحو (143) دونمًا (أي حوالي 60 فدانًا)(109) وهذه المنطقة محاطة بسور من الحجر بارتفاع نحو خمسة أمتار وعرض نحو متر، وتشتمل هذه المنطقة على مبان كثيرة أهمها :
1- المسجد الأقصى : وهو الجامع الكبير الواقع في الجهة القبلية من مساحة الحرم القدسي الشريف، وتبلغ مساحته نحو (4557) مترًا مربعًا شاملة المسجد الأقصى ذاته، وجامع النساء وجامع عمر ومقام سيدنا زكريا.
2- مسجد قبة الصخرة : وهو مقام فوق الصخرة، وهو المكان الذي صلى فيه الخليفة عمر ابن الخطاب، وحظي باهتمام الحكام المسلمين على مر العصور، ويبعد عن المسجد الأقصى بنحو (200) متر، وتبلغ مساحة مسجد قبة الصخرة (750) مترًا مربعًا وهو على شكل مثمن، يبلغ طول ضلعه الخارجي (20) مترًا وارتفاعه (12) مترًا، أما ارتفاع المبنى حتى أعلى الهلال فيبلغ (36) مترًا هو مغطى بالقيشاني والخزف المتعدد الألوان والزخارف.
3- حائط البراق الشريف : ويسميه اليهود حائط المبكى، ويدّعون أنه البقية الباقية من الهيكل القديم، والحقيقة التي لا مراء فيها أنه أثر إسلامي.
4- قبة السلسلة : وتقع على بُعد قريب شرقي قبة الصخرة.












التوقيع
اقم دولة الاسلام في قلبك
قبل ان تقمها على ارضك
أبو عبدالرحمن
<a href=http://alyaseer.net/vb/image.php?type=sigpic&userid=16419&dateline=1227596408 target=_blank>http://alyaseer.net/vb/image.php?typ...ine=1227596408</a>
  رد مع اقتباس