[تركي العيسى]

رحلتي إلى استانبول

في شتاء العام 2006م توجهت إلى العاصمة العثمانية استانبول وبرفقتي أحد الأصدقاء , كانت وسيلة سفرنا القطار الذي انطلق بنا من مدينة حلب في صباح كانت شمسه الساطعة بقوة لا تخفف من موجة البرد القاسية , ومع غروب الشمس تراءات لنا جبال طوروس الشاهقة المكللة بالثلوج ومن أحد الثغوربدأ قطارنا يخترق ثغرا ذكرني بالقائد الأموي مسلمة بن عبد الملك الذي ظلّ مرابطا في تلك الثغور ردحا من الزمن يدافع عن كرامة أمتنا العربية والإسلامية ,وهناك على سفوح جبال طوروس قبائل عربية كان لها دورا مهما في الدفاع عن تلك الثغور.
توقف قطارنا في محطة إصلاحية القريبة من الحدود السورية ,ورآنا موظف الجوازات لا نعرف التركية ، فملأ ورقة الدخول بنفسه وختم على الجوازين ، وابتسم.
قال لي صديقي علينا أن ننام لنستمتع بيوم غد على مناظر لعلها أجمل مما رأينا . كان الطريق إلى العاصمة أنقرة طويلا استغرق أكثر من عشر ساعات قضيناها بين النوم واليقظة إلى أن بزغ الفجر فبدت تلوح من قرب جبال "بالي" السامقة , تحيط بنا كإسوارة ذهبية بمعصم فتاة , وأصبحت أنقرة على يمين قطارنا ، وفي تلك اللحظات تناهبتني الأفكار التاريخية وصعد إلى مساحة ذاكرتي الخليفة المعتصم بالله حين استجاب لنداء المرأة الهاشمية إذ استغاثت به مستنجدة ، مستجيرة به ممن أذلوها وقتلوا ابنها في" زبطرة " أحد ثغور المسلمين قائلة : وامعتصماه.. وامعتصماه، فكانت استجابته مضرب المثل في النخوة العربية والرجولة الإسلامية ، فأقسم ألا يجلس على عرشه حتى يثأر لها وللمسلمين، وبرّ بقسمه ، واجتاحت جيوشه الروم وعاصمتهم "أنقرة" فهدّمها وأحرقها ، ثم مال على " عموريّة" مسقط رأس القيصر ، فاستباحها وهدّمها كذلك، ، وعندها علا صوت " أبو تمام " في قصيدته الرائعة :
السيف أصدق أنباء من الكتب في حدِّه الحَدُّ بين الجدِّ واللعب
وفيها يقول:
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظم من الشعرأو نثر من الخطب
فتح تفتَّح أبـواب السـمـاء لـه وتبرز الأرض في أثوابها القُشُب
ويعظم شأن فتح عمورية :
يا يوم وقعـةِ عمّوريـّة انصرفَـتْ عـنك المنى حفّـلا معـسولة الحَلـَب
أبقيت جَدّ بني الإسلام في صُعُد والمشركين ودار الشرك في صبب
ويرى أن ما أصاب أنقرة من دمار كان شؤما على عمورية :
جرى لها الفأل نحسا يوم أنقِرة إذ غودِرَت وحشة الساحات والرحب
ولما طغت صورة الحاضر وتذكرت واقعنا العربي المؤلم لم أجد أبلغ تعبير من قول شاعرنا عمر أبي ريشة في رائعته :
ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفـواه الصبايـا اليُتَّـم
لامستْ أسماعهم لكنهـا لم تلامس نخوة المعتصم
كان صباحنا جميلا , الثلج الأبيض يتساقط كنتف القطن في حقولنا , وظلّت القرى والبلدات تستقبلنا , إلى أن وصلنا إلى بحيرة عظيمة على يمين القطار الذي تحوّل من كثرة المنعطفات إلى أفعى تتلوى .
ومع غياب شمس يومنا الثاني دخلنا إلى مدينة إزميت وهي مدينة جميلة تشرف على بحر مرمرة , وبعد ثلاث ساعات توقف قطارنا في محطة حيدر باشا في القسم الآسيوي من استانبول , وكنت ورفيقي لا نعرف من اللغة التركية شيئا اتصل رفيقي بصديق وقريب له في تركيا كان ينتظرنا في الطرف الأوربي في منطقة اسمها " سيركجي " طلب منا أن نعبر البوسفور بالباخرة ولكنا لم نصل إليه إلا بعد عناء طويل .
رحّب بنا مضيفنا ودعانا إلى تناول العشاء , وأخذنا بعد ذلك إلى فندق " سانتا صوفيا " .
في اليوم التالي ذهبت إلى أرشيف الدولة العثمانية , وفي الطريق بدت لي استانبول عظيمة بأوابدها , جامع السلطان أحمد ، الواقع على ضفاف على بحر مرمرة ذي المآذن الست، وكان السلطان أحمد قد طلب إلى المهندس أن يبني مئذنة من ذهب ، والذهب بالتركية "ألطن" ورأى المهندس أن هذا أمر غير ممكن فبنى المآذن الست ، والرقم ستة بالتركية"ألطي" فاعتذر للسلطان حين راجعه أنه سمعه يقول ستة ،لا ذهباً ، فأعجب السلطان لذكائه وكافأه،،،, وكاتدرائية آيه صوفيا , ومتحف الطوب كابي متموضعة وراء بعضها وتتوسد بحر مرمرة .
قضيت أياما سعيدة في شوارع عاصمة الامبراطورية البيزنطية ومن ثم عاصمة الامبراطورية العثمانية .
لكن أغلب أوقاتي كنت أبحث في أرشيف الدولة العثمانية , وحصلت على وثائق ومخطوطات ذات أهمية تاريخية كبيرة وخاصة فيما يخص القبائل العربية ........