منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » منتدى الوثائق والمخطوطات » صناعة الكتاب والكتابة في الحجاز، عصر النبوة والخلافة الراشدة

منتدى الوثائق والمخطوطات يطرح في هذا القسم كل ما يتعلق بالوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية.

إضافة رد
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم Sep-08-2006, 09:04 PM   المشاركة1
المعلومات

سليمان سالم الشهري
أكاديمي

سليمان سالم الشهري غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 7449
تاريخ التسجيل: Jun 2004
الدولة: بريطانيا
المشاركات: 212
بمعدل : 0.03 يومياً


افتراضي صناعة الكتاب والكتابة في الحجاز، عصر النبوة والخلافة الراشدة

بداية اود ان استهل حديثي برؤية كانت دائماً ترتسم في ذهني عن الكتاب وشكله، وليس عيبا ان اكون مكتبيا هذا تصوره ولكن العيب ان ينطبع هذا التصور ويترسخ ويكون كأيمان بهذا التصور. فقد كنت اتصور ان الكتاب هو مجراد ذلك الكيان المادي شبه المستطيل المكون من مجموعة من الصفحات ويكون مغلف بغلاف مقوى او ورقي. هذا التصور تغير شيئأ فشيئا مع ظهور الكتاب الالكتروني بالاضافة الاستخدام الواسع للانترنت وبزوغ بعض البرمجيات المساعدة في انتاج ذلك الكتاب الالكتروني.
لكن حقيقة ما ساقدمه اليوم ليس كتاب الكتروني وليس ذلك الشكل المادي للكتاب المعهود. انما هو تاريخ الكتاب والكتابة في عصر فجر الاسلام. والذي اجزم واثقاً انه سوف يكون هناك اضافة الى حصيلتنا المعرفية بشأن الكتاب في تلك الحقبة وما بعدها. وبالذات ان مهنتنا ارتبطت بالكتاب والمكتبة والمأخوذة من الاصل الثلاثي (ك ت ب) في لغتنا العربية لغة القرآن.
في عجالة سريعة قبل ان نبدأء رحلة مع الكتاب والكتابة في الحجاز بعصر النبوة والخلافة الراشدة، احببت ان انوه الى ان الكتاب هو عبارة عن اطروحة ماجستير للباحث الاستاذ ماجد بادحدح، وقد اجيزت من جامعة الملك عبدالعزيز. لذلك اقول اعدو العدة وتهيئو لرحلة تاريخية عبر بوابة الزمن، ننفد من خلالها الى حقبة تاريخية لم نحضى بشرف معيشتها ولكن حضينا بحمد الله تعالى بشرف من خلدها لنا واحياها لكي نتعلم ونستفيد ونستزيد من منافعها.

"قراءة في: صناعة الكتاب والكتابة في الحجاز، عصر النبوة والخلافة الراشدة لبادحدح

قراءة-عبده حكمي

ارتبطت صناعة الكتابة والكتاب منذ عصور قديمة بالأديان السماوية ارتباطاً وثيقاً من خلال كتبها المقدسة التي حظيت باهتمام اصحاب هذه الديانات، كتابة، ونسخاً، ونشراً وصيانة، وحفظاً، وحدث عين هذا الارتباط – بطبيعة الحال– في أعظم الرسالات السماوية وخاتمتها رسالة الإسلام، إلا ان ارتباط الإسلام بصناعة الكتابة والكتاب كان أقوى واشد تأثيراً، وذلك لأمرين اثنين هما: شمولية الاسلام وخلوده وخلود كتابة القرآن الكريم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فكما أن ظهور الإسلام قد أحدث نقلة روحانية وإيمانية فريدة ومتميزة في تاريخ البشرية فإنّه قد قرنها بنقلة حضاريّة شاملة لا تقلّ في تفرّدها وتميزّها عن قرينتها.

هذا مدخل بسيط لكتاب هذا الأسبوع: "صناعة الكتاب والكتابة في الحجاز، عصر النبوة والخلافة الراشدة" لمؤلفه ماجد بن عبود بادحدح..

الكتاب يقع في جزءين كل جزء احتوى على باب من الأبواب ..تزيد عدد صفحاته عن ستمائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط.. وصدر الكتاب ضمن سلسلة "مكة المكرمة عاصمة الثقافة الإسلامية" ومن انجازات مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي فرع مؤسسة مكة المكرمة والمدينة المنورة.

نظرة في المقدمة:

"لم تكن صناعة الكتاب بأدواتها الأولية، في صدر الإسلام، محل اهتمام الدارسين، فقد ركّزت معظم الدّراسات على عصور ازدهار الصناعة في حواضر الدولة

العباسية، وفي حواضر ما تلتها من الدول الإسلامية عامة. وبقي الدور الريادي لنشوء حركة صناعة الكتاب والكتابة في عصر صدر الإسلام "عصر النبوة ثم الخلافة الراشدة" في مكة المكرمة والمدينة المنورة دون دراسة علمية توثق تلك الحقبة المهمة من تاريخ الحضارة الإسلامية".

هكذا بدأ الأستاذ أحمد زكي يماني تقديمه لهذا الكتاب والذي أضاف بأن الله قيّض للباحث بادحدح أسباب البحث والتقصي للتصدي لهذا الموضوع الصعب فعمل لسنوات طوال تحت إشراف معلمه الأستاذ الدكتور عباس صالح طاشكندي، منقباً ومحققاً لنصوص أمهات المصادر حتى تمكن من إنجاز دراسة سلطت الأضواء على تلك الحقبة المهمة من تاريخ الحضارة البشرية المكتوبة.

الباب الأول: ظروف النشأة وعوامل التأثير

جاء تحت هذا الباب خمسة فصول بدأ المؤلف في الفصل الأول بالعامل التعليمي:

استعرض الباحث في هذا الفصل جوانب من الحياة العلمية في النصف الأول من القرن الأول الهجري، متمثلة في الجانبين النظري والعملي للسياستين النبوية والراشدية، وشمل الجانب العملي بعضاً من مظاهر الحياة العلمية في ذلك العهد مثل: بعثات المعلمين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتعليم الفردي والجماعي. ويظهر الأخير في التجمعات والمراكز التعليمية أو ما يشبه المدارس وتعليم الوفود.. وشمل الجانب العملي ايضاً: الرحلة في طلب العلم وتعليم الكتابة. وهدف الباحث من هذا الفصل إلى اظهار تأثير الحياة العلمية كعامل رئيس في صناعة الكتابة والكتاب وذلك من خلال كون هذه الحياة تمثل الركيزة الأم التي قامت عليها عمليات تعلم الكتابة وانتشارها بين طلاب العلم وفي التجمعات والمراكز

التعليمية ومن ثم ظهور الرسائل والمدونات العلمية العامة والمتخصصة فكان نتاج ذلك ان تطور الخط العربي وتطورت معه صناعته.

أهمية العلم والقراءة والكتابة في القرآن الكريم:

اهتم الاسلام بالعلم والتعلم ولا أدلّ على ذلك وأقوى من الكلمة الأولى التي نزل بها الوحي الإلهي على النبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه.

كلمة "اقرأ" هذا الأمر ذو السر الإلهي العجيب الذي امتد أثره من فجر الإسلام، إلى وقتنا الحاضر، وكان من آثاره ذلك التراث الفكري والعلمي الهائل، الذي قلما خلفت أمة من الأمم نظيره من حيث التنوع والشمول والاتقان.

السياسة التعليمية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

ما إن لامست كلمة " اقرأ" قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجدانه واحاسيسه، وترسخت ابعادها ومضامينها في عقله وفكره، الا وبدأت في البزوغ شمس سياسة نبوية تعليمية فريدة ومتميزة من خلال أقواله صلى الله عليه وآله وسلم الشريفة التي تمثل الجانب النظري من هذه السياسة ومن خلال افعاله وقراراته السديدة التي تمثل الجانب العملي منها، وكل ذلك يتم بوحي الهي وتثبيت رباني قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى).

بعثات المعلمين من صحابته رضوان الله عليهم

وتنوعت البعثات من فردية إلى جماعية، فمن البعثات الفردية بعثة مصعب بن عمير رضي الله عنه التي تعد من أوائل تلك البعثات حيث حدثت قبل الهجرة النبوية بعيد العقبة الأولى، أما البعثات الجماعية، فلم يكتف المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في سياسته التعليمية بالبعثات الفردية، بل كان يرسل الجماعات المباركة من معلمي الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين لتعليم الناس ودعوتهم.

ثم تطرق الباحث إلى تأكيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لامته بأن منزلة العلم في هذا الدين لا تقل أهمية عن منزلة الجهاد في سبيل الله وتحدث عن أنواع التعليم ومنها:

التعليم الجماعي وكان هذا الاسلوب يتجلى في أكثر من مظهر من مظاهر الحركة التعليمية في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشقيه العهد المكي والعهد المدني، وكان أكثر ما يتمثل في الدور الخاصة والمراكز التعليمية أو ما يشبه المدارس وتعليم الوفود.

الجانب النظري في السياسة التعليمية للخلفاء الراشدين:

وبين المؤلف ان الجانب النظري استمر في السياسة التعليمية في عهد الخلفاء الراشدين كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وظلت توجيهاتهم التعليمية في الحث على التعلم تقرع آذان المسلمين وترسل إلى الامصار فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحث الناس على تعلم السنة، فيروي عنه انه قال: "تعلموا السنة والفرائض" ويحث رضي الله عنه في مواضع أخرى على تعلم اعراب القرآن: "تعلموا اعراب القرآن، كما تعلمون حفظه".

التعليم الفردي والجماعي:

وانتقل المؤلف في مكان آخر إلى التعليم الفردي وبين ان المصادر ذكرت عدداً من الاخبار التي تشير إلى ممارسات التعليم الفردي في تلك الفترة، بل ان بعض الممارسات كان يتول القيام بها الخلفاء الراشدون انفسهم في بعض الأوقات فلقد روى صعصعة بن صوحان ان اعرابياً جاء إلى علي بن ابي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، كيف تقرأ هذا الحرف: لا يأكله إلا الخاطون، كل والله يخطو، فبتسم علي وقال: " لا يأكله إلا الخاطئون" قال: صدقت يا أمير المؤمنين ما كان الله ليسلم عبده. وانتقل إلى التعليم الجماعي وبين ان أكثر ما يكون في صورة مجالس العلم وحلقاته التي بدأها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واسسها وانتشرت هذه المجالس وازدهرت في عهد الخلفاء الراشدين لعدة أسباب أهمها: توسع رقعة الدولة الإسلامية، ودخول الناس من عجم وعرب في دين الله أفواجاً وبناء المساجد في المدائن والأمصار.

عامل كتابة القرآن الكريم:

كان هذا العنوان بداية للفصل الثاني من الباب الأول والذي أوضح فيه المؤلف ان هذا العامل من أقوى العوامل تأثيراً على صناعة الكتابة والكتاب في ذلك الوقت ان لم يكن اقواها على الاطلاق وذلك من ناحيتين اثنتين:

الناحية المعنوية: فلم يكن العرب قبل الإسلام أهل كتاب، فلما نزل عليهم القرآن أصبح هذا الكتاب دستورهم الذي يحتكمون إليه وكلام ربهم الذي يتعبدون بقراءته. وبعبارة أخرى أصبح هذا الكتاب منهج حياة،وتعاليمه نظام حكم، وتلاوته شعيرة دينية، وحفظه – ومن ثم تدوينه – فريضة إسلامية.

أما من الناحية المادية: فالقرآن يعد أول كتاب مخطوط تتكامل فيه العناصر المادية في تاريخ الحضارة الإسلامية فكانت مراحل جمعه وتدوينه بمثابة الشرارة الأولى التي اشعلت حركة صناعة الكتابة والكتاب، حتى انه " لم تكد مصاحف عثمان بن عفان رضي الله عنه – على سبيل المثال – تصل إلى الأمصار حتى تلقفها النساخ فأجادوا نقلها وتنافسوا في كتابتها، وتفننوا في خطها". وقبل الحديث عن اثر هذا العامل نلقي الضوء على بعض مراحل جمع القرآن وكتابته ومنها: كتابة القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مع أن الرسول عليه السلام لم يعرف الكتابة ولم يمارسها، حيث ذكر ذلك المولى عز وجل في قوله: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).

فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دائما إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة ولا يخط سطراً ولا حرفا بيده بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم، ومع أن الكتابة لم تكن منتشرة في الجاهلية نسبة إلى ما كانت عليه بعد البعثة النبوية، مع كل هذا إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف عظم نفع الكتابة والتقييد في حفظ الملفوظ، وكان يقدر قيمة أثرها، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصاً حرصاً شديداً على تسجيل ما ينزل عليه من القرآن (فكتابة القرآن ليست بمحدثة، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقاً في الرقاع والأكتاف والعسيب).

انتشار المصاحف وكتابتها في عهد عمر رضي الله عنه:

لقد سن أبوبكر الصديق رضي الله عنه في جمعه للقرآن سنة حسنة، مهدت الطريق لانتشار كتابة المصاحف بين الصحافة في عهده والعهود اللاحقة، ولأن خلافة الصديق لم تدم طويلاً، فهي لم تتجاوز السنتين إلا بثلاثة اشهر وعشرة أيام تقريباً، كان انتشارها والانشغال بكتابتها والاعتناء بها في عهد عمر رضي الله عنه، قد أخذ حيزاً أكبر واهتماماً أكثر نتيجة لما سنه أبوبكر ولما شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل بالإضافة إلى ما كان عليه عهد عمر من توسع في الفتوحات وزيادة في رقعة الدولة الإسلامية، ودخول الناس في دين الله أفواجاً وحاجتهم إلى معرفة تعاليم دينهم الجديد فكان أن ظهرت المصاحف من إملاء كبار الصحابة رضوان الله عليهم بل كان أهل الأمصار الأخرى يرحلون – في بعض الأحايين- إلى المدينة لكتابة مصاحف لهم من إملاء قراء الصحابة رضوان الله عليهم.

العامل التشريعي والمالي:

كان هذا العنوان انطلاقة المؤلف إلى الفصل الثالث من الباب الأول، لا ريب في أن الاجتماع الإنساني ضروري، وهو ما يعبر عنه الحكماء بقولهم: (الإنسان مدني بالطبع) أي لا بد له من الاجتماع مع بني جنسه، وهذا العيش المشترك لا بد أن تنشأ معه معاملات وعلاقات فيما بين الأفراد وما ينتج عن ذلك من منازعات، وهذا وغيره يحتاج إلى تشريعات تنظم هذه العلاقات وتحل هذه المنازعات فلم يخل مجتمع من المجتمعات في الماضي والحاضر من مثل هذه التشريعات وقبل هذا فقد فُطر الإنسان على عبادة خالقه كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..) الحديث، ويحتاج في هذه العبادة إلى تشريعات منظمة لطبيعة علاقته بخالقه جل وعلا، ومن هنا نجد أن الإنسان لا يستطيع العيش دون تشريعات تنظم له علاقته بخالقه وعلاقته ببني جنسه من المخلوقين.

ولهذا أرسل الله الرسل وأرسل معهم التشريعات السماوية لتنتظم حياة البشرية، (وختم هذه التشريعات السماوية بالشريعة الإسلامية التي أنزلها على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبلغها للناس، وجاءت أحكامها وقواعدها شاملة لجميع نواحي الحياة ومنظمة لجميع العلاقات، ويكمن تأثير عامل التشريع الإسلامي على صناعة الكتابة والكتاب في صدر الإسلام، في أمرين اثنين:

الأمر الأول: إن بعض الأحكام التشريعية في الإسلام لها ارتباط وثيق بالكتابة الخطية فلا تتم هذه الأحكام في غالب الأحيان إلا بوجود الكتابة الخطية ومنها: أحكام المداينات والمعاملات المالية:

الأمر الثاني: جميع التشريعات تحتاج في حفظها وتعريض الناس بها ونشرها بينهم إلى التدوين فكان من جراء تلك الحاجة نشوء تدوينات ومكاتبات فقهية أدت إلى ظهور علم الفقه المدون.

العامل الحضاري:

من هذا العنوان بدأ المؤلف الفصل الرابع من الجزء الأول من كتابه، وأوضح أنه لا تستطيع أمة من الأمم أن تعيش بمعزل عن حضارات الأمم الأخرى، بل لابدّ لها من أن تتأثر بها سلباً أو ايجاباً في كثير من شؤون حياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والحضارية.. ويتأكد هذا التفاعل ويجد طريقه إلى البروز والظهور في الأمم الغابرة ذات النشاط التجاري المتميز، وذلك لاعتماد هذا النشاط على الاحتكاك

المقصود المباشر وغير المباشر بالآخر عن طريق الرحلات التجارية والاسواق العامة وهذا السبب هو الذي جعل حاضرة مكة وبعض حواضر القبائل العربية مجمعات حضارية (فلقد كان مجتمع مكة قبل الإسلام أقرب إلى الحضارة منه إلى البداوة، لأنه كان مجتمعاً تجارياً يضطر التجار فيه إلى كثرة الأسفار والاختلاط بالأمم الأخرى، فيقتبسون من سفرهم واختلاطهم ثقافة وعلماً، وحضارة ومدنية).

ويكمن تأثير العامل الحضاري على صناعة الكتابة والكتاب في الجاهلية والعهد النبوي والعهد الراشدي في ثلاثة أمور:

أولاً: في نشأة الخط العربي ومراحل تطوره.

ثانياً: في العلاقة بين العرب والفرس.

ثالثاً: في العلاقة بين عرب الحجاز وأهل الكتاب.

العامل السياسي والإداري

وختم المؤلف الجزء الأول من كتابه بالفصل الخامس (العامل السياسي والإداري) ومما جاء فيه:

ظهرت مع قيام الدولة الإسلامية في العهد النبوي والخلافة الراشدة -كضرورة من ضرورات تصريف أمورها- وثائق ووسائل سياسية وإدارية كثيرة جداً ولا أدل على ذلك من ظهور مصنفات خاصة بتلك الوثائق والرسائل في القديم والحديث.

الباب الثاني: بوادر صناعة الكتابة والكتاب

في ضوء تلكم العوامل والمؤثرات -المذكورة آنفاً- وفي ضوء المجالات الكتابية التي أوجدتها تلك العوامل والمؤثرات، لابد وان صناعة الكتابة والكتاب قد تأثرت تأثراً ايجابياً، ولكي نعرف حجم هذا التأثر الايجابي وحقيقته لابد للباحث ان يستعرض مفردات صناعة الكتابة والكتاب في النصف الأول من القرن الأول الهجري وعناصر وجودها: من أدوات أظهرتها، ومواد حملتها، وأوعية حفظتها، ومصطلحات أطلقتها ومعالجات ساهمت في إخراجها، وأيدٍ حررتها وشاركت في نشرها.. مستعيناً في كل ذلك بالآية القرآنية، والحديث النبوي، والأثر المروي، والشاهد الشعري والتاريخي.

استعرض الباحث في هذا الفصل أدوات الكتابة التي استخدمت في الفترة المدروسة، مثل القلم والدواة ومدادها، وما يتعلق بهذه الأدوات من معالجات، من قَطٍّ وبَرْيٍ ومَحْوٍ وتَتْرِيب.

القلم: الذي يكتب به، والجمع أقلام وقِلام.. قال ابن بري: وجمع أقلام أقاليم.. وأنشد ابن الأعرابي:

صحيفةٌ كُتِبت سِرًّا إلى رَجُلٍ

لم يَدْرِ ما خُطَّ فيها بالأقاليم

وكل عود يقطع ويحز رأسه ويُعلَّم بعلامة، فهو قلم ولا يقال (قلم) إلا إذا كان مبرياً وإلا فهو أنبوبة أو قصبة.

كما ان من أسماء القلم: المِرْقم، لأن القلم آلة للرقم وهو الكتابة. وقد ذكر (القلم) في القرآن الكريم أربع مرات مرتان بصيغة المفرد (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ).. ومرتان بصيغة الجمع: (...إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ).

مواد الكتابة

استعرض الباحث في هذا الفصل المواد التي حملت الإنتاج المدون في ذلك العهد، مثلك الجلد وأنواعه، والكتف واللوح، والقتب، والعسيب، والبردي، وغيرها، ثم ختم الفصل بمعالجات أخرى ذات صلة وثيقة بصناعة الكتابة والكتاب مثل التجليد والتذهيب.

الجلد وأنواعه:

لقد كان للجلد أهمية فريدة ومميزة بين المنتجات الاستهلاكية والسلع التجارية في الجاهلية وفجر الإسلام جعلته متصدراً مصاف هذه السلع ويستطيع القارئ للمصادر التاريخية والأدبية ان يلحظ هذا الأمر بكل وضوح، فقد ذكرت لنا هذه المصادر كثيراً من المنتجات المستخدمة للحياة المعيشية اليومية مصنوعة من الجلد مثل: رحال المسافر وأحزمتها التي تدعى الوضين وكذلك مضاجع النوم وأوعية شرب الماء وحياضه وقربه وانقطاعه وأوعية حفظه لاستعماله في قضاء الحاجة ومناطق السيوف وغيرها، وكانت القباب والخيام من أهم المنتجات استخداماً لمادة الجلد، ولذلك ذكرها المولى عز وجل في كتابه العزيز مبيناً بذكرها تمام النعم فقال: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ).

يعني الخيام والقباب والأضبية والفساطيط من الأنطاع والأدم وهذا النوع من البيوت يمكن تحويله من مكان إلى مكان وتعمله العرب من الأدم وهي جلود الأنعام كانوا أكثر ما يستخدمونها في أسفارهم وتنقلاتهم وقد ضربت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أسفاره وغزواته قباب وخيام من أدم.

التذهيب

وختم المؤلف الفصل الثاني من الجزء الثاني بالتذهيب وهو التمويه بالذهب ويقال: ذَهَّبْتُ الشيء فهو مذهب إذا طليته بالذهب وقد خلص احد الباحثين المتخصصين من المعاصرين إلى أن (الشيء الطبيعي أن يتأخر ظهور التذهيب في المخطوطات العربية إلى أواخر القرن الثاني على الأقل..) معللا ذلك بكراهية الرعيل الأول من الصحابة وكبار التابعين لهذا النوع من المعالجات وخصوصا لتعلقها بكتاب الله عز وجل ومن النصوص التي ذكرت كراهية الصحابة لتذهيب وتحلية المصاحف ما روي عن أُبي بن كعب وأبي الدرداء عويمر بن عامر وابي هريرة وابي ذر باختلاف شكلي يسير ( إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فعليكم بالدبار).

أسماء المدونات:

كان للمواد التي حملت الانتاج المدون في ذلك العهد اسماء ومصطلحات متعددة اطلقت عليها فكان لزاما على الباحث ان يستعرض بعضا من هذه الاسماء ليقف على مدى الاهتمام بهذه المواد المستخدمة في الكتابة ومن هذه الاسماء نذكر:

الصحيفة: الكتاب وقيل هي التي يكتب فيها ولذلك قيل ( إن الصحيفة هي ظرف المكتوب) والجمع صحائف وصحف (ولا يمكن أن تصرف هذه الكلمة إلى مادة بعينها من مواد الكتابة، إنما هي لفظة تدل على أي نوع من هذه الأنواع فقد تكون جلدا أو نباتا أو حجرا أو ورقا) وقد تكررت هذه الكلمة في الشعر الجاهلي والقرآن وحديث الرسول ففي الشعر الجاهلي جاءت في قول طرفة بن العبد:

لينجز لي مواعد كاذبات

بطي صحيفة فيها غرور

وفي القرآن الكريم ( وإذا الصحف نشرت) وتكرر ذكر الصحيفة في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا حتى ذكرت في الوثيقة التي كتبها رسول الله بين المهاجرين والانصار واليهود فقط.

واطلق على مدونات الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسم (صحائف الصحابة) مثل صحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه (ت63هـ) فقد سماها (الصادقة).

أوعية حفظ المدونات:

وجاء الفصل الرابع من الجزء الثاني تحت هذا العنوان ولاشك في ان الانتاج المدون في ذلك العهد كان يحظى بحفظ وعناية القائمين عليه والمهتمين به وصيانته من عوامل التلف والفناء، فكان لابد من استخدام اوعية لحفظ هذه المدونات وفي هذا الفصل استعرض الباحث اهم هذه الأوعية مثل: الصندوق، وبطن السيف، والربعة، والحقيبة أو العيبة، والجونة أو الجؤنة، والقصبة وغيرها نذكر على سبيل المثال:

الصندوق: وهو الجوالق، ويجمع صناديق وهي بالصاد. والجوالق بكسر اللام وفتحهما ( وعاء من الأوعية المعروفة) والصندوق من أهم الأوعية التي استخدمت لحفظ الوثائق والكتب والمدونات في النصف الأول من القرن الأول الهجري.

فقد روي ان عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ( ت63هـ) كان يحفظ مدوناته من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في (صندوق له حلق).

الكتبة:

لقد حمل مشعل الكتابة وصناعتها في ذلك العهد ثلة مباركة من الكتاب من الصحابة

رضوان الله عليهم ومن التابعين من الرجال والنساء ومن خلال هذه الدراسة ومن مصادر اخرى تجمعت بين يدي الباحث اسماء مجموعة من الكتاب قام بتحريرها في الفصل الخامس والاخير من الجزء الثاني في كتابه وفق المنهج الآتي: لم تقتصر قائمة الكُتِّاب هذه على مشاهيرهم فقط بل شملت كل من عرف الكتابة أو مارسها أو تعلمها في ذلك العهد ممن اشارت اليهم المصادر بصرف النظر عن حجم تلك المعرفة أو الممارسة ورتب الباحث اسماء هؤلاء الكتاب وفق الترتيب الهجائي، وافتتح الباحث ترجمة الكاتب بذكر جمل تعريفية مختصرة لهويته، ثم ثنى بذكر الشواهد التي اشارت إلى معرفته الكتابة أو ممارسته إياها ثم ثلث بذكر بعض من آثاره التي خطها بيده وخضع الباحث في ذلك كله لما اسعفته به المصادر من معلومات وشواهد وآثار، ويتفاوت الكتاب في ذلك بتفاوت شهرتهم، ودرجتهم في هذه الصناعة والمناصب التي تقلدوها."

عبده حكمي. قراءة في صناعة الكتاب والكتابة في الحجاز: عصر النبوة والخلافة الراشدة. جريدة المدينة؛ ملحق الاربعاء:ع 15834، 6-8-1427












  رد مع اقتباس
قديم Sep-20-2006, 07:59 PM   المشاركة2
المعلومات

هدى العراقية
مشرفة منتديات اليسير

هدى العراقية غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 15536
تاريخ التسجيل: Feb 2006
الدولة: العــراق
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.21 يومياً


افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزيل الشكر والتقدير اخي الكريم سليمان سالم الشهري على هذا الطرح والشرح الوافي جزاك الله خير جزاء وجعله في ميزان حسناتك واله لا يحرمنا منك ومن عطاءك الدائم والمتميز

تقبل فائق احترامي وتقديري

اختك
هدى












التوقيع
اعمل بصمت ودع عملك يتكلم

  رد مع اقتباس
قديم Feb-16-2007, 01:04 AM   المشاركة3
المعلومات

أ.حمزة
مكتبي جديد

أ.حمزة غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 25919
تاريخ التسجيل: Feb 2007
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 17
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

موضوع رائع جدا... شكرا أ. سليمان
بالفعل هذا الجانب من تاريخ الحجاز الحضاري مهمل تماما...
وموضوع الكتاب يحكي تاريخ بداية نهضة الكتابة ويلامس ثقافة ظهور"الكتاب" بشكله الجسدي...
وعلى كل الحال الدراسات في هذا الجانب فقيرة جداً...
بل عادة ما نقرأ في الكتب التي تورخ لحضارة الثقافة والعلم وأدوات الكتابة... أن العرب كانت أمة جاهلة أمية تماما...وان بوادر النهضة العلمية لم تؤسس بشكل صحيح إلاّ في العهد العباسي... وكل ماكان قبل هذا العهد لا يخرج عن كونه حث وترغيب في العلم دون الخوض في تفاصيل الخطوات الممهدة لقيام حضارة الكتاب مثلاً...
شكراً أ. سليمان
ودمتم












التوقيع
أمتي ما بالك قد رضيتي الانحناء
وقد تكالب على تاريخك الأعداء
هل نسيت عمر ومعارك خالد

أمتي فلا نامت أعين الجبناء

  رد مع اقتباس
قديم Mar-29-2007, 12:47 AM   المشاركة4
المعلومات

ss22ss
مكتبي جديد

ss22ss غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 20309
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 2
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

موضوع رائع جدا... شكرا أ. سليمان












  رد مع اقتباس
قديم Apr-22-2007, 11:38 AM   المشاركة5
المعلومات

الرحاب
مكتبي جديد

الرحاب غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 29125
تاريخ التسجيل: Apr 2007
المشاركات: 1
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

حقا انه موضوع شيق فكم احب دراسات الوثائق الاسلاميه












  رد مع اقتباس
قديم May-21-2007, 11:48 AM   المشاركة6
المعلومات

mohd5511
مكتبي جديد

mohd5511 غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 30060
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 1
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

يعطيك الف عافية












  رد مع اقتباس
قديم Jul-18-2007, 05:14 PM   المشاركة7
المعلومات

abugubba
مكتبي جديد

abugubba غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 31878
تاريخ التسجيل: Jul 2007
المشاركات: 1
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي تألق وإبداع

بسم الله الرحمن
من حسن إلى أحسن وبارك الله لكم منتداكم الطيب العامر ودمتم للكلمة الصادقة نبراساً منيراً
أخوكم أبوقبة












  رد مع اقتباس
قديم Dec-01-2007, 11:16 AM   المشاركة8
المعلومات

global egypt
مكتبي نشيط

global egypt غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 32032
تاريخ التسجيل: Jul 2007
الدولة: مصـــر
المشاركات: 55
بمعدل : 0.01 يومياً


افتراضي بارك الله عليك

بارك الله عليك
ونريد المزيد












التوقيع
محب للمخطوطات
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كتب المداخل في مجال المكتبات والمعلومات هدى العراقية عروض الكتب والإصدارات المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات 24 Aug-13-2017 06:37 PM
ماهي المصادر البشرية التي يمكن أن تساعد المستفيدين في تحديد الوصول إلى مصادر الداخلية جآء الأمل منتدى الإجراءات الفنية والخدمات المكتبية 18 Oct-13-2011 12:29 PM
تحقيق المخطوطات aymanq منتدى الوثائق والمخطوطات 2 Oct-29-2007 09:00 PM
صناعة الكتاب المشارك منتدى الوثائق والمخطوطات 5 Oct-29-2007 08:05 PM
صناعة النشر في الوطن العربي السايح منتدى الإجراءات الفنية والخدمات المكتبية 3 Apr-21-2006 11:40 PM


الساعة الآن 03:24 PM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين