[أبـوفـيـصـل]

تقام حالياً في "معهد العالم العربي" في باريس الدورة السابعة لمعرض الكتاب العربي - الأوروبي الذي يستقطب سنوياً جمهوراً واسعاً من المهتمين بشؤون الكتاب العربي سواء كانوا من القراء أو من العاملين في دور النشر العربية والأوروبية. وكانت الدورة الأولى من هذا المعرض قد نظمت عام تسعين بمبادرة مشتركة جمعت بين "معهد العالم العربي" والناشر الفرنسي الراحل بيار برنار مؤسس دار "سندباد" التي كانت متخصصة في الآداب والثقافة العربية الإسلامية.في الدورة السابعة للمعرض والتي افتتحها كل من وزير الثقافة المصري فاروق حسني ووزيرة الثقافة الجزائرية خالدة تومي ومدير منظمة "الألكسو" (المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم) المنجي بوسنينة وسكرتير الدولة للشؤون الخارجية الفرنسي رينو موزولييه، قرر "معهد العالم العربي" استحداث صيغة جديدة وذلك من خلال اختيار أجود الإصدارات وأكثرها إثارة للاهتمام في الأعوام الثلاثة الأخيرة. أشرفت على اختيار هذه الإصدارات لجنة مكونة من نخبة من الفعاليات العربية والأوروبية المهتمة بشؤون الكتاب من ناشرين وكتاب ونقاد أدب.والمعرض الجديد لا يقام داخل مبنى المعهد لكن في باحته الكبيرة وتحت خيمة تبلغ مساحتها 1280متراً مربعاً وتتسع لنحو 250ناشراً يعرضون إصداراتهم في الأجنحة المختلفة التي يمثل كل منها بلداً معيناً. أما ضيفة الشرف هذا العام فهي الجزائر، ويتوافق هذا الاختيار مع الاحتفالات والنشاطات الثقافية التي تجري في فرنسا بمناسبة سنة الجزائر وفي إطار فعالياتها المختلفة. يحضر في المعرض هذا العام أيضاً وبصورة ملحوظة بعض الناشرين العراقيين والفلسطينيين.بالإضافة إلى دور النشر العربية والأوروبية المستعربة تشارك في المعرض دور نشر فرنسية كبيرة معروفة باهتمامها بالأدب العربي ومنها "غاليمار" و"إديسود" و"سوي" و"أكت سود" و"باري ميديتيراني"، وكان سبق لعدد من هذه الدور أن شارك في المعارض السنوية الفائتة.في موازاة عرض الكتب واللقاءات التي ستسمح للكتّاب بلقاء الجمهور والتوقيع على كتبهم، يشهد المعرض نشاطات عديدة منها محاضرة بعنوان "القراءة والتشجيع على القراءة في مصر والعالم العربي" تلقيها السيدة سوزان مبارك، وهناك لقاء بين ناشرين من ضفتي المتوسط لمناقشة مواضيع متنوعة تتعلق بحقوق المؤلف وترجمة الكتب وتوزيعها بين العالم العربي وأوروبا مع التركيز على كتب الأطفال وتقديم مبادرة تتعلق ب "المكتبة المتنقلة" وهي مكتبة نتعرف عليها في جناح "كتب الأطفال" في المعهد وتضم كتباً موجهة للصغار حول العالم العربي. وبإمكان الأطفال استعارة الكتب للاطلاع عليها وقراءتها. كما يقوم بعض الكتاب بزيارة هذا الجناح ومنهم الحكواتية والكاتبة الجزائرية نورا أسيفال مؤلفة كتاب "جزائر الحكايات والأساطير" وستعمل على قراءة بعض هذه الأساطير للأطفال. وفي جناح "كتب الأطفال" أيضاً سيوقع الرسام سليم على آخر أعماله وهو كتاب بعنوان "لا شيء في الأفق: آخر مغامرات بوزيد وزينة".إلى ذلك، هناك مجموعة من النشاطات حول الثقافة الجزائرية ومنها ندوة حول الشعر الجزائري يساهم فيها الشاعر والصحافي نزار نجيب والشاعرة والصحافية نصيرة محمدي والشاعرة فاطمة شعلان ورئيس اتحاد كتاب الجزائر عز الدين مهيوبي والشاعر ميلود حكيمي. وهناك ندوة حول الجيل الجديد من الكتاب في الجزائر وتكريم للأديب الراحل محمد ديب، وقد شهدت باريس في الآونة الأخيرة لقاءات عدة حول ديب أكدت على ريادته الأدبية وعلى أهميته في المشهد الأدبي الفرنسي، وليس فقط في الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية.من جهة ثانية، اعتبر مفوض المعرض بدر الدين عرودكي أن هذا الحدث السنوي يلعب دوراً مهماً في الحوار الثقافي الفعال وفي التقريب بين ضفتي المتوسط، بل إن الكتاب هنا هو معبر بين هاتين الضفتين وبين المؤلفين والناشرين من كل جانب. وهو إلى ذلك يعمق في فرنسا العلاقة مع النتاجات العربية الإبداعية ويدفع أكثر فأكثر إلى الاهتمام بها. وهذا ما يكشف عنه بالفعل إقبال العديد من دور النشر الفرنسية، وليس فقط المتخصص منها بالشأن العربي والإسلامي، كما سبق أن أشرنا، على النتاجات العربية الحديثة وترجمتها ونشرها. ونلاحظ في السنوات الأخيرة تزايد ترجمات الكتب العربية ونشرها في فرنسا، وانطلاقاً من فرنسا في اللغات العالمية الأخرى.لافت آخر هو أن مترجمي الأدب العربي التفتوا في العقود الماضية إلى الكتّاب العرب المكرّسين من أمثال طه حسين ونجيب محفوظ ومحمود تيمور وغيرهم، أما اليوم فالالتفات لا يقتصر على الرواد فقط، بل يذهب أبعد من ذلك فيمنح الفرصة لمؤلفين شباب وبعضهم بات يعرف، ويا للمفارقة في فرنسا وبعض العواصم الغربية أكثر مما يعرف في بلاده الأصلية. أضف لذلك أن الاهتمام بالتراث العربي والإسلامي لا يزال قائماً، وهناك ترجمات جديدة وضعت هذا العام لنصوص الجاحظ والمتصوفة وكذلك لبعض الفلاسفة ومنهم الفارابي. أما "حكايات ألف ليلة وليلة" فإن الإقبال الكبير الذي لاقته الترجمة الجديدة التي وضعها كل من الكاتب الجزائري جمال الدين بن شيخ والمستعرب أندريه ميكيل، أكد مجدداً على اهتمام القارئ الفرنسي بهذا الكتاب الذي يعد في الغرب أحد الصروح الكبرى في التاريخ الأدبي وعلى المستوى الإنساني ككل.يبقى أن نذكر أن الناشر الراحل بيار برنار وهو من المؤسسين الأوائل لمعرض الكتاب العربي - الأوروبي كان أول من خاض التجربة على مستوى واسع وبجرأة نادرة وانفتح على الأدب العربي المعاصر في فرنسا، وكان أسس منذ أكثر من ثلاثين سنة دار نشر "سندباد" ونشر فيها بعض أبرز نماذج الأدب العربي، شعراً ورواية، في القرن العشرين، وكان هو أول من نشر للروائي المصري نجيب محفوظ حتى قبل أن يحصل هذا الأخير على "جائزة نوبل للآداب". كما نشر العديد من النصوص التراثية الأساسية ومن كلاسيكيات الأدب العربي والإسلامي ومنها "المقامات" و"المعلقات" وكتاب "منطق الطير" و"سيرة الظاهر بيبرس"، وغيرها من الكتب التي تألفت معها النواة الأولى لمكتبة عربية مترجمة.عبر دار "سندباد" التي أصبحت جزءاً من دار "أكت سود" الفرنسية، وعبر سلسلة "عوالم عربية" فيها، تتابع العاصمة الفرنسية ومنها العواصم العالمية الأخرى، اكتشاف كتابنا العرب والتعريف بهم. وفي هذا السياق أيضاً تأتي الدورة السابعة لمعرض الكتاب العربي - الأوروبي للتأكيد على هذا التوجه وللمراهنة على الثقافة بما هي صلة وصل بين الشعوب.صحيفة الجزيرة ( السبت 07 ربيع الثاني 1424العدد 127699)

[me12]

يعطيك العافيه يالغالــــــــــي