منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » منتدى الوثائق والمخطوطات » الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية

منتدى الوثائق والمخطوطات يطرح في هذا القسم كل ما يتعلق بالوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية.

إضافة رد
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 2 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
 
قديم Jan-03-2007, 09:20 PM   المشاركة1
المعلومات

somaia
مكتبي مثابر

somaia غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 13950
تاريخ التسجيل: Nov 2005
الدولة: مصـــر
المشاركات: 25
بمعدل : 0.00 يومياً


ابتسامة الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية

. سهيل الملادي: الوثائق والمكتبات في الحضارة الإسلامية والعربية

--------------------------------------------------------------------------------


الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية
د. سهيل الملادي







مقدمة:
للكتب والمكتبات والتوثيق في الوطن العربي تاريخ عريق، يمتد إلى ما قبل خمسة آلاف عام. وهذا الامتداد التاريخي له علاقة وثيقة بالميراث الثقافي والحضاري لهذه المنطقة، التي تعاقبت عليها حضارات شتى: تراكمت وتفاعلت وتمازجت في نسيج رائع، حتى غدت بلادنا مركز إشعاع فكري للعالم كله.
ولنا أن نتلمس من خلال هذا النسيج، أن أعمق الجذور في تاريخ الكتابة والتوثيق، قد نمت في الأرض العربية، ففيها نشأت أقدم المكتبات في العالم، وفي رحابها استقرت وحفظت الوثائق والنصوص المكتوبة منذ آلاف السنين، شاهدة على حضارة عريقة، ترمز لما مثلته المعرفة والتدوين والكلمة المكتوبة والوثيقة من أهمية في خلقها.
وأدى العرب بعد ظهور الإسلام دوراً خطيراً في تاريخ الكتب والمكتبات، فقد نقلوا إلى اللغة العربية كل ما وجدوه من تراث سابق، وأضافوا إليه ما ابتكروه من علوم، وما أبدعوه من آداب وفنون.
حافظوا على هذا الرصيد الحضاري: نقلاً وإضافة، إلى أن أسلموه إلى أوربا في القرن الثاني عشر للميلاد، فكانوا موئلاً عظيماً للثقافة، وكانت مكتباتهم مستودعاً أميناً للتراث الإنساني منذ أقدم عصوره.
2- نشوء دور الوثائق والمكتبات:
آ- الوثيقة ودور الوثائق:
- المفهوم العلمي للوثائق "Archives": لم يكن في البداية ثمة تحديد لوظيفة الأرشيف أو دار الوثائق، أو تحديد للأسس التي تجعل الوثيقة "Document" وثيقة أرشيفية "Archival- Document"، لذلك اختلطت وظيفة المكتبة بوظيفة الأرشيف، واحتوت المكتبات على أرشيفات صناعية "Aritificial Archives" تضم صنوفاً من الوثائق، جمعت على غير نظام أو تنسيق، كما تجمع القطع النقدية أو الأثرية، ومن جهة أخرى احتوت الأرشيفات مخطوطات أدبية وتاريخية1 .
وساعد على هذا الخلط خلو القوانين التي تصدرها الحكومات من تحديد هذه الأسس والوظائف والتعاريف2 .
ولكن السيد هيلري جنكنسون "Sir Hilary Jenkinson" يعرّف الوثائق الأرشيفية: بأنها التي أنشئت أثناء تأدية أي عمل من أي نوع، وكانت جزءاً من هذا العمل، لذلك حفظت لدى الأشخاص المسؤولين عن تصريف هذه الأعمال للرجوع إليها، وهي لا تقتصر على الأعمال الحكومية، بل قد تكون وثائق لجمعيات أو لأشخاص أو لهيئات غير حكومية، فهي تتجمع بطريقة طبيعية، وهي أدلة مادية للعمل نفسه، وجزء منه. وتشمل لفائف البردي وأدراج الرق والأفلام والأختام، وكل ما يحمل خبراً أو أثراً، وثمة علاقة طبيعية بين أجزائها، فوثيقة بمفردها لا تعني شيئاً، إلاّ إذا اقترنت بأقرانها 3.
في مصر صدرت لوائح عديدة تحدد مفهوم الوثيقة، وتنظم دور الوثائق، منها لائحة جديدة للدفترخانة المصرية، صدرت عام 1921م، قسمت الوثائق إلى ثلاثة أنواع: ما يحفظ بصورة دائمة، وما يحتفظ به لمدة معينة، وما يستغنى عنه، وحددت طبيعة الوثائق التي يسمح بالاطلاع عليها.
وأهمها لائحة محفوظات الحكومة (1953م) التي عرّفت المحفوظات "بأنها السجلات والدفاتر والمستندات والأوراق والاستمارات بأنواعها المختلفة التي تستعملها كل الوزارات والمصالح وفروعها في أعمالها، ثم ينتهي العمل فيها، ويقتضي الأمر حفظها بعد ذلك سنة فأكثر، تبعاً لحاجة العمل الحكومي، أو لقيمتها التاريخية.
وعرّفت المحفوظات المستديمة بأنها "السجلات والدفاتر والأوراق والمستندات التي تتضمن مبادئ أو اتفاقات متعلقة بملكية الحكومة أو الأفراد، أو تكون ذات أهمية تاريخية"4 .
ومن المفيد أن نذكر التعريف المعاصر للوثيقة، الذي اعتمد في بيان يوم الوثيقة العربية: "إنه كل وعاء حامل للمعلومات، أياً كان شكله ونوعه، بدءاً من الوعاء الورقي، حتى الوعاء الإلكتروني، بحيث يشمل جميع أنواع الوثائق: المقروءة، المخطوطات والكتب النادرة ـ المعاهدات والخرائط والوثائق ـ القرارات والمراسلات ـ مذكرات الشخصيات الوطنية ـ الصحف القديمة ـ النشرات السياسية والإدارية والتعاميم الهامة.
المسموعة: التسجيلات الصوتية ذات الدلالات الهامة.
المجسمـة: اللوحات الخطية ـ الصناعات اليدوية القديمة.
المرئيــة: الصور الفوتوغرافية ـ الأفلام ـ السلايدات ـ الميكروفيلم.
الإلكترونية: المحفوظة على الحاسوب، أو على أقراص مرنة، أو أقراص C.D.ROM".
ـ نشأة دور الوثائق: بدأت دور الوثائق (الأرشيفات) جزءاً متصلاً بالمكتبات، تحفظ فيه الوثائق المتنوعة، فقد ترك لنا آشور بنيبال أرشيفات نينوى، وخلّف المصريون القدماء أرشيفات تل العمارنة، ووجدت أرشيفات للقوانين في معابد اليونان في ديلوس ودلفى. وأرشيف لشريعة حمورابي في بلاد ما بين النهرين.
حفظ أباطرة الرومان قراراتهم في معابدهم وقصورهم، كذلك كان لسادة الإقطاع في العصور الوسطى أرشيفاتهم الخاصة المنفصلة عن الأرشيف الخاص بالملك، وهي دور لحفظ المستندات والحجج التي تثبت حقوق كل واحد منهم وامتيازاته، ولا يقربها عامة الناس.
وقد ورثت أوربا عن هذه العصور كثيراً من الوثائق الكنسية، التي بقيت بعيدة عن النهب والحروب وتقلبات الأحداث.
وكانت المكتبة تقوم بوظيفة الأرشيف، فهي تحتفظ بالوثائق الإدارية، كما تحتفظ بالمخطوطات الأدبية وغيرها من الكتب.
ومنذ الثورة الفرنسية التي قضت على الإقطاع وأحرقت وثائقه، اتصلت حركة البحث والعناية بالوثائق في أوربا بنمو الشعور القومي.
وحّدت الأرشيفات الفرنسية التي بلغت قبل الثورة (405) مراكز، وأسس الأرشيف القومي، واتسعت مهمات دور الوثائق، وبرزت أهميتها التاريخية والعلمية، فلم تعد مستودعاً للحجج القضائية فحسب، بل أصبحت مركزاً للدراسات التاريخية والبحوث العلمية، وأصبحت الوثائق المحفوظة فيها مادة للبحوث والكتب.
وشهد القرن التاسع عشر نهضة عظيمة في تأسيس دور الوثائق القومية، ففي مصر أسست دار المحفوظات (الدفتر خانة المصرية) بالقلعة عام 1829م، ووافق المجلس الملكي في 19 كانون الثاني/يناير/1830 على لائحتها التي تساير النظام الفرنسي إلى حد بعيد.
ولم يقتصر الأمر على تأسيس دور الوثائق، بل عني العلماء بحصرها والتعريف بها، ووضع سجلاتها، وإحداث وظائفها (كوظيفة أمين الوثائق). وعني بعض الدول بتأسيس هيئات علمية، وإصدار مجلات تعنى بالوثائق وتنظيمها، وتسهيل الحصول عليها، وتخريج أطر مختصة من جامعاتها 5.
و هكذا تحولت مهمة دور الوثائق في العصر الحديث من مجرد حفظ الحجج القضائية، و المستندات الإقطاعية إلى العناية بالتاريخ القومي ، و تجميع أدوات البحث التي تساعد على رفع مستوى البحوث التاريخية ، فأصبحت جرن التاريخ كما يقول الفرنسيون6 .
ب_ الكتاب والمكتبات:
ـ المفهوم و النشأة: إن الحديث عن صفات الوثيقة الأرشيفية (( Archival document يحدد في الوقت نفسه وظيفة دور الوثائق، ويجعل منها أماكن لحفظ الوثائق الأرشيفية الخطية التي تنمو فيها نمواً طبيعياً.
وهذا الأمر يميز مهمتها عن مهمة دور الكتب، التي تعنى -هي نفسها - بتجميع الكتب والمخطوطات العلمية والأدبية والتاريخية والفلسفية .. وغيرها، باستثناء ما في حوزتها من الوثائق الأرشيفية، أو المتصلة بالأعمال الإدارية والسياسية، التي تعد حيازتها من اختصاص دور الوثائق.
إن تاريخ الكتاب قد ارتبط بعاملين أساسيين: عامل ثقافي حضاري قائم على العلم ونشوء التدوين، و عامل مادي فني متعلق بتوفر مواد الكتابة من البردي والرق والورق، و تهيئتها لصناعة الكتاب.
ظهور الكتاب مهّد لنشوء المكتبة، وهي المكان الذي يحفظ المواد المكتوبة وينظمها ويسهل استعمالها والاطلاع عليها.
وفي حين ارتبط الكتاب بمراكز العلم، وولد في قاعات الدرس، عاشت المكتبة في كنف أماكن العبادة، إذ اقترنت المكتبات في العالم المسيحي بالكنائس و الأديرة، ووجدت أقدم المكتبات في تاريخ الإسلام في المساجد (الأزهر بمصر، الزيتونة في تونس، الجامع الكبير في صنعاء)، إلى أن قامت الجامعات الأولى فتقلص دور هذه الأماكن في عملية التعليم و إنتاج الكتب.
- تطور أدوات الكتابة : إن توفر أدوات الكتابة وموادها هو العامل الثاني في ظهور الكتاب، الذي لا يقل أهمية وخطورة عن العامل الأول، المتمثل في توفر الجو الثقافي، وانتقال العلوم من المشافهة إلى التدوين، ونشوء المراكز العلمية.
فقد ظهر البردي في مصر، و استعمل مادة طيعة للكتابة عند قدماء المصريين، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، و انتقل إلى بلاد اليونان في القرن السادس قبل الميلاد، و إلى روما في القرن الثاني قبل الميلاد، وبفضله انتشرت المصنفات وكتب الدين في أوربا في القرون الأربعة الأولى للمسيحية.
أما العرب فكانوا قبل الإسلام، و في صدره يكتبون على الرق(وهو جلد يرقق ويكتب عليه)، أو على اللخاف (وهي حجارة بيض رقاق)، أو على عُسب النخل (وهي الجريد الذي لا خوص فيه)، أو على عظم أكتاف الإبل والغنم. وعلى اللخاف والعُسب كانوا يكتبون القرآن، وربما كان بعض مكاتبات النبي محمد(ص) في الأدم، و عرفوا المُهْرَق (وهو ثوب حرير أبيض يصقل و يعالج بالصمغ، ثم يكتب عليه).
ثم استخدموا البردي منذ فتحهم مصر، ووجدوه أيسر تناولاً وأرخص سعراً من الرق الذي ظلوا يستعملونه مع استعمالهم البردي، فقد ظل للرق استعمالاته الخاصة في كتابة المصاحف التي يراد لها أن تبقى بحالة جيدة زمناً طويلاً . إلى أ7ن ظهرت صناعة الورق في بغداد زمن الرشيد (مكوناً من الكلأ والحشيش) فكان ظهوره فتحاً جديداً في عالم الكتب والمكتبات، ثم نمت صناعته وكثرت أنواعه، وانتقلت منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) إلى الشام وفلسطين والمغرب العربي، ومنه إلى إسبانيا، وخصوصاً شاطبة، التي حملته إلى بقية بلاد الأندلس.
ومع انتشار استعمال الورق انحسرت أهمية البردي والرق شيئاً فشيئاً، إلى أن آل استخدامهما في الكتابة إلى الزوال.
كان المداد هو المادة المستعملة في الكتابة، سواء على البردي أو الرق أو الورق، وقد عرف منذ أقدم العصور، ومع ظهور المسيحية عرفت له أنواع ثلاثة، أما العرب فقد جلبوه من الصين بادئ الأمر، ثم صنعوه بأنفسهم، على نوعين: أحدهما من الدخان، والآخر من العفص والزاج (كبريتات الحديد) والصمغ8.
وهكذا، نجم عن تدوين العلوم وتوفر مواد الكتابة، نشوء صناعة (الوِراقة) يقوم أصحابها بنسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها وبيعها، وخدمة كل ما يتعلق بالكتاب، فانتشرت دكاكين الوراقين، التي ساهمت في انتشار الكتب، ونشوء خزائن الكتب في الأقطار المختلفة، وكانت خصوصاً منذ بداية العصر العباسي- مصدراً عظيماً للثقافة.





3- الوثائق والمكتبات في الحضارات القديمة:
آ- الوثائق والمكتبات في مصر القديمة:
مصر القديمة هي التي هدت الشعوب إلى التدوين والتوثيق، ففي مبادئ الفراعنة: "أن ما لم يقيد في وثيقة يعد غير موجود"، ومن البديهي- إزاء ذلك- أن امتلأت آثارهم بالكتابة والرسوم، واحتلت وظيفة الكاتب عندهم المحل الأول بين وظائف الدولة، وأصبحت صورته مألوفة في الآثار الفرعونية، وقد تربع على الأرض، وبسط أمامه ملفات الوثائق، والقرطاس منشور في حجره، يدون فيه بالقلم ما يسمع ويرى9 .
ولقد تم الكشف عن كثير من الكتابات المصرية القديمة على البردي، وكثير من الوصايا والتعاليم الدينية والأخلاقية، تدل على أن قدماء المصريين عرفوا التوثيق والكتابة منذ أكثر من خمسة آلاف عام 10.
وفي العصر البطليمي كانت الإسكندرية المركز الرئيسي للوثائق الرسمية، حيث كان أرشيف الدولة ودار وثائقها في القصر الملكي في منطقة لوخياس.
أما في العصر الروماني، فقد أسس الإمبراطور هادريان دار الوثائق العامة في السرابيوم، كما أنشئت دار للوثائق في عاصمة كل إقليم 11.
وهكذا، كانت الأوضاع مهيأة لنشوء المكتبات منذ آلاف السنين، فقد وجدت دار للكتب منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وفي الألف الثانية قبل الميلاد، كانت ثمة مكتبات تحوي برديات مطوية ومحفوظة في جرار مصفوفة ومرتبة على الرفوف.وكانت مكتبة الإسكندرية أشهر المكتبات في مصر قبل الفتح الإسلامي. وقد أدت دوراً خطيراً في تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ حفظت لنا تراث اليونان القدماء، وترجمات التراث الإنساني في مختلف اللغات، ويعود الفضل في ذلك إلى العلماء والباحثين الذين كانوا يعملون فيها، وإلى موقع المدينة في الخارطة الحضارية العالمية. ولكن هذه المكتبة العظيمة أحرقت زمن الرومان، عندما أضرم قيصر النار في المدينة، عام 47ق.م. وحين فتح العرب مصر حفظوا ما تبقى من محتوياتها، وأصبحت مادة غنية لحركة الترجمة في العصر العباسي، وما لبثت هذه الآثار اليونانية المنقولة إلى العربية أن صارت ميراثاً للإنسانية كلها، منذ أن بدأت أوربا تتصل بالحضارة العربية في القرن
الثاني عشر للميلاد12
ب ـ الوثائق والمكتبات عند اليونان والرومان:
على مدى ما يقرب من عشرة قرون، قامت المكتبات اليونانية، وفي مقدمتها مكتبة الإسكندرية، بالحفاظ على تراث اليونان، حتى انتقل إلى القسطنطينية، حتى إن السريان فيما بين النهرين، كانت لهم حوالي خمسين مدرسة، تعلم فيها العلوم السريانية واليونانية، أشهرها مدرسة الرّها وقنسرين ونصيبين، وكان يتبعها مكتبات.
وخلال هذه الحقبة شارك الرومان بنصيب وافر في الحفاظ على التراث الإنساني، وكانت لهم مكتبات كثيرة، لكنها لم تبلغ مستوى المكتبات اليونانية في الأهمية، لأنها لم ترتبط بمؤسسات تعليمية أو بعلماء مبرزين، كما هو شأن المكتبات اليونانية، ولأنها لم تستطع أن تحدث في الأدب اللاتيني ما أحدثته مكتبة الإسكندرية في الأدب الإغريقي، لكنها على الأقل احتفظت بالتراث الإنساني القديم، بعد حريق الإسكندرية، إلى أن نقله العرب المسلمون إلى العربية، عن طريق المترجمين السريان، فكان العرب والرومان بذلك هم النقلة الحقيقيون للثقافة الإغريقية13 .
ج ـ الوثائق والمكتبات في حضارات الشرق الأقصى:
وجدت المكتبات في الصين منذ أكثر من ألف عام قبل الميلاد، وقد شهدت الصين في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد نهضة فكرية، تجلت في الأدب والفلسفة، وانعكست بوضوح على عالم الكتب والمكتبات.
اتصل الفرس بالثقافة اليونانية في وقت مبكر، ونقلوا كتب المنطق اليونانية إلى لغتهم، وعنها نقل ابن المقفع إلى العربية.
وكان السريان قد نقلوا الثقافة اليونانية إلى لغتهم وإلى الفارسية، أيام الساسانيين، وعن السريانية تولى نقلها النصارى من النساطرة واليعاقبة إلى العربية.
وهكذا انتقلت الثقافة اليونانية عن طريق الفرس والعرب، وازدهرت زمن العباسيين.
ويذكر أن الفرس ـ حين عادوا من حملتهم على مصر واليونان ـ حملوا معهم بعض كتب اليونان، وأنهم نشطوا في إنشاء المدارس وخزائن الكتب، كمدرسة جنديسابور، التي أنشأها كسرى أنوشروان لتدريس الطب والفلسفة، وكخزانة الكتب الفارسية، التي أتى بها يزدجرد إلى مرو14 .
د ـ الوثائق والمكتبات في حضارة ما بين النهرين:
منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وجدت كتب البابليين والآشوريين منقوشة على رقم طينية محفوظة في جرار، مصنفة ومرتبة على رفوف، تملأ عدداً كبيراً من المكتبات في هياكل الدولة البابلية وقصورها ومدنها، ولعل خلود آشور يعود إلى ما احتوته هذه المكتبات من وثائق مهمة.
ففي آثار نينوى، عثر في منتصف القرن التاسع عشر على محفوظات وألواح من مكتبة الملك آشور بانيبال (668-626 ق.م) الذي عني بجمع تراث البابليين والآشوريين في مختلف فروع المعرفة، في مكتبة، جند لها عدداً من الموظفين والنسّاخ، وأمر بأن تودع بها نسخ من المدونات الهامة: كتباً أو رسائل أو وثائق، مصنفة تحت رؤوس موضوعات ستة: التاريخ والقانون والعلوم والسحر والعقائد والأساطير، فبلغت محفوظاتها ثلاثين ألفاً من الألواح، التي تسجل أدب الآشوريين وتاريخهم وحروبهم ووثائقهم الرسمية ومراسمهم الملكية، مرتبة في مجموعات، بحيث لا تختلط ألواح النص الواحد بغيرها، فكان كل لوح يحمل عنوان السلسلة التي يأتي ضمنها، ويبدأ بتكرار السطر الأخير من اللوح السابق عليه، حتى إذا كان اللوح الأخير من النص، ذكر فيه عدد الألواح التي يشملها الكتاب كله15 .
هـ ـ الوثائق والمكتبات في حضارة بلاد الشام:
في عام 1929 عثر على آثار مكتبة في رأس شمرا (أوغاريت)، ترجع إلى الألف الثانية قبل الميلاد ، ك16ما عثر في زابوتا على مكتبة كاملة من الألواح الطينية (الرقم)، بعضها مكتوب بالهيروغليفية، وبعضها بحروف هجائية سامية. وأكبر الظن أنها تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لأن الوقائع التاريخية تشير إلى أن 17وزابوتا قد دمرت حوالي عام 1200 ق.م، قبل أن تستكمل نموها .
وتشير البحوث التاريخية إلى مكتبة أخرى، ولدت شرق البحر المتوسط، بعد قرن تقريباً من إنشاء مكتبة الإسكندرية، ووقفت منها موقف الند، وهي مكتبة برجاموس، التي أنشأها الملك الروماني أتالوس الأول (269- 197 ق.م)، وازدهرت في عهد خليفته يومينس الثاني (197- 159 ق.م)، وكان لها أربع قاعات، يتصل بها، رواق يتخذ مكاناً للقراءة، لأنه يحمي من تقلبات الجو، ولأن القراءة حينئذ كانت بصوت مسموع، لا تناسبها القاعات المغلقة.
وقد نشأت هذه المكتبة في رحاب معبد ديني، وكانت تضم حوالي سبعة عشر ألفاً من لفائف البردي، وبلغت حوالي مئتي ألف عام 41 ق.م، حين أهداها أنطونيو إلى كليوبترا.
ومن الطريف أن نلاحظ هذا التنسيق الببلوغرافي بين مكتبة الإسكندرية التي اختصت بالشعر والأعمال المسرحية، ومكتبة برجاموس التي اختصت بالنثر والفنون الجميلة18 .
ولكننا نشير هنا إلى أن المكتبات التي عثر عليها في بلاد الشام وما بين النهرين، كانت تحتوي غالباً على وثائق مكتوبة على ألواح مصنوعة من الفخار والآجر والطين، إضافة إلى الوثائق المكتوبة على ورق البردي، بينما وجدنا المصريين القدماء يستعملون البردي فقط لكتابة وثائقهم.





4- الوثائق والمكتبات في الحضارة الإسلامية والعربية:
آ- مرحلة صدر الإسلام:
كان العرب قبل الإسلام أميين، لا يعرفون غير كتب الدين، بدليل أن القرآن الكريم قد أطلق على أصحاب الديانات السماوية الأخرى اسم (أهل الكتاب). حتى إن الشعر كان يتناقل شفاهاً، ولم يدوّن إلاّ نادراً، كما حدث للمعلقات.
ولهذا فإن تاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين لم يبدأ فعلياً إلاّ مع انطلاق الدعوة الإسلامية، وإنشاء الدولة. وكان نزول القرآن الكريم هو الحدث الأهم، الذي أحدث انعطافاً عظيماً في العقائد والمعارف الإنسانية كلها، إذ كرم العلم والعلماء، وجعل النبي محمدe فداء أسرى بدر، أن يعلم كل واحد منهم القراءة والكتابة لعشرة من صبيان المسلمين.
كان القرآن الكريم أول كتاب ظهر باللغة العربية، اهتم المسلمون بتدوينه وضبط آياته، حتى لا يلحن فيه غير العرب من المسلمين، فكان هذا الأمر، إضافة إلى الاهتمام بتدوين الحديث الشريف بداية التوثيق في الإسلام.
ب- مرحلة الدولة الأموية:
شهد هذا العصر بدايات حركة النقل والترجمة، بسبب اتصال العرب بعد الفتوحات الإسلامية بالحضارتين اليونانية والرومانية في مصر والشام، والفارسية في إيران، والسريانية في العراق وبين النهرين، وبمبادرة من الخليفة العالم خالد بن يزيد بن معاوية، الذي زهد في الحكم، والتفت إلى أداء دور علمي فعّال، ويقال: إنه صاحب أول مكتبة خاصة في الإسلام.
كلّف اصطفان (وهو عالم من الإسكندرية)، بأن ينقل له من اللغتين اليونانية والقبطية إلى العربية، عدداً من الكتب العلمية، تناسب شغفه بالعلوم، وخصوصاً الكيمياء، إذ اهتم بالصنعة وتحويل المعادن إلى ذهب، وعلم النجوم.
إن الترجمة في هذا العهد، كانت محاولات فردية تزول بزوال أصحابها، وقد اقتصرت على العلوم العملية كالصنعة والنجوم والطب، لأنه أبعد العلوم الأجنبية عن التأثير في الدين، ولذلك أجاز الخليفة19 التقي عمر بن عبد العزيز الترجمة فيه ، ولم تترجم العلوم العقلية كالمنطق والفلسفة والهندسة، ولم تتحول الترجمة إلى عمل أمة، وإلى مدرسة للترجمة إلا في العهد العباسي.
قبل أن ينتصف القرن الأول الهجري، كانت المؤلفات العربية تتوالى، لكنها لم تكن من الكثرة، بحيث تكوّن مكتبات واسعة. ولكن قبل أن ينتهي عصر بني أمية، وجدت مكتبات المساجد (التي اتخذها المسلمون مكاناً للتعليم بجميع مراحله) تنتشر في الحواضر الإسلامية كدمشق إضافة إلى مكتبات الملوك و بغداد و القاهرة و قرطبة20 ، وعدد من المكتبا21ت الخاصة ، وبعض المكتبات العامة 23 .
ويمكننا القول: إن اهتمام الأمويين بالكتب قد بدأ مع مؤسس دولتهم معاوية بن أبي سفيان، وتطور ونما، إلى أن بلغت حركة المكتبات ما بلغته في نهاية عهدهم.
أما التوثيق، فقد أحدث له الخلفاء المتعاقبون دواوين، كانت تقوم مقام دور الوثائق، وتنشئ المراسلات الهامة وتحتفظ بها.
ج - مرحلة الدولة العباسية:
إذا كان العهد الأموي عهد حضانة في التاريخ العربي للترجمة والكتب والمكتبات، فإن العهد العباسي كان فترة نضج وازدهار.
اهتم المنصور بداية بالطب والتنجيم، نظراً لحاجته إلى الطب في التداوي، واعتقاده بالصلة بين علم النجوم والطالع من نحس أو سعد.
وفي أقل من خمسين عاماً من تاريخ الدولة، كان معظم العلوم قد دوّن ونظّم: من علوم نقلية، كعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله واللغة والأدب، وعلوم عقلية، كالرياضيات والمنطق والفلسفة والكلام والمغازي والسير، وشهدت حركة الترجمة والتأليف نشاطاً ملحوظاً.
لم تكن المطابع معروفة في هذا العهد، بل كان ثمة كتّاب ونسّاخ، فازدهرت صناعة النسخ وتجليد الكتب وزخرفتها وتحليتها أحياناً بالذهب، وبرزت أهمية الخط والخطاطين، ومنهم ابن مقلة وابن البواب.
وبانتشار حلقات الدروس ومجالس الإملاء في المساجد وتكاثرها، ظهرت طبقة المستملين الذين يرددون كلمات الشيخ بصوت جهوري، حتى يسمعها الحاضرون (الذين كانوا بالآلاف أحياناً) مما أدى إلى ظهور كتب كثيرة باسم الأمالي 23.
ظل الإملاء الطريقة الشائعة في التأليف طوال القرنين الثالث والرابع الهجريين، وساعد على ازدهاره ظهور صناعة الورق ومهنة الوراقة (من نسخ وتصحيح وتجليد وسائر الأمور الفنية المتعلقة بالحرفة)، بحيث انتشرت حوانيت الوراقين، وأصبحت مجالس للعلماء والشعراء والأدباء والطبقات المثقفة الشغوفة بالقراءة والاطلاع على العلوم المختلفة، ومركزاً للنشاط العقلي المعرفي، حتى أنها بلغت في بغداد وحدها في القرن الثالث الهجري أكثر من مئة حانوت.
أدى هذا النشاط الثقافي إلى اتساع حركة التأليف العربية، وانتشار المكتبات وامتلائها بالكتب، بحيث جمعها ابن النديم في كتابه (الفهرست)24، فكان أول عمل ببليوغرافي عربي في التاريخ . وعرفت ظاهرة وقفيات الكتب والمكتبات 25.
وفي هذا العهد تبلورت فكرة الفصل بين المكتبات ودور الوثائق، فأصبحت الدواوين التي أنشأها الخلفاء والملوك والحكام والوزراء، مختصة بجمع الوثائق وحفظ المراسلات الخاصة بأمور الدولة وشؤون الحكم، وصارت أكثر تنظيماً من ذي قبل.
ـ المكتبات في العصر العباسي: كان بيت الحكمة (أو خزانة الحكمة) أكبر مكتبة رويت أخبارها في العصر العباسي، أسسها الخليفة هارون الرشيد، وكانت الكتب تجمع فيها، وتترجم المؤلفات اليونانية والفارسية، وتنسخ، ويعمل فيها علماء مختلفو الثقافات.
كلّف الرشيد يوحنا بن ماسويه (وهو نصراني سرياني) بترجمة الكتب الطبية اليونانية القديمة، التي أحضرت من أنقرة وعمورية وسائر بلاد الروم التي افتتحها المسلمون، ووضعه أميناً على المكتبة،26 ورتب له كتّاباً حذاقاً يكتبون بين يديه ، وعمل فيها أبو سهل الفضل بن نوبخت (وهو فارسي)27 ، وكان ـ كما قال القفطي ـ ينقل من الفارسية إلى العربية ما يجده من كتب الحكمة الفارسية. أما علان الشعوبي: وهو راوية أنساب فارسي الأصل، فكان ينسخ الكتب فيها للرشيد والمأمون والبرامكة28 ، وكان فيها رئيس للترجمة ومساعدون ومدير وأعوان ومجلدون 29.
نمت هذه المكتبة واكتملت واتسع العمل فيها في عهد المأمون، الذي كان أشد ميلاً إلى الفلسفة والعلوم العقلية.
طلب المأمون من ملك الروم إنقاذ ما يختار من كتب العلوم اليونانية (الطبية والفلسفية) القديمة المخزونة لديهم 30، وأرسل جماعة منهم الحجاج بن مطر، ويوحنا بن البطريق، وسِلْم صاحب بيت الحكمة لجلبها، ثم أمر يوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحق بترجمتها 31، وعيّن سِلْماً خازناً لها.
وطلب من صاحب قبرص أن يرسل إليه خزانة كتب اليونان في الحكمة والفلسفة، (وكانت مخزونة لديه في بيت لا يظهر عليه أحد)، وحين نقلت إلى بيت الحكمة، جعل سهل بن هارون خازناً لها 32.
زعم بعضهم أن بيت الحكمة كان مركزاً للثقافة، ومنتدى للعلماء، وجامعة كبيرة، يتصل بها مرصد ومكتبة. والمؤكد أنها كانت مكتبة ملحقة بقصر الخليفة، لافي بناء خاص، يؤيد ذلك ما اعتاد الخلفاء أن يفعلوه في قصورهم، فقد كان ملحقاً بكلٍ من قصر قرطبة، وقصر الخليفة الفاطمي العزيز بالله33، والخليفة المعتضد بالله مكتبة ، ويؤيد هذا الرأي بما ذكره ابن الأنباري: من أن المأمون أمر الفرّاء أن يؤلف ويجمع ما ألّف في أصول النحو، وأن يفرد لذلك حجرة من حجرات قصره34، وكلف من يعمل فيها .
ساهمت هذه المكتبة، مع مكتبة الفاطميين في القاهرة، ومكتبة الأمويين في قرطبة، في حفظ التراث الإسلامي، بل الإنساني، إلى أن أحرقها التتار عام 656هـ.
اهتم الخلفاء والملوك والأمراء بإنشاء المكتبات الخاصة،36 كعضد الدولة ، وسيف الدولة 35، وقلدهم في ذلك الوزراء 38والأغنياء من الأطباء ، والعلماء والأدباء 37، وكان الجميع يتنافسون في إقامة مجالس السمر والمناظرة والمحاضرة، التي كانت تضم خيرة العلماء والأدباء والشعراء، وفي الحرص على اقتناء الكتب والمخطوطات النفيسة.
انتشر في هذا العهد أيضاً العديد من المكتبات العامة 39، كانت تقدم خدمات مجانية للمثقفين وطلاب العلم، من إعارة وإرشاد وورق ومداد وأقلام، وربما قدمت رواتب لمن يفد إليها، ويقيم فيها من طلاب وباحثين.
إلى جانب العدد الكبير من مكتبات المساجد، التي انتشرت في الحواضر الإسلامية: كدمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة 40وطليطلة، وكان بعضها يضم أكثر من خزانة .
مكتبات المساجد كانت مراكز علمية، ولعلها المؤسسات التعليمية الوحيدة، خلال القرون الخمسة الأولى للإسلام، حين كان المسجد يقوم بدور المدرسة أو الجامعة.
ولهذا نستطيع القول: إن المدرسة النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي نظام الدولة، في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، لتدريس مذاهب السنة والجماعة، أول مؤسسة تعد التعليم عملاً رسمياً من أعمال الدولة، وكانت أقرب إلى الجامعة بمفهومها الحديث، وقد زودت بمكتبة ضخمة، جدد عمارتها الناصر لدين الله العباسي في سنة 589هـ، ونقل إليها آلافاً 41من الكتب النفيسة، احتوى فهرسها ستة آلاف مجلد .
وقد ظهرت بعدها مدارس كثيرة، منها المدرسة المستنصرية التي أقامها المستنصر العباسي في بغداد 631هـ، وزودها بخزانة كتب عظيمة، بلغت يوم افتتاحها ثمانين ألف مجلد42 . والمدرسة الفاضلية التي أنشأها القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأيوبي في القاهرة، ونقل إليها مئة ألف مجلد من كتب المكتبة الفاطمية 43.
لم تقف العناية بإنشاء المكتبات عند حد، فقد ألحقت بالمارستانات (المستشفيات) مكتبات ضخمة متخصصة، زودت بعشرات الآلاف من الكتب، معظمها كتب طبية، استخدمت للتثقيف والترفيه وتدريس الطب، ومنها المارستان العضدي الذي أنشأه عضد الدولة البويهي في القرن الرابع الهجري في بغداد، والمارستان النوري الذي أنشأه نور الدين الزنكي (الشهيد) في دمشق في القرن السادس الهجري، ومستشفى قلاوون الذي أنشأه الناصر قلاوون في القاهرة، وبلغت كتبه حوالي مئة ألف مجلد، معظمها أخذ من دار الحكمة.
كما عرف المسلمون نظام التصنيف والفهرسة، ووجدت لمعظم المكتبات فهارس في مجلدات أو كراسات44 .
د - الأندلسيون:
هذا الاهتمام بالكتب والمكتبات، شمل مشرق الدولة، كما شمل مغربها، فإن التاريخ يحدثنا عن ارتقاء حضاري ونهضة أدبية وثراء ثقافي وغنى فكري، حولت جميعها الأندلس بأقاليمها المختلفة إلى مراكز إشعاع، رافقه انتشار المساجد والمدارس والمكتبات العامة والخاصة. ويروى الكثير عن ولع الملوك والأمراء والوزراء ورجالات الثقافة والموسرين بإنشاء خزائن الكتب، مقتدين بما يفعله المشارقة.
لقد أسرف أهل الأندلس في اقتناء الكتب وتجليدها وزخرفتها، واشتهرت الأندلس بما فيها من مكتبات خاصة، تضاهي أقاليم الدولة الإسلامية، وكانت قرطبة أكثر مدنها كتباً، وأهلها أشد الناس اعتناء بالمكتبات، حتى أصبح اقتناؤها مظهراً من مظاهر الترف45 والثراء والفخر والرئاسة، ولم تعد مظهراً للعلم فقط .
ويقال: إن الحكم المستنصر صاحب الأندلس، خلال حكمه (350-366هـ)، أنفق أموالاً طائلة لشراء الكتب والمصنفات من بلاد المشرق وكل الأقاليم، وقت ظهورها، حتى بلغت أربعمئة ألف مجلد، ضاقت بها خزانته46 ، وكان فهرسها مكوناً من أربع وأربعين كراسة47، في كل منها عشرون ورقة ، جمع لها مهرة النساخ والمصححين والمجلدين، وقد عمرت فترة الخلافة الأموية في الأندلس، وفي عهد ملوك الطوائف توزعت كتبها ونهبت كنوزها.
وروي: أن القاضي أبا المطرّف عبد الرحمن بن فطيس الأندلسي (348- 402هـ)، جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من أهل عصره في الأندلس، وكان له ستة وراقين ينسخون له دائماً، وكان متى علم بكتاب حسن عند أحد من الناس، طلبه ليشتريه منه، وبالغ في ثمنه، وكان لا يعير كتاباً من أصوله البتّة، فإذا سأله أحد ذلك، وألحف عليه، أعطاه للناسخ فنسخه، وقابله، ودفعه للمستعير48 .
ولم تكن المكتبات الخاصة في الأندلس مقصورة على العلماء والأدباء الرجال، وإنما شملت النساء الأندلسيات المشتغلات بالعلم والأدب، مثل عائشة بنت أحمد بن محمد بن قادم (-400هـ)، التي كانت تملك خزانة علم كبيرة49 .
هـ - مصر بعد الفتح الإسلامي:
رأينا من المناسب، عند الحديث عن التوثيق والمكتبات في الحضارة الإسلامية والعربية، أن نفرد لمصر حيزاً مستقلاً، نظراً لأهميتها في هذا المجال.
فقد كانت منذ خمسة آلاف عام مصدراً للبردي وصناعته، وهي التي أسست لتاريخ التوثيق والمكتبات في العالم.
- التوثيق: إن الحديث العلمي الدقيق، عن الوثائق والمكتبات الديوانية في مصر، سيبقى ناقصاً، إلى أن يتمكن العلماء والباحثون من تحقيق ونشر كثير من وثائق البردي العربية الموزعة في عدد من المتاحف والمكتبات.
لقد تحدث المؤرخون عن تحويل الدواوين إلى اللغة العربية حوالي عام 87هـ، مع أن أوراق البردي تكشف عن وثائق باللغتين العربية واليونانية، ترجع إلى القرن الثاني الهجري50 .
وهكذا، لم يعط المؤرخون فكرة دقيقة عن التوثيق، حتى عصر ابن طولون، فقبل هذا العصر "لم يصدر عن نواب الخلفاء ما يدوّن في الكتب، ولا يتناقل بالألسنة. ولتوالي النواب على مصر واحداً بعد واحد، فلم يكن لهم عناية بديوان الإنشاء، وللاقتصار على المكتبات لأبواب الخلافة، والنذر اليسير من الولايات ونحو ذلك" 51.
فمصر لم تكن مستقلة عن الخلافة آنئذ، وكانت مهمة نائب الخليفة جمع الضرائب، ودفع المرتبات، وإرسال الفائض إلى مركز الخلافة.
ولكن، حين استقل أحمد بن طولون بمصر، وضع نظاماً إدارياً، بادئاً بتنظيم المكتبات والوثائق، وبذلك كوّن نواة لما عرف بعدئذ بديوان الإنشاء52 .
ويرى المقريزي: أن ديوان البريد كان قبل العصر الفاطمي يقوم مقام ديوان الرسائل، وأن صاحبه كان هو القائم على المكاتبات والوثائق53 .
وفي العصر الفاطمي زادت أهمية ديوان الإنشاء، لأن الفاطميين عنوا بتسجيل دقائق أخبارهم، والدعاية لعقائدهم عن طريق السجلات.
وفي العهد الأيوبي ازدهرت حركة التوثيق، وخلف لنا ابن مماتي الذي شهد مرحلة انتقال السلطة من الفاطميين إلى الأيوبيين، مرجعاً مهماً، عن الدواوين المصرية، هو "قوانين الدواوين".
كما ترك لنا شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بابن فضل العمري (ـ749هـ) صاحب ديوان الإنشاء في مصر والشام، مرجعاً مهماً عن الدواوين في العهد المملوكي، هو كتابه "التعريف بالمصطلح الشريف".
إضافة إلى كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي (-822هـ)، الذي كان موسوعة، تضم نماذج للوثائق في العصور المختلفة، حتى عام تأليفه 791هـ.
في هذا العهد استمر الاهتمام بالتوثيق، وأصبح الدوادار خاضعاً لصاحب ديوان الإنشاء، الذي كان يسمى كاتب السر، وظلت الدواوين مختلفة التسميات تقوم بحفظ الوثائق54 .
"ومن أهم الإدارات التي كان يصدر عنها وثائق لها قيمة تاريخية في ذلك العصر: ديوان الباشا، والديوان الدفتري، وديوان الرزنامة"، وتعد السجلات التي مازالت موجودة، مصدراً تاريخياً 55مهماً للحياة في مصر، منذ القرن العاشر الهجري .
كان النظام الإداري قبل عهد محمد علي، يجعل الدفاتر والسجلات بيد النظّار والباشكتّاب والمباشرين، وهؤلاء- إضافة إلى الولاة- كانوا يحملون معهم وثائقهم، حين تنتهي مهامهم، مما جعل محمد علي يفكر بإنشاء الدفتر خانة، أواخر عام 1244هـ (في محاذاة باب القلعة) لجمع السجلات الموزعة وحفظها وصيانتها من56 التلف، والرجوع إليها وقت الحاجة .
وتوالى بعدئذ إنشاء دور الوثائق، وصدرت تعليمات ولوائح كثيرة، بتنظيم العمل فيها (دار المحفوظات العمومية- أرشيفات الوزارات…).
- المكتبات: ازدهرت حركة الكتب والمكتبات في مصر، وخصوصاً في العهد الفاطمي، إذ اعتنى الفاطميون بها عناية كبيرة، لأنها أداة لنشر دعوتهم، واعد ملوكهم خزائن الكتب، أهم خزائن قصورهم، ولهذا أنشأ المعز لدين الله الجامع الأزهر لنشر المذهب الإسماعيلي، ولهذا أنشئت المكتبة العزيزية أيضاً.
وقد نقل المقريزي عن المسبحي مؤرخ الدولة الفاطمية ومعاصرها: أنه كان في خزانة الخليفة العزيز بالله، الذي حكم بين عامي (365- 386هـ) عدد كبير من الكتب57، في العلوم المختلفة ، إلى جانب العناية الكبيرة بالناحية الأثرية والتوثيقية، من اقتناء الكتب بخطوط مؤلفيها، إلى الاهتمام بالخط والتجليد.
ساعد العزيز في إنشاء مكتبة وزيره يعقوب بن كلس، وكان أبو الحسن علي بن محمد الشابُشتي (-388هـ)- نديمه وجليسه، وصاحب كتاب (الديارات) المشهور- قيماً على خزائنها.
كذلك ذكر المقريزي، نقلاً عن ابن الطوير، وصفاً للخزائن والرفوف المقطعة بحواجز، عليها أبواب مقفلة. وأنها كانت تحتوي على ما يزيد عن مئتي ألف من أصناف الكتب والمجلدات: في الفقه والنحو واللغة والحديث والتواريخ وسير الملوك والنجامة والروحانيات والكيمياء.
وألمح المقريزي أيضاً، إلى وجود قطعة من الحرير الأزرق، رسمت عليها صورة الأرض بكل تضاريسها وتفاصيلها ومدنها 58وأماكنها المقدسة، مع كتابة أسماء ذلك كله .
انتهت المكتبة بموت العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، واستيلاء صلاح الدين الأيوبي على الحكم. وقد انتقى القاضي الفاضل كثيراً من كتبها، ووقفها على مدرسته الفاضلية في القاهرة.
إن هذه المكتبة، هي واحدة من ثلاث، كانت من أعظم المكتبات الخاصة التي عرفتها الدولة الإسلامية، إلى جانب بيت الحكمة في بغداد، ومكتبة الحكم المستنصر الأموي في قرطبة، وكان لها - جميعاً- فضل كبير في حفظ التراث الإسلامي والتراث الإنساني المترجم إلى العربية.
وثمة مكتبة مهمة أخرى، هي دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله عام 395هـ، مستمداً تسميتها من مجالس الحكمة، التي كانت تطلق على مجالس الدعوة الشيعية 59، وكانت تسمى أيضاً دار العلم.
وقد وصفها المسبحي بقوله:
"فتحت الدار الملقبة بدار الحكمة بالقاهرة، وجلس فيها الفقهاء، وحملت إليها الكتب من خزائن القصور المعمورة، ودخل الناس إليها، ونسخ كل من التمس نسخ شيء مما فيها ما التمسه، وكذلك من رأى قراءة شيء مما فيها، وجلس فيها القراء والمنجمون وأصحاب النحو واللغة والأطباء، بعد أن فرشت هذه الدار وزخرفت، وعلقت على جميع أبوابها الستور، وأقيم قوام وخدام وفراشون وغيرهم، وسُموا بخدمتها، وحصل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب، التي أمر بحملها إليها من سائر العلوم والآداب والخطوط المنسوبة، ما لم ير مثله مجتمعاً لأحد قط من الملوك، وأباح ذلك كله لسائر الناس على طبقاتهم، فمنهم من يحضر لقراءة الكتب، ومنهم من يحضر للنسخ، ومنهم من يحضر للتعلم، وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والأقلام والورق والمحابر… وفي سنة 403هـ أحضر (الحاكم) جماعة من دار العلم من أهل الحساب والمنطق، وجماعة من الأطباء إلى حضرته، وكانت كل طائفة تحضر على انفراد للمناظرة بين يديه، ثم خلع على الجمع وصرفهم". ووقف أماكن في فسطاط مصر على مكتبته، ووضع لها ميزانية ضخمة لصيانة الكتب وترميمها 60.
استمرت المكتبة على هذا الوضع إلى عام 516هـ، حيث كثرت فيها المناقشات الدينية التي سببت فتناً، فأغلقت، ثم أعيد فتحها 61.
-------
الهوامـش
1-حاول بعض العلماء، ومنهم (رافيسون Ravisson) فصل المكتبة عن الأرشيف، بأن طلب إعادة الوثائق المحفوظة بالمكتبة إلى الأرشيف، مقابل تسليم المكتبة بعض المخطوطات الأدبية، لأن المكتبة غير معنية بمثل هذه الوثائق الأرشيفية المتصلة بالشؤون الإدارية، بل عليها العناية بالمخطوطات الأدبية والتاريخية (محمد أحمد حسين- الوثائق التاريخية ـ مطبعة جامعة القاهرة 1954: 11).
وهكذا طالبت دار الوثائق الفرنسية بملكية بعض الوثائق المحفوظة في المكتبة الأهلية، كما كان في حوزة دار الكتب المصرية الكثير من الوثائق التي تنتمي إلى محفوظات دور الوثائق المصرية.
2-الوثائق التاريخية: 9
3-م.س: 11.
4-م.س: 78.
5-في مصر صدر القانون رقم 9 لعام 1951، الذي ينص على إنشاء معهد للوثائق والمكتبات في جامعة القاهرة، يعنى بتشجيع الدراسات الفنية والعلمية المتعلقة بالوثائق الخطية والعلوم التاريخية، ويحتوي على قسمين يمنحان دبلوماً في الوثائق أو في فن المكتبات.
وفي سورية وعدد من الدول العربية، أنشئت كليات وأقسام للمكتبات، ومعاهد للتوثيق والآثار والدراسات التاريخية، ومراكز للمعلومات والوثائق التاريخية، تبرز أهمية الوثيقة، وتتجه بالتوثيق اتجاهاً علمياً وأكاديمياً، يؤهل العاملين في حقل التوثيق.
6-الوثائق التاريخية: 1- 8.
7-وجد العرب الرق أكثر طواعية من البردي، وخصوصاً في الكتب ذات الأحجام الكبيرة، فهو قوي وكبير الحجم وقابل للطي دون أن يتعرض للتلف، بعكس ورق البردي الصغير حجماً، الذي لا يحتمل الطي.
8-د. عبد الستار الحلوجي (لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات) ط2-1979- دار الثقافة للطباعة والنشر في القاهرة: 81-89.
9-(الوثائق التاريخية: 5.
وقد عثر على صور ومقابر أشخاص من الأسرة الرابعة (3100-2965 ق.م)، وصفوا بأنهم كتبة، ووجدت عبارة مكتوبة على قبر موظف كبير من الأسرة نفسها، تصفه بأنه (كاتب دار الكتب). وذكرت المصادر التاريخية أن زوسر الذي حكم مصر حوالي سنة 3150 ق.م كان من مشجعي الآداب والفنون.
(لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات: 5-6).
10-تتميز هذه الوثائق بتنوعها، فمنها ما هو منقوش في المعابد من أخبار الحروب وتاريخ العظماء والمراسيم الملكية وقوائم بأسماء الملوك، وتعد جميعها مصدراً للتاريخ القديم لمصر، ومنها ما هو مكتوب على البردي (الذي كانت مصر أهم مصدر له) عن الحضارات القديمة، محفوظة في أوان محكمة الإغلاق، ساعد جفاف التربة على حفظها سليمة، وأهمها مجموعة من الألواح الفخارية، منقوشة بخط بابل المسماري، عثر عليها في تل العمارنة عام 1887، وقد نقل جزء كبير من هذه الوثائق إلى متاحف لندن وبرلين واللوفر. (الوثائق التاريخية: 60- 61).
11-الوثائق التاريخية: 61- 62.
12-لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات: 19-22.
13-م.س: 24-32.
14-أحمد أمين (ضحى الإسلام) ج2-ط10 دار الكتاب العربي في بيروت: 59-60.
15-وكانت الأمم القديمة تستعمل ألواحاً من الطين أو الخزف أو الخشب، ثم تطلى باللون الأبيض، ويكتب عليها بالمداد، أو تطلى بطبقة من الشمع، ثم تحفر عليها الكتابة بآلة مدببة، وبعدئذ تجمع الألواح التي كتب عليها نص معين، وتحزم معاً على شكل كتاب، وكانت هذه الألواح منتشرة في العالم اليوناني واللاتيني، وفي الشرق بصفة خاصة، وكانت أنسب لكتابة الرسائل والنصوص القصيرة، أو المؤقتة، لسهولة محو النصوص القديمة، وإثبات الجديدة مكانها.
(لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات: 6-
16-إن أوغاريت كانت موطن الأبجدية الأولى في التاريخ، ولهذا فإن مكتبتها تكشف عن موقعها الهام في الحضارات الإنسانية.
17-لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات: 6-7
18-م.س: 22-23.
19-يروي ابن جلجل: أن كتاب (أهرن بن أعين القس) في الطب، قد ترجم إلى اللغة العربية في عهد مروان بن الحكم، وأن عمر بن عبد العزيز أخرجه إلى الناس للانتفاع به (طبقات الأطباء والحكماء:61).
20-يحدثنا ابن النديم: أن عبيد بن شرية الجرهمي، وفد على معاوية، فسأله عن الأخبار المتقدمة، وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلاد ـ وكان استحضره من صنعاء اليمن ـ فأجابه إلى ما سأل، فأمر معاوية أن يدون ذلك وينسب إلى عبيد. (الفهرست:132).
ويحدثنا المسعودي: أن معاوية كان ينام ثلث الليل، ثم يقوم فيقعد، فيحضر الدفاتر، فيها سير الملوك وأخبارهم، والحروب والمكائد، فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتبون، وقد وكلوا بحفظها وقراءتها (مروج الذهب: 5/7.
21-كمكتبات عروة بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وابن شهاب الزهري، وأبي عمرو بن العلاء.
ويروي ابن سعد عن هشام بن عروة: أن أباه عروة بن الزبير، أحرق يوم الحرّة (63هـ) كتب فقه كانت له (الطبقات الكبيرة: 5/133).
ويروي ابن عباس عن موسى بن عقبة: أن كريب بن أبي مسلم (ـ 98هـ)، وضع عندهم حمل بعير، أو عدل بعير من كتب ابن عباس (الطبقات الكبيرة: 5/216).
وروي أن كتب أبي عمرو بن العلاء (70-154هـ) التي كتبها عن العرب الفصحاء، قد ملأت بيتاً له، وما لبث أن أحرقها حين تنسك (الجاحظ. البيان والتبيين: 1/321).
22-يحدثنا الأصفهاني: أن عبد الحكم بن عمرو بن صفوان الجمحي، اتخذ له بيتاً، جعل فيه شطرنجات ونردات وقرقات ودفاتر، فيها من كل علم، وجعل في الجدار أوتاداً، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جر دفتراً فقرأه، أو بعض ما يلعب به فلعب (الأغاني:4/52). فكان عبد الحكم بذلك صاحب فكرة أول مكتبة عامة تفتح أبوابها للجمهور، وتشبه النادي الثقافي المعروف اليوم.
23-من أشهرها أمالي القالي وثعلب والزجّاج وابن دريد وبديع الزمان الهمذاني، وبلغت من الكثرة، بحيث خصّها حاجي خليفة بفصل في كتابه (كشف الظنون).
24-لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات: 35-38.
25-أجرى العزيز بالله الفاطمي ألف دينار شهرياً على أهل العلم والوراقين، وكان بعض الأغنياء يزود المكتبات بالحبر والورق تبرعاً.
وروى ابن خلكان: أنّ في إحدى مدارس نيسابور، كان يوجد خمسمئة دواة معدة لمن يريد الكتابة، وأن الحاكم بأمر الله الفاطمي قد أنفق على مكتبته التي أنشأها في القاهرة أموالاً طائلة، وذكر: أن الصاحب بن عباد أوقف مكتبته على الري.
وروى ياقوت أن مرو كان فيها في مطلع القرن السابع الهجري عشر خزائن للوقف جميعها مجانية، والإعارة فيها دون رهن (معجم البلدان:8/36).
أما مكتبة سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي التي أنشأها في حي الكرخ في بغداد سنة 382 هـ كجزء من دار العلم، فقد أوقف عليها أوقافاً كثيرة، وبلغ مجموع كتبها عشرة آلاف مجلد، معظمها بخط أصحابها (الكامل: 8/88 والمنتظم 7/172).
26-أخبار الحكماء: 380.
27-ابن النديم (الفهرست): 284.
28-م.س: 105.
29-م.س: 10.
30-من المعروف أن مكتبة كبيرة أنشئت في القسطنطينية سنة 336م، وعني بعض الملوك بتوسيعها، حتى بلغت محتوياتها مئة ألف مجلد، أحرق بعضهم بعض ما فيها من الكتب الدينية، انتصاراً لمذهبه الديني (ضحى الإسلام: 2/63).
31-الفهرست: 243.
32-ابن نباتة (سرح العيون): 132.
33-المقريزي (الخطط): 1/408. (المطبعة الأميرية) بالقاهرة.
34-طبقات الأدباء: 127.
35-وصف المقدسي خزانة كتب عضد الدولة البويهي (-372هـ) فقال:
"إنها حجرة على حدة، عليها وكيل وخازن (ابن مسكويه) ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنف إلى وقت عضد الدولة من أنواع العلوم، إلاّ وحصّله فيها. وهي أَزْجٌ طويل في صُفّةٍ كبيرة، فيه خزائن من كل وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأَزَج والخزائن بيوتاً طولها قامة، في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوّق، عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضدة على الرفوف، لكل نوع بيوت، وفهرستات، فيها أسامي الكتب، لا يدخلها إلاّ كل وجيه". (المقدسي: 449).
36-كان لسيف الدولة الحمداني (303- 356هـ) خزانة كتب كبيرة، عيّن الشاعرين المشهورين الخالديين قيّمين عليها، وفيما بعد اشتهرت في حلب مكتبة أخرى لجمال الدين القفطي (-646هـ).
37-كان لعدد من أطباء مصر وسورية مكتبات ضخمة، منها مكتبة الطبيب الدمشقي موفق الدين بن المطران معاصر صلاح الدين، وقد بلغت عشرة آلاف مجلد (ابن شاكر الكتبي "عيون الأنباء في طبقات الأدباء": 3/292- 293).
38-ذكر المعري في رسالة الغفران، مكتبة أَرْدَشير، التي كان يزورها وهو في بغداد، وكان عليها فتاة سوداء، وكان الشريف المرتضى أحد القائمين عليها.
وكان لابن العميد وزير عضد الدولة مكتبة، كان ابن مسكويه أحياناً خازناً عليها… وكانت تحتوي العلوم وأنواع الحكم والآداب، ما يحمل على مئة وَقْر.
وكذلك كان للصاحب بن عباد (-385هـ) مكتبة، فيها (206) آلاف من كتب العلم، ما يحمل على أربعمئة جمل أو أكثر، ويقع فهرسها في عشرة مجلدات.
ويحكى: أن علي بن يحيى المنجم، أقام في ضيعته بكركز من نواحي القُفْص خزانة كتب عظيمة، سماها خزانة الحكمة، يقصدها الناس من كل مكان، يقيمون ويتعلمون فيها على نفقته.
وروي عن أحد علماء أصبهان الأغنياء، أنه أنفق ثلاثمئة ألف درهم، على شراء الكتب، وأن أبا يوسف القزويني المعتزلي، دخل بغداد ومعه عشرة جمال محملة بالكتب (ظهر الإسلام: 2/220- 222).
وعرفت خزانة كتب ضخمة ليحيى بن خالد البرمكي، وللواقدي (-207هـ)، وليعقوب بن كلس (-380هـ) وزير العزيز الفاطمي.
39-منها مكتبة ألحقها بنو عمار بدار العلم التي أسسوها في طرابلس الشام، في القرن الخامس الهجري، لنشر مذهبهم الشيعي، يقال: إنها كانت تحتوي ثلاثة ملايين مجلد من نوادر الكتب والمخطوطات، وقد أحرقها الصليبيون عام 502هـ.
ومنها مكتبتان أنشأهما في البصرة ورام هرمز، أبو علي بن سوار (-372هـ) أحد رجال حاشية عضد الدولة البويهي، ومكتبة دار العلم التي أنشأها جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي في الموصل.
40-يروي ياقوت: أنه في سنة 616هـ، رأى في جامع مرو خزانتين كبيرتين، إحداهما يقال لها (العزيزية) أوقفها عز الدين الزنجاني، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد تقريباً، والأخرى يقال لها (الكمالية). (معجم البلدان: 4/509).
41-الكامل: 8/229.
42-الحوادث الجامعة: 54.
43-المقريزي (الخطط): 1/409.
44-من هذه المكتبات المفهرسة: مكتبة الصاحب بن عباد بالري، ومكتبة الحكم المستنصر بقرطبة، ومكتبة المدرسة النظامية في بغداد، ومكتبة الفاطميين في القاهرة، ومكتبة عضد الدولة بشيراز، ومكتبة بخارى…
45-المقري (نفح الطيب) 1/302.
46-م.س: 1/256.
47-ظهر الإسلام: 2/219.
48-م.س: 2/221
49-ابن بشكوال (الصلة): 2/654.
50-الوثائق التاريخية: 64.
51-القلقشندي (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) المطبعة
52-الأميرية بالقاهرة: 1/60.
53-الوثائق التاريخية: 64.
54-المقريزي (الخطط): 2/317.
مازالت محكمة مصر الشرعية (سراي رياض باشا) تحتفظ بسجلات المحاكم وحجج السلاطين المماليك، لكن الوثائق العثمانية كانت قليلة، أضاع قسماً هامّاً كبيراً منها، الحريق الذي أصاب ديوان الكلتخدا بالقلعة عام 1820م.
55-الوثائق التاريخية: 67.
56-م.س: 69.
57-منها نيّف وثلاثون نسخة من كتاب العين للخليل بن أحمد، وما ينيف عن عشرين نسخة من تاريخ الطبري، ومئة نسخة من الجمهرة لابن دريد. ثم قال: إنه كان في كل العلوم في القصر أربعون خزانة، من جملتها خزانة فيها ثمانية عشر ألف كتاب في العلوم القديمة (الفلسفة والطب والإلهيات وما إليها).
58-المقريزي (الخطط): 1/409 ـ ظهر الإسلام: 1/199.
59-المقريزي (الخطط): 1/391.
60-م.س: 1/459.
61-ظهر الإسلام: 1/200.
المصدر:
النادي العربي للمعلومات، الندوة العلمية الأولى حول الوثيقة العربية. الواقع والآفاق، دمشق 14-16/10/2001
وتوجد أعمال الندوة كاملة في موقع النادي العربي للمعلومات:
http://www.arabcin.net/












  رد مع اقتباس
قديم Jan-05-2007, 09:54 PM   المشاركة2
المعلومات

هدى العراقية
مشرفة منتديات اليسير

هدى العراقية غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 15536
تاريخ التسجيل: Feb 2006
الدولة: العــراق
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.21 يومياً


افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزيل الشكر والتقدير اخي الكريم على هذه المساهمة القيمة والمفيدة جزاك الله خير

تقبل فائق احترامي وتقديري












التوقيع
اعمل بصمت ودع عملك يتكلم

  رد مع اقتباس
قديم Nov-30-2007, 11:51 PM   المشاركة3
المعلومات

بحر المصري
مكتبي جديد

بحر المصري غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 34083
تاريخ التسجيل: Sep 2007
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 1
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

مشكوره كتير يا هدى












  رد مع اقتباس
قديم Mar-02-2008, 02:16 AM   المشاركة4
المعلومات

لهفة الخاطر
مكتبي جديد

لهفة الخاطر غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 43711
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 4
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

الله يجزيك ألف خير ..
لكن أين أجد صور تدعم موضوع كهذا ان اردت الاستفاده منه في مساعدتي لإنشاء بحث عن الارشفة ؟












  رد مع اقتباس
قديم Jun-20-2009, 12:49 PM   المشاركة5
المعلومات

ابراهيم محمد الفيومي
مشرف منتديات اليسير
أخصائي مكتبات ومعلومات
 
الصورة الرمزية ابراهيم محمد الفيومي

ابراهيم محمد الفيومي غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 31463
تاريخ التسجيل: Jun 2007
الدولة: الأردن
المشاركات: 2,507
بمعدل : 0.41 يومياً


تعجب

[quote=somaia;28890]. سهيل الملادي: الوثائق والمكتبات في الحضارة الإسلامية والعربية

--------------------------------------------------------------------------------


الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية
د. سهيل الملادي







مقدمة:
للكتب والمكتبات والتوثيق في الوطن العربي تاريخ عريق، يمتد إلى ما قبل خمسة آلاف عام. وهذا الامتداد التاريخي له علاقة وثيقة بالميراث الثقافي والحضاري لهذه المنطقة، التي تعاقبت عليها حضارات شتى: تراكمت وتفاعلت وتمازجت في نسيج رائع، حتى غدت بلادنا مركز إشعاع فكري للعالم كله.
ولنا أن نتلمس من خلال هذا النسيج، أن أعمق الجذور في تاريخ الكتابة والتوثيق، قد نمت في الأرض العربية، ففيها نشأت أقدم المكتبات في العالم، وفي رحابها استقرت وحفظت الوثائق والنصوص المكتوبة منذ آلاف السنين، شاهدة على حضارة عريقة، ترمز لما مثلته المعرفة والتدوين والكلمة المكتوبة والوثيقة من أهمية في خلقها.
----------------------------------------


<LI sizset="3" sizcache="3">أشهر المكتبات في تراث الحضارة العربية والإسلامية
السبت, 20 يونيو 2009

كمال حميدة *




المكتبات من أهم الأدوات التي يستعان بها قصد كسب المعرفة في شتى العلوم والاطلاع على نواح مختلفة من حياة الشعوب والأقوام وما تركه الأسلاف من تراث وما استقامت عليه حياتهم من تطور في العلوم العقلية والنقلية. ولم تنشأ المكتبات إلا بفضل ظهور الكتابة كأداة لا غنى عنها في تدوين الأخبار وكل ما يرتبط بالتركة الثمينة من الأعمال التي ساهمت عبر مختلف العصور في تطوير المجتمعات وترقية الحضارات.
وأكدت الحفريات الأثرية على أن أولى المكتبات ظهرت في العالم العربي وبالتحديد في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل. وأجمع المؤرخون على أن السومريين هم أول من جمع المحفوظات والسجلات الخاصة، إلا أنه لا يمكن القول أن دور الحفظ تلك كانت مكتبات بالمفهوم الحديث. ولقد كانت مكتبات الحضارة البابلية والآشورية كالمكتبات السومرية لا تتعدى كونها دوراً للمحفوظات والسجلات، وعموماً فقد عرفت بلاد ما بين النهرين أنواعاً من المكتبات منها: مجموعة المعبد وتعتبر أولى المكتبات وكانت تحتوي على القوانين المقدسة والطقوس والتراتيل الدينية وسيرة الآلهة وغيرها، ودار المحفوظات والسجلات الحكومية وكان يحفظ فيها كل ما يتصل بالضرائب والتشريعات والقوانين وأعمال الملوك والحكام ومصادر الواردات والاتفاقات والمواثيق، وهناك المكتبات المدرسية وقد وجدت لتدريس النساخ والكهنة الذين كانوا يتابعون دراسة علوم ومعارف عصرهم وخصوصاً في مجال الشرائع والقوانين.
واجمالاً المكتبات في بلاد ما بين النهرين وجدت في المعابد والقصور والهياكل وكانت تضم ألواحاً طينية في الموضوعات المختلفة كالتاريخ والقانون والعلوم والسحر والعقائد والأساطير، ومن أشهر المكتبات التي عرفتها حضارة بلاد ما بين النهرين كلش في تللو ومكتبة نيبور ومكتبة نينوى، في حين ان مكتبة آشور بانيبال تعتبر أشهر وأعظم مكتبات بلاد ما بين النهرين.
وتوافرت الظروف لوجود المكتبات لدى المصريين القدماء الذين سجلوا عبر الكتابة وصاياهم وتعاليمهم، والفراعنة كانوا يشجعون الآداب والفنون، وقد عرفت الحضارة المصرية أنواعاً من المكتبات ومنها: أ - مكتبات المعابد وتحفظ فيها لفائف تتعلق بالطقوس الدينية والأحداث التاريخية، ب - مكتبات القصور وكانت تضم رسائل الملوك الرسمية كالمعاهدات والقوانين. جـ - المكتبات الخاصة بالنبلاء والرجال البارزين وكانت تضم أخبار العائلات والمراسلات الشخصية وقصص المغامرات والحروب والأسفار. ووجدت مكتبات مصرية قديمة في الجيزة وممفيس وطيبة وغيرها من المدن المصرية والسومريون سموا المكتبات ببيت اللوحات الكبير لأنها كانت مليئة بالألواح الطينية، والفراعنة أطلقوا عليها قاعة كتابات مصر ومكان انعاش الروح.
أما العرب في العصر الجاهلي فلم تكن لديهم كتب ولا مكتبات لأن الكتابة لم تكن منتشرة بين الناس ولم تكن أدواتها ميسورة، فالعرب كان تراثهم الشعر المحفوظ. وفي عصر الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده لم يكن للعرب نصوص مكتوبة غير كتاب الله، وحتى القرآن الكريم فقد كان الأساس فيه الحفظ في الصدور لا الكتابة، خشية أن يلحن الأعاجم منهم بخاصة في قراءة ما يحفظون. ولقد استمر تحرج المسلمين من كتابة شيء سوى القرآن طوال القرن الأول الهجري.
وعندما دوّن الحديث في خلافة عمر بن عبدالعزيز سنة 100 هـ فتح الباب على مصراعيه أمام حركة تدوين العلوم عند العرب. لم يعرف لدى العرب في القرن الأول الهجري تراث مكتوب يمكن أن يكون نواة للمكتبات، ومع ذلك ففضل هذا القرن على المكتبات الإسلامية لا ينكر. وعلى العموم فالقرن الأول هو بمثابة فترة الحضانة بالنسبة الى تاريخ الكتب والمكتبات الإسلامية، فيه توافرت المواد التي تصلح لأن تكتب فيها الكتب، وفيه كثرت أعداد الكتاب وتضاعفت، وفيه وجد التراث الخالد الذي يحرص المسلمون على جمعه وتناقله والحفاظ عليه المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله؟ وفي ما يتعلق بحركة التأليف العربية التي امتد جذورها الى النصف الثاني من القرن الأول، فلم تتضح معالمها إلا خلال القرن الثاني الذي شهد رجالاً كأبي عمرو بن العلاء الذي ذكر الجاحظ ان كتبه عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتاً له الى قريب من السقف، والإمام الشافعي الذي ذكر له ابن النديم في فهرس أكثر من مئة كتاب، وجابر بن حيان الذي أحصى له صاحب «الفهرست» حوالى ثلاثمئة من الكتب والرسائل التي رآها بنفسه أو ذكرها له الثقات الذين شاهدوها. كما نشطت حركة التأليف في هذا القرن في ظل مجالس الإملاء التي كانت بمثابة محاضرات عامة يلقيها العلماء في مختلف فروع المعرفة.
والظاهرة الثانية التي شهدها هذا القرن هي دخول الورق الى بغداد في زمن الرشيد، والورق عرفه العرب أول الأمر مجلوباً من الصين ثم مصنوعاً في سمرقند، ولكنه لم يصبح في متناول الناس كافة إلا بعد أن صنع في عاصمة الخلافة العباسية، ونتيجة انتشار صناعة الورق بين مختلف فئات المجتمع أصبح لها سوق كبيرة في بغداد، ولم تكن حوانيت الوراقة مجرد دور للنسخ وبيع الكتب فكانت أيضاً مجالس للعلماء والشعراء وملتقى الطبقات المثقفة. ومنذ القرن الثاني للهجرة عرف العرب كل أنواع المكتبات التي يتباهى بها العصر الحديث، فكانت هناك المكتبات الخاصة التي ينشئها الأفراد لأنفسهم كخزانة يحي بن خالد البرمكي التي يذكر الجاحظ انها كانت تضم ثلاث نسخ من كل كتاب، وخزانة الواقدي، ولا نكاد نصل الى القرن الرابع الهجري حتى نرى المكتبات الخاصة قد انتشرت في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، ووصلت شهرة بعضها الى مختلف الديار الإسلامية.
أبرز المكتبات في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية هي تلك التي ارتبطت بقصور الخلافة في كل من بغداد والقاهرة وقرطبة. ففي بغداد أنشأ هارون الرشيد بيت الحكمة في أواخر القرن الثاني وهي أول مكتبة عامة وأكاديمية تقام في البلاد الإسلامية، وزودها بكل ما نقل الى العربية من كتب الطب وعلم النجوم والفلك وما ألف في مجال العلوم الإسلامية وأمر هارون الرشيد بأن تضاف الى مقتنيات مكتبة بيت الحكمة كل الكتب التي جمعها أبو جعفر المنصور، بالإضافة الى الكتب التي جمعها بنفسه من كتب الروم.
ودأب المأمون على جلب الكتب اليها من كل حدب وصوب، فبعث الى بلاد الروم والى قبرص من يأتيه بتراث الأمتين العظيمتين في التاريخ القديم: اليونان والرومان، واهتم أيضاً بتوسعة مكتبة بيت الحكمة لتستوعب الكميات الكبيرة من الكتب والمخطوطات ومن بينها سجلات أيام الجاهلية في حياة العرب من شعر العرب القدامى ولم تكن خزانة الحكمة هذه مجرد مخزن للكتب كما قد يوحي اليك بذلك اسمها، وانما كانت مركزاً للثقافة بأوسع معانيها، فقد كانت منتدى للعلماء وقاعة بحث للدارسين، وكانت الى جانب ذلك مركزاً لترجمة الكتب ونسخها، وبتعبير العصر الحديث نستطيع القول انها مركز للترجمة والنشر. وفي القاهرة بلغ الاهتمام بالمكتبات ذروته في عهد الفاطميين، ومارس الفاطميون دوراً مميزاً في نشر الثقافة وتطورها فأسسوا في مصر المكتبات التي باتت تفوق بضخامتها وأهميتها سائر المكتبات في العالم الإسلامي، فقد أسس العزيز بالله الفاطمي مكتبة ضخمة في قصره بالقاهرة ضمت الكثير من المخطوطات والكتب منها نسخ من القرآن الكريم مزينة ومجلدة في شكل جيد، ومخطوطات حول العالم القديم، وكتب تشمل الشريعة والتجويد والنحو والتاريخ والسيَر والفلك والكيمياء.
أما الحاكم بأمر الله فقد أنشأ مكتبة «دار العلم» أو «دار الحكم» في عام 395هـ بجوار القصر الغربي بالقاهرة، وكان الغرض من تأسيسها مساعدة سائر طبقات المجتمع في التعليم والتحصيل ما جعلها معهداً أكاديمياً بكل ما للكلمة من معنى. ونقل اليها كل الكتب التي كانت في القصور ووقف لها أماكن ينفق عليها من ريعها، وخصص كل الخدمات من العمال والموظفين لأداء حسن التنظيم والإعارة وحددت موازنة خاصة بها. وتعد هذه المكتبة أضخم المكتبات التي تأسست في العصور الإسلامية السابقة، فاقتنت دار الحكمة في القاهرة مئات الآلاف من الكتب في مختلف العلوم، في الفقه واللغة والرياضيات والفلسفة والحديث والتفسير والفلك والكيمياء والطب وغير ذلك من علوم مختلفة.
أما في بلاد الأندلس فقد أثار تأسيس المكتبات في بغداد وغيرها من البلدان الإسلامية اهتماماً فائقاً في وسط المسلمين هناك، وانشغل الحكم الثاني (المتوفى سنة 366هـ/ 976م) بالكتب حتى انه عين في المدن الأندلسية والسورية والمصرية وفي بغداد وفارس وخراسان مجموعات من الموظفين والتجار لجمع الكتب النادرة. ولما تولى الخلافة الحكم المستنصر بين عامي (350هـ - 366هـ/ 961م - 976م) أنشأ مكتبة قرطبة وأنفق عليها الأموال الطائلة وجلب اليها الكتب من كل الأمصار، وحاول الحكم أن يجعل من مكتبته هذه مكتبة متميزة في مقتنياتها، وحصل على كتب واستنسخت الأعداد الكبيرة منها لهذه المكتبة، ومن بينها «كتاب «أوقات الصناعات» الذي ألفه أبو الحسن عريب بن سيد وكتبه في قرطبة عام 961م ثم نقح وترجم الى اللاتينية من قبل دوزي في عام 1873م.


document.title="Dar Al Hayat - أشهر المكتبات في تراث الحضارة العربية والإسلامية";$(document).ready(function(){ $('#menu-int').find('a[href$=1429]').css('color', '#fff'); $('#menu-int').find('a[href$=1429]').css('background-color','#464646');});

الرابط

http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/29293












التوقيع
إن الكل يموت ويذهب صداه
الا الكاتب يموت وصوته حي
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الكتب والمكتبات في الحضارة الإسلامية أبو فواز منتدى الإجراءات الفنية والخدمات المكتبية 4 Apr-16-2008 10:38 AM
تغطية ندوة المكتبه الوقفيه بالمملكة العربية السعودية محمد حسن غنيم عروض الكتب والإصدارات المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات 1 Aug-06-2007 03:02 PM
موقع ببيلو اسلام محمد حسن غنيم أخبار المكتبات والمعلومات 2 May-01-2007 06:53 AM
الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية ولاء شيخ منتدى الوثائق والمخطوطات 2 Dec-06-2006 09:27 PM
الــوثــائق والمكــــتبات في الحضارة الإسلامية والعربية صابرين زياد منتدى الوثائق والمخطوطات 7 Sep-13-2006 11:18 PM


الساعة الآن 01:48 PM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين