[سلمى سعيد]

المكتبات العامة الفلسطينية مهددة بالانهيار

أشرف الفرا: المكتبات العامة الفلسطينية مهددة بالانهيار

'أمد' /خاص:شيرين خليفة:

رغم أهمية المكتبات العامة في الحياة الثقافية الفلسطينية كمصادر أساسية للقاعدة المعلوماتية, إلا أنها أصبحت حاليا مهددة بالانهيار فواقعها لا يبشر بخير ,حيث يتكالب عليها عاملا ضعف التمويل الذي تسبب في تقادم عناوينها وكتبها وعدم قدرتها على ملاحقة كل ما هو جديد في كافة المجالات , إضافة إلى عزوف الجمهور الفلسطيني بشكل عام عن ارتياد هذه المكتبات بسبب عوامل حياتية ربما يعتبرها المواطن الفلسطيني موضوعية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
'أمد' ناقشت موضوع ' واقع المكتبات العامة في فلسطين في ظل الاحتلال ' مع أ.اشرف الفرا رئيس قسم علم المكتبات بجامعة الأقصى في مدينة غزة.
عزوف
يؤكد أ.الفرا تراجع الدور الثقافي للمكتبات العامة في الحياة الثقافية الفلسطينية, وعزوف المجتمع الفلسطيني عن ارتياد المكتبات مشيرا إلى أن ذلك جزء من ظاهرة عالمية تسمى 'العزوف عن القراءة' لدرجة نستطيع معها القول أن العالم أصبح غير قاريء.
لكن الفرا قيم حجم الإقبال على المكتبات الموجودة بالمتفاوت , قائلا 'إن هذه المكتبات يرتادها الكثير ,ولكن ليس بالصورة المطلوبة, ومعظمهم من طلاب المدارس أو الجامعات الذين يقومون بعمل أبحاث, وذلك نظرا لظهور منافس قوي للمكتبات وهو الحاسوب وملحقاته من انترنت ووسائل اتصال حديثة'.

ويقول الفرا خلال حديثه أن معظم المكتبات العامة في فلسطين تتبع للبلديات مستعرضا أهمها وهي مكتبة بلدية نابلس,ومكتبة بلدية البيرة ,مكتبة بلدية غزة,مكتبة مركز رشاد الشوا الثقافي ,مكتبة بلدية خانيونس ,مكتبة بلدية رفح,مكتبة بلدية النصيرات,و مكتبة مركز القطان للطفل وهي خاصة بالأطفال,إضافة إلى عدد من المكتبات التي تتبع المؤسسات الأهلية.

ويعلل الفرا تبعية معظم مكتبات فلسطين للبلديات نظرا لطبيعتها الخدماتية, لكنه يقول إن المكتبات ظلمت بهذه التبعية نظرا لمحدودية ميزانية البلديات ,وعدم قدرتها على تلبية احتياجاتها,بالتالي هي غير قادرة أيضا على تجديد المكتبات التابعة لها ,والتي تنشىء أساسا من خلال مشاريع تمويلية مقدمة من الدول المانحة, إلا أن هذه المكتبات تصبح فيما بعد عبئا على البلديات وترهق ميزانيها مما ينعكس سلبا على تطور المكتبة, فهي بذلك تنشئ على أحدث المواصفات ثم تبدأ بالاضمحلال,نظرا لغياب الدعم.
لكن أستاذ علم المكتبات لم ينزع الفضيلة عن هذه المكتبات بالكامل قائلا أنها أثرت بشكل كبير في الحياة الثقافية الفلسطينية ,حيث ساهمت في الحفاظ على الكتاب الفلسطيني من الاندثار وتوثيق القضية الفلسطينية بكل أبعادها وجوانبها.
ويعتبر الفرا أن بعض المكتبات العامة الموجودة في فلسطين فقط يمكن أن نطلق عليها هذا الاسم ,وفقا للأسس العلمية المتعارف عليها في علم المكتبات,أما البقية فلا تعدو كونها مجامع للكتب,لكنه يعرب عن أمله في استمرار تطوير هذه المكتبات بحيث تستحق التسمية العلمية لها من خلال تجديد العناوين والكتب الموجودة فيها ,وتوظيف كوادر بشرية مؤهلة , معتبرا أن معظم الموظفين في هذه المكتبات هم من غير حملة الشهادات المتخصصة في مجال علم المكتبات, قائلا إن الكفاءات موجودة وخريجو أقسام علم المكتبات على درجة عالية من الكفاءة والمهنية إلا أن المشكلة في عدم قدرة المكتبات على توظيف كادر يزيد من إرهاق ميزانيتها.
ويؤكد الفرا أهمية تضافر جهود كافة الجهات المعنية بدئا من المكتبات العامة نفسها ووزارتي التربية والتعليم والثقافة المؤسسات الأهلية من اجل تغيير السلوك المجتمعي تجاه عملية القراءة والمطالعة.
ويقترح الفرا للخروج من هذا الوضع المتأزم الاهتمام بالتربية المكتبية وهو مفهوم موجود في الدول المتقدمة بحيث يتم تخصيص حصص دراسية لطلاب المدارس والجامعات يتم من خلالها التعريف بأهمية الكتاب وتشجيع الطالب على القراءة ,وعقد المسابقات ,وتكليف الطلاب بأبحاث يشترط المعلم تحضير مادتها عن طريق القراءة والبحث وليس عن طريق الانترنت كما يفعل الكثير من الطلاب , وذلك من اجل تنشئة جيل جديد يكون قارئا.
ويشير الفرا إلى أن الأسرة هي المكان الأول الذي يشجع الطفل على القراءة بالتالي من الضروري التوجه إلى الأسرة الفلسطينية لتوعيتها بأهمية القراءة.
ويقترح كذلك الفرا قيام المكتبات العامة والجهات المعنية بتنظيم الدورات والمؤتمرات بشكل دائم والاهتمام بالنشاطات الأخرى ,وبتجديد العناوين والكتب , ومراعاة اهتمامات كافة الفئات العمرية من اجل اجتذاب الفئات الأخرى من المجتمع من أمثال ربات البيوت ومعظمهن من المتعلمات ,والمتقاعدين.
تحسن ورغم الأوضاع السيئة التي تعانيها المكتبة العامة الفلسطينية بشكل عام إلى أن الفرا يعتبر أن المرحلة الحالية أفضل من مراحل سابقة عاشتها هذه المكتبة , فمثلا قبل قدوم السلطة الفلسطينية مارست سلطات الاحتلال ضغوطا كبيرة على المكتبات العامة , التي لم تظهر أصلا بصورة واضحة وكانت تقدم بعض الخدمات المحدودة للمواطنين.
كما أن كافة مناحي الحياة تأثرت طوال الفترة الماضية بممارسات الاحتلال وهذا انعكس بدوره على حركة الكتابة والمكتبات, حيث منعت سلطت الاحتلال استيراد كافة الكتب التي تتحدث عن القضية الفلسطينية أو تاريخ فلسطين أو حتى جغرافية فلسطين , وحتى المنهج التعليمي الذي كان يدرس في المدارس هو المنهاج المصري , فسياسة إسرائيل كانت في ذلك الوقت قائمة على تجهيل الشعب الفلسطيني.

ويقول الفرا أن ذلك ساهم إلى حد كبير في ابتعاد المواطن الفلسطيني عن القراءة إضافة إلى الظروف الحياتية والأوضاع المتأزمة التي كانت في ذلك الوقت , والتي مازالت تلعب أيضا دورا في الوقت الحالي في ابتعاد المواطن الفلسطيني المنشغل بهمومه اليومية عن القراءة.

ويقول الفرا أن تاريخ نشأة المكتبة العامة في فلسطين ليس بدقيق فلا احد يستطيع أن يحدد البداية الحقيقة لنشاتها لكن هناك بعض الكتابات التي تدل على أن الكتابة بدأت مبكرا ,كما ظهرت مكتبات في القدس ثم الخليل وبيت لحم وغزة, إلا أن هذه المكتبات كانت مرتبطة بشكل كبير بالمساجد والمعابد , أي يغلب عليها الطابع الديني , وقال أن نشأة المكتبة الفلسطينية جاءت مواكبة لنشأة المكتبة العربية بشكل عام إلا انه لا يوجد مكتبة واحدة يمكن أن يشار إليها بالبنان بحيث نقول أنها كانت مكتبة ضخمة على غرار مكتبة الإسكندرية التي أنشاها بطليومس الثاني , ومكتبة آشورية في نينوى والتي أنشاها الملك آشور انيبال.
محاولات رغم المعوقات التي تعيشها المكتبات العامة الفلسطينية إلا أن هناك محاولات جادة من طرفها من اجل العودة إلى وضعها الذي أنشئت من اجله , يقول أ.سعيد أبو رمضان مدير مركز رشاد الشوا الثقافي الذي تتبع له مكتبة رشاد الشوا أن الإقبال على المكتبة ليس بالمستوى المطلوب , فمعظم روادها هم من طلبة الجامعات وطلبة الماجستير الذين يضطرون للبحث عن مادتهم من خلال المكتبات العامة , أما طلاب المدارس فمعظمهم يفضل اللجوء للانترنت لعمل أبحاثهم.
ويعلل أبو رمضان هذا الضعف بعدم وجود توعية حقيقية لطلاب المدارس بأهمية ارتياد المكتبات العامة , مؤكدا أهمية وجود حصة مكتبية للطلاب لتعريفهم بذلك.
وقال أبو رمضان أن مكتبة المركز أنشئت في عهد الاحتلال ومورست عليها الكثير من الضغوط الإسرائيلية ومنعت من استيراد عدد كبير من الكتب , إلا أنها استطاعت الصمود , لكنه أشار أيضا إلى أن المكتبة التي تتسع لما يزيد عن 90 ألف كتاب لا يوجد بها إلا 65 ألف كتاب و40 ألف عنوان, كما انه لا يوجد قسم للطفل , وذلك نظرا لغياب الدعم فالمكتبة تعتمد عل جهد كوادرها الشخصي.
من جانبها قالت ريم الشوا مديرة مكتبة بلدية غزة أن حجم الإقبال على المكتبة ضعيف جدا ولم يرتق إلى المستوى المطلوب أبدا , نظرا لغياب الثقافة المجتمعية المتعلقة بجعل الكتاب صديق, إضافة إلى تفضيل طلاب المدارس وحتى بعض طلاب الجامعات إعداد أبحاثهم عن طريق الانترنت , معتبرة أن ذلك احد عيوب التكنولوجيا الحديثة .
وأشارت الشوا إلى صعوبة احتمال القيام بحملات توعية وتثقيف من قبل المكتبات العامة قائلة أن ذلك يتطلب الكثير من الأموال التي لا تتوفر أبدا للمكتبة .
لكن الشوا أشارت إلى أن كافة عناصر جذب الجمهور الفلسطيني بمختلف طبقاته موجودة , مؤكدة سعيها قدر الإمكان لاجتذاب فائتي ربات البيوت والمتقاعدين بشكل خاص, وذلك لتغيير سلوك حياتهم تجاه ارتياد المكتبات ,وتعريفهم بأهميتها.

ملاحظة: اتمني ان ينال اعجابكم ومعرفة رائكم وكيفية حال المكتبات العامة في وطنكم.
المرجع :http://www.amad.ps/arabic/?action=detial&id=603