منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » منتدى الوثائق والمخطوطات » الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية

منتدى الوثائق والمخطوطات يطرح في هذا القسم كل ما يتعلق بالوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية.

إضافة رد
قديم Jun-20-2006, 04:49 PM   المشاركة1
المعلومات

ولاء شيخ
مكتبي نشيط

ولاء شيخ غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 18054
تاريخ التسجيل: Jun 2006
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 69
بمعدل : 0.01 يومياً


افتراضي الوثـائق والمكـتبات في الحضارة الإسلامية والعربية

مقدمة:

للكتب والمكتبات والتوثيق في الوطن العربي تاريخ عريق، يمتد إلى ما قبل خمسة آلاف عام. وهذا الامتداد التاريخي له علاقة وثيقة بالميراث الثقافي والحضاري لهذه المنطقة، التي تعاقبت عليها حضارات شتى: تراكمت وتفاعلت وتمازجت في نسيج رائع، حتى غدت بلادنا مركز إشعاع فكري للعالم كله.
ولنا أن نتلمس من خلال هذا النسيج، أن أعمق الجذور في تاريخ الكتابة والتوثيق، قد نمت في الأرض العربية، ففيها نشأت أقدم المكتبات في العالم، وفي رحابها استقرت وحفظت الوثائق والنصوص المكتوبة منذ آلاف السنين، شاهدة على حضارة عريقة، ترمز لما مثلته المعرفة والتدوين والكلمة المكتوبة والوثيقة من أهمية في خلقها.
وأدى العرب بعد ظهور الإسلام دوراً خطيراً في تاريخ الكتب والمكتبات، فقد نقلوا إلى اللغة العربية كل ما وجدوه من تراث سابق، وأضافوا إليه ما ابتكروه من علوم، وما أبدعوه من آداب وفنون.
حافظوا على هذا الرصيد الحضاري: نقلاً وإضافة، إلى أن أسلموه إلى أوربا في القرن الثاني عشر للميلاد، فكانوا موئلاً عظيماً للثقافة، وكانت مكتباتهم مستودعاً أميناً للتراث الإنساني منذ أقدم عصوره.

نشوء دور الوثائق والمكتبات:

آ- الوثيقة ودور الوثائق:

- المفهوم العلمي للوثائق "Archives": لم يكن في البداية ثمة تحديد لوظيفة الأرشيف أو دار الوثائق، أو تحديد للأسس التي تجعل الوثيقة "Document" وثيقة أرشيفية "Archival- Document"، لذلك اختلطت وظيفة المكتبة بوظيفة الأرشيف، واحتوت المكتبات على أرشيفات صناعية "Aritificial Archives" تضم صنوفاً من الوثائق، جمعت على غير نظام أو تنسيق، كما تجمع القطع النقدية أو الأثرية، ومن جهة أخرى احتوت الأرشيفات مخطوطات أدبية وتاريخية.

وساعد على هذا الخلط خلو القوانين التي تصدرها الحكومات من تحديد هذه الأسس والوظائف والتعاريف.

ولكن هيلري جنكنسون "Sir Hilary Jenkinson" يعرّف الوثائق الأرشيفية: بأنها التي أنشئت أثناء تأدية أي عمل من أي نوع، وكانت جزءاً من هذا العمل، لذلك حفظت لدى الأشخاص المسؤولين عن تصريف هذه الأعمال للرجوع إليها، وهي لا تقتصر على الأعمال الحكومية، بل قد تكون وثائق لجمعيات أو لأشخاص أو لهيئات غير حكومية، فهي تتجمع بطريقة طبيعية، وهي أدلة مادية للعمل نفسه، وجزء منه. وتشمل لفائف البردي وأدراج الرق والأفلام والأختام، وكل ما يحمل خبراً أو أثراً، وثمة علاقة طبيعية بين أجزائها، فوثيقة بمفردها لا تعني شيئاً، إلاّ إذا اقترنت بأقرانها

في مصر صدرت لوائح عديدة تحدد مفهوم الوثيقة، وتنظم دور الوثائق، منها لائحة جديدة للدفترخانة المصرية، صدرت عام 1921م، قسمت الوثائق إلى ثلاثة أنواع: ما يحفظ بصورة دائمة، وما يحتفظ به لمدة معينة، وما يستغنى عنه، وحددت طبيعة الوثائق التي يسمح بالاطلاع عليها.

وأهمها لائحة محفوظات الحكومة (1953م) التي عرّفت المحفوظات "بأنها السجلات والدفاتر والمستندات والأوراق والاستمارات بأنواعها المختلفة التي تستعملها كل الوزارات والمصالح وفروعها في أعمالها، ثم ينتهي العمل فيها، ويقتضي الأمر حفظها بعد ذلك سنة فأكثر، تبعاً لحاجة العمل الحكومي، أو لقيمتها التاريخية.

وعرّفت المحفوظات المستديمة بأنها "السجلات والدفاتر والأوراق والمستندات التي تتضمن مبادئ أو اتفاقات متعلقة بملكية الحكومة أو الأفراد، أو تكون ذات أهمية تاريخية".

ومن المفيد أن نذكر التعريف المعاصر للوثيقة، الذي اعتمد في بيان يوم الوثيقة العربية: "إنه كل وعاء حامل للمعلومات، أياً كان شكله ونوعه ، بدءاً من الوعاء الورقي، حتى الوعاء الإلكتروني، بحيث يشمل جميع أنواع الوثائق: المقروءة، المخطوطات والكتب النادرة ـ المعاهدات والخرائط والوثائق ـ القرارات والمراسلات ـ مذكرات الشخصيات الوطنية ـ الصحف القديمة ـ النشرات السياسية والإدارية والتعاميم الهامة.
المسموعة: التسجيلات الصوتية ذات الدلالات الهامة.
المجسمـة: اللوحات الخطية ـ الصناعات اليدوية القديمة.
المرئيــة: الصور الفوتوغرافية ـ الأفلام ـ السلايدات ـ الميكروفيلم.
الإلكترونية: المحفوظة على الحاسوب، أو على أقراص مرنة، أو أقراص C.D.ROM".


ـ نشأة دور الوثائق:

بدأت دور الوثائق (الأرشيفات) جزءاً متصلاً بالمكتبات، تحفظ فيه الوثائق المتنوعة، فقد ترك لنا آشور بنيبال أرشيفات نينوى، وخلّف المصريون القدماء أرشيفات تل العمارنة، ووجدت أرشيفات للقوانين في معابد اليونان في ديلوس ودلفى. وأرشيف لشريعة حمورابي في بلاد ما بين النهرين.
حفظ أباطرة الرومان قراراتهم في معابدهم وقصورهم، كذلك كان لسادة الإقطاع في العصور الوسطى أرشيفاتهم الخاصة المنفصلة عن الأرشيف الخاص بالملك، وهي دور لحفظ المستندات والحجج التي تثبت حقوق كل واحد منهم وامتيازاته، ولا يقربها عامة الناس.
وقد ورثت أوربا عن هذه العصور كثيراً من الوثائق الكنسية، التي بقيت بعيدة عن النهب والحروب وتقلبات الأحداث.
وكانت المكتبة تقوم بوظيفة الأرشيف، فهي تحتفظ بالوثائق الإدارية، كما تحتفظ بالمخطوطات الأدبية وغيرها من الكتب.
ومنذ الثورة الفرنسية التي قضت على الإقطاع وأحرقت وثائقه، اتصلت حركة البحث والعناية بالوثائق في أوربا بنمو الشعور القومي.
وحّدت الأرشيفات الفرنسية التي بلغت قبل الثورة (405) مراكز، وأسس الأرشيف القومي، واتسعت مهمات دور الوثائق، وبرزت أهميتها التاريخية والعلمية، فلم تعد مستودعاً للحجج القضائية فحسب، بل أصبحت مركزاً للدراسات التاريخية والبحوث العلمية، وأصبحت الوثائق المحفوظة فيها مادة للبحوث والكتب.
وشهد القرن التاسع عشر نهضة عظيمة في تأسيس دور الوثائق القومية، ففي مصر أسست دار المحفوظات (الدفتر خانة المصرية) بالقلعة عام 1829م، ووافق المجلس الملكي في 19 كانون الثاني/يناير/1830 على لائحتها التي تساير النظام الفرنسي إلى حد بعيد.
ولم يقتصر الأمر على تأسيس دور الوثائق، بل عني العلماء بحصرها والتعريف بها، ووضع سجلاتها، وإحداث وظائفها (كوظيفة أمين الوثائق). وعني بعض الدول بتأسيس هيئات علمية، وإصدار مجلات تعنى بالوثائق وتنظيمها، وتسهيل الحصول عليها، وتخريج أطر مختصة من جامعاتها .

و هكذا تحولت مهمة دور الوثائق في العصر الحديث من مجرد حفظ الحجج القضائية، و المستندات الإقطاعية إلى العناية بالتاريخ القومي ، و تجميع أدوات البحث التي تساعد على رفع مستوى البحوث التاريخية ، فأصبحت جرن التاريخ كما يقول الفرنسيون.

ب_ الكتاب والمكتبات:

ـ المفهوم و النشأة: إن الحديث عن صفات الوثيقة الأرشيفية (( Archival document يحدد في الوقت نفسه وظيفة دور الوثائق، ويجعل منها أماكن لحفظ الوثائق الأرشيفية الخطية التي تنمو فيها نمواً طبيعياً.
وهذا الأمر يميز مهمتها عن مهمة دور الكتب، التي تعنى -هي نفسها - بتجميع الكتب والمخطوطات العلمية والأدبية والتاريخية والفلسفية .. وغيرها، باستثناء ما في حوزتها من الوثائق الأرشيفية، أو المتصلة بالأعمال الإدارية والسياسية، التي تعد حيازتها من اختصاص دور الوثائق.
إن تاريخ الكتاب قد ارتبط بعاملين أساسيين: عامل ثقافي حضاري قائم على العلم ونشوء التدوين، و عامل مادي فني متعلق بتوفر مواد الكتابة من البردي والرق والورق، و تهيئتها لصناعة الكتاب.
ظهور الكتاب مهّد لنشوء المكتبة، وهي المكان الذي يحفظ المواد المكتوبة وينظمها ويسهل استعمالها والاطلاع عليها.
وفي حين ارتبط الكتاب بمراكز العلم، وولد في قاعات الدرس، عاشت المكتبة في كنف أماكن العبادة، إذ اقترنت المكتبات في العالم المسيحي بالكنائس و الأديرة، ووجدت أقدم المكتبات في تاريخ الإسلام في المساجد (الأزهر بمصر، الزيتونة في تونس، الجامع الكبير في صنعاء)، إلى أن قامت الجامعات الأولى فتقلص دور هذه الأماكن في عملية التعليم و إنتاج الكتب.


- تطور أدوات الكتابة :

إن توفر أدوات الكتابة وموادها هو العامل الثاني في ظهور الكتاب، الذي لا يقل أهمية وخطورة عن العامل الأول، المتمثل في توفر الجو الثقافي، وانتقال العلوم من المشافهة إلى التدوين، ونشوء المراكز العلمية.
فقد ظهر البردي في مصر، و استعمل مادة طيعة للكتابة عند قدماء المصريين، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، و انتقل إلى بلاد اليونان في القرن السادس قبل الميلاد، و إلى روما في القرن الثاني قبل الميلاد، وبفضله انتشرت المصنفات وكتب الدين في أوربا في القرون الأربعة الأولى للمسيحية.
أما العرب فكانوا قبل الإسلام، و في صدره يكتبون على الرق(وهو جلد يرقق ويكتب عليه)، أو على اللخاف (وهي حجارة بيض رقاق)، أو على عُسب النخل (وهي الجريد الذي لا خوص فيه)، أو على عظم أكتاف الإبل والغنم. وعلى اللخاف والعُسب كانوا يكتبون القرآن، وربما كان بعض مكاتبات النبي محمد(ص) في الأدم، و عرفوا المُهْرَق (وهو ثوب حرير أبيض يصقل و يعالج بالصمغ، ثم يكتب عليه).
ثم استخدموا البردي منذ فتحهم مصر، ووجدوه أيسر تناولاً وأرخص سعراً من الرق الذي ظلوا يستعملونه مع استعمالهم البردي، فقد ظل للرق استعمالاته الخاصة في كتابة المصاحف التي يراد لها أن تبقى بحالة جيدة زمناً طويلاً . إلى أ7ن ظهرت صناعة الورق في بغداد زمن الرشيد (مكوناً من الكلأ والحشيش) فكان ظهوره فتحاً جديداً في عالم الكتب والمكتبات، ثم نمت صناعته وكثرت أنواعه، وانتقلت منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) إلى الشام وفلسطين والمغرب العربي، ومنه إلى إسبانيا، وخصوصاً شاطبة، التي حملته إلى بقية بلاد الأندلس.
ومع انتشار استعمال الورق انحسرت أهمية البردي والرق شيئاً فشيئاً، إلى أن آل استخدامهما في الكتابة إلى الزوال.
كان المداد هو المادة المستعملة في الكتابة، سواء على البردي أو الرق أو الورق، وقد عرف منذ أقدم العصور، ومع ظهور المسيحية عرفت له أنواع ثلاثة، أما العرب فقد جلبوه من الصين بادئ الأمر، ثم صنعوه بأنفسهم، على نوعين: أحدهما من الدخان، والآخر من العفص والزاج (كبريتات الحديد) والصمغ .

وهكذا، نجم عن تدوين العلوم وتوفر مواد الكتابة، نشوء صناعة (الوِراقة) يقوم أصحابها بنسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها وبيعها، وخدمة كل ما يتعلق بالكتاب، فانتشرت دكاكين الوراقين، التي ساهمت في انتشار الكتب، ونشوء خزائن الكتب في الأقطار المختلفة، وكانت خصوصاً منذ بداية العصر العباسي- مصدراً عظيماً للثقافة.


الوثائق والمكتبات في الحضارات القديمة:


آ- الوثائق والمكتبات في مصر القديمة:

مصر القديمة هي التي هدت الشعوب إلى التدوين والتوثيق، ففي مبادئ الفراعنة: "أن ما لم يقيد في وثيقة يعد غير موجود"، ومن البديهي- إزاء ذلك- أن امتلأت آثارهم بالكتابة والرسوم، واحتلت وظيفة الكاتب عندهم المحل الأول بين وظائف الدولة، وأصبحت صورته مألوفة في الآثار الفرعونية، وقد تربع على الأرض، وبسط أمامه ملفات الوثائق، والقرطاس منشور في حجره، يدون فيه بالقلم ما يسمع ويرى.

ولقد تم الكشف عن كثير من الكتابات المصرية القديمة على البردي، وكثير من الوصايا والتعاليم الدينية والأخلاقية، تدل على أن قدماء المصريين عرفوا التوثيق والكتابة منذ أكثر من خمسة آلاف عام .

وفي العصر البطليمي كانت الإسكندرية المركز الرئيسي للوثائق الرسمية، حيث كان أرشيف الدولة ودار وثائقها في القصر الملكي في منطقة لوخياس.
أما في العصر الروماني، فقد أسس الإمبراطور هادريان دار الوثائق العامة في السرابيوم، كما أنشئت دار للوثائق في عاصمة كل إقليم .

وهكذا، كانت الأوضاع مهيأة لنشوء المكتبات منذ آلاف السنين، فقد وجدت دار للكتب منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وفي الألف الثانية قبل الميلاد، كانت ثمة مكتبات تحوي برديات مطوية ومحفوظة في جرار مصفوفة ومرتبة على الرفوف.وكانت مكتبة الإسكندرية أشهر المكتبات في مصر قبل الفتح الإسلامي. وقد أدت دوراً خطيراً في تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ حفظت لنا تراث اليونان القدماء، وترجمات التراث الإنساني في مختلف اللغات، ويعود الفضل في ذلك إلى العلماء والباحثين الذين كانوا يعملون فيها، وإلى موقع المدينة في الخارطة الحضارية العالمية. ولكن هذه المكتبة العظيمة أحرقت زمن الرومان، عندما أضرم قيصر النار في المدينة، عام 47ق.م. وحين فتح العرب مصر حفظوا ما تبقى من محتوياتها، وأصبحت مادة غنية لحركة الترجمة في العصر العباسي، وما لبثت هذه الآثار اليونانية المنقولة إلى العربية أن صارت ميراثاً للإنسانية كلها، منذ أن بدأت أوربا تتصل بالحضارة العربية في القرن الثاني عشر للميلاد.


ب ـ الوثائق والمكتبات عند اليونان والرومان:


على مدى ما يقرب من عشرة قرون، قامت المكتبات اليونانية، وفي مقدمتها مكتبة الإسكندرية، بالحفاظ على تراث اليونان، حتى انتقل إلى القسطنطينية، حتى إن السريان فيما بين النهرين، كانت لهم حوالي خمسين مدرسة، تعلم فيها العلوم السريانية واليونانية، أشهرها مدرسة الرّها وقنسرين ونصيبين، وكان يتبعها مكتبات.
وخلال هذه الحقبة شارك الرومان بنصيب وافر في الحفاظ على التراث الإنساني، وكانت لهم مكتبات كثيرة، لكنها لم تبلغ مستوى المكتبات اليونانية في الأهمية، لأنها لم ترتبط بمؤسسات تعليمية أو بعلماء مبرزين، كما هو شأن المكتبات اليونانية، ولأنها لم تستطع أن تحدث في الأدب اللاتيني ما أحدثته مكتبة الإسكندرية في الأدب الإغريقي، لكنها على الأقل احتفظت بالتراث الإنساني القديم، بعد حريق الإسكندرية، إلى أن نقله العرب المسلمون إلى العربية، عن طريق المترجمين السريان، فكان العرب والرومان بذلك هم النقلة الحقيقيون للثقافة الإغريقية.


ج ـ الوثائق والمكتبات في حضارات الشرق الأقصى:


وجدت المكتبات في الصين منذ أكثر من ألف عام قبل الميلاد، وقد شهدت الصين في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد نهضة فكرية، تجلت في الأدب والفلسفة، وانعكست بوضوح على عالم الكتب والمكتبات.
اتصل الفرس بالثقافة اليونانية في وقت مبكر، ونقلوا كتب المنطق اليونانية إلى لغتهم، وعنها نقل ابن المقفع إلى العربية.
وكان السريان قد نقلوا الثقافة اليونانية إلى لغتهم وإلى الفارسية، أيام الساسانيين، وعن السريانية تولى نقلها النصارى من النساطرة واليعاقبة إلى العربية.
وهكذا انتقلت الثقافة اليونانية عن طريق الفرس والعرب، وازدهرت زمن العباسيين.
ويذكر أن الفرس ـ حين عادوا من حملتهم على مصر واليونان ـ حملوا معهم بعض كتب اليونان، وأنهم نشطوا في إنشاء المدارس وخزائن الكتب، كمدرسة جنديسابور، التي أنشأها كسرى أنوشروان لتدريس الطب والفلسفة، وكخزانة الكتب الفارسية، التي أتى بها يزدجرد إلى مرو.


د ـ الوثائق والمكتبات في حضارة ما بين النهرين:


منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وجدت كتب البابليين والآشوريين منقوشة على رقم طينية محفوظة في جرار، مصنفة ومرتبة على رفوف، تملأ عدداً كبيراً من المكتبات في هياكل الدولة البابلية وقصورها ومدنها، ولعل خلود آشور يعود إلى ما احتوته هذه المكتبات من وثائق مهمة.
ففي آثار نينوى، عثر في منتصف القرن التاسع عشر على محفوظات وألواح من مكتبة الملك آشور بانيبال (668-626 ق.م) الذي عني بجمع تراث البابليين والآشوريين في مختلف فروع المعرفة، في مكتبة، جند لها عدداً من الموظفين والنسّاخ، وأمر بأن تودع بها نسخ من المدونات الهامة: كتباً أو رسائل أو وثائق، مصنفة تحت رؤوس موضوعات ستة: التاريخ والقانون والعلوم والسحر والعقائد والأساطير، فبلغت محفوظاتها ثلاثين ألفاً من الألواح، التي تسجل أدب الآشوريين وتاريخهم وحروبهم ووثائقهم الرسمية ومراسمهم الملكية، مرتبة في مجموعات، بحيث لا تختلط ألواح النص الواحد بغيرها، فكان كل لوح يحمل عنوان السلسلة التي يأتي ضمنها، ويبدأ بتكرار السطر الأخير من اللوح السابق عليه، حتى إذا كان اللوح الأخير من النص، ذكر فيه عدد الألواح التي يشملها الكتاب كله.


هـ ـ الوثائق والمكتبات في حضارة بلاد الشام:


في عام 1929 عثر على آثار مكتبة في رأس شمرا (أوغاريت)، ترجع إلى الألف الثانية قبل الميلاد ، ك16ما عثر في زابوتا على مكتبة كاملة من الألواح الطينية (الرقم)، بعضها مكتوب بالهيروغليفية، وبعضها بحروف هجائية سامية. وأكبر الظن أنها تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لأن الوقائع التاريخية تشير إلى أن 17وزابوتا قد دمرت حوالي عام 1200 ق.م، قبل أن تستكمل نموها .
وتشير البحوث التاريخية إلى مكتبة أخرى، ولدت شرق البحر المتوسط، بعد قرن تقريباً من إنشاء مكتبة الإسكندرية، ووقفت منها موقف الند، وهي مكتبة برجاموس، التي أنشأها الملك الروماني أتالوس الأول (269- 197 ق.م)، وازدهرت في عهد خليفته يومينس الثاني (197- 159 ق.م)، وكان لها أربع قاعات، يتصل بها، رواق يتخذ مكاناً للقراءة، لأنه يحمي من تقلبات الجو، ولأن القراءة حينئذ كانت بصوت مسموع، لا تناسبها القاعات المغلقة.
وقد نشأت هذه المكتبة في رحاب معبد ديني، وكانت تضم حوالي سبعة عشر ألفاً من لفائف البردي، وبلغت حوالي مئتي ألف عام 41 ق.م، حين أهداها أنطونيو إلى كليوبترا.
ومن الطريف أن نلاحظ هذا التنسيق الببلوغرافي بين مكتبة الإسكندرية التي اختصت بالشعر والأعمال المسرحية، ومكتبة برجاموس التي اختصت بالنثر والفنون الجميلة18 .
ولكننا نشير هنا إلى أن المكتبات التي عثر عليها في بلاد الشام وما بين النهرين، كانت تحتوي غالباً على وثائق مكتوبة على ألواح مصنوعة من الفخار والآجر والطين، إضافة إلى الوثائق المكتوبة على ورق البردي، بينما وجدنا المصريين القدماء يستعملون البردي فقط لكتابة وثائقهم.


الوثائق والمكتبات في الحضارة الإسلامية والعربية:


آ- مرحلة صدر الإسلام:

كان العرب قبل الإسلام أميين، لا يعرفون غير كتب الدين، بدليل أن القرآن الكريم قد أطلق على أصحاب الديانات السماوية الأخرى اسم (أهل الكتاب). حتى إن الشعر كان يتناقل شفاهاً، ولم يدوّن إلاّ نادراً، كما حدث للمعلقات.
ولهذا فإن تاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين لم يبدأ فعلياً إلاّ مع انطلاق الدعوة الإسلامية، وإنشاء الدولة. وكان نزول القرآن الكريم هو الحدث الأهم، الذي أحدث انعطافاً عظيماً في العقائد والمعارف الإنسانية كلها، إذ كرم العلم والعلماء، وجعل النبي محمد صلى الله عليه و سلم فداء أسرى بدر، أن يعلم كل واحد منهم القراءة والكتابة لعشرة من صبيان المسلمين.
كان القرآن الكريم أول كتاب ظهر باللغة العربية، اهتم المسلمون بتدوينه وضبط آياته، حتى لا يلحن فيه غير العرب من المسلمين، فكان هذا الأمر، إضافة إلى الاهتمام بتدوين الحديث الشريف بداية التوثيق في الإسلام.


ب- مرحلة الدولة الأموية:


شهد هذا العصر بدايات حركة النقل والترجمة، بسبب اتصال العرب بعد الفتوحات الإسلامية بالحضارتين اليونانية والرومانية في مصر والشام، والفارسية في إيران، والسريانية في العراق وبين النهرين، وبمبادرة من الخليفة العالم خالد بن يزيد بن معاوية، الذي زهد في الحكم، والتفت إلى أداء دور علمي فعّال، ويقال: إنه صاحب أول مكتبة خاصة في الإسلام.
كلّف اصطفان (وهو عالم من الإسكندرية)، بأن ينقل له من اللغتين اليونانية والقبطية إلى العربية، عدداً من الكتب العلمية، تناسب شغفه بالعلوم، وخصوصاً الكيمياء، إذ اهتم بالصنعة وتحويل المعادن إلى ذهب، وعلم النجوم.
إن الترجمة في هذا العهد، كانت محاولات فردية تزول بزوال أصحابها، وقد اقتصرت على العلوم العملية كالصنعة والنجوم والطب، لأنه أبعد العلوم الأجنبية عن التأثير في الدين، ولذلك أجاز الخليفة التقي عمر بن عبد العزيز الترجمة فيه ، ولم تترجم العلوم العقلية كالمنطق والفلسفة والهندسة، ولم تتحول الترجمة إلى عمل أمة، وإلى مدرسة للترجمة إلا في العهد العباسي.
قبل أن ينتصف القرن الأول الهجري، كانت المؤلفات العربية تتوالى، لكنها لم تكن من الكثرة، بحيث تكوّن مكتبات واسعة. ولكن قبل أن ينتهي عصر بني أمية، وجدت مكتبات المساجد (التي اتخذها المسلمون مكاناً للتعليم بجميع مراحله) تنتشر في الحواضر الإسلامية كدمشق إضافة إلى مكتبات الملوك و بغداد و القاهرة و قرطبة ، وعدد من المكتبات الخاصة ، وبعض المكتبات العامة .

ويمكننا القول: إن اهتمام الأمويين بالكتب قد بدأ مع مؤسس دولتهم معاوية بن أبي سفيان، وتطور ونما، إلى أن بلغت حركة المكتبات ما بلغته في نهاية عهدهم.
أما التوثيق، فقد أحدث له الخلفاء المتعاقبون دواوين، كانت تقوم مقام دور الوثائق، وتنشئ المراسلات الهامة وتحتفظ بها.


ج - مرحلة الدولة العباسية:


إذا كان العهد الأموي عهد حضانة في التاريخ العربي للترجمة والكتب والمكتبات، فإن العهد العباسي كان فترة نضج وازدهار.
اهتم المنصور بداية بالطب والتنجيم، نظراً لحاجته إلى الطب في التداوي، واعتقاده بالصلة بين علم النجوم والطالع من نحس أو سعد.
وفي أقل من خمسين عاماً من تاريخ الدولة، كان معظم العلوم قد دوّن ونظّم: من علوم نقلية، كعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله واللغة والأدب، وعلوم عقلية، كالرياضيات والمنطق والفلسفة والكلام والمغازي والسير، وشهدت حركة الترجمة والتأليف نشاطاً ملحوظاً.
لم تكن المطابع معروفة في هذا العهد، بل كان ثمة كتّاب ونسّاخ، فازدهرت صناعة النسخ وتجليد الكتب وزخرفتها وتحليتها أحياناً بالذهب، وبرزت أهمية الخط والخطاطين، ومنهم ابن مقلة وابن البواب.
وبانتشار حلقات الدروس ومجالس الإملاء في المساجد وتكاثرها، ظهرت طبقة المستملين الذين يرددون كلمات الشيخ بصوت جهوري، حتى يسمعها الحاضرون (الذين كانوا بالآلاف أحياناً) مما أدى إلى ظهور كتب كثيرة باسم الأمالي .

ظل الإملاء الطريقة الشائعة في التأليف طوال القرنين الثالث والرابع الهجريين، وساعد على ازدهاره ظهور صناعة الورق ومهنة الوراقة (من نسخ وتصحيح وتجليد وسائر الأمور الفنية المتعلقة بالحرفة)، بحيث انتشرت حوانيت الوراقين، وأصبحت مجالس للعلماء والشعراء والأدباء والطبقات المثقفة الشغوفة بالقراءة والاطلاع على العلوم المختلفة، ومركزاً للنشاط العقلي المعرفي، حتى أنها بلغت في بغداد وحدها في القرن الثالث الهجري أكثر من مئة حانوت.
أدى هذا النشاط الثقافي إلى اتساع حركة التأليف العربية، وانتشار المكتبات وامتلائها بالكتب، بحيث جمعها ابن النديم في كتابه (الفهرست)، فكان أول عمل ببليوغرافي عربي في التاريخ . وعرفت ظاهرة وقفيات الكتب والمكتبات .

وفي هذا العهد تبلورت فكرة الفصل بين المكتبات ودور الوثائق، فأصبحت الدواوين التي أنشأها الخلفاء والملوك والحكام والوزراء، مختصة بجمع الوثائق وحفظ المراسلات الخاصة بأمور الدولة وشؤون الحكم، وصارت أكثر تنظيماً من ذي قبل.

ـ المكتبات في العصر العباسي:

كان بيت الحكمة (أو خزانة الحكمة) أكبر مكتبة رويت أخبارها في العصر العباسي، أسسها الخليفة هارون الرشيد، وكانت الكتب تجمع فيها، وتترجم المؤلفات اليونانية والفارسية، وتنسخ، ويعمل فيها علماء مختلفو الثقافات.
كلّف الرشيد يوحنا بن ماسويه (وهو نصراني سرياني) بترجمة الكتب الطبية اليونانية القديمة، التي أحضرت من أنقرة وعمورية وسائر بلاد الروم التي افتتحها المسلمون، ووضعه أميناً على المكتبة،ورتب له كتّاباً حذاقاً يكتبون بين يديه ، وعمل فيها أبو سهل الفضل بن نوبخت (وهو فارسي)، وكان ـ كما قال القفطي ـ ينقل من الفارسية إلى العربية ما يجده من كتب الحكمة الفارسية.

أما علان الشعوبي : وهو راوية أنساب فارسي الأصل، فكان ينسخ الكتب فيها للرشيد والمأمون والبرامكة ، وكان فيها رئيس للترجمة ومساعدون ومدير وأعوان ومجلدون .

نمت هذه المكتبة واكتملت واتسع العمل فيها في عهد المأمون، الذي كان أشد ميلاً إلى الفلسفة والعلوم العقلية.












  رد مع اقتباس
قديم Aug-30-2006, 04:05 AM   المشاركة2
المعلومات

هدى العراقية
مشرفة منتديات اليسير

هدى العراقية غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 15536
تاريخ التسجيل: Feb 2006
الدولة: العــراق
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.21 يومياً


افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزيل الشكر والتقدير اخي ولاء على هذه الجهود المميزة والقيمة والمفيدة
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك والله لا يحرمنا منك ومن عطاءك الدائم


مع فائق الاحترام












التوقيع
اعمل بصمت ودع عملك يتكلم

  رد مع اقتباس
قديم Dec-06-2006, 09:27 PM   المشاركة3
المعلومات

جميل بن عنق
مكتبي جديد

جميل بن عنق غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 22150
تاريخ التسجيل: Nov 2006
المشاركات: 2
بمعدل : 0.00 يومياً


افتراضي

أشكركم علي هذه المعلومات القيمة وهذا المنتدى الرائع
جـــــــــــــزاكــــــــم الله خـــــــيراًًَ












  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الكتب والمكتبات في الحضارة الإسلامية أبو فواز منتدى الإجراءات الفنية والخدمات المكتبية 4 Apr-16-2008 10:38 AM
صناعة المعلومات في المملكة العربية السعودية - سالم السالم أبـوفـيـصـل عروض الكتب والإصدارات المتخصصة في مجال المكتبات والمعلومات 6 Aug-09-2006 04:10 PM


الساعة الآن 07:03 PM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين