[د. صالح المسند]

في حضور عربي ودولي ملحوظ لرؤساء الأرشيفات العربية والأجنبية وأساتذة الجامعات، افتتح الجمعة بدار الأوبرا المصرية، مؤتمر "وثائق العرب في الأرشيفات الأجنبية" الذي يقام حتى يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بالتعاون مع الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف "عربيكا"، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "ايسيسكو".

وتميزت الكلمات الافتتاحية للمؤتمر بالمضمون القوي الذي يعبر عن أوجاع الأمة العربية لفقدانها جزء كبير من ذاكرتها تأمل في استرجاعه، بالإضافة لإطلاق رسائل التحذير من محاولات طمس وتدمير جزء من تاريخنا العربي، وهو ما جاء في كلمة رئيس دار الكتب والوثائق القومية د. محمد صابر عرب عندما دعا إلى عمل مصورات إلكترونية أو ميكروفيلمية لأصول الوثائق التي تتناول تاريخ العالم العربي في إطار التعاون بين كل دولة عربية وأخرى أجنبية، مع الوضع في الاعتبار الوثائق التاريخية لفلسطين العربية التي يعمل الاحتلال يوما بعد يوم على طمس هويتها الثقافية والتاريخية، من خلال إجراءاته العدوانية تحت سمع وبصر العالم الذي يدعي أنه يناصر الحق أينما كان.

وشدَّد على أن الدول العربية معنية بجمع التراث وتوثيقه لكي يكون بمثابة دليل قاطع على ما ترتكبه دولة الاحتلال الإسرائيلى من جرائم، داعيا إلى عقد مؤتمر سنوي يخصص لمناصرة الحق الفلسطيني بالوثائق والمستندات القانونية والتاريخية لكي تظل تلك القضية القومية العربية مطروحة دائما في كل المحافل الدولية.

وأشار إلى أن وقوع العالم العربي تحت الاحتلال الأجنبي لما يقرب من 5 قرون بداية من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين جعل التاريخ العربي عرضة للتزييف والتشويه، وهو الأمر الذي يجعل هذا المؤتمر المنعقد بالقاهرة بداية لعمل قومي رائد تتحدد ملامحه خلال لجنة تنفيذية تختار بمعرفة الفرع العربي للمجلس الدولي للأرشيف، تخول بفتح حوار مع الأرشيفات المهمة بالعالم (العثماني – البريطاني – الفرنسي – الإيطالي)، ومن الممكن أن يكون اليونسكو وسيطا مهما في هذه القضية.

ودعا د. صابر عرب في كلمته إلى ضرورة قيام اتحاد عربي للأرشيفيين، وتشكيل لجنة من أعضاء المؤتمر لوضع مشروع هذا الاتحاد ووضع الضوابط الفنية والإجرائية والقانونية، مطالبا الفرع العربي للمجلس الدولي للأرشيف بتبني الفكرة، وأن تكون من بين أهدافه، على أن يخرج المجتمعون بالمؤتمر بوثيقة إنشاء هذا الاتحاد، بالإضافة إلى إعداد قانون للوثائق يمثل الحد المقبول من الدول العربية وليس بالضرورة أن يكون ملزما بل يكون دليلا ومرشدا لواضعي القوانين والتشريعات الوثائقية.

كما أعرب عرب عن أمله أن يخرج المجتمعون بتوصية تجرم نقل أصول الوثائق أو المخطوطات من دولة إلى أخرى لأي سبب، واعتبار ذلك عملا مجرما أخلاقيا ومهنيا.

من جانبه دعا عبد المجيد شيخي رئيس الفرع الإقليمي العربي للأرشيف الدولي، ورئيس الأرشيف الوطني الجزائري، في كلمته نيابة عن الأرشيفات العربية، إلى أن يخرج المؤتمر بعمل لائحة باسم "بيان القاهرة" يتم خلالها وضع ما تشعر به الدول العربية من ألم وحزن لفقدان جزء من ذاكرتها ممثلة في الأرشيفات العربية، وتضع ضوابط وشروط للتعاون بين دول العالم، بشرط إعادة الأرشيفات العربية التي تعد حقا تاريخيا لأصحابها، ثم بعد ذلك توضع صياغات للتعاون والشراكة في هذا التراث الإنساني.

وطالب الأرشيفات العربية بالعمل على وضع خطة موحدة ومشتركة لمواجهة الرفض والصعوبات التي يواجهها الباحثون العرب عند التوجه للاطلاع على الأرشيفات بعدد من الدول الأجنبية.

أما الدكتور رفعت حسن هلال نائب رئيس الفرع الإقليمي للأرشيف الدولي، ورئيس دار الوثائق القومية، فقد عرض في كلمته اقتراحات بالتركيز على عدة محاور أهمها، تغيير الصورة الإعلامية والمجتمعية المتداولة في المنطقة العربية عن الأرشيفي وترسيخ أهمية دوره في المجتمع، على أن يلتزم من جانبه الأرشيفي بدوره في الحفاظ على الوثائق وجمعها وترميمها وصيانتها وإتاحتها للاطلاع مع تسجيل وتبرير جميع التصرفات التي يجريها على الوثائق.

واقترح أيضا إدارة العلاقة بين الأرشيف الوطني والأرشيفات المحلية أو الحكومية أو الأهلية، على أن تنتهى الجهود المشتركة بينهم بإنشاء الشبكة الوطنية للأرشيفات التي تؤكد الحفظ والإتاحة الكاملة للوثائق، بالإضافة إلى التركيز على العلاقة بين الأرشيفات العربية بعضها البعض، معربا عن أمله في أن تتحول إلى دعم المهنة وآلياتها ونقل الخبرة بين الأرشيفات العربية، والاستفادة من التجارب الناحجة بـ "دارة الملك عبد العزيز" بالمملكة العربية السعودية، وتجربتي تونس والجزائر في إعادة التأهيل، بالإضافة لتجربة الأرشيف المصري في إعادة البناء والتحول الرقمي.

ودعا إلى أهمية التركيز على التواصل والتكامل بين الأرشيفات العربية، والذي أصبح ضرورة، والمتمثل في مبادرة إنشاء "البوابة العربية الرقمية للأرشيف" لتكون مظلة العمل العربي المشترك، والتي تقتضى تمويلها والبدء في دورات تدريبة وورش عمل لإعادة تدريب الكوادر العربية، واصفا هذه المبادرة بالضرورة القومية وأحد أهم التحديات المطروحة على العمل الأرشيفي العربي.

وفي كلمة الأرشيفات الأجنبية، أكد المدير العام للأرشيف الإيطالي موريزو فاللاسى على اهتمام الأرشيف الإيطالي بالعلاقات مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن خلال مشروع "رقمنة الأرشيفات التاريخية المتوسطية" والذي سوف يشمل إنشاء مركز دولي للبحث والتوثيق لتاريخ دول المتوسط والذي سيكون مقره صقلية، بالإضافة لبعض اتفاقيات التعاون بين الأرشيف الإيطالي وبعض الأرشيفات العربية، وتبدأ بدولة الإمارات.

ومن المقرر أن يبحث المؤتمر خلال جلساته التي تقام على مدار ثلاثة أيام موضوعات بعناوين "وثائق تاريخ العرب في العصور الوسطى المحفوظة في الأرشيفات الأجنبية"، و"الوثائق العربية في الأرشيفات البريطانية ولأميركية"، و"الوثائق العربية في الأرشيفات الإيطالية والألمانية"، و"وثائق فلسطين في الأرشيفات الأجنبية"، و"الوثائق العربية في الأرشيفات التركية والفرنسية"، و"طرق انتقال الوثائق العربية للخارج وآليات العودة"، و"البيئة الرقمية في خدمة الوثائق العربية" و"دار الكتب التراثية في باب الخلق" بالقاهرة.

المصدر:

http://www.middle-east-online.com/?id=54728