[joseph]

يعد الكتاب والمكتبة الحجر الأساس فى الثقافة والحضارة الاسلامية، ويحظى بالاهمية والقيمة الكبيرة فى الدين الاسلامى، وكان الكتاب معجزة رسولنا الاكرم (ص) من بين كل الانبياء والرسل؛ وكان نداء الوحى الاول لنبينا(ص): إقرأ.


لقد اشارت الروايات الى العلم والكتاب والكتابة بوضوح، حتى عُدّ التعلم فريضة؛ بل ان الرسول الاكرم(ص) فضّل مداد العلماء على دماء الشهداء، فقد ورد: «مداد العلماء افضل من دماء الشهداء».
لقد كان لدعوة وتأكيد القرأن الكريم وروايات الائمة المعصومين (عليهمالسلام) تلقى العلوم، اكبر الاثر فى دعوة المسلمين للأهتمام بالكتاب والمكتبة. وحرّى بنا هنا ان نعرض لما جاء فى جانب من وصية اميرالمؤمنين الامام على(عليهالسلام) لابنه يحثه فيها على مراجعة آثار السلف واخبارهم و تأمّل اوضاعهم واحوالهم. وبهذا يمكن للانسان ان يحصل بالمجان على تجارب وانجازات السلف منذ آلاف السنين، وفى مورد آخر قال الامام على (عليهالسلام) «الكتب بساتين العلماء»

لقد قال العلماء والمفكرون المسلمون فى وصف الكتب و تعريفها و بيان أثرها المهمّ فى نقل العلم والمعرفة والثقافة؛ الشىء الكثير، و منه كلام الجاحظ الذى يبدوانه ابدع ما قيل فى هذا المجال، فقد كتب فى مقدمة كتاب الحيوان: «الكتاب نعم الجليس والعُدَّة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، نعم المعرفة ببلاد الغربة ونعم القرين والدخيل ونعم الوزير والنزيل... وبعد: فمتى رأيت بستاناً يُحمل فى ردن وروضة تُقل فى حجر وناطقاً ينطق عن الموتى، ويترجم عن الأحياء،... وقد قالوا:

القلم احد اللسانين، وعن فضل الكتابة قال: لولا الكتب المدونة والاخبار المخلدة لبطل اكثر العلم ولغلب سلطان النسيان سلطان الذكر. وعن فضل القلم كتب يقول: ان الله عز وجل وضع القلم فى المكان الرفيع ونوّه بذكره فى المنصب الشريف حين قال (ن والقلم وما يسطرون)». منذ القرون الهجرية الاولى عكف الكثير من العلماء والفقهاء والمحدثين والمفكرين المسلمين على كتابة العلوم الاسلاميه، فحرروا الكثير من الرسائل والكتب والمجاميع القيّمه فى المجالات المختلفة، وأسست آلاف المكتبات، واقيمت فى المساجد، والمدارس، والمستشفيات، واضرحة الائمة وبقاعهم واتّسع التأليف واقامة المكتبات وباتا عملاً مقدّسا.


وفى اواخر القرن الهجرى الثانى وبداية القرن الثالث بلغت بغداد مركز الخلافة العباسية بظهور حركة الترجمة اوج اقتدارها وعظمتها.
وفى هذه الحقبة كانت مكتبات تحتوى لوحدها على مئات الآلاف من الكتب، بل كانت مراكز مهمة للعلوم والابحاث تحتضن المئات من العلماء العاكفين على التدريس، والبحث، والتأليف، والتصنيف.

وقد اشار ابنالنديم فى فهرسه الى جانب من هذه المساعى العلمية والثقافية، واورد اسماء الكثير من المترجمين والمؤلفين وتصانيفهم، وكان عمله فى الواقع اول وصف بيبلوغرافى اسلامى للكتب. بعده تولى علماء آخرون فهرسة الكتب ووضع بيبلوغرافيا علمية لها. ورغم كل المواجهات والحروب والمعارك التى دارت فى القرون الاولى للهجرة لم تتوقف حركة التأليف واقامة المكتبات، بل انها شهدت تعجيلاً مطّرداً، واستمر هذا الامر حتى اواخر القرن السادس الهجرى، لكنّه اصيب بنكسة فى القرن السابع، فى هجوم المغول المدمر بعد ما لحق بها الضرر البسيط من جراء الحملات الصليبية من قبل، فقد اسفر الهجوم المغولى عن تدمير القسم الاكبر من الاثار والتصانيف العلمية والثقافية الموجودة فى كبريات المكتبات؛ ولم يبق منها اليوم إلا الاسم.
ان التعرف الدقيق على المكتبات الاسلامية القديمة التى تُعد النواة المركزية للثقافة والحضارة البشرية وخزانة التراث الاسلامى العظيم خير عون للوصول الى هذه الثقافة والحضارة وتعريف المسلمين بماضيهم المجيد، وتعبيد طريق التقدم والازدهار لهم وتعريف باقى الامم والشعوب ماضى المسلمين الثقافى والحضارى العظيم.