[أم حبيبـة]

سعيد بادويس
نقلة هائلة تلك التي أحدثها معرض الرياض الدولي الأخير للكتاب عن المعارض السابقة.
وقد خنقتني عبرة الفرح وأنا أتجول فيه وأحضر بعض فعالياته بعد طول اعتزال، إحباطاً من المعارض السابقة.. ومن منطلق فرحي واعتزازي بهذا المعرض وما اجترحه من فعاليات شائقة شكلاً ومضموناً، وقناعتي بأن هذا المعرض ملكنا جميعاً يجب أن نحافظ عليه مستقبلاً من خلال تضافر أفكارنا وجهودنا ليس فقط لدعم وتنمية وتطوير إيجابياته وتلافي سلبياته بل لإحداث نقلة جذرية فيه.. فقد رأيت أن أبدي مرئياتي ومقترحاتي وملاحظاتي ونقودي تجاه هذا المعرض ومستقبله.
أولاً: معرض الكتاب:
- نوعية المعروضات وطريقة العرض:
أرى أن يتم تكثيف عرض أوعية المعلومات الاخرى مثل الأشرطة المسموعة والمرئية وأقراص الحاسوب وغيرها، التي يتسارع نمو حصصها في احتواء المعلومات وتتزايد اعداد مستخدميها يومياً. إن تكثيف وتوسيع عرض وإتاحة هذه الأوعية لرواد المعرض لا يخدم فقط الاشخاص المتمتعين بكل حواسهم بل يخدم ايضاً الذين لا يسمعون او الذين لا يرون بل وحتى الأميين. كما سيتيح التوسع في هذا العرض لكثير من منتجي ومسوقي هذه الأوعية المشاركة في المعرض، مما سيساهم في انتعاش هذا القطاع، وبطريقة غير مباشرة ربما يسهم في تخفيض تكلفة استئجار المتر المربع من المعرض وهو ما سيزيد عدد وربما أنواع العارضين، لاسيما أولئك الذين احجموا عن المشاركة بسبب ارتفاع القيمة الإيجارية وهم في الغالب من المؤسسات الصغيرة في الداخل بل إن بعض هؤلاء قد ألغوا مشاركتهم بعد حصولهم على الموافقة مشروطة بتسديد الإيجار - المرتفع نسبياً - مقدماً. ولعل من أهداف المعرض مساعدة مثل هذه المؤسسات وغيرها على عرض وتسويق منتجاتها.
من ناحية أخرى فإن تخصيص جزء مستقل من المعرض لغرض وتصفح وبيع هذه الأوعية قد يساهم في اختصار وقت مرتادي المعرض الباحثين عنها ويقلل الزحام.
- أيام العائلات:
من شهد الأيام المخصصة للعائلات التي شملت حضور أعداد كثيفة من الآباء والأمهات والأبناء والبنات في المعرض يلمس بوضوح أن الممرات (على اتساعها النسبي) كادت تختنق من رواد المعرض، مما يوجب التفكير في سبل تلافي ذلك في المعارض القادمة. وهنا علينا أن نبدأ بالتساؤل الأساس وهو: لماذا تحديد أيام للعائلات؟!
لماذا لا تكون أيام المعرض كلها للجميع؟! إذ ما الفرق بين المعرض والأسواق والمجمعات التجارية الأخرى التي يدخلها الجميع وقتما يشاؤون؟! إن إتاحة ايام المعرض كلها للجميع سيحد كثيراً من زحام الأيام القليلة المحدودة التي حشرت فيها العائلات، كما سيقضي على شكوى ضيوف ورواد الندوات من الرجال الذين حال عدم إصطحابهم لنسائهم أو بناتهم دون دخول وحضور بعضهم للندوات. من ناحية أخرى فإن إطالة مدة المعرض وزيادة اتساع واعداد ممراته أفقياً وعمودياً ستسهمان - دون شك - في القضاء على شدة الزحام.
- نوعيات الكتب المعروضة:
شهد هذا المعرض انفساحاً وتسامحاً رقابياً كبيراً اتاح وجود الكثير الكثير من المؤلفات، وهذه المؤلفات على نوعين: نوع كان مفسوحاً رقابياً من الاساس ولكنه لم يعرض في المعارض السابقة نتيجة (رقابة الرقابة) التي فرضتها الجهات المنظمة لتلك المعارض، وعرضه في هذا المعرض بادرة إيجابية تسجل للجهة المنظمة (وزارة التعليم العالي)، والنوع الآخر كان في عداد المحرمات في المعارض السابقة وفسح وعرض في هذا المعرض، وهذا مما يعكس نضجاً وجرأة في رؤية وزارة الإعلام والثقافة نحو عدم اعتبار نفسها وصية على فكر الناس وما يقرؤون، ومقاومتها وتحجيمها لتدخلات غيرها في ذلك. ونتطلع إلى زيادة وتعزيز هذا الاتجاه وتقليل الرقابة إلى أدنى الحد الأدنى أو إلغائها إن أمكن لأنها - إذا تجاوزنا التساؤل عن مدى مشروعيتها - من قبيل اضاعة الوقت والجهد والمال دون جدوى، لأن من يبحث عن كتاب أو غيره سيحصل عليه من الشبكة رغماً عن الرقابة، ولأن تقليلها أو إلغاءها سيتيح للأغلبية من رواد المعرض الحصول على ما يرغبون في مؤلفات في وطنهم دون تكبد مشاق وتكاليف الترحال الموسمي إلى معارض الكتب في الخارج، وهو ما لاتستطيعه الأغلبية.



- الرقابة على الأسعار:
تراوحت شكاوى الكثير من رواد المعرض بين المبالغة في أسعار الكتب وعدم وجود تخفيضات حقيقية عليها.. مما يجعل وزارة التعليم العالي المنظمة للمعرض في دائرة تهمة
- استضافة التوقيع على الكتب جيدة وتحتاج
إلى مزيد من التنظيم والتنسيق.
- واجهات وزينات المعرض الخارجية: تنم عن ذوق من حيث الاختيار والزخارف الإسلامية والتناغم مع البيئة ومن حيث البساطة وقلة التكلفة ومن حيث سهولة التنفيذ والفك والتركيب. وان يتم تأجير هذه الواجهات على الجهات المشاركة وغيرها من الجهات الحكومية والأهلية لوضع لوحاتها الإرشادية والدعائية والإعلانية عليها مما سيوجد دخلاً إضافياً ملموساً لإدارة المعرض وسيمكن الجهة المنظمة (وزارة التعليم العالي) من جعل هذا الدخل الإضافي يصب في صالح تخفيض القيمة الإيجارية لمساحات العرض داخل المعرض، وهو ما يمكن ان تستخدمه الوزارة كعنصر ضغط إضافي على العارضين لتقديم حسومات مجزية على الكتب والمعروضات (بعد سحب ذريعة ارتفاع الإيجار منهم).. وسيكون هذا في النهاية لصالح رواد المعرض بحصولهم على المعروضات بأسعار معقولة، إن لم تكن مخفضة.
- المقاهي داخل المعرض: إن وجود عدد قليل جداً (ربما اثنان) من المقاهي التي تقدم مشروبات ووجبات خفيفة لا يتناسب مع حجم المعرض وكثافة الإقبال عليه.. وأرى ان يتم زيادة اعداد وانواع هذه المقاهي إلى (6) ستة موزعة بشكل مدروس على أرجاء المعرض مع إلزام هذه المقاهي بوضع اسعار معقولة لوجباتها ومشروباتها.
- الندوات الفكرية:
أعاد المعرض الوهج والاحترام للندوات الفكرية التي انطفأ بريقها (لاسيما بعد ان تم اختطاف الفعاليات الثقافية لمهرجان الجنادرية) من خلال تنفيذه لها بشكل مدروس من حيث أهمية ووقع وجدة الموضوعات التي تناولتها - نسبياً - ومن حيث استضافة اسماء متخصصة وخبيرة في هذه الموضوعات، ومن حيث عمق تناول هذه الموضوعات.. كما ان تزامن وتماكن هذه الندوات مع المعرض وفعالياته اضاف ميزة اخرى أرى انها جديرة بالإشادة والاستحسان والاستمرار.. ورغم ذلك، فإننا لا ينبغي أن نغفل ما شاب هذه الندوات من سلبيات لعل ابرزها استغلال قلة من الأقلية المتطرفة لهذا الجو الحواري الانفتاحي لتصفية حساباتهم مع المتحدثين الموجودين وغيرهم إلى درجة القذف والتشكيك في دينهم والتهجم عليهم والتحرش بهم، وهو شيء مرفوض لا يقبله عاقل فضلاً عن مثقف جاء ليفيد ويستفيد، وقد كان خروج المتحدثين من باب خلفي أو في حماية رجال الأمن أمر مزر مخجل ينتقص من قدرنا كمثقفين سعوديين.. وأرى أن يتم تدارس هذه الشائبة ووضع ضوابط مقننة ملزمة للجميع لأسلوب التحاور والمداخلة، مع زيادة الوقت المخصص للأسئلة والمداخلات لإلغاء المبرر الذي تحجج به بعض من رأوا أن واحداً من اسباب هذه الشائبة عائد إلى تقليص المداخلات، رغم أني أرى أن هذا المبرر (إن صح انه احد الاسباب) لا يسوغ لأحد أن يتهجم على الآخرين ويقذفهم ويشكك في دينهم ونزاهتهم وأهليتهم لمجرد أنهم يختلفون معه في الرأي.
أمسيات قراءة النصوص:
قياساً على أمسيتي الشعر والسرد اللتين عقدتا ضمن فعاليات المعرض، أرى أنها أكثر من معقولة، وتحتاج إلى زيادتها بحيث تصبح يومية (بالتناوب) طوال أيام المعرض، مع فتح المجال لجميع المبدعين والمبدعات دون استثناء، وتلافي تكرار أسماء معينة، مع إلغاء المداخلات وتوفير وقتها لإلقاء النصوص أو قراءتها نقدياً من قبل بعض النقاد المتميزين.
ورش العمل:
كانت ورش العمل من أكثر الفعاليات لفتاً لانتباهي لنزعتها التطبيقية ولكون المتحدثين فيها هم من المبدعين وذوي التماس المباشر بالأعمال الفنية، وهي بداية جيدة دون شك، لكنها يجب ان تشمل في المعارض القادمة كيفية قراءة وفهم الأعمال التلفزيونية والسينمائية والموسيقية وتقييم مختلف جوانب هذه الأعمال كالإخراج والصوت والصورة وغيرها.
إيوان اليمامة الثقافي:
لعل إيوان اليمامة الثقافي الذي عقد طوال ليالي المعرض في بهو فندق سكن الضيوف يعد من أبرز فعاليات المعرض، لأسباب منها أنه تلقائي بعيد عن الرسمية مع عدم افتقاره للتنظيم ولما طرح فيه من آراء ومقترحات وملاحظات مهمة في مجملها بشكل انسيابي سلسل ومواكبة كبار مسؤولي وزارة التعليم الدكتور عبدالله المعجل الذي لم يكد يفارق شيئاً من فعاليات المعرض ككل وزملائهم الآخرين، ولتشجيعهم الحضور على إبداء ملاحظاتهم ونقودهم وآرائهم تجاه المعرض وفعالياته. إلا أن القيود التي فرضها إقامة فعاليات الإيوان في بهو الفندق قد حال فيما يبدو دون استخدام مكبر الصوت مما حرم المتحاورين من سماع بعضهم البعض.. ومن ناحية أخرى فقد تسببت إقامة فعاليات الإيوان في بهو الفندق وطريقة الجلوس الدائرية في الإيوان على شكل حلقة في عدم تخصيص مكان للمثقفات للحضور والمشاركة... وبناءً عليه ورغم تأييدي لجو الحوار الودي المتخفف من كثير من القيود في الإيوان إلا أن اختيار بهو الفندق مكاناً لإقامة فعاليات الإيوان لم يكن موفقاً. وقد يكون من الأنسب إقامته في إحدى قاعات الفندق لتلافي هذه السلبيات.
تكريم الرواد والمثقفين:
لعل البادرة الأجمل في هذا المعرض تتمثل في تكريم المبدعين والمفكرين ممن أثروا الساحة بكتاباتهم ومؤلفاتهم والذين لا يكاد يختلف اثنان على جدارتهم بالتكريم.. إلا أن هذه البادرة قد شابها شيء من اللغط عن وجود من هو أولى وأحق بالتكريم ولم يكرم.. وهذا شيء يمكن تداركه مستقبلاً من خلال معايير وضوابط دقيقة وصارمة للاختيار ومن خلال توسعة مجال وجهات الترشيح.
معرض الكتاب القادم:
لمسنا من الدكتور عبدالله المعجل عزيمة وإصراراً على فعل راق ومغاير.. وما أنجزوه وما حققوه وما فعلوه في معرض الكتاب الفائت مصداق لهذه العزيمة والإصرار.. ليس هذا فحسب، بل إن طلبه مقترحات تمس صميم المعرض وتضيف إليه إضافات جذرية هو أمر بالغ الأهمية وهو دليل على صدق التوجه نحو اجتراح فعل فكري وثقافي ممتاز ينفع الناس ويمكث في الأرض.. ولعل أفضل وأسرع طريقة للحصول على أجود الأفكار والمقترحات للمعارض القادمة - إضافة إلى ما طرحته أنا وغيري - يمكن أن تتمخض عن تسليط أنظار الجهة المعنية في الوزارة على معارض الكتاب المهمة التي تقام على مدار العام في العالم، وتطبيق الأفكار الجديدة والمايزة منها في معارضنا القادمة.
تزامن معرض الكتاب مع مهرجان الجنادرية: لا أدري إن كان تزامن معرض الكتاب الأخير مع مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة مصادفة أم متعمداً.. وعلى أي حال، فإنني أرى أن لهذا التزامن إيجابيات مهمة منها تكثيف الاستفادة من وجود نخبة من ضيوف المهرجان والمعرض من مفكرين ومبدعين وناشرين من الداخل والخارج بما يخدم ويثري ويعزز كلاً منهما. وبناءً عليه أرجو أن يستمر هذا التزامن


نقلا عن جريدة الرياض

http://www.alriyadh.com/2006/07/20/article172773.html

[هدى العراقية]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكورة اختي الكريم ام حبيبة على هذه المساهمة القيمة والمفيدة
جزاك الله خير جزاء وجعله في ميزان حسناتك



مع فائق احترامي وتقديري

اختك
هدى