منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » منتدى الوثائق والمخطوطات » المخطوطات العربية والاسلامية العالم المجهول صور جديدة

منتدى الوثائق والمخطوطات يطرح في هذا القسم كل ما يتعلق بالوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية.

 
قديم May-03-2009, 04:16 PM   المشاركة12
المعلومات

ابراهيم محمد الفيومي
مشرف منتديات اليسير
أخصائي مكتبات ومعلومات
 
الصورة الرمزية ابراهيم محمد الفيومي

ابراهيم محمد الفيومي غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 31463
تاريخ التسجيل: Jun 2007
الدولة: الأردن
المشاركات: 2,507
بمعدل : 0.41 يومياً


تعجب

المخطوط العربي في الغربالإسلاميالدكتور أحمد شوقيبنبينمديرالخزانة الحسنية - الرباط
يعتبر الغرب الإسلامي (الأندلس والمغرب العربي) جزءاً هامّاً من العالم العربي الإسلامي. ومن البديهي أن يكون له نصيب في تطورالحضارة التي عرفها المجتمع العربي والتي استمدت مقوماتها من الإسلام الذي جاء لبعثالإنسان حضارياً وثقافياً. وكانت الحضارة الإسلامية منذ بدايتها حضارة كتاب، وكانالقرآن الكريم أول كتاب عرفته هذه الحضارة وبه دخل المجتمع العربي الإسلامي عالمالكتاب. فهو المنطلق والمرجع، اعتمده المسلمون في حياتهم الدينية والأخلاقيةوالعلمية والاقتصادية؛ فكان محط عناية العلماء أكثر من غيره من الكتب منذ تم جمعهعلى عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى العصور الحديثة. وقد دعتمختلف العلومالتي أنشأت حول القرآن إلى تأليف الكتب ووضع التصانيف. فنشأت بذلكحضارة كتابية كبرى كان لها الصدى الكبير والأثر الفعال في تطور الفكر والثقافةالإنسانية بوجه عام. وكان الوعاء الحامل لهذه الحضارة تلكم المخطوطات التي أثارتاهتمام العلماء لدراستها والبحث فيها من حيث مادتها وصناعتها وكتابتها. وإذا كانالمشارقة قد أبلوا البلاء الحسن في دراسة المخطوطات، فإن للمغاربة دورهم الكبير فيهذا المجال لا تزال تشهد عليه تلكم الأرصدة التي تزخر بها المكتبات المتعددة فيمختلف جهات الغرب الإسلامي.

فما الجهود التي بذلت من أجل تطوير المخطوطالعربي في هذه البقاع؟ إذا كانت طبيعة المخطوطات في الغرب الإسلامي قد لا تختلفكثيراً عن طبيعة المخطوطات في المشرق من حيث الموضوع ومواد الكتابة والصناعة، فإنمجموعة من السمات طبعت المخطوط العربي في المغرب وميزته عن أخيه في المشرق منهاالخط والقيمة العددية للحروف والترقيم والمصطلح والشكل أو الحجم وغيرها. وقبلمعالجة هذه الفوارق، يجدر القول بأن ظهور الكتاب العربي في الغرب الإسلامي كان فيمدينتي القيروان وقرطبة اللتين كانت لهما المكانة الأولى والمركز الأساسي لبدايةالمخطوط. في القيروان أنشأ الفاتحون المسلمون جامعة في نهاية القرن الأول الهجريلتكوين الناشئة وتعليم الدين والفقه، وانبرى لهذه المهمة علماء من المشرق جاءوا منالبصرة والكوفة بمصاحف قرآنية بالخط الكوفي([1]) الذي شاع في الشرق ونسخت بهالمصاحف والكتب طوال العصور الإسلامية الأولى. ونفس الشيء عرفته مدينة قرطبة التينزح إليها كثير من علماء المشرق يحملون معهم مصاحفهم وكتبهم. فنشأت بفضل هذاالتمازج حضارة كتابية كبرى وأدى التواصل المستمر مع المشرق إلى نشاط مكثف لم يسبقله نظير يتمثل في نسخ المخطوطات، بحيث تروي الأخبار أن عدد الكتب التي تنسخ كل سنةفي قرطبة يتراوح بين ستين وثمانين ألف مخطوط([2]). وبجانب الخط الكوفي، استعملالمغاربة خط النسخ الشرقي في الدواوين والمراسلات الإدارية. وقد ميز موريتز (Moritz) في كتابه "الخطاطة العربية" أن الكوفي خط كبير يليق بالنقوش على الأحجاروالنقود؛ أما النسخي، فهو خط سريع يصلح للكتابة على الرق. كان المسلمون في الغربالإسلامي يكتبون مخطوطاتهم بالخط الكوفي. وقد طبعوه بطابعهم ولطفوه وطوروه وسمي كلخط باسم البلد الذي طبق فيه، فكان الكوفي القيرواني، والكوفي الأندلسي، والكوفيالمغربي، والكوفي السوداني([3]) في جنوبي الصحراء. وقد أطلق على هذه الخطوط جميعاً »الخط المغربي«. وبالرغم من تكييف الخط الكوفي المشرقي مع طبيعة الظروف التي فرضتهابلدان الغرب الإسلامي، فإنه بقي شديد الاتصال بالمشرق وأن كل المخطوطات التي تعودإلى القرنين الثاني والثالث الهجريين والمحفوظة في القيروان والمغرب والأندلس قدنسخت بالخط الكوفي([4])؛ ويحتمل أن يكون قد أُتِيَ بها من المشرق. ولم يحدث التطورفي الخط إلا في القرن الرابع الهجري حيث تظهر مخطوطات نسخت بالخط المغربي المتطورعن الخط الكوفي أو الخط العباسي القديم كما يسميه الباحث الفرنسي ديروش (François Deroche). تحتفظ خزانة الفاتيكان بكتاب مخطوط في الطب نسخ في عام 957م ويعتبر أقدممخطوط بالخط المغربي([5]). كما تختفظ خزائن كتب أخرى بمخطوطات بالخط المغربي نسختفي القرن الرابع الهجري ككتاب "السير" للفزاري نسخ عام 989 م، وكتاب "الموطأ" للإمام مالك نسخ عام 1001 م على يد عبيد الله بن سعيد الوراق. أما القرآن الكريم،فكل المصاحف القرآنية التي كتبت قبل القرن الرابع الهجري قد نسخت بالخط الكوفي. وأول قرآن بالخط المغربي وصلنا نسخ في عام 1008 م وتحتفظ إحدى مكتبات إصطانبولبالجزء الخامس والعشرين منه.

وبالرغم من هذا التغيير أو التطور الذي حدثبالخط العربي في الغرب الإسلامي، فإن ملامح الخط الكوفي بقيت بارزة في الخط المغربيحيث لا يستطيع التمييز بينهما إلا ذوو الخبرة والمراس والتجربة. يروي هوداس (Houdas) أن الغزيري واضع أول فهرس لمخطوطات مكتبة الاسكوريال في القرن الثامن عشرالميلادي قد صنف مخطوطات مغربية ضمن المخطوطات المنسوخة بالخط الكوفي الشرقي([6]). ومما يبعث على هذا الاعتقاد أن من الأندلسيين من كان يكتب بالخطين المغربي والشرقيمعاً كما ورد ذلك في ترجمة ابن المناصف في "الذيل والتكملة". وقد يحدث أن يكتبالكتاب الواحد بخطين مختلفين، أحدهما شرقي وثانيهما مغربي. ويدخل هذا في ما يسمىبالمخطوط الهجين، وهو المخطوط الذي كتب بخطين مختلفين أو نسخ جزء منه على الرقوالجزء الآخر على الورق. تحتفظ خزانة القرويين بفاس بنسخة من »كتاب البيوع« للبخاريفي ثلاثة أجزاء نسخت في عام 424 هـ. كتب الجزآن الأولان بخط مغربي وتم نسخ الجزءالثالث بخط شرقي. وقد يرجع السبب في ذلك إلى ضياع أوراق أو أجزاء من المخطوط فتعوضوتنسخ بالخط الشائع الذي يوجد فيه هذا المخطوط.

وفي مجال الخط بالغربالإسلامي، يجدر بنا أن نشير إلى أن المغاربة عرفوا ما يسمى بـ»التنسيخ الجماعي«،بمعنى أن يجزأ المخطوط إلى أجزاء ليتم نسخه بيد أكثر من ناسخ، خصوصاً إذا كانالكتاب مركباً من عدة مجلدات فيعجل بانتساخه. إن هذه الظاهرة التي عرفها المشارقةفي نطاق ضيق ظهرت في الغرب الإسلامي منذ القرون الإسلامية الأولى، وانتشرت خصوصاًفي العصر الوسيط في الزوايا المغربية التي كانت مراكز علمية هامة. وقد أشار أوكتافهوداس إلى إرهاصات لعملية التنسيخ الجماعي في بحثه عن الخط المغربيقائلاً:



...
ولكي يتيسر لجماعة عديدة من الطلبة أن يستفيدوا منالنسخة الوحيدة دفعة واحدة، يجزأ كل سفر إلى عدد ما من الأجزاء، ويسلم كل جزء،بالتوالي، للطاب، يأخذ منه عادة، نسخة، ويحتفظ به، ما طالت الشروح المتعلقة بهذاالقسم من الدرس([7]).



وقد عرف الغرب ظاهرة التنسيخ الجماعي التي عبرعنها بـالـ»بِّسْيَا« (Pecia) في بداية القرن الثالث عشر الميلادي مع إنشاءالجامعات في أوربا. وقد اضطروا إليها لتعدد الطلبة وقلة المخطوطات، فلجأوا إلىالتنسيخ الجماعي حتى تتم تلبية رغبات الطلبة المتزايدة يوماً بعديوم([8]).

ومن الأندلسيين من كان يكتب الخط المغربي بأشكال وطرق مختلفة قدتتقارب وتتشابه أو تتباعد وتختلف مع الخط المشرقي. جاء في ترجمة ابن المناصف محمدبن عيسى الأزدي القرطبي في "الذيل والتكملة" لابن عبد المالك المراكشي أن الرجل كانيكتب ثلاثة عشر نوعاً من الخط المغربي الأندلسي. وقد دعا هذا التنوع في الخط ابنعبد الملك المراكشي إلى الحديث عن مدارس في الخط ظهرت في الأندلس كمدرستي ابن أبيالخصال وابن خير الإشبيلي. وبالإضافة إلى ذلك وبالرغم من ذيوع الخط الأندلسي فيالأندلس والمغرب على عهدي المرابطين والموحدين، فإن الكتاب والخطاطين في عصرالطوائف والموحدين كانوا معجبين بخط ابن مقلة، وخصوصاً بما اصطلح عليه بالخطالمنسوب الذي نسب ابتكاره إليه([9]).

وعلى العموم، فإن هذا الخط الذي اصطلحعليه بـ»المغربي« قد عم أرجاء الغرب الإسلامي، ويعتقد أوكتاف هوداس أن انتشار هذاالخط كان شديد الارتباط بالمذهب المالكي. وكان لكل من القيروان وقرطبة الدور الأكبرفي هذا الانتشار في الغرب الإسلامي والسودان المغربي جنوبي الصحراء. فظل الخطالمغربي هو الخط الرسمي في هذه البقاع طوال عشرة قرون.

وفيما يخص آلةالكتابة وأنواع الحبر والأمدة وأساليب تلوينها، كاد المغاربة أن يفوقوا في التفنُّنفي استعمالها إخوانهم في المشرق. كان القلم يتخذ من القصب أو من نبات غيره؛ كما كانيتخذ من الذهب أو الفضة أو النحاس المذهب. وقد حاول الخطاط المغربي أحمد بن محمدالرفاعي صاحب كتاب "حلية الكتاب ومنية الطلاب" أن يمارس الكتابة بقلم الذهب، فوجدهثقيل الجري لا يستقيم معه الخط كاملاً، ويثقل اليد. وقد تفننوا في صناعةالحبر([10]) كحبر السماق الذي كان يكتب به في الألواح وأحياناً على الورق. وفي هذاالمجال، ذكر المقري في "نفح الطيب" أن المغاربة صنعوا تركيباً يكتب به فتظهرالكتابة في ألوان مختلفة حسب الشعاع الذي تقرأ فيه: كتب بعض المغاربة رقعة في ورقةبيضاء للملك الكامل بن العادل بن أيوب، إن قرئت في ضوء السراج كانت فضية، وإن قرئتفي الشمس كانت ذهبية، وإن قرئت في الظل كانت حبراً أسود([11]). أما المادة الأولىالتي استعملها المغاربة للكتابة، فكانت الرق. قال المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم" ما يفيد أن المغاربة استعملوا مادة الرق للكتابة. والدليل على ذلك أن كل المصاحفالقرآنية وما بقي من آثار مكتوبة نسخت قبل القرن الرابع الهجري كانت على الرق. ومنذهذا القرن، ظهر الكاغد بصفته مادة للكتابة. وهو مادة مستوردة، لأن الغرب الإسلاميلم يعرف إنشاء معامل الورق إلا ابتداء من القرن الخامس في الأندلس ثم في المغرب. وبالرغم من انتشار الورق، ظل الرق هو مادة الكتابة لنسخ المصاحف القرآنية حتى القرنالتاسع الهجري([12]) حين بدأ الورق يتكاثر ويحل محل الرق. وقد ظهرت مصاحف منسوخةعلى الرق والورق في آن واحد، وهي مظاهر تبرز الانتقال التدريجي من الرق إلى الكاغد. وفي هذه الحالة ينسخ النص القرآني في الغالب على الورق وتكون الأوراق الأولىوالأخيرة وكذلك الغلاف من الجلد، لضمان صحة المخطوط وصيانته وحفظه من الاندثار. وتحتفظ خزانة جامع القرويين بنسخة من كتاب "التبصرة" للخمي في القرن الخامس للهجرةمكتوبة بخط أندلسي على كاغد متين تتخلل أوراقه بعض الأوراق من الرق وكذا غلافهوورقته الأولى وهو الجزء الخمسون من الكتاب.

ومما يميز الخط المغربي عن الخطالشرقي أو النسخي الترتيب الأبجدي وقيمة الحروف العددية والنقط أو التنقيط. منخصوصيات الخط المغربي في التنقيط تمييز الفاء بوضع نقطة تحتها والقاف بوضع نقطةفوقها وإهمال نقطة القاف والنون المعرقتين. يقول ابن عبد الملك في "الذيلوالتكملة": »إن نقط النون المتطرفة غلط جرى عليه جمهور الكتاب«. ومن هذه الخصوصياتكذلك عدم إشراك المغاربة نقطتي التاء أو الياء؛ وكذلك النقط الثلاث للثاء والشين،فإنهم يكتبونها ظاهرة. أما رسم "لام ألف"، فإنها مختلفة في الخطين. وقد أوضح ذلكأبو عمرو الداني في كتابه "المحكم" الذي يعتبر من أقدم ما ألف في الرسمالقرآني([13]). ومن المفارقات التي تميز المخطوط العربي في الغرب الإسلامي وجودمخطوطات بالخط الأندلسي منقوطة على الطريقة المشرقية كما جاء في كتاب "الجمع بينالصحيحين" للحميدي في القرن الخامس الهجري. وإن ما يقيم فارقاً عميقاً بين الأبجديةالمغربية والأبجدية في المشرق ترتيب الأبجدية والقيمة العددية لرموزها والتي كانيطلق عليها »الحمارة الصغيرة«([14]). وهكذا فإن حرف "السين" الذي يساوي: 300 فيالأبجدية المغربية لا يساوي إلا 60 في أبجدية النسخي؛ وإن "الشين" الذي يساوي 1000في الأولى أصبح لا يساوي إلا 300 في الثانية إلى غير ذلك. ثم إن الترتيب الأبجديليس واحداً في كلا المثالين من الكتابة. وقد تساءل الباحث الفرنسي هوداس عن الضرورةالتي دعت المغاربة إلى هذا التغيير ومخالفة المشارقة، فخلص إلى أن المغاربة لميأتوا بجديد، بل حافظوا على سمات الخط الكوفي القديم من حيث الترتيب والنقط والقيمةالعددية. وقد خالفوا بذلك خصوصيات الخط النسخي الذي كان منافساً للخط الكوفي فيالمشرق خلال القرون الإسلامية الأولى. ولا يمكن أن نعتبر رأي هذا المستشرق نظريةقائمة، ما دمنا لم نعرف مصادر الترتيب الأبجدي وأصول القيمة العددية للحروف. فالقدماء الذين كتبوا عن الخطوط لم يحدثونا عن ذلك.

أما ترقيم المخطوط، فإنالنساخ المغاربة قد احتفظوا بالنموذج الشرقي فيما يخص هذه الظاهرة، ولكنهم انفردواببعض الأنواع كالترقيم "بياكيكتج"، وهي عبارة سحرية للوقاية من الأرضة. وبعد دراسةمجموعة من المخطوطات القديمة، تبين أن هذه الكلمة السحرية توجد في كل عشر ورقاتبمعنى أنها تخضع لنظام الترقيم بالكراسة. والكراسة عموماً عشر ورقات (Quinion) فيالمخطوط الشرقي، ولكنها في الأندلس تتراوح بين ثمان وعشر واثنتي عشرة ورقة. والكراسة التي كانت أكثر شيوعاً في الغرب الإسلامي، وخاصة في الأندلس، هي التي كانتمكونة من اثنتي عشرة ورقة (Ternion). ويرجع الدارسون هذا إلى أن الكراسة فيالمخطوطات اليهودية كانت اثنتي عشرة ورقة؛ فربما يكون النساخ المسلمون قد تأثروابها في نساختهم للمخطوطات اعتباراً للاتصال الوثيق والتعايش الذي كان بين المسلمينواليهود. وقضية الكراسة من القضايا المطروحة على المختصين في علم المخطوط بمفهومهالحديث، وهو الذي يسمى في فرنسا بالكوديكولوجيا. فمعلوماتنا محدودة عن الكراسة هلهي عربية كما يزعم البعض أو هي كلمة أجنبية حيث اعتبرها البعض تحويلاً للكلمةاللاتينية كوديكس (Codex). ولماذا هي موحدة في الشرق، بمعنى أنها عشر ورقات، وغيرموحدة في الغرب الإسلامي تتراوح بين ثمان واثنثي عشرة ورقة. هل يمكن أن نرجع هذهالفوارق إلى تعدد مراكز النساخة في العالم العربي والإسلامي؟ فالسؤال مطروح إلىحين.

ومما يتميَّز به الكتاب المخطوط في الغرب الإسلامي الكتابة بغير مداد. اضطر القدماء منذ القرن السادس الهجري لتمييز الكتب الموقوفة إلى أن يرسموا عليهاكلمة "حبس" بالحرف المغربي بواسطة ثقوب متتابعة بالإبرة أو شبهها حتى ينفذ الثقبلسائر أوراق الكتاب. وقد امتدت هذه الظاهرة في المغرب خصوصاً إلى القرن الثامنالهجري وطبقت بصفة خاصة في المصاحف القرآنية. وفي الخزانة الوطنية بالرباط وخزانةجامع ابن يوسف بمراكش نماذج من هذه المصاحف. ومن البيانات المستخلصة من دراسةالمخطوط بالغرب الإسلامي كتابة تقييد الختام في مقدمة المخطوط. والمعروف أن منوظائف مقدمة المخطوط العربي الإشارة إلى عنوان الكتاب وأبوابه ومصادره وغيرها. أماقيد الختام (Colophon)، فتحمله الغاشية، يعني آخر ورقة في المخطوط. وتحتفظ الخزانةالحسنية بالمغرب بنسخة من كتاب "النكت والفروق لمسائل المدونة" لمؤلفه عبد الحق بنمحمد بن هارون السهمي (466 هـ)، نسخها بيده في عام 418 هـ. وقد يؤكد هذا أن مقدمةهذا المخطوط قد كتبت بعد الفراغ من نسخ الكتاب.

بالإضافة إلى هذه الخصوصياتالتي تميز المخطوط المغربي الأندلسي عن المخطوط الشرقي، ابتكار مجموعة من المصطلحاتلا قبل للمشارقة بها. ومن الأمثلة على ذلك استعمال الأندلسيين والمغاربة لكلمتي »برنامج« و»فهرسة« للتعبير عن المشيخات التي يروي فيها المؤلف مؤلفاته ويترجم فيهاشيوخه. أطلق عليها المشارقة لفظ »مشيخة« أول الأمر قبل أن يسموها معجماً وثبتاً. وقد وضع المغاربة مجموعة من المصطلحات للتعبير عن »التعقيبة«، وهو نوع من الترقيماستعمله القدماء لترتيب المؤلفات من جهة، ولمساعدة المختصين في صناعة المخطوطكالمرقمين والمسفرين وسواهم في ترتيب ملازم المخطوط من جهة أخرى، فقالوا: الرقاص،والوصلة، والسايس. كما أطلقوا »التختيم« أو »التختيمة« للتعبير عن تقييد الختام (Colophon). أما شكل المخطوط العربي في الغرب الإسلامي، فكان شكل الكتاب المشرقيالذي احتفظ بشكل الكوديكس اللاتيني الأصل والذي حل محل اللفافة في نهاية العصرالقديم وبداية العصر الوسيط. ولكن اللافت للنظر هو أن كثيراً من المصاحف القرآنيةالتي أنجزت في الأندلس بالخط الكوفي على رقوق الغزال كان شكلها مستطيلاً (Format oblong) ([15]). ولم يقتصر هذا على المصاحف القرآنية، بل وجد كذلك في المخطوطات. تحتفظ الخزانة الحسنية في المغرب بنسختين من "صحيح البخاري"، إحداهما على الورقوالأخرى نسخة رقية، وكلاهما مستطيل الشكل. وقد اختلفت آراء الباحثين حول هذهالظاهرة. اعتقد البعض أن استعمال الجهة الجيدة والسليمة من الرق للكتابة غالباً ماتكون مستطيلة، فجاء شكل المخطوط مستطيلاً. ويذهب المستشرق إيتنغاوسن (Ettinghausen) أن الشكل المستطيل قد تم اختياره إما لمسايرة كتابة الآيات القرآنية على حيطانالمساجد وتكون مستطيلة، وإما للتذكير بصفوف المصلين الذين يقفون أمام القبلة جنباًإلى جنب طوال عرض المسجد. أما المستشرق لينغ (Lings)، فإنه يظن أن طبيعة الخطالكوفي هي التي تفرض هذا الشكل، لأنه كبير وأفقي ومُزَوَّى (أي ذو زوايا) [anguleux]. والملاحظ أن هذا الشكل، امتد في الزمن امتداد استعمال الخط الكوفي فيالكتابة. ومع ذلك، فإن الخزائن تحتفظ بمجموعة من المصاحف كتبت على الرق بالخطالكوفي وشكلها شكل الكوديكس الذي هو شكل (حجم) الكتاب حالياً. وكاد ينفرد الغربالإسلامي، وخاصة في الأندلس والمغرب، باتخاذ الكتاب حجماً قريباً من المربع فيالقرن السادس الهجري. ولكن سرعان ما عاد الكتاب إلى شكله الطبيعي في الأندلس. أمافي المغرب، فإن الحجم المربع للكتاب بقي متداولاً ولكن في نطاق ضيق إلى غاية القرنالتاسع عشر الميلادي. والدليل على ذلك وجود مصحفين من القرآن الكريم شبه مربعينتحتفظ بهما الخزانة الوطنية بلندن (مكتبة المتحف البريطاني سابقاً). وبالإضافة إلىذلك، فإن بعض كتب الذكر في المغرب كـ"دلائل الخيرات" لمحمد بن سليمان الجزولي نسختفي القرن التاسع عشر الهجري قد قلدت حجم المصاحف القرآنية شبه المربع. وقد يمكناعتبار أحجام هذه الكتب الصغيرة صوراً مصغرة للمصاحف القرآنية المربعة التي تحتفظخزانة المتحف الإسلامي بإصطانبول ومكتبة شستربتي بإيرلندا بنموذجين منها. نسخ الأولمنها ببلنسية (Valence) عام 578 هـ/ 1182 م حسب تقييد الختام، ونسخ الثاني بالأندلسعام 596 هـ حسب محافظ الخزانة دفيد جيمس (D. James).

وآخر نوع من مخطوطاتالغرب الإسلامي نختم به هذا العرض هو المخطوطات العربية المكتوبة بالعجمية. إن هذهالكتب كانت موضوعاً لأبحاث عدة يؤكد المختصون في الأندلسيات أنها لا تتجاوز المئتينموزعة في خزائن إسبانية([16]) وأخرى غربية([17])، وأنها بدأت في القرن التاسعالهجري وانتهت في القرن الحادي عشر في قشتالة (طليطلة وما إليها) وأراغون (سرقسطةوما جاورها). وقد اعتبرها الباحثون جزءاً من المخطوطات العربية شكلاً ومضموناً. وقدمكنتهم دراستها من استجلاء بعض غوامض المخطوط العربي بالأندلس. وقد خلص هؤلاءالباحثون إلى أن رداءة لغة هذه المخطوطات وضعف أسلوبها يعكس الأوضاع الاجتماعيةوالثقافية المتواضعة التي كان يعيشها المدجنون والمورسكيون فيما بعد، فهي أكبر وخيرشاهد على حياتهم وعصرهم. ولم يكتف هؤلاء الناس بكتابة العربية بحروف عجمية والعجميةبحروف عربية([18])، بل كتبوا الكتب العربية بالحرف العربي، ولكنها دون مستوىالمخطوط الأندلسي القديم الذي تعتبر هذه المخطوطات جزءاًمنه.





([1])
الخط الكوفي (عادي، سريع) هو الخط الحجازي الذيكتبت به مصاحب الإمام عثمان رضي الله عنه وانتقل إلى الكوفة فحسنوه وطوروه وسميباسم مدينة الكوفة التي خضع فيها لهذا التطور. وقد سماه القدماء بالخط المولد، لأنهلم يعد مطابقاً للمثال الأصلي الذي نشأ في الحجاز.

([2])
ريبرا (Ribera)،المكتبات وهواة الكتب في المكتبات الإسبانية. كان بضاحية قرطبة مئة وسبعون (170) امرأة يكتبن المصاحف بالخط الكوفي ويسمى بالجزم. والجزم في الخط تسوية الحروف. ولميبق من خط الجزم إلا رسم قليل في نقش الحيطان وفي بعض المصاحف. وقد بلغ هذا النشاطذروته في القرن الرابع الهجري مع مكتبة الحكم المستنصر الأموي (366 هـ) التي بلغعدد كتبها أربع مئة ألف (400.000) مخطوط حسب كثير من الروايات. وقد أبيدت هذهالخزانة على أثر الفتن التي عرفتها الأندلس في القرن الخامس الهجري. وتحتفظ خزانةالقرويين بفاس بنسخة من "مختصر" أبي مصعب نسخ في عام 970 م برسم مكتبةالحكم.

([3])
الكوفي القيرواني: التونسي أو القيرواني أوالإفريقي.

الكوفي الأندلسي: 1- الجزم؛ 2- الأندلسيّ فيما بعد.

الكوفيالمغربي: المغربي وقيل الفاسي.

الكوفي السوداني: يقال له السوداني أو الكوفيأو التنبكتي أو الإفريقي. وأقدم مخطوط سوداني معروف نسخ عام 1669 م. ومعظم ما بقيمن مخطوطات هذه الجهة يعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي.

([4])
بقاياأجزاء من "أسدية " ابن الفرات و"مدونة" سحنون المحفوظة في المكتبة الأثريةبالقيروان نسخت بالخط الكوفي على الرق.

([5])
رقمه في خزانة الفاتيكان (Vatican BAN arab 310 f 45 V°) ذكره مجموعة من المستشرقين من بينهم جورجيو ليفيدلافدا الذي يعتقد أنه جاء من إسبانيا.

([6])
اكتشف هذا الخطأ المستشرقالإسباني قينقوس (Gayangos). انظر: أ. هوداس، محاولة في الخط المغربي، ترجمه إلىالعربية عبد المجيد التركي، ص. 209

([7])
المرجع نفسه، ص. 182.

([8])
هناك من يعتقد أن البسيا هي هو الجزء في التراث العربي المخطوط، ولكن البسيا (Pecia) هي ورقتان أو أربع صفحات. أما الجزء، فيمكن أن يتجاوز مئةصفحة.

([9])
انظر فهرسة ابن خليل السكوني.

([10])
استوعب القللوسي (707 هـ) في كتابه "تحف الخواص في طرق الخواص" طرائق الأندلسيين في صناعة الحبروأساليب تلوين الأمدة. كما تعرض السفياني المتوفى سنة 1029 هـ في كتابه: "صناعةتسفير الكتب وحل الذهب" إلى صفة الكتابة بالذهب في الكاغذ وعلىالجلد.

([11])
المقري، نفح الطيب.

([12])
ذكر القلقشندي أن الورق ظلمادة للكتابة في الغرب الإسلامي حتى عصره، أي القرن التاسع الهجري. (صبح الأعشى، 1338 هـ/ 1919 م، ج 2، ص. 477).

([13])
من أقدم الكتب في الرسم القرآني كذلك "البديع" لابن معاذ الجهني، وكلا الكتابين مصدر للبحث في أصول وجذور الخط المغربيوما يميزه عن الخط الشرقي.

([14])
ويطلقون »الحمارة الكبيرة« على جداولالضرب كأن تقول: بَبْدٌ: 2×2 = 4. فالدال إذن يساوي أربعة.

([15])
يبدو أنهذا النوع من حجم الكتب عرفه المجتمع الإيطالي سابقاً.

([16])
الخزانةالوطنية بمدريد وخزانة الإسكوريال.

([17])
الخزانة الوطنية الفرنسيةبباريز.

([18])
إن استعمال الخط العربي لكتابة العجمية من طرف المدجنينوالمورسكيين كان لغة خلق حضارة إسلامية مسيحية كما حاول المشارقة خلق حضارة بكتابةالتركية والفارسية بالحرف العربي. وهو شكل من أشكال الحفاظ على الهوية الإسلامية فيإسبانيا المسيحية.

الرابط

http://pdfbooks.net/vb/showthread.php?t=11576














التوقيع
إن الكل يموت ويذهب صداه
الا الكاتب يموت وصوته حي
  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مواقع المخطوطات العربية على شبكة الانترنت ولاء شيخ منتدى الوثائق والمخطوطات 9 Jan-17-2014 12:59 AM
اقــــــــــــــــــرأ ......نص كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" بنت النيل منتدى التواصل الاجتماعي للمكتبيين والمعلوماتيين 8 Apr-25-2012 04:03 PM
كشـــاف مجلــة مكتبـة الملك فهـد الـوطنيـة الاء المهلهل المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات 17 Apr-23-2011 02:11 PM
دور تكنولوجيا المعلومات في حفظ المخطوطات العربية Sara Qeshta منتدى الوثائق والمخطوطات 5 Feb-25-2010 11:19 PM


الساعة الآن 11:28 PM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين