منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » منتدى الوثائق والمخطوطات » المصادر الشفوية والأرشيف

منتدى الوثائق والمخطوطات يطرح في هذا القسم كل ما يتعلق بالوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية.

إضافة رد
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
 
قديم May-31-2010, 10:23 PM   المشاركة1
المعلومات

anameri
مكتبي خبير

anameri غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 61716
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجـزائر
المشاركات: 1,481
بمعدل : 0.26 يومياً


افتراضي المصادر الشفوية والأرشيف





المصادر
الشفوية والأرشيف


أ•د ناهد حمدي أحمد

المستخلص


كانت المشافهة وسيلة الاتصال الرئيسة في العهود القديمة، وهي بالتالي تشكل تركيباً عضوياً في منظومة الحضارة، ومن أهم المعلومات المنقولة مشافهة "القرآن الكريم" الذي نزل على النبي محمد([) على لسان جبريل (عليه السلام) •••

ويبين البحث اختلاف الآراء حول النظر إلى المصادر الشفوية على أنها مصدر أرشيفي، وضرورة البحث عن مصداقية وتمامية الروايات المنقولة مشافهة قبل اعتمادها كمصدر أرشيفي، وفي العصر الحديث ومع وجود التسجيلات الصوتية بات من الضروري البحث عن ملكية التسجيلات وتأمين حماية المعلومات الواردة بعيداً عن التشويه والتشهير••

ويؤكد على ضرورة تمويل المؤسسات الأرشيفية لاسيما المصادر الشفوية للحفاظ عليها، ونسخ عدة نسخ عن التسجيلات وحفظها وصيانتها وتأمين وسائل استرجاع سريعة خدمة للباحثين•

تمهيد:

المصادر الشفوية، ذلك الوافد القديم الجديد الذي فرض وجوده على أرشيفاتنا يعرف بأنه ذاكرة الماضي التي تناقلت شفوياً من جيل إلى جيل، وأعيد سردها من جديد• ومن وجهة نظر الوثائق يمكن تعريفها على أنها، دليل أولي لماقرره الراوي أو ناقل روايته من أجل بعض أمور الماضي الهامة التي حدثت معروفة ومفهومة"• فإذا ما اتضح بعد ذلك أن هذه الروايات تمت في إطار معايير دقيقة، وأنها هادفة ومدروسة، وليست اعتباطية أو عشوائية أو ذات نزعات واهتمامات خاصة، حينئذ يمكننا حفظها أرشيفياً• وحسابها دليلاً ثابتاً، وبرهاناً دائماً على ما تروي عنه من مظاهر الحضارة والثقافة والأنشطة الإنسانية التي لا تتوفر عن تفاصيلها وثائق مكتوبة•

وتعد ذاكرة الفرد فيها مصدراً مناظراً للوثائق المكتوبة من حيث احتوائها على العديد من المعلومات، وسبر أغوار تلك الذاكرة البشرية سواء لأولئك الذين خبروا الماضي بشكل دقيق أو غير مباشر عملية ليست سهلة، إنها رحلة ذهنية تجرى عكس الزمن، وفي الوقت ذاته هي عملية تنقيب في الاتجاه نحو الماضي واستخراج واستحضار المعلومات والخروج بها من دائرة الذاكرة إلى دائرة الوعي والتحليل والبناء والتعبير المنطوق•

ويكشف تاريخ المصادر الشفوية على أنها كانت وسيلة الاتصال الرئيسة التي تنتقل بها الأخبار من جيل إلى جيل، فضلاً عن أنها كانت في معظم الأوقات العرف السائد في التعامل وإثبات التصرفات، وعبر الزمن وتعاقب العصور كان وجودها أمراً طبيعياً مرتبطاً بديناميكيات الثقافة وتطورها وكان التناقل الشفوي يشيع وينتشر عبر الثقافات عن طريق الكلام المنطوق خاصة إذا كان منسوباً لأشخاص موضع ثقة•

وبهذا المعنى نجدها تشكل تركيباً عضوياً تلقائياً في منظومة الحضارة واستمراريتها من جيل إلى جيل من خلال ما تنقله من روايات وما تقدمه من معلومات حول تفاصيل حضارة وأنشطة وأهداف ووظائف وتقاليد وعادات المجتمع الذي تروى عنه، وبالتالي كان من الضروري وجودها في غياب المصادر المكتوبة، ومن المسلمات الأساسية التي لم يعد عليها خلاف هي أنها في بعض الأحيان تشكل البديل الفعال للحصول على المعلومات والانعكاسات والحقائق النزيهة والتفاصيل الدقيقة حول الماضي، ومن المسلمات الهامة الأخرى هنا أنه طالما وجدت المصادر الشفوية فلا بد من استشارتها، تلك الاستشارة بالطبع تتطلب الأخذ في النقد• وهذا النقد بدوره يتطلب العديد من المهارات المتخصصة•

عرفت الرواية الشفوية عند العرب منذ الجاهلية فقد كان المجتمع حينذاك مجتمعاً قبلياً تسود فيه الأمية وينتشر فيه التفاخر بالنسب ورواية المفاخر وسرد مثالب الخصوم وتسلية السامعين ونحن ندين بالكثير مما نعرفه عن العرب وقتئذ على الرواية الشفوية التي نقلت من جيل إلى جيل• وعلى الرغم مما كان في بعض هذه الروايات المنقولة من الأمور غير الحقيقية فقد كان لها تأثير كبير في التعرف على الكثير من الأخبار والأحداث ونظم الحياة وغير ذلك• ثم بعد أن استقر الإسلام بدأ العرب يعنون بأخبارهم القديمة فشهد القرن الأول بعد الهجرة عناية بتنمية الأخبار المختلفة عن العصر الجاهلي والأمم التي اتصلت بهم•

ولم يكن انتشار الرواية الشفوية مقتصراً على الثقافات التي لم تكن تعرف الكتابة، بل لم يمنع المعرفة بها وجود أناس يعتمدون على الرواية الشفوية ويفضلونها على الوثائق المكتوبة، وكانت لهم مبرراتهم المقبولة حينذاك• فنحن نجد أن النظرية الفقهية الإسلامية لم تكن تقبل الوثيقة المكتوبة كوثيقة للإثبات في حالة التنازع، وإنما كانت تعمد على الشهادة الشفوية لشهود مجلس العقد أمام القاضي الذي ينظر النزاع، وفي الوقت نفسه كان هناك إجماع من الفقهاء على أن كتابة الوثيقة لم تكن ملزمة إلا في حالة الدَّين، مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة آية 282:
{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}•
والقرآن الكريم نزل على الرسول [ منطوقاً على لسان جبريل عليه السلام ولما جمع كان الرسول [ يراجعه في كل عام فإذا انتقلنا إلى حديث الرسول [ المصدر الثاني للعقيدة الإسلامية، سنجد أنه اعتمد في تناقله بعد الرسول [ على الحفظ والرواية•

ففي البداية كان الصحابة الذين عاشوا مع الرسول [ خير مصدر للمعلومات عن الحديث والسنة، فقد سمعوا عنه نفسه يتكلم، وشاهدوا بأعينهم أعماله• بعد ذلك تناقل الناس الأحاديث والسنة عن التابعين الذين سمعوا الحديث عن الصحابة، ثم أخذ بعد ذلك عن التابعين (تابعو التابعين)، وعندما عزم عمربن الخطاب رضي الله عنه على جمع الحديث، أسند هذا الأمر لبعض الصحابة الفقهاء المختارين الذين وضعوا منهجاً لنقد الأحاديث المنقولة شفوياً وتحقيق نصوصها للوقوف على مصداقيتها من خلال ما عرف بنقد المرويات، وهو منهج تترسم خطاه الآن من نقد الروايات الشفوية وتحقيق مصادرها•

يتضح مما سبق أن جمع واستخدام المصادر الشفوية لم يكن أمراً جديداً علينا ولكن الجديد أن المتتبع لوجودها يرى أنها أصبحت على التداول والجذب والدفع جزءاً من مشكلة المعلومات التي توثق الحقائق، فمتى وجدت بات من الضروري بذل الجهد لإيجاد المدخل العلمي الصحيح الذي يمكن عن طريقه الدخول بها إلى عـالم المعـلومات الأرشيفية، وحسابها جزءاً من مصادره الموثوقة، وتحديد ضمن أي شـروط يمكـن أن تكون تلك المصـادر ممكنـة وصحيحـة• لقد أضحـت بهذا الشكـل مشكـلة وتحديـاً في الأرشـيف فإلى أي مـدى يمكـن أن ندفـع بعمليتها وموضوعيتها؟•

إن الإلحاح في بحث المشكلة نجم عن التوسع الكبير في مهام المستودعات الأرشيفية وأنشطتها فيما وراء الوصاية وحفظ الوثائق التقليدية للدولة• كما اشتد الإلحاح بقوة نتيجة لعدد من المتغيرات الجديدة الملحة التي نسميها ثورة المعلومات تلك الثورة التي برزت معالمها في السنوات الأخيرة، وجاءت للإنسان بأكثر وأوسع مما عرفه على مدى تاريخه الطويل سواء في الكم أو النوع أو التعقيدات والتشابك• ومما لا شك فيه أنها مست بدورها الأرشيفات واستوجب على الأرشيفيين استيعاب كل ماينهال عليهم من المعلومات بمختلف وسائلها، وبات من الضروري أن يطوروا قدراتهم للحاق بهذا الذي تلقي إليهم به التكنولوجيا الجديدة من أبعاد وآفاق الوثائق•

والأرشيف في ظل العلوم الأرشيفية استطاع أن يستفيد من معطيات العلوم الأخرى، ومن المبتكرات التقنية للعلم الحديث، كما استطاع أيضاً أن ينوع ويطور مناهجه بحيث يظل دائماً على الطريق نحو الأساليب الجديدة، يأمل أن يتمكن معها من احتضان تلك المتحولات المتشابكة العديدة التي لا بد من حساب أثرها على مهامه وأهدافه•

وسواء رضينا أم لم نرض فقد دخلت هذه المصادر الناطقة إلى أرشيفاتنا تشارك في توثيق حضارتنا، وتعيد الماضي بكل دقة، وتمثل الحياة البشرية كما كانت، وتصحح المعلومات والأحداث كما تضيف الكثير من الجديد عليها، وتكمل النقص والنسيان في الماضي الإنساني ويدخل في نجاحها وفشلها اختيار الموضوع وتقييمه، وتفضيل بعض الموضوعات عن بعضها من جهة، كما يدخل في ذلك بشكل طردي موهبة الراوي الفكرية واستعداده العقلي وثقافته الشخصية ومدى أبعادها، ومقدرته على التعبير بالكلمات المنطوقة الواضحة عما يرويه• بعدها لن يكون من الغريب أن تلقى المصادر الشفوية الاهتمام والترحيب الذي تستحقه كمصادر أرشيفية•

1 ــ أهميتها

ترتبط أهمية المصادر الشفوية بالأهداف التي أعدت من أجلها، وتظل دائماً أكثر من أداة لسرد حقائق وملامح الماضي بمختلف جوانبه وأنشطته ومعارفه، بل يمكن أن نصفها بأنها تكنيك في خدمة العديد من فروع المعرفة، وعلى الرغم من أنه قد يثار خلاف حول صحتها وشرعيتها، ومدى التعويل عليها ومصداقيتها، إلا أنها رغم ذلك تعد واحدة من مصادر المعلومات الرئيسة التي تستخدم لتدعيم وتوثيق ماضي الكيانات والمجتمعات، ونظراً لهذه الأهمية ولضخامة التكاليف وعظم الجهد اللازم لإعدادها ينبغي على من يقدمها أن يكافح من أجل تقديم صورة حيادية متجردة لمعلومات تلك المصادر ذات الأهمية الكبيرة والتي يمكن أن نتمثلها فيما يلي:

1ـ إن المجتمعات التي عرفت حضاراتها حديثاً، تدين بالفضل الكبير إلى المصادر الشفوية التي نقلت المعلومات الكافية لتلك المعرفة عبر الأجيال بوساطة الكلام المنطوق•

2ـ إن المصادر الشفوية ليست شائعة فقط في المجتمعات التي تفتقر إلى الوثائق المدونة، بل إنها توجد بكثرة في المجتمعات ذات الحضارة الضاربة في القدم والتي لديها رصيد كبير من الوثائق• ومن المعروف علمياً أنه لا يوجد توثيق كامل يعكس كل التفاصيل والحقائق في الموضوع بل يوجد دائماً مظاهر وتفاصيل دقيقة معينة تبقى دون توثيق• وهذا النقص بلا شك يعد نقصاً في الصورة الكلية فمن ذا الذي يستطيع أن يؤكد بثقة أنه ألمَّ أو عرف كل العوامل والمعلومات الصغرى والكبرى في الموضوع• والمصادر الشفوية بإمكانها سد تلك الفجوات بإعطاء وصف وتفاصيل دقيقة للأحداث والأعمال والأشخاص والأماكن وغيرها• وفي كثير من الحالات تكون هي السبيل الوحيد الذي من خلاله يمكن استعادة بناء الماضي وتوثيقه•

3ـ إن أخبار الملوك والطبقات العليا كانت دائماً هي الطاغية والمستأثرة بالتدوين• بينما عاشت في الظل أخبار الأنشطة الاجتماعية والفن وجذور الأديان وفاعليات الاقتصاد وملامح الطبقات المسحوقة وتطور اللغات وغيرها• ولقد نجم عن ذلك افتقاد الأرشيف إلى ما يوثق مثل هذه النشاطات فاتجه إلى معالجة هذا النقص بالعديد من الطرق، من بينها إعداد وجمع المصادر الشفوية•

4ـ ولم يكن الأرشيف وحده هو الذي أدرك أهمية هذه النوعية من المصادر بل إن المؤسسات الحديثة سواء كانت حكومية أو غير حكومية، عقائدية أو تجارية أو غيرها قد توصلت بدورها إلى أهمية توثيق وتقاسم المعلومات فيما وراء الوثائق التقليدية المدونة•

5ـ إن الدول التي عاشت ردحاً طويلاً من الزمن تحت نير استعمار دول أجنبية تعول كثيراً على القيم العالية للمصادر الشفوية بمجرد حصولها على الاستقلال• مثل هذه الدول ترى أنها ورثت رصيداً من وثائق السيادة المستعمرة وهي تراها غير كاملة، وغير متوازنة لذا فإنها تجد في المصادر الشفوية ما يسد حاجتها إلى إعادة بناء حضارة أهل البلد•

6ـ إن المصادر الشفوية لها فوائد جانبية للأنشطة الأرشيفية التقليدية، فغالباً ما ترد إلى الأرشيفات مصحوبة بأوراق شخصية هامة خاصة بالمصدر (الرواة وغيرهم)•

7ـ إن جمع وتسجيل المصادر الشفوية يتطلب أنشطة عديدة من بينها التعرف على الموضوعات القيمة التي يتم توثيقها، وكذلك البحث الواسع عبر البلد للوقوف على المتخصصين وشهود العيان الذين بمقدورهم النقل والرد بواقعية وبصدق على حضارة العصر في روحها وخصائصها والتي تسفر عن وثائق قيمة قد ينتهي بها المطاف إلى الأرشيف• هذا العمل بدوره يمكن أن يكون بمنزلة إعلام وتعريف بدور المؤسسات الأرشيفية، ومن ثم فهو يشجع التعاطف والحماس لبرامجها، كما أن مثل هذه العلاقات العامة قد تؤدى إلى زيادة الدعم للأرشيف وتحسين صورته•

8ـ على الصعيد الإنساني، تستخدم المصادر الشفوية كأداة قيمة من أجل تحسين أوضاع المواطنين القدامى الذين أصبحوا قانطين، ولديهم شعور بأن المجتمع لم يعد في حاجة إليهم، وذلك بإشعارهم بأنهم مصدر هام أو ذاكرة الماضي•

9ـ على الطرف الآخر من دائرة الأجيال فإنها تستخدم كوسيلة ناجحة للتدريس، حيث تعاون تلاميذ المدارس في الحصول على مزيد من المعرفة عن أسرهم ومجتمعاتهم وأيضاً في مواجهتهم وتعريفهم لبعض المشكلات الصعبة لنظرية المعرفة والبحث عن الحقيقة في الأمور المباشرة والخاصة•

2 ــ المصادر الشفوية وقضايا الأرشيف

تتعدد الآراء حول ما يمكن أن يعد مصدراً شفوياً، وما لا يدخل في عداد تلك المصادر• فالبعض لا يوافقون على عده مصدراً شفوياً كل ما يتم إعداده دون نظام محكم دقيق يلتزم بمعايير وقواعد وقوانين الشاهد والدليل المتعارف عليه، في الوقت الذي نرى فيه آخرون يشعرون بالرضا نحو أي شكل من أشكال المواد الشفوية مثل بعض المواد الصحفية ومجموعات روايات الأدب الشعبي وغيرها• كذلك نجد بعضهم يدخل في المصادر الشفوية التسجيلات المعاصرة للاجتماعات واللقاءات والخطب وغيرها•

هذا القبول الواسع لأنواع المواد الشفوية يضع صعوبات بالغة أمام الأرشيف ليقرر ما يصلح منها أن يكون مصدراً أرشيفياً وما لا يصلح• ولكي يكون قراره سليماً عليه أن يضع نصب عينيه أمرين:

2 ـ 1 ـ أمور عامة عليه أن يحيط بها
أهمها:

1ـ منذ البداية من المهم أن يفهم الأرشيفي أن ما يقدم له هو وثيقة من الحاضر سردت فيها المعلومات حول أمر من الماضي، وليست وثيقة معاصرة للماضي توثق ما دار وقتها من أحداث• وبعبارة أخرى: إن التسجيل الشفوي يظل محاولة للتعريف وإحياء الماضي وإخبار عن حدث وقع في ذلك الماضي، وليست آثاراً حية لذلك الماضي البعيد الذي يروي عنه، حتى ولو كانت المعلومات المقدمة هي الشاهد الوحيد الحي الذي يعرف بتلك الأحداث ويعطى معلومات عنها•

وتعد المذكرات المملاة والمكتوبة يدوياً أو بطريق آخر، من المصادر الشفوية، وكذلك تعد الشرائط المسموعة وأفلام الصوت والصور وشرائط الفيديو كلها من وسائط تسجيل المعلومات الشفوية• غير أن أكثرها شيوعاً هو الشرائط المسموعة التي غالباً ـ ولكن ليس من الضروري ـ ما يصاحبها نسخ مكتوبة لما سجل على الشريط، أو قوائم بمحتويات شريط التسجيل أو ملخصات له• وعلى الأرشيفي أن يعلم أنه مهما شكل المصدر الشفوي أو الوثيقة الناتجة، فإنها تظل دائماً وأبداً ناقلة لمعلومات شفوية، ومهما كانت وسيلة التسجيل آلية أو تقليدية تبقى دائماً مصدراً شفوياً•

2ـ من المهم أن يعرف الأرشيفي أن المصادر الشفوية هي تسجيلات اختيارية مرتبطة بقدرات الراوي والذي ليس بمقدوره أن يغطي كل التفاصيل والأبعاد المختلفة لموضوع واحد بل يتم التركيز على أبعاد معينة منه• وأياً كانت أبعاد الاختيار فإن المصادر الشفوية بهذا الشكل تعد وثائق ذات قيمة عالية من حيث هي شواهد وأدلة في نطاق طبيعتها الإعلامية، ولكن تبقى قيمتها الإثباتية أقل من الوثائق الحية المعاصرة للحدث•

ومن ثم ينبغي على أولئك الذين ينتجون ويستخدمون تلك المصادر أن يكونوا على علم بالمبادئ والإجراءات والحقوق والالتزامات والتدابير الواجبة لإيجاد مصادر شفوية ذات مصداقية وشرعية وقيم تمكن من الاعتماد عليها•

3ـ إذا كان للمصادر الشفوية أن تستخدم في استرداد الماضي وضبط وتوثيق أنشطته، فلا بد من وجود وسائل منهجية للتحقق من قيمتها الإثباتية• وبداية فإن المصادر الشفوية يطبق عليها أساليب ومنهجية نقد النص وتحليل المضمون بالطرق والمعايير نفسها التي تطبق على النصوص المكتوبة، إلى جانب فحصها ومن حيث علاقتها بغيرها من أنواع الشواهد والأدلة الأرشيفية إن وجدت•

4ـ إن الاهتمام بهذه النوعية من المصادر يمثل نقلة وتحول في الدور المتعارف عليه للأرشيفيات التقليدية مما يحتم تطوير مهارات وخبرات الأرشيفيين•

5ـ إن قيم المصادر الشفوية تكمن في الطرق التي نشأت بها، إنها أيضاً تقتضي الإحاطة والمعرفة الدقيقة بمصدرها وبالمجتمع الذي نشأت فيه، وكذلك معرفة أهدافها والغرض من وجودها، والمصادر التي نقلت عنها، والظروف التي نقلت فيها•

6ـ إن المقتنيات الأرشيفية تعتمد أكثر ما تعتمد على الوثائق التي ترد إلى الأرشيف بشكل دوري منتظم وذلك من الأجهزة الحكومية وغير الحكومية وهي بالطبع تعكس الأنشطة المباشرة والمستمرة خلال الفترة الزمنية التي تقول عنها، ويشترك الأرشيفيون في إجراءات تقييمها وترحيلها، لذلك فعليهم أيضاً أن يدركوا أنهم في اقتنائهم للمصادر الشفوية إنما يشاركون في إجراءات نقلها من مصادر ناتجة بشكل تقليدي إلى مصادر ثابتة ودائمة للدلالة على هذه الأنشطة وبعبارة أخرى عليه أن يكون قادراً على إصدار حكم أرشيفي سليم على قيمها•

7ـ يرتبط بالأمر السابق أنه من المهم على الأرشيفي أن يلم بوسائل وأساليب تقييم المصادر الشفوية من أجل الأهداف الأرشيفية، ويسهم الفهم والتحليل الدقيق للسياق الموضوعي في هذا التقييم، من أجل ذلك يضطر الأرشيفي إلى تقييم العديد من السياقات الموضوعية والأشكال المتعددة التي تأخذها الموضوعات•

8ـ على الأرشيفي المسؤول عن مجموعات المصادر الشفوية أن يسلح نفسه بمعرفة عريضة حول طبيعتها ومختلف الآليات المتاحة لأجل اختبار جودتها والتحقق من مصداقيتها، وحدود الاعتماد عليها وعلى العائد من معلوماتها المتاحة للباحثين، بعدئذ فقط يمكنه تقديم الخدمات المناسبة لها من تقييم وإضافة وترتيب ووصف وتقديم الخدمات المرجعية منها•

9ـ إن أكثر المستودعات الأرشيفية لا تفرق بين الموضوعات المختلفة التي تغطيها المصادر الشفوية وتعالجها جميعاً تحت ذلك المصطلح•

10ـ لا يستطيع الأرشيفي أن يفترض أن كل تلك المواد التي ترد إلىه تتكون من مفردات مستقلة، كما لا يمكنه أيضاً أن يعدها كلها مواد توجد بينها روابط منطقية، ومن ثم فهل يستطيع أن يتعامل معهابأسلوب واحد أو باستخدام عدة أساليب• من أجل ذلك يتحتم عليه قبل أي شيء أن يحدد من البداية ماهيتها•

غير أن عدم التفرقة هذه لها تبعاتها على ترتيب ووصف وتكشيف هذه المواد• فمن الصعب تقديم وصف كاف دون مثل هذه التنويعات، وكما أنه في حالة الوثائق التقليدية لا يمكن أن تتساوى القواعد المقررة لوصف مجموعة منها دون التمييز بين المراسلات، التقارير، المذكرات، المحاضر وغيرها من الأنواع الأخرى من الوثائق، وبالتالي فلا شك في أن هناك حاجة ماسة لإيجاد بعض أنواع التفرقة بين موضوعات المصادر الشفوية•

11ـ تختلف وتتعدد كثيراً مصادر حصول المؤسسة الأرشيفية على المواد الشفوية• فقد تصل إليها كجزء من أعمال إضافة الوثائق المدونة الواردة من مصلحة حكومية• كما أنها قد ترد إليها كجزء من مجموعة أوراق خاصة توهب إلى المستودع•

وفي أحيان أخرى ترد إلى الأرشيف كوحدة متميزة بذاتها أو قد تكون مصحوبة بوثائق مساندة متعلقة بها• قد ترد كشرائط منفردة حول العديد من الموضوعات أو موضوع واحد عن بعض الأشخاص• وقد تقتنيها بالتدريج أي قطعة قطعة كناتج برنامج مستمر للقاءات التي تجريها المؤسسة الأرشيفية ذاتها أو أي منشأة أخرى•

ولا بد أن يعرف الأرشيفي أن كل مصدر من هذه المصادر له مشكلاته وتدابيره وقضاياه التي عليه أن يتصدى لها•

2 ـ 2 ـ القضايا والمشكلات الخاصة التي على الأرشيفي أن يواجهها ويتصدى لها
يحصل الأرشيفي على المصادر الشفوية بالعديد من الطرق تندرج تحت شكلين:

1ـ برامج داخلية يعدها الأرشيف وينفذها، وفيها يخضع الإنتاج للضبط ونظم المعلومات الأرشيفية•

2ـ مصادر خارجية، وهذه ينبغي اتخاذ التدابير اللازمة وتتطلب أقصى درجات الحرص في اختيارها•

ولقد أبرزت طريقة تزويد الأرشيف بمجموعات المصادر الشفوية التي تعدها أو تجمعها مؤسسات أو منظمات أو أفراد أخرى غير الأرشيف، العديد من القضايا على رأسها ما يلي:

2ـ 2ـ 1ـ قضية المشاركة الأرشيفية في الإعداد: هذه قضية أثارت الجدل والنقاش بين الأرشيفيين وهي قضية هامة بالفعل أثارت الجدل والنقاش بين الأرشيفيين وهي قضية هامة بالفعل، وتدور حول ما إذا كان الأرشيفيون أنفسهم ينبغي أن يشاركوا في إنتاج المصادر الشفوية التي ستدخل مؤسساتهم فيما بعد، وهل ستسمح لهم تلك الجهات الخـارجية بهذه المشاركـة؟ وكـيف ستكـون؟

ولاشك في أن الإعـداد الجـيد والتنفيذ الدقيق للتسجيلات الشفوية أمر مطلوب، ولا ينبغي أن يجري اعتماداً على أساس وقت جانبي إضافي يمنح لشخـص لديه مسؤوليات أسـاسـية أخـرى•

ولقد انقسمت الآراء وتعددت وجهات النظر إلى هذه القضية بين معارض ومؤيد لها، فهناك مدرسة ترى أن الأرشيفي لا ينبغي أن يكون من بين المشاركين في إنتاج المصادر الشفوية، حيث إن الأرشيفي ذاته يطلب منه في مرحلة تالية إدارتها والحكم على تماميتها ومصداقيتها كمصادر أولية، وذلك بالحيادية والاستقلال الأساسيين في الإدارة الأرشيفية من أجل فائدة المستفيدين، وهم يزعمون أن المشاركة الفعلية في إنتاج هذه المصادر من شأنها أن تجعل الأرشيفي في وضع مثير للشك، يقلل من أمانته ويضعف حياديته، وينعكس ذلك بالتالي على المصادر الأخرى التي يديرها ويسيطر عليها•

هم أيضاً يفترضون أن الخبرة والمهارة التي ينبغي توفرها في الأرشيفيين للدخول في تلك المشاركة لم تصل بعد إلى القدر الكافي الذي يؤهلهم لذلك•

ولهم أيضاً منظور آخر إذ يرون أن العمل الأرشيفي يعاني أشد المعاناة من التأخر والتدهور المهني، فما زالت أكثر الأنشطة الفنية الهامة لا تلقى الاهتمام المناسب لخطورتها وجدواها مثل أنشطة الإضافة والترتيب والوصف وغيرها، ومن ثم تكون المشاركة أمر يتعذر تبريره•

وقد أثار بعضهم أمراً آخر مفاده أن الأرشيفي لم يتم تدريبه عملياً وبشكل كامل يتوافق مع ما يطلب منه لتعريف وتسجيل وتوثيق المصادر الشفوية، وبالتالي فهو يفتقد أساسيات المشاركة•

أما أنصار المشاركة الأرشيفية فهم كثيرون في الدول المتقدمة والدول النامية، فهم يرون أنها قضية خاصة لها أهميتها في عالم المعلومات، إذ إنه في غياب المصادر الموثقة والمدونة، ودون وجود مؤسسات متخصصة تأخذ على عاتقها جمع المصادر الشفوية، فإن إهمال هذا العمل يصبح خيانة مهنية وثقافية•

هذه المدرسة ترى أيضاً أن الأرشيفيين من بين كل الناس هم الذين لهم حق الوصول إلى كل المصادر، ولذا كان من الضروري أن تتوفر لديهم معارف أكثر حول أساليب التوثيق القائم، وهم يعرفون أكثر من غيرهم ما هي الجوانب الموضوعية المميزة التي تحتاج إلى استفسارات تستوجب الإجابة عنها ومن ثم فاشتراكهم في الإعداد أمر ضروري•

ولقد جرت محاولات أخرى عديدة للدفاع عن المشاركة الأرشيفية قامت على أساس أن الأرشيفيين يقفون موقفاً متفرداً ليقرروا مواضع النقص القائم من مجموعاتهم ومن ثم يكون بمقدورهم أن يحكموا بشكل أفضل أين يمكن استخدام المصادر الشفوية لتدعيم ما لديهم من وثائق مدونة، ومن ثم فالمشاركة تجعل بمقدورهم إنتاج أفضل وثائق شفوية من مصادر وثيقة الصلة بموضوعها في أوضاع نادرة•

وهذه المدرسة ترى أنه من الضروري أن يقدم الأرشيفيون النصيحة والرأي في إدارة الوثائق الجارية مما يجعل لهم دوراً في مختلف أطوار حياة الوثيقة، فمن الضروري أيضاً أن يشاركوا في مختلف مراحل إنتاج الوثائق الشفوية التي ستؤول إليهم فيما بعد•

وهم يذهبون إلى أبعد من ذلك حيث يرون أن الأرشيفيين في مختلف مراحل أنشطة عملهم في التقييم والإضافة والاستبعاد عليهم أن يتخذوا قرارات حول القيم الدائمة التي تتأثر تأثيراً حيوياً بقاعدة المصدر التي تتطلب بحثاً أبعد، وهذ القرارات تتأثر بمجموعة القيم السائدة التي لا يمكن تجنبها أو التغاضي عنها•

أما بالنسبة للزعم القائل بأن إنتاج المصادر الشفوية يتطلب مهارات خاصة، فأنصار المشاركة يرون أنها مهارات يمتلكها الأرشيفي المتخصص بالفعل، وإن لم تكن موجودة فهو قادر على اكتسابها والتحكم بها، أضف إلى ذلك أنه من بين برامج التدريبات والدراسات الأرشيفية توجد مجموعة موجهة لمعالجة التوثيق الشفوي ومكرسة فقط لهذه المهمة•

وسواء كان الأرشيفيون مشتركين فعلياً في تسجيل المصادر الشفوية أو كانوا مجرد متلقي سلبي للناتج النهائي، فإنه من الضروري للأرشيفي أن يعرف ويفهم الطريقة التي جمعت بها تلك المصادر، كما وأنه لا يوجد خلاف حول الطريقة التي يمارس بها الأعمال التقليدية الأخرى، فهو من أجل ترتيب الوثائق والأرشيف لا يستطيع أن يؤكد أو يعيد (عند الضرورة) بناء الترتيب إذا لم يتوفر لديه في المقام الأول فهم كامل واضح للنشاط الذي أدى إلى وجودها•

وأخيراً فالأرشيفي يعلم الكثير عما يوجد من بين مقتنياته من وثائق تعكس تاريخ المستعمرين، ويعلم أنها تقدم عدم توازن كبير في معلوماتها يتطلب التدخل والإصلاح الكبير، والوسيلة الوحيدة لمعالجة ذلك تكون من خلال مجموعة جيدة الإعداد من المصادر الشفوية•

2ـ 2ـ 2ـ المصداقية: تختلف وتتعدد وجهات النظر نحو مصداقية المواد الشفوية، فهناك المنظور الإيجابي نحو هذه المصداقية والذي يرى أصحابه أنها مصادر يمكن أن يعول عليها بشكل تام، وأنه لا خلاف بين مصداقيتها ومصداقية غيرها من مصادر المعلومات، وعلى النقيض وفي الطرف الآخر يوجد أقلية لا يولون المصادر الشفوية أية مصداقية على الإطلاق ويضعون شروطاً قاسية لقبولها، وفي موقع وسط يكون أولئك الذين يرون المصادر الشفوية مما يعول عليه في حدود معينة، فعلى سبيل المثال يرون أن مصداقية الموضوع ينبغي أن تدعم بغيرها من المصادر المكتوبة مع توضيح دوافع الناقل والراوي•

أما بالنسبة للأرشيف فوجود أي وثيقة يقوم على أساس تقييمها الذي يؤكد أنها هي ما تدل عليه تماماً، ويجعل من ملكيته لها ما يؤكد للمستفيد هذه المصداقية، من ناحية بسبب ثبوت تسلسل الوصاية، ومن ناحية أخرى بسبب ماتم من تقييم واع للوثيقة قبل دخولها•

فبالنسبة للتقييم نجد أن الأرشيفي يعتمد على ضوابط ومعايير وتقنيات يستطيع عن طريقها تقويم كل تسجيل على حدة على أساس خصائص مضمونة ومصداقية المنطوق، وأيضاً على مصدر الأصل، والقيم المعلوماتية لمحتوياته من أجل الاستخدام المستقبلي، وهو أيضاً يطبق التقييم المعياري على قيم المواد الخام•

أما تقرير سلسلة الوصاية فأمر سهل بالنسبة للمصادر التي أنشأتها المؤسسة الأرشيفية، وذلك من خلال ملكيتها للمستندات والإجراءات والعمليات والتدابير التي تمت من أجل الحصول على المصادر، وببساطة يمكننا أن نقول: إن إنشاء المؤسسة الأرشيفية للمصادر الشفوية يوثق المصدر وتمامية المادة•

غير أنه بالنسبة للتسجيلات الشفوية التي تم إنتاجها في جهات أخرى غير الأرشيف، فإن المستودع إما أن يقبلها أو يتوقف ليتأكد من المصدر الذي وردت منه، والاختيار هنا لا يرتبط كون الوثيقة (الشاهد أو الدليل) أو الموضوع المقدم في المصدر صحيح أم لا، ولكنه يرتبط بكون الراوي هو نفسه الذي يشير التسجيل أنه صاحبه، وأنه قد قام بالرواية أو النقل في ذات المكان أو الزمان الذي يذكره الشاهد، وعادة ما يتم تقرير ذلك من خلال الفحص الدقيق للوثائق التي تنتجها المؤسسة التي قدمت التسجيلات، وأيضاً من خلال تحليل الأصوات وطبيعة التسجيلات من قبل الخبراء•

هناك نقطة أخرى تتعلق بإمكانية إصدار الأرشيفي حكماً يؤكد مصداقية الوثائق اعتماداً فقط على السمعة الجيدة لجهة عرفت بإعدادها لتسجيلات صحيحة أو لجهة توصف منتجاتها من المصادر الشفوية بأنها صحيحة، وفي الواقع إن الأرشيفي لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يقبل مواد دون نقد حتى ولو كانت كل الظواهر تشير إلى أن مصداقية المادة بحكم الظروف ليست قابلة للمناقشة•

2 ـ2 ـ3 ـ التمامية: من المهم في الوثائق الأرشيفية أن تكون كاملة غير منقوصة حتى يمكن استخدامها كدليل أو شاهد، والأرشيفي الذي يقدر قيمة صحة ودقة النتائج التي يتوصل إليها المستفيد من الوثائق ومن بينها المصادر الشفوية، يهتم دائماً بتأكيد تمامية ما يقدمه من وثائق أو على الأقل الإشارة إلى أماكن النقض في الشاهد، وتبرز هنا قضيتان:

ـ القضية الأولى: هل الوثيقة كما تبدو للمستودع وفيما بعد للباحث هي الوثيقة الكاملة كما كانت عند إنشائها؟ إذا لم يكن، فهل هناك سبب مقنع لنقصها؟ وهل هذا النقص فيها له أسبابه المقنعة والمفهومة للأرشيفيين ذاتهم وبالتالي للباحثين؟ وفي الواقع أياً كانت الأسباب ومبرراتها فإن القضية وآثارها تظل قائمة، لكن على الرغم من ذلك لا بد من إعلام المستفيد بالمادة الناقصة من الشاهد والأسباب التي تبرر النقص لأنها إن لم تكن واضحة لديه، حينئذ سيقوم المستفيد بتحليل البيانات على أساس افتراضات غير صحيحة من قبله لتبرير النقص، وبالطبع ستأتي النتائج غير صحيحة•

ـ القضية الثانية: تتعلق بالقيم الحقيقية للمضمون، فليس هناك شيء بمقدوره أن يدمر البرنامج الأرشيفي للمصادر الشفوية بسرعة مثل الأخطاء والمغالطات والتفاهات التي تشوب الصحة الموضوعية للمصدر، وبناء على ذلك يتوجب على الأرشيفي ألا يكون سلبياً تجاه قبول كل المصادر الشفوية المقدمة إليه، عليه أن يقدر قيم المحتوى الموضوعي للمصدر بالضبط كما يحدث مع المصادر المكتوبة، عليه أيضاً أن يقدم التوصيات نحو ضمها إلى المستودع، وكذلك استبقاؤها، أو التحريك المناسب لها وفقاً لقيمها القانونية والإدارية والتاريخية والإثباتية والإعلامية وغيرها•

وإذا كان على الأرشيفي كمسؤول أن يتعرف على المصادر الشفوية التي بها خلل أو عيب من تلك التي تدخل مستودعه، فهو مسؤول عن تبين أسباب ذلك الخلل، وتوضيح ذلك بقدر الإمكان في مستندات التقييم، من أجل أن يصبح في مقدور الأرشيفيين في المستقبل تفهم الموقف، وألا يقبلوا المواد دون نقد•

2 ـ 2ـ 4ـ الملكية: المصادر الشفوية وتسجيلاتها ملكية ذهنية وأخرى مادية، ويقصد بالملكية المادية ملكية الوثيقة أو شريط التسجيل أو غيره، أما الملكية الذهنية فتقع على المحتويات والمضمون من المعلومات وملحقاتها أو مكوناتها التي قد تكون لها أيضاً أبعاد فنية، وتحكم القوانين المحلية والتقاليد والأعراف حقوق الملكية وحقوق النقل وكذلك حقوق الترحيل والمعالجة لكل مصدر، فضلاً عن أنها أيضاً تضع كل الضوابط الرسمية لكل منها، غير أنه في بعض الحالات تكفي مجرد المشاركة الإرادية لنقل الملكية المادية والذهنية، وفي حالات أخرى تقوم الحاجة إلى وجود الرسميات•

ويختلف المنظور الأخلاقي ويتباين بالنسبة للملكية، ففي بعض الحالات تعد الذاكرة الثقافية لفرد ما جزءا ًرئيساً من وجوده المادي والروحي، وعندئذ لا يجوز نزعها منه دون رضاه التام أو ربما دون وجود طقوس رسمية، وفي منظور آخر لا توجد مثل هذه الأخلاقيات، حيث يمكن المشاركة في الذاكرة الثقافية بحرية ودون أدنى قيد أو شرط أو عقاب•

وفي كثير من البلدان توجد تقاليد متوارثة في التعامل مع الذاكرة الثقافية وعلى سبيل المثال يستخدم الصحفيون الذاكرة الثقافية للأشخاص أثناء حوار أو لقاء أو حديث صحفي أو غيره دون تقديم أية تعهدات تؤكد لهؤلاء الأشخاص حقوق ملكيتهم لتلك المعلومات الشفوية مثلما يحدث في عالم الكتب•

ولم تخلُ هذه المسألة من نقاش وجدال فقد وجد من رأى أن نشر هذه المصادر ينبغي أن يكون له السلطة الافتراضية نفسها لنشر الأحاديث الصحفية وما على شاكلتها دون التزام لأولئك الذين تمت مناقشتهم، وتستند وجهة النظر هذه على أن الإرادة والموافقة على اللقاء تشتمل ضمنياً على التنازل عن أي حقوق أو أي تحفظات تتعلق بمضمون التسجيلات الشفوية أو استخدامها أو الإفادة منها•

والمعـارضون لوجـهة النظـر هذه يـرون أن مثل هذه السياسة ستكون مدعاة لعدم الحذر والشك والمراوغـة من قبل صاحب النص الشفوي الأمر الذي يحدث كثيراً في الأحـاديث الصحفيـة•

من كل ذلك نستطيع القول بأنه إذا كان الصدق وعدم التحيز له قيمته البالغة في مضمون المصدر الشفوي، فحماية حقوق واهتمامات أولئك الذين يقدمون المعلومات الشفوية هي الطريق الوحيد لتشجيع الصدق والحيادية•

2 ـ 2ـ 5ـ تأمين وحماية المعلومات:

هناك قضيتان أمنيتان تتعلقان بالمصادر الشفوية، واحدة تتعلق بالأمن القومي، والثانية هي الحماية ضد إتاحتها قبل الوقت المقرر لذلك، فهناك الكثير من الأمور التي يقررها المتحدث ـ مصدر المعلومات ـ على أنها أمور خاصة ذات حساسية أو اعتبارات ومصالح معينة من الممكن أن ترد في التسجيلات الشفوية، كما قد ترد أيضاً في سياق التسجيلات الشفوية أمور تتعلق بالأمن القومي للبلد، ومن ثم فينبغي على الأرشيفي أن تكون هذه التسجيلات في إطار قوانين بلده، إن الأمن يعني تأمين وحماية المعلومات الشخصية ومعلومات الأعمال وكذلك المعلومات السياسية والحربية وغيرها من المعلومات الحساسة وعدم إتاحتها أو الوصول إليها قبل انقضاء الزمن المقرر لإغلاقها، كل هذا وغيره محل القيود التي يفرضها الشخص أو الجهة التي تقدم المعلومات مع مستندات التسجيل أو في اتفاقيات الإيداع، وعندما توجد مثل هذه المستندات يكون الأرشيفي مجبراً على احترام هذه القيود إلى أن تزول عن الوثائق مبررات القيد، أو عندما تسمح مصادرها بإتاحتها، أو عند تاريخ زوال القيد•

وإتاحة المعلومات قبل المدة المقررة هو انتقاص من الثقة في المؤسسة الأرشيفية، كما أنها تقلل من مصداقية التعاون معها في المستقبل من قبل أصحاب المعلومات الشفوية•
من أجل ذلك فلا يجب فقط على الأرشيفيين فحص هذه القيود على المعلومات التي يتلقونها، وتقرير ما إذا كان في مقدورهم النظر إلى هذه القيود والعمل بمقتضاها، ولكن عليهم أيضاً عزل تلك المواد المقيدة بمجرد القبول والالتزام بالتنفيذ مع التحديد الدقيق الصارم لمنع أي وصول غير قانوني إليها•

2ـ 2 ـ6 ـ التشويه والقذف والتشهير:

من الأشياء السيئة التي ترد في سياق المصادر الشفوية، نرى التشهير والقذف والإساءة إلى السمعة، وهي أمور تحدث أيضاً في الوثائق المكتوبة أو في العلاقات الإنسانية•

وكثيراً ما يظهر في المصادر الشفوية ميل المتكلم إلى الإفراط في الرفع من دوره والإقلال من شأن الآخرين، وعلى ذلك ومهما كان قدر مساهمة المستودع الأرشيفي في المشاركة في إنتاج المصادر الشفوية فهو مسؤول عن تحسس مواضع الأشياء الزائفة مع تقديم الدفاع عن مؤسسته إن لم يكن قد تقرر بالفعل إسناد الأخطاء لأحد غيرها•

حقاً، هناك قوانين تقرر عقوبات مختلفة لبعض أمثلة التشهير والقذف ولكن العار والخزي الذي يلحق بالمؤسسة الأرشيفية يكمن في كونها مشاركة في مثل هذا العمل التشويهي الذي يتجاوز دقة الأوضاع القانونية، من أجل ذلك ينبغي أن يكون مسؤول الأرشيف على وعي بهذه الأمور وأن يكون مستعداً للتعامل مع ذلك طبقاً لما تمليه القوانين الخاصة والثقافة والأوضاع السياسية وغيرها، ولا شك أن ذلك من شأنه أن يرشد الاهتمام بمصادر المعلومات المتعددة•

2 ـ 2 ـ 7 ـ التمويل: الكثير من المؤسسات الأرشيفية تخصص ميزانية منفصلة لبرامج وإدارة المواد الشفوية، وعادة ما يحدث ذلك في تلك المعنية أساساً بالمواد السمعية والبصرية الأرشيفية، أو حيثما يكون هناك برنامج للمواد الشفوية قد بُدىء في تنفيذه ووجدت له بدايات خاصة•

وفي معظم الحالات يتم تمويل برامج المواد الشفوية في الأرشيف كجزء من الميزانية العامة للمنشأة، الأمر الذي له مردوده على المنافسة الشديدة في توزيع الميزانية، وليس من الغريب حينئذ أن نرى المصادر الشفوية تحتل المقاعد الخلفية بالنسبة لقدر الميزانية التي تخصص لباقي أنشطة وأعمال الأرشيف التقليدي، وغالباً ما تقل الميزانية المخصصة للمصادر الشفوية عن 10% من الميزانية الكلية للأرشيف وفقاً لاختلاف النظرة إلى المصادر الشفوية، فهناك من يشعر بأن الاهتمام ببرامج الأرشيف الشفوي لا ترقى إلى المستوى الذي يناله الأرشيف التقليدي، وفي الوقت نفسه هناك من يضع البرامج الشفوية في المقام الأول، ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن العديد من برامج الأرشيف الشفوي توقفت تماماً أو وضعت على الرفوف بسبب قيود الميزانية وبالطبع تختلف أوضاع برامج المصادر الشفوية وفقاً لمصادر تمويلها، فلا شك أن البرامج التي تستقي دعمها من المؤسسة الأم التي تتبع لها، أفضل حالاً من تلك المندرجة تحت المؤسسات الأرشيفية•

وتلاقي أولويات توزيع الميزانية العديد من الاختلافات في وجهات النظر، وهناك عدم اتفاق بين الأرشيفيين عما إذا كانت أنشطة التسجيل أكثر أهمية من أنشطة الحفظ، أو فيما إذا كانت المعدات والتجهيزات تستحق أولويات أكثر من الميزانية عن تلك المخصصة للمرتبات، التسجيل، الحفظ، النقل، إعداد وسائل الإيجاد، النشرات، النسخ على وسائط ذات مواصفات أرشيفية أو الترميم والصيانة المنتظمة أو غيرها•

أما بالنسبة للعمالة المخصصة للمصادر الشفوية، فلا شك أن الميزانية غير الوافية تترك أثرها المباشر على مستوى تلك العمالة البشرية، فنجد العديد من البرامج تخصص فرد واحد فقط أو فردين لهذا النشاط، وحتى في هذه الحالة نجد أنه في معظم الحالات تسند إليهم أعمال إضافية غير متعلقة بعملهم في الأرشيف الشفوي، في بعض البرامج تكون العمالة مؤقتة أو عمالة زائدة أو وفقاً للحاجة، وهناك ملاحظة عامة هو أن أعلى مستويات العمالة توجه دائماً لنشاط التسجيل أو أعمال اللقاءات إذا ما قورنت بغيرها من الأنشطة مثل الاستنساخ أو الترجمة، أو إعداد وسائل الإيجاد أو الاستخلاص وغيرها، ولا شك أن كلها أنشطة يتطلب إبرازها كأولويات في توزيع الميزانية•
أما بالنسبة للتجهيزات والمعدات المتاحة لأي نظام فهي تتوقف على عدة عوامل، من بينها الميزانية التي تمكن من شراء الأجهزة والمعدات الصالحة المضمونة المتاحة في الأسواق، فالمعروف أن هناك العديد من النوعيات غير المضمونة من المعدات السمعية والبصرية، وهناك أيضاً أسماء لنوعيات فرضت نفسها على أسواق العالم مثل: سوني، باناسونيك، هيتاشي، سانيو، ناشيونال، وغيرها•

وأياً كان الأمر فمن الضروري أن يبحث المعنيون بالمصادر الشفوية عن معدات عالية الجودة، يمكن الاعتماد عليها، مأمونة، يسهل حملها، تتحمل كثرة الاستخدام، سهلة التشغيل، تكفل نقاء الصوت ووضوحه، تتطلب قدراً ضئيلاً من الطاقة•
ولاشك في أن التطور التكنولوجي الذي حدث في المعدات والأجهزة ضمن سهولة التعامل مع المصادر الشفوية، كما عمل على انتشارها عبر العالم•

بقي لنا أن نقول: إن من أكبر المشكلات التي تصادفها الأجهزة هي الإصلاح والصيانة وإتاحة قطع الغيار وكلها مشكلات ينبغي أن ترصد في أولويات الميزانية•

2 ـ 2 ـ 8 ـ نسخ التسجيلات الأصلية: تواجه المؤسسات الأرشيفية قضية أخرى تتعلق بنسخ المصادر الشفوية، وما إذا كان من الواجب عليها أن تبقي على التسجيلات الأصلية بطريقة فردية، وفي الحالة التي وجدت بها، أو ما إذا كان عليها أن تعد من كل التسجيلات الموجودة نسخة مكتوبة•

في الحقيقة يعد تسجيل الصوت الأصلي هو أفضل تسجيل متاح لما قدمه المتحدث بصوته، مع مراعاة أن يكون قد تم في أدق صورة•

وكالعادة تظهر الآراء وتدور المناقشات بين معارض ومؤيد، فيرى المعارضون ضرورة أن يحافظ الأرشيفي على التسجيل الأصلي، وعليه ألا يفرض على المستفيد في المستقبل نصاً منسوخاً من التسجيل الصوتي، ووجهة النظر هذه تلقى كثيراً من التأكيد الذي تلقاه أصول الوثائق المكتوبة على اعتبار أن أي خطوة بعيدة عن التسجيل الأصلي، من شأنها أن تنقص من الدقة والأمانة والكمال وباقي القيم الثابتة للأصل، ذلك لأن اللغة المكتوبة أو رموزها مهما بلغت من التعقيد والتركيب، ليس في مقدورها أن تحقق بكفاية ماللتسجيل الأصلي من دقة في الأداء الصوتي والتعبير عن الانفعالات التي تختلف باختلاف المواقف والمعاني، وإن أي نسخ بالضرورة سيشمل على شيء من الاجتهادات والتأويل أو الترجمة المكتوبة•

على الصعيد الآخر يوجد من لا يمانع في إعداد نسخ من الأصل شريطة أن يراعى في إعدادها عدة ضوابط مثل:

ـ أن يتم إعداد النص الجديد بعد فترة زمنية قصيرة من التسجيل الأصلي حتى يمكن اللجوء إلى المشاركين في التسجيل الأصلي من أجل توضيح ما قد يتطلب ذلك•

ـ أن يقوم بالنسخ شخص مؤهل ذو خبرة عالية في الموضوعات التي نوقشت أو وردت في التسجيل الأصلي، مع ضرورة اتصافه بالدقة والأمانة والحرص•

ـ أن تتاح الفرص والإمكانات المناسبة لمراجعة النص الجديد بدقة، وإجراء التعديلات المطلوبة•

ويرى أصحاب هذا الرأي أن مراعاة هذه الضوابط من شأنها أن تزيل وتصحح الكثير من الأخطاء أو التشويهات غير المقصودة التي قد ترد في النسخ بما يحقق الاستفادة منها في المستقبل•

إن وجود الأخطاء في النسخ أمر شائع ويمكن إرجاعه إلى عدة احتمالات منها:

1ـ الأخطاء السمعية، من الطبيعي عند وجود عدد من الأشخاص ينصتون إلى جزء غير واضح في تسجيل ما أن يسمعوا الكلمة الواحدة بشكل متباين إلى حد ما•

2ـ عندما تتداخل الأصوات مثلما يحدث في حالة وجود الضوضاء في خلفية التسجيل•

3ـ عندما يكون حديث المتكلم غير واضح المعالم >مخارج الحروف غير سليمة<•

في الحقيقة إن وجود نص مكتوب من التسجيل الأصلي أمر قد يريح كثير من الباحثين الذين اعتادوا على تفضيل القراءة على الاستماع• وفي هذه الحالة لا يغني وجود النص المكتوب عن ضرورة الحفاظ على الشرائط الأصلية المسجلة التي تعد أساسية في كشف الغموض أو إزالة الشكوك التي قد ترد في النصوص المنسوخة•

أما بالنسبة للإدارة الأرشيفية فهي ترى الأمر كما يلي:

1ـ إن النسخ إجراء بطيء ومكلف ويتطلب جهوداً عملية كبيرة•

2ـ إن القائم على النسخ ينبغي أن يكون ذا معرفة متطورة وعالية في التخصص لكي يفهم وينسخ بدقة المصطلحات الفنية والمتخصصة الواردة في التسجيل الأصلي•

3ـ إن الدقة اللازمة لإيجاد نص منسوخ تتطلب عدة ساعات من الإنصات والكتابة سواء باليد أو باستخدام الوسائل الآلية•

كذلك قدراً من المراجعة والتصحيح الذي يتطلب وجود عدد متنوع من الأشخاص المعنيين بالموضوع•

4ـ إن الخبرة تبين أن حتى في النُسخ المعدَّة بأكبر قدر من الدقة والحرص، يوجد قدر من الأخطاء• فكما يحدث الخطأ بسبب وجود بعض الاختلافات في الرأي حول طريقة كتابة بعض الكلمات أو الجمل، فمن الطبيعي أيضاً أن يحدث الخطأ في بعض اللغات المنطوقة عندما يكون هناك اختلافات كثيرة في نطق الكلمة الواحدة ووجود نسخة مكتوبة هنا يعد ضرورياً لتحديد الكلمة المقصودة من بين كلمتين أو ثلاث كلمات وردت منطوقة في التسجيل الأصلي•

5ـ نسخ التسجيلات الشفوية يمكن أن يوجد مشكلة شائكة عندما تستخدم كلمات غامضة وغير واضحة، أو عندما يعبر عن الأشكال الأولية للغة التي كانت مستخدمة بالألفاظ المعاصرة الشائعة•

6ـ عند تدوين النص الشفوي المسموع يلاحظ أن عدم استخدام المكان الدقيق لمواضع الفواصل بين الجمل يمكن أن يغير المعنى•

وبالطبع فإن وجود هذه الأمور وغيرها ربما يؤدي إلى الاهتمام والعناية الزائدة بالنسخ، أو ربما يجعل الأرشيفيين يمتنعون نهائياً عن النسخ•

وفي هذا الصدد أيضاً يجب على الأرشيفيين أن يتأكدوا من دقة النسخ التي تصل إلى مؤسساتهم من مصادر خارجية• حيث إنه في الأغلب تعد النسخ ويتم عملها من أجل أغراض عارضة غير أرشيفية، ومن ثم غالباً ما تكون بعيدة عن المستويات العالية من الدقة والكمال والأمانة المطلوبة للمؤسسة الأرشيفية، لذلك على الأرشيفي أن يوضح بشكل تام المصدر الذي تلقى منه المواد الشفوية حتى لا تتحمل المؤسسة الأرشيفية التي تقتنيها مسؤولية عدم الدقة من جهة، ولكي يحكم الباحث بنفسه على النسخ المقدمة إليه في ضوء مصادرها من جهة أخرى•

وربما يعتقد بعضهم أن عملية النسخ عملية سهلة والواقع أنها عملية صعبة وشائكة حقاً إن الشخص يستمع إلى شريط بينما يدون أو يطبع ما يسمعه من مصطلحات لفظية بشكل عادي، ولكن كيف يعبر بالكتابة عما قد يتضمنه الشريط من تعبيرات غير لفظية مثل انفعالات التعجب أو الدهشة أو الاستنكار••• إلخ، أو ما قد يرد فيه من تداخلات واعتراضات أو ضحك، أو سعال أو غيرها• أضف إلى ذلك أنه في بعض الأحوال يصادف صعوبات كالتي تنشأ عندما ترد أشياء مثل الموسيقا على الشرائط كفواصل في وسط الحديث، ويجد الناضج نفسه مضطراً إلى أن يوضح أو يعرف باللحن أو غيره أو ربما يكون عليه أن يعلق عليها ويعرفها•

ونظراً لأن الاستنساخ إجراء غير دقيق، فينبغي مراجعة كل مسودة منسوخة على الأقل بوساطة شخص آخر غير ذلك الذي قام بالنسخ، أما التسجيلات الصعبة والمعقدة فتتطلب دائماً عدداً من المراجعين• وبعد إتمام المراجعة ينبغي أن تعرف تلك النسخة بعناصر التعريف الخاصة بتلك الوحدة الأصلية متضمنة الرقم المسلسل مع نسبة النسخة المكتوبة إليها•

لقد كان النسخ يتم في غالبية الأحوال عن طريق الكتابة على الآلات الكاتبة، إلا أنه الآن قد بدأت البرامج المتخصصة في المصادر الشفوية، في استخدام معالج الكلمات الإلكتروني وذلك بسبب إمكانية التصحيح بسرعة وسهولة قبل طبع النسخ النهائية•

2 ـ 2 ـ 9 ـ الحفظ والصيانة:

كل وسيط حامل للمعلومات له مشكلاته ومتطلباته في التخزين والحفظ الأرشيفي والاستعمال• وعلى الأرشيفي أن يحقق الضوابط المناسبة لكل نوعية موجودة لديه، سواء كان الأرشيفي مشتركاً في إعداد التسجيلات الشفوية أم أنه يتلقاها من مصادر خارجية فعليه واجبات نحو تنظيمها وترتيبها وحفظها، وتقوم غالبية المؤسسات الأرشيفية المعنية بهذا العمل بحفظ المواد الشفوية في شكل تسجيلات مسموعة حتى ولو كانت قد أعدت لها نسخ مكتوبة، ويستخدمون في ذلك الأجهزة والمعدات المناسبة•

ومن أجل المحافظة على التسجيلات تلجأ الأرشيفات إلى الاحتفاظ بثلاث نسخ من المادة، فالنسخة الأم تحفظ في مكان منعزل كنسخة أمان، أما النسخة الثانية فتحفظ قريباً حتى تكون جاهزة من أجل إعادة الاستنساخ، بينما تقدم النسخة الأخيرة إلى الباحثين وأفراد الجمهور وتميز (بنسخة الاسترجاع)•

ويصادف الأرشيفي في حفظ المصادر الشفوية قضية كبيرة تتعلق بمشكلة الدوام الأرشيفي للتسجيلات المسموعة، تلك المشكلة التي لم تحل بشكل نهائي• فالعديد من الأرشيفات مازالت تحتفظ بالشرائط المسجلة في أماكن غير مجهزة بيئياً، بينما نجد أنه في تلك التي لديها وعـي وإدراك لأهميتها يقومون بتجديدها على مدى فترات زمنية مناسبة، وذلك بسبب عدم قدرتهم على مواجهة المتطلبات الأرشيفـية اللازمة لتخـزينها، بعض الجهات الأخـرى تقوم بتخزين مجموعات أشرطـتها في مبني ملحـق له مـواصفات أرشيفيـة متـواضعـة•

أما بالنسبة لطريقة الحفظ فعادة ما يحتفظ بالأشرطة في المخازن في صناديق في وضع رأسي، غير أن بعض المخازن رأت تخزين صناديق الأشرطة في وضع مسطح بدلاً من الوضع الرأسي التقليدي السائد، معللين ذلك بأن هذا الوضع يجعل الضغط غير مركز على المحور بل يكون موزعاً بالتساوي على الشريط ذاته•

ويتوخـى الأرشيـفي الحذر في تخزين الشرائط فيبعدها عن مختلف المجالات المغناطيسية وأجهزة توليد الكهرباء وغيرها مما يشكل مصدراً خطيراً من شأنه تدمير تلك المصادر الصـوتية•

وعند وضع التسجيلات في الحاويات ينبغي أن تكون في وضع ثابت بحيث لا تتحرك بسهولة داخلها فتفسد•

وبشكل عام فإن شروط التخزين ذات المواصفات المناسبة من الرطوبة حوالي 56 درجة فهرنهايت وحوالي 54% رطوبة نسبية•

2 ـ 2 ـ 10 ـ الوصول والاسترجاع:

يتشابه بشكل عام الوصول إلى المصادر الشفوية مع ذلك الذي يحدث بالنسبة لغيرها من المجموعات الأرشيفية في معظم الأرشيفات• وعلى الرغم من ذلك فهناك من يضع قواعد بعينها لاسترجاع هذه النوعية من المصادر• والأمر المهم هنا هو تبين ما إذا كان الراوي أو الواهب أو المودع قد وضع تحفظات على إتاحة الموضوع للاطلاع، وهل هناك قيود معينة على الاستنساخ•

إن المشكلات المتعلقة بحقوق النشر، وتأكيد رغبة المتحدث أو الواهب ترتبط بشكل أساسي بقضايا واهتمامات خاصة•
وعلى الرغم من أن العديد من الأرشيفات لم تصادف مشكلات في هذا الصدد إلا أن مجموعات المصادر الشفوية الخاصة ما زالت تعد مجالاً للتشريعات المختلفة بالمقارنة بالوثائق التقليدية التي تنتجها الحكومة•

أما الوصـول إلى المجـموعات فيعني وجـود الأدوات والـوسـائـل الـلازمـة لتحـقيق هـذا الـوصـول•

ولا يكفي توفر الأدوات الداخلية التي تحقق وصول العاملين في الأرشيف إليها، ولكن ينبغي أيضاً أن تكون معدة بحيث تعرف الجمهور بوجود المجموعة•

ولا شك في أهمية وجود الأدلة المنشورة في هذا السياق• ورغم تلك الأهمية فإنها للأسف لم تلق الاهتمام الذي تستحقه وبديلاً عنها تلجأ معظم الأرشيفات إلى سد حاجة الجمهور بطريقة أو بأخرى•

ولقد أصبح من الضروري الآن وجود وسائل الإيجاد المختلفة ونشرها خاصة بعد أن سهلت التكنولوجيا عمليات التحديث•

وممـا يـؤسـف له أن استخـدام المصادر الشفـويـة يصل في بعـض الأرشيـفات إلى نسبـة تقل عن 1%، وقد يصل في غيرها إلى نسبة 01% من مجمـل نشـاط البحث في الأرشيف• لـذلك بات من الضروري من أجـل زيـادة الاستخدام، الاهتمام بها وزيـادة المنـاقشات الجـادة حـولها وإتـاحـة مختلف الفرص لتدعـيم هذه النـوعـية الـهـامـة من المصـادر•


المصادر:

1- Baumann, Roland M. (ed): A Manual of Archival Technigus. Harrishburg, Pennsylvanian Historical and Museum Commission, 1982.
2 - Curtin, P.D. زField Techniques for Collecting and Processing oral Data زin journal of African history, Vol q, No. 3, 1968.
3 - Hudson, J.H.: The Administration of Arclires Oxford, Pergamon press, 1972.
4- Irwin, Paul. Liptako speaks. Princeton university press, 1981.
5- Lance, David: An Archives Approach to Oral History. London, Imperial war Museumt International Association of Sound Archives, 1978.
6 - Moss, williamw. : Archives Oral History and Oral Tradition. A RAMP study prepared by william, m. and Peter c. Mazikana. Paris, unesco, 1986.


المصدر:




العدد 3 عام 2001













التوقيع
الأشياء ليست مثلما تبدو لكن علينا محاولة تغييرها
حتى و لو كانت آخر شيء نقوم به

https://www.facebook.com/hayet.brahimi

[/COLOR][/SIZE][/CENTER]
  رد مع اقتباس
قديم Jun-01-2010, 09:09 PM   المشاركة2
المعلومات

anameri
مكتبي خبير

anameri غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 61716
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجـزائر
المشاركات: 1,481
بمعدل : 0.26 يومياً


افتراضي

للاحاطة فقد سبق الاشارة الى هذه المواضيع
من طرف الأخت سعاد بن شعيرة
للمزيد يمكنكم الاطلاع من خلال هذا الرابط:



تقبلوا تحياتي












التوقيع
الأشياء ليست مثلما تبدو لكن علينا محاولة تغييرها
حتى و لو كانت آخر شيء نقوم به

https://www.facebook.com/hayet.brahimi

[/COLOR][/SIZE][/CENTER]
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المصادر, الشفوية, والأرشيف


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أدوات العمل الأرشيفية، ركيزة التصرف الوثائقي الأرشيفي / ََArchival Tools المبروك التبيني منتدى الوثائق والمخطوطات 10 Oct-09-2015 01:18 AM
مقترحات لتطوير أداء مراكز مصادر التعلم - منقول السايح منتدى مراكز مصادر التعلم والمكتبات المدرسية 20 Apr-22-2013 11:24 PM
المكتبة المدرسية من الالف الى الياء السايح منتدى مراكز مصادر التعلم والمكتبات المدرسية 52 Oct-20-2012 09:49 PM
المكتبة المدرسية من الألف إلى الياء أمينةمصادرتعلم المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات 2 Mar-15-2010 10:12 PM
خدمات المكتبات سعاد بن شعيرة منتدى الإجراءات الفنية والخدمات المكتبية 20 Jun-06-2009 07:20 PM


الساعة الآن 06:41 PM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين