[ابراهيم محمد الفيومي]

بناء بيئة التفكير أولاً

مئة فكرة للإبداع، مئة خطوة للتفكير


زكريا القاضي يترجم كتاب أكثر من مائة فكرة لتدريس مهارات التفكير للإسهام في منهج التفكير والعلمي والإبداع.
ميدل ايست اونلاين
بقلم: محمد الحمامصي
لا شك في أن المؤسسة التعليمية في مختلف مراحل منظومتها تسهم بدور هائل فعال في غرس مقومات المنهج العلمي، وتدريس مهارات التفكير في إطار مقومات هذا المنهج، والانتقال من منهج المحافظة والجمود إلى ما يدفع الحركة الفكرية والمجتمعية إلى الأمام والتقدم.
وهذا ما يلخص عادة في الانتقال في عمليات التدريس والتعليم والتعلم من منهج الذاكرة إلى منهج الخلق والتجديد، أو من منهج التلقين والإبداع في عملية التدريس إلى منهج التفكير والعلمي والإبداع.
وأمدنا عمدة عصر المعلوماتية في عالمنا العربي د.نبيل علي، بقائمة طويلة تبين قائمة من أنواع التفكير التقليدي الذي يسود مجتمعنا، وما يناظرها من أنواع التفكير العلمي التقدمي الذي نحتاج إلى تنميته في تعليمنا ومدارسنا وجامعاتنا، والتي نجدها في بعض كتاباته بالتفصيل، ولا تتسع هذه المقدمة لإيرادها.
وهذا كتاب آخر "أكثر من مائة فكرة لتدريس مهارات التفكير" يتميز بالطرق والأساليب، التي يمكن للمدرس أن ينتهجها لتنمية مهارات التفكير العلمي التقدمي، وبذلك ينتقل بنا من تلك الخلفيات السابقة في أهميته وأنواع التفكير وعلاقاته المتشابكة، ليقدم لنا في أسلوب سلس وخبرات عملية نافعة، يستعين بها المدرس في تنمية مهارات التفكير، ومن ثم فإنه أداة مهمة تعين المدرس في اللجوء إلى مهارات أخرى غير تقليدية مرتبطة بواقعه وخبراته وخبرات تلاميذه وطلابه.
واختار زكريا القاضي، الشاعر والمترجم المصري، المجال الأكثر صعوبة، وهو المجال التربوي، ليركز عليه جهده في الترجمة، وضمن هذا المجال ركَّز على الأصعب أي مهارات التدريس والتفكير، وكيف تنتقل الأفكار من المعلِّم إلى المتعلِّم، ومن هنا جاءت ترجمته لكتاب ستيفن بوكيت "أكثر من مائة فكرة لتدريس مهارات التفكير" الذي صدر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية، بالاشتراك مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، والذي جاء في أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، وفي طباعة أنيقة وفاخرة ميّزت الكتب التي تصدر عن المشروع.
ولأن اختيار المرء وافر عقله، كما يقول ابن حزم، يوضح زكريا القاضي في مقدمته للترجمة أهمية هذا الكتاب، وما يمكن أن يحدثه من أثر فاعل في طرائق التفكير وأساليبه بدءًا من القارئ العادي، وطلبة كليات التربية، ومعلمي المراحل التعليمية المختلفة في التعليم ما قبل الجامعي، وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات، وما يمكن أن يرسمه من خلاصات للحوار والتواصل مع غيرنا من بني الإنسان في زمن،غدت فيه الخلاصات أساساً للبقاء وشرطاً جوهريّاً للسير ضمن قافلة المبدعين والقادرين على تحقيق أحلامهم.
والكتاب الذى يحتوى على أكثر من مائة فكرة، قدّم له العالم التربوي الكبير د.حامد عمار، الذي أثنى على الترجمة لغة وفهماً، كونها جاءت من عاشق للترجمة، يمتلك لغة شاعرية، وهو شاعر، في الأساس، هو زكريا القاضي الذى عمل مترجماً لدى القسم الثقافي بسفارة الولايات المتحدة، ومترجماً غير متفرغ بإدارة مطبوعات اليونسكو، وترجم أكثر من ثمانين قصة مبسطة لأبرز وأهم الكلاسيكيات الأدبية العالمية.
ومن هذه الزاوية كما يقول د.حامد عمار، فإن الكتاب سيكون عوناً وزاداً جديداً غير مطروقين للمعلمين في المدارس والأساتذة في الجامعات؛ لإحداث نقلة نوعية في عمليات تدريسهم، وتنمية مهارات التفكير المنشود في نتاج ثروتنا البشرية في وطننا العربي.
ومن المعلوم لكل المتابعين للثقافة العربية أن أزمتها الحقيقية، والتي أعاقتها طويلاً عن احتلال مكانتها اللائقة بها بين الأمم، هى ضعف التعليم، فالتعليم القوي أساس كل تقدُّم ونهوض، ولا يكون التعليم قويّاً دون معلم قوي، وهو ما يتوجه إليه الكتاب مباشرة، ويضعه في بؤرة اهتمامه ليصبح المعلم قادراً على خلق الأفكار، وتوصيلها إلى طلاّبه، وإدارة النقاش حولها، لنخرج بتعليمنا من بؤرة التلقي إلى أفق خلق الوعي الناقد بتعبير العالم التربوي "باولوفريري".
وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء كبرى، تحتوى على مائة وعشرين فكرة، فالجزء الأول وهو "بناء بيئة التفكير" يتوقف طويلاً أمام العقل المنطقي والعقل المبدع، والتفكير الاستراتيجي، وكل العمليات المرتبطة بالذهن البشرى والبيئة، التي يجب توافرها لتكون عملية التفكير ناجحة.
أما الجزء الثاني، والذي يحمل عنوان "أدوات اللعبة" فيدرس أدوات التفكير الإبداعي، والبنية العميقة والبنية السطحية ومنحنى التعلُّم، والتركيز على الأفكار والأسئلة، وعلى هذا النهج العلمي البسيط والواضح يأخذ الجزء الثالث" إحضار كل الأدوات معاً "بأيدينا ليدلنا على درجات التفكير الأعلى، ودرجات التفكير الأقل والتفكير من أجل المتعة، وعادات جيدة للتعلُّم، ويتبع المؤلف كل فصل من هذه الفصول بتعليمات للنشاط يجريها المعلِّم مع تلاميذه لاكتشاف ملكات الفهم لديهم، لأن التعليم والتعلُّم الناجح يعرض خصائص الإخلاص والأصالة..فالإخلاص يعني امتلاك التوجه الذي ترغب في أن يحصل لدى طلابك، وإظهار الفضولية وحب الاستطلاع نحو العالم، استمرار عملية تكوين المعلومات، بينما الأصالة تعنى إعداد المهام التى يتلقاها الطلاب بما يلائم العالم الواقعي".
وبهذا المفهوم يتسع الكتاب بفصوله كلها ليخرج من كونه كتاباً موجهاً إلى المعلم، ليشمل كلَّ من يريد أن يكون عمله ناجحاً، سواءً كان معلماً أو مديراً أو حتى كاتب مبدع يتلمس طريقه نحو استقلاله الذاتي في الكتابة والإبداع، وهو نوع من الكتب مفتقد في ثقافتنا العربية، لأننا ننظر إلى الموهبة باعتبارها مناط كل تميُّز، ونهمل جانب التعلُّم والدّأب، وهو النقص الذي يسده هذا السفر الجميل، وبه ترقأ ثغرة في المكتبة العامة للثقافة العربية، ومكتبة كل من أراد النجاح من ناحية أخرى، أياًّ كان مجال عمله، وفي هذا السياق صدر عن المشروع نفسه، ولنفس المترجم زكريا القاضي كتاب آخر بعنوان "لماذا نعلِّم". محمد الحمامصي ـ القاهرة
الرابط
http://www.middle-east-online.com/?id=78558