[سعاد بن شعيرة]

صناعة الكتاب في لبنان.. عائلية ومحاطة بالأسرار

البعض يعتقد أن القراءة للنساء والأطفال فقط

بيروت: سوسن الأبطح

خمس اللبنانيين لا يقرأون على الإطلاق، وما يزيد على النصف لا يقرأون أكثر من مرة واحدة في الشهر، فيما لا تتعدى نسبة القراء اليوميين 17%. واعتبرت غالبية الشريحة المستطلعة في دراسة ميدانية نشرت مؤخرا، أن استخدام الإنترنت يشكل العائق الأبرز أمام قراءة الكتاب، فيما جاء عدم الاعتياد على القراءة في المرتبة الثانية، ولم يعتبر المستجوبون أن النقص في وجود المكتبات العامة، وارتفاع سعر الكتاب من الأسباب الأساسية التي تمنعهم من القراءة. هذه المعلومات، وأخرى قيمة عديدة صدرت في 173 صفحة من القطع الكبير، وهي عبارة عن دراسة مفصلة مولتها وزارة الثقافة اللبنانية بمناسبة «احتفالات بيروت عاصمة عالمية للكتاب» حول «صناعة الكتاب في لبنان». وتبين أن من لا يقرأون أبدا غالبيتهم من الذكور، ويعتقد 15% منهم أن القراءة هي للنساء فقط، لكنهم في المقابل يعتقدون أن القراءة مهمة جدا للأطفال، وهذه الفئة (غير القارئة) لم تحصل غالبيتها على الشهادة الثانوية، كما أن 70% منهم تلقوا تعليمهم في مدارس الدولة. أما أولئك الذين يقرأون ولو بنسب قليلة فنصفهم لا تتعدى أعمارهم 34 سنة، وأكثر من نصفهم تابعوا دراستهم في مدارس خاصة، وثلثهم، حصل على الشهادة الثانوية وما فوق، وربعهم يهدون الكتب للآخرين ويتلقونها كهدايا.
هذه الدراسة الميدانية حول الكتاب وقطاع النشر في لبنان، أعدتها «مؤسسة البحوث والاستشارات»، أظهرت أن التلفزيون يحتل المرتبة الأولى بين وسائل الترفيه التي يلجأ إليها اللبنانيون لتمضية أوقات فراغهم. وبعد التلفزيون بمسافة كبيرة، تأتي زيارة الأصدقاء والتنزه في المرتبتين الثانية والثالثة، بينما لا تستحوذ القراءة إلا على 3.9 من النقاط لتحتل المرتبة الرابعة.
ومن هذه النتيجة غير المشجعة على المستوى اللبناني يفهم ربما لماذا تعتمد دور النشر اللبنانية بشكل أساسي على تسويق نتاجها في المنطقة العربية، معتمدة بشكل ضئيل على الأسواق الداخلية اللبنانية حين يتعلق الأمر بالكتب المدرسية والدينية. ورغم إصرار الدراسة على أن النشر في لبنان، تطور في مناح عديدة، ليساير تغيرات السوق، فإن غالبية دور النشر لا تزال تعتمد على البنية العائلية و15% منها فقط تحولت إلى شركات مساهمة، و3% منها تحولت إلى شركات محدودة المسؤولية، ورفض عدد كبير من هذه الدور الحديث عن المداخيل المادية وإعطاء أرقام دقيقة حول عدد الإصدارات أو النسخ التي تطبع أو تباع من الكتاب. ورغم أن نقابة اتحاد الناشرين قامت بإحصاء 630 دارا، فإن الدراسة تعتبر أن عدد الدور العاملة بانتظام لا يتجاوز 177 دارا، 115 منها فقط تجاوبت مع فريق البحث لملء الاستمارة الإحصائية، وقد اعتذر العديد منهم عن التصريح عن كل ما يتصل بالشؤون المالية والإدارية لمؤسساتهم. وغياب الأرقام وصعوبة الحصول على المعلومات من الناشرين جعلت أصحاب البحث يلجأون إلى مصادر أخرى للحصول على المعلومات. وتقول الدراسة إن المصادر الإحصائية القليلة المتاحة ومنها موقع النيل والفرات دوت كوم، تشير إلى وجود ثلاثة إلى أربعة آلاف إصدار سنويا، خلال السنوات الأربع الأخيرة، مع وجود كتب يرجح أن لا يكون قد شملها الإحصاء.
إن هذه الدور لا يلتزم 55% منها بقانون الإيداع في مؤسسة المحفوظات الوطنية، وربعها على الأقل لا يعتمد الترقيم الدولي الموحد، إلا أن 21% من عدد الدور الناشطة لها أكثر من فرع واحد. وفي السنوات الأخيرة، حيث بدأت بعض الدور في توسيع بنيتها، والتحول إلى مؤسسات كبرى على صعيد الإنتاج والتوزيع. وثمة داران على الأقل، تتجه كل منهما إلى إصدار كتاب واحد كل يوم، والجديد أيضا ارتباط بعض الدور بشراكات في النشر مع دور ومؤسسات عربية لا سيما خليجية، مما أتاح لهذه الدور تطوير أعمالها بشكل مطرد.
وبالعودة إلى سلوك القراء اللبنانيين الذي تركز عليه الدراسة بشكل لافت، فإن نحو نصف المستطلعين يقرأون الكتب الدينية، وهي الكتب الأكثر قراءة في لبنان، تليها الكتب الأدبية بنسبة وافية تصل إلى 41% ثم الكتب السياسية والمرجعية التي تحتل المرتبتين الثالثة والرابعة مع 30.7% و14.7%، وفي المقابل احتلت كتب الألسن واللغات والعلوم التطبيقية المرتبتين الأخيرتين، حيث حصلت الأولى على 1.3% بينما اكتفت الثانية بـ3.8% من مجموع القراء. وعلى عكس ما يشاع حول عدم القراءة باللغة العربية بشكل كاف في لبنان، فإن 85% من القراءات تتم باللغة العربية بينما تستحوذ اللغة الفرنسية على 7.5% فقط، وتزيد بقليل عن الإنجليزية 6.3% ويسري هذا الترتيب في كافة المحافظات ما عدا محافظتي الجنوب وبيروت، وتتقدم في الأخيرة اللغة الإنجليزية على الفرنسية بشكل واضح (13.9 مقابل 9.2)، مما يشكل مفاجأة في بلد اعتبر الأكثر فرانكوفونية في الشرق الأوسط. ومن الأرقام المثيرة للاهتمام في الدراسة أن 56% من المستطلعين، لا يملكون أكثر من خمسين كتابا في المنزل، بينما لا تتعدى نسبة الذين يملكون مكتبات كبيرة تحتوى 200 كتاب وما فوق نسبة 13.1%. وتبلغ هذه الأرقام أهميتها القصوى حين نعرف أن الكتب الموجودة في البيت احتلت مركز الصدارة حين سئل الناس عن مصادر حصولهم على الكتب التي يقرأونها. مما يعني أنه كلما زاد عدد الكتب في البيت ارتفعت نسبة القراء في المنزل بشكل طردي. أما المصدر الثاني للحصول على الكتاب فهو الشراء بينما الاستعارة من الأصدقاء جاءت في المرتبة الثالثة، بينما جاءت الاستعارة من مكتبة المدرسة أو المكتبات العامة في أسفل الترتيب. ويبلغ متوسط إنفاق الفرد اللبناني على الكتب 7 دولارات شهريا، ويصبح هذا الرقم في حدود 32 دولارا شهريا إذا احتسبنا فقط متوسط ما يدفعه أولئك الذين ينفقون فعليا على الكتب.
يبدو جليا في هذه الدراسة أن المستوى التعليمي المرتفع، كما المدخول المريح أثرا بشكل إيجابي على نسبة القراءة، كما أنه من المحزن ملاحظة ارتباط خريجي المدارس الرسمية بأرقام منخفضة فيما يخص عادة المطالعة، ترتفع بشكل ملحوظ حين يتعلق الأمر بطلاب المدارس الخاصة. وهو ما يؤكد أن القراء في غالبيتهم ينتمون إلى طبقات تتوفر لها البيئة المشجعة والحاضنة. كما أن الملاحظة التي لا يمكن تجاهلها هو تأثير افتتاح المكتبات العامة الذي بدأ منذ عام 2000 على ازدياد عدد القراء في المناطق الموجودة فيها.

المصدر