منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » منتدى الوثائق والمخطوطات » صدى ثورة يوليو المصرية عبر الأرشيف.

منتدى الوثائق والمخطوطات يطرح في هذا القسم كل ما يتعلق بالوثائق والمخطوطات العربية والإسلامية.

إضافة رد
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم Nov-24-2010, 12:50 PM   المشاركة1
المعلومات

عبدالكريم بجاجة
خبير في علم الأرشيف - أبوظبي
الإمارات العربية المتحدة

عبدالكريم بجاجة غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 19513
تاريخ التسجيل: Sep 2006
الدولة: الإمارات
المشاركات: 724
بمعدل : 0.11 يومياً


افتراضي صدى ثورة يوليو المصرية عبر الأرشيف.

صدى ثورة يوليو المصرية (1952)
عبر أرشيف الصحف الوطنية والاستعمارية
بالجزائر في عهد الاحتلال الفرنسي

من إعداد: عبدالكريم بجاجة
خبير في علم الأرشيف



1- ملاحظة عامة:
إن الشعب الجزائري بصفة عامة، ومناضلي الحركة الوطنية الجزائرية بصفة خاصة، كانوا يتتبعون كل الأحداث التي تجري في العالم العربي (المغرب والمشرق) وفي البلاد الإسلامية. كل تغيير أو تطور إيجابي يحصل في العالم العربي الإسلامي إلا ويكون له صدى في الجزائر إذ يعتبر انتصاراً جديداً يمكن أن يؤثر إيجابياً على وضع الشعب الجزائري المكافح ضد الاستعمار الفرنسي.

2- مقدمة:
من هذا المنطلق اعتبرت ثورة يوليو المصرية منذ بدايتها كحركة تحررية لفائدة الشعب المصري بإمكانها أن تؤثر إيجابياً على الأوضاع في الجزائر.
وقمنا بالبحث عن أرشيف الصحف الصادرة بالجزائر في تلك الفترة قصد تقييم صدى الأحداث بمصر على مستوى الرأي العام في أوساط الجزائريين المسلمين، وأيضاًَ الاستعماريين الأوروبيين.
لم نتمكن من مراجعة كل الصحف الصادرة آنذاك، لذا ركزنا دراستنا على مجموعة اثنتا عشرة (12) جريدة: النصف الأول (6) من نشرات الحركة الوطنية الجزائرية، والنصف الثاني (6) من الصحف الاستعمارية (والقائمة في الملحق/ الهوامش).
كما قمنا باتصالات سريعة مع بعض المناضلين الذين عايشوا تلك الفترة:
- الرئيس/ بن يوسف بن خدة - ثاني رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إبان حرب التحرير وهو أصلاً من أعضاء "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية".
- الأستاذ/ عبد الرحمان شيبان عضو سابق في "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" ورئيسها حالياً، والاتصال مع هذا الأخير كان بواسطة المجاهد والزميل نوار جدواني (محافظ رئيسي بالمكتبة الوطنية الجزائرية سباقاً).
لم يكن هدفنا سرد الأحداث كما هي نشرت في الصحف بالجزائر، ولكن حاولنا أن نحصي عناصر الإجابة عن بعض الأسئلة قصد تقييم مستوى الصدى في الجزائر:
 كيف وصفت إزالة الملك فاروق من عرشه ؟
 كيف قبلت حركة الضباط الأحرار ؟
 إمكانية تأثير الأحداث عن الأوضاع في الجزائر ؟
يمكن من البداية أن نؤكد بأنه لم يوجد أحداً للبكاء عن تنحية الملك فاروق لأن حكمه كان عبارة على الفساد.
أما بالنسبة للأسئلة الأخرى تختلف الآراء والمواقف.

3- الرأي العام الجزائري عبر صحف الحركة الوطنية:
نظراً لإمكانيتها المادية المحدودة، كانت تصدر أغلب صحف الحركة الوطنية أسبوعياً أو نصف شهرياً؛ لذا بدأت تُعلق عن الأحداث بمصر في نهاية شهر يوليو 1952، أي بعد انتصار حركة الضباط الأحرار ومغادرة الملك فاروق لبلده متجهاً إلى كابري بإيطاليا.
إذ قبلت التغيرات في مصر بالترحيب عامة، سجلنا بعض الأصوات (خاصة الشيوعية) المعاكسة للرأي العام الجزائري، وهذا الأمر ليس بجديد ويتواصل إلى يومنا هذا (مواقف الشيوعيين تعاكس مجرى التاريخ).
على العموم انكبت معظم المقالات والتحاليل على الحركة الانقلابية وسرعان ما نسي مصير الملك فاروق.
نقدم الآن مواقف أهم الأحزاب الوطنية التي كانت تنشط في الساحة السياسية إبان عهد الاحتلال الفرنسي وهذا طبعاً عبر جرائدها كما أسلفنا.

4- جريدة "الجزائر الحرة" - لسان حال "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" (1):
كما نعلم إن هذه الحركة كان يتزعمها مصالي الحاج؛ وظهرت الحركة بعد الحرب العالمية الثانية كتغطية قانونية لحزب الشعب الجزائري بعد حله من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية. وفي الواقع هذا الحزب هو الأكثر تشدداً في الحركة الوطنية إذ يعتبر بأن الحل الوحيد للقضية الجزائرية يكمن في الاستقلال التام للجزائر والفصل النهائي عن فرنسا الاستعمارية.
نُشرت المقالات الأولى يوم 2 أغسطس 1952، وركزت على شعبية حركة الضباط الأحرار، كما قدمت مقارنة بين ما يجري في مصر نجيب و إيران مصدق. (2)
ترى حركة الانتصار للحريات الديمقراطية بأنه في إمكان مصر الجديدة أن تلعب دوراً هاماً في مساندة الشعوب العربية الإسلامية المستعمرة خاصة في المغرب العربي. إن حركة الضباط الأحرار نجحت بدون أن تسيل الدماء، وتجسدت أهدافها الأولى في تطهير المؤسسات المصرية؛ الجيش، الإدارة والأحزاب، لتصبح مصر قادرة أن تلعب دوراً رائداً في العالم العربي، بل حتى على مستوى السياسة العالمية.
كما تطرقت الحركة إلى الإصلاحات الزراعية الضرورية نظراً للوضعية البائسة للفلاحين المصريين:
 في سنة 1949 = 94% من الملاك لهم أقل من خمسة (5) فدان ( 35% من مجموع الأراضي الزراعية).
 بينما الملاك الكبار – الذين يكسبون أكثر من 5 فدان – يسيطرون على 35% من الأراضي وعددهم ضئيل جداً إذ لا يتجاوز 0.4% من مجموع الملاك!

لذا سطرت إصلاحات زراعية تهدف إلى تأميم كل المساحات التي تفوق 500 فدان لتوزيعها على الفلاحين: خمسة (5) فدان (أي 2 هكتار) لكل واحد منهم وعددهم مليونين. ونشرت الصحيفة عدداً خاصاً بمناسبة الذكرى الأولى لثورة يوليو (العدد 72 بتاريخ 24 يوليو 1953): حاولت أن تبرهن فيه على نجاح الثورة بتقديم حوصلة سنة من الإنجازات في الميادين السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية والدبلوماسية.
ثم في شهر أوت 1954 - أي عشية ثورة نوفمبر 1954 بالجزائر – نشرت صحيفة "الجزائر الحرة" سلسلة من المقالات للعقيد جمال عبد الناصر تحت عنوان "فلسفة الثورة".
وتؤكد شهادة الرئيس/ بن يوسف بن خدة المساندة المطلقة والآمال الكبيرة اتجاه الثورة المصرية من قبل حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، كما أكد الموقف نفسه الأستاذ/ عبد الرحمان شيبان- رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

5- "الجمهورية الجزائرية" - لسان حال " الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" (3)، الذي كان يقوده فرحات عباس/ أول رئيس" الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية" إبان حرب التحرير سنة 1958. (4)
نُشر أول مقال يوم فاتح أغسطس 1952 يعلن فيه الاتحاد أن حركة الضباط الأحرار تخدم مصالح الشعب المصري إذ تهدف إلى تحريره وترقيته. (5)
في البداية، ذكرت الجريدة أحداث 25 يناير 1952 بالقاهرة التي كانت عبارة عن انتفاضة شعبية ضد الفساد والفقر وضد إزالة البرلمان من طرف الملك. وكان القصر الملكي آنذاك يبحث عن حل وسيط بين إرادة الشعب الذي يطالب بطرد القوى الأجنبية من مصر، وحتمية إعادة المفاوضات المصرية الإنجليزية. ولجأت الجريدة بدورها إلى المقارنة بما يجري في الوقت نفسه في إيران وفي مصر: مصدق يرتكز في إيران على الورقة الشعبية ضد الشاه لتسريع الأحداث نحو نظام ديمقراطي، بينما تتبنى حركة ضباط الأحرار بمصر المطالب الشعبية لنجاح الثورة. والشارع المصري يطالب بتحويل القصور الملكية إلى جامعات ومستشفيات وإزالة الشرفيات البشوية والبيليكية، نهيك عن محاربة الفقر والبؤس.

أما فيما يخص موضوع المساندة المصرية إلى بلدان المغرب العربي المكافحة ضد الاستعمار الفرنسي؛ تطرقت إليه الجريدة في عددها الصادر في 12 سبتمبر 1952 بنشر صورة للجنرال محمد نجيب وهو يستقبل وفد جزائري- تونسي يضم ممثلين عن الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وحزب الدستور التونسي. وجه الجنرال محمد نجيب بالمناسبة كلمة تعاطف مع شعوب المغرب العربي: " أزكى التحيات وأطيب التمنيات على إخواني المغاربة أحفاظ العرب الأمجاد"؛ الاستقبال والصورة والبرقية بتاريخ 11 أغسطس 1952.
تميزت جريدة "الجمهورية الجزائـرية" (3) عن زاملتها بوجود مبعوث دائم لها في القاهرة وهذا من سنة 1947 إلى غاية 1952 وهو السيد/ مصطفى بشير. وهذا المبعوث الخاص والدائم مكَّن الجريدة من الاستفادة بعدة مقالات حول الحياة السياسية في مصر و واصل إرساله في سنة 1953 مبرزاً تطور الثورة المصرية، وهو شاهد عن الأحداث منذ سنة 1947، ويؤكد بأن "الشعب المصري كان محروماً من الأكل وأكثر من هذا من الحرية والاستقلال، حين تخلت الطبقة المتوسطة عن واجباتها، تلك الطبقة التي أعطت للوطن أبطال منذ الغزو البريطاني في سنة 1882".
وصف مصطفى بشير الجيش المصري كالمؤسسة الوحيدة التي رفضت الاستقالة أمام قوى الشر والفساد، والضباط الأحرار كانوا ينظمون أنفسهم بجدة مبتعدين عن الانتهازية، لذا رفضوا التولي عن الحكم في أول فرصة أتيحت لهم أثناء إضراب الشرطة سنة 1948.
ومن جهته، كتب فرحات عباس – رئيس الاتحاد ومدير الجريدة – افتتاحيات تناشد بالثورة المصرية، وبإزالة الملكية واستخلافها بالجمهورية، كما كان يقارن دور نجيب في مصر بدور كمال أطاترك في تركية، ويتمنى فرحات عباس نجاح الثورة المصرية ليست لفائدة مصر فقط ولكن لفائدة كل الأمة العربية.
نشرت الجريدة في يوم الجمعة 17 يوليو 1953 عدداً خاصاً (رقم 361) تحت عنوان: "الثورة المصرية في عامها الأول، ذكرى لكل الشعوب المضطهدة".
يتشكل هذا العدد الخاص من أربع صفحات: مقالات مخصصة كلها للثورة المصرية مرفقة بـ28 صورة. في هذا العدد، يرجع مصطفى بشير/ المبعوث الدائم للجريدة في القاهرة، إلى سرد الأحداث منذ إضراب الشرطة سنة 1948 إلى غاية المظاهرات الشعبية في 26 يناير 1952، ثم على حالة ألا استقرار السياسي بتعيين أربعة رؤساء حكومات: علي ماهر، وهيلالي، وسيري، وهيلالي من جديد؛ لتنتهي الوضعية السياسية بتدخل حركة الضباط الأحرار وإزالة الملك. يلفت فرحات عباس من جهته انتباه قراءه بأن أي ثورة في مصر تخرج من إطارها الوطني لتصبح مثالاً على المستوى العربي الإسلامي.
ليختتم الدكتور خالدي هذا العدد الخاص بمقال يوصف فيه الجنرال محمد نجيب كرجل تعنق مبادئ الحكم للخليفة أبو بكر الصديق: " الأخوة الإسلامية – العــدالة – الحرية".

6- "الحرية" - لسان حال "الحزب الشيوعي الجزائري" (6):
بدأت الصحيفة تعلق عن الأحداث (بدلاً من سرد الأحداث) في يوم 31 يوليو 1952، معتبرة الأحداث -في مصر وإيران وتونس- حركة إيجابية تهدف إلى تحرير الشعوب(7): العدد 477 بتاريخ 31 يوليو 1952.
ثم سرعان ما تغيرت اللهجات المستعملة وأصبح يوصف نجيب ب"الدكتاتوري"، كما تندد الجريدة بتعيين علي ماهر على رأس الحكومة المصرية ( العدد 479 بتاريخ 14 أغسطس 1952). بينما تقدم لقرائها حركة الضباط الأحرار بصورة "زمرة عسكرية"! (8)
وينشر الحزب الشيوعي الجزائري (9) مواقفه المضادة للثورة المصرية في جريدته “الحرية":
* العدد 480 بتاريخ 28 أغسطس 1952 : "من انقلاب 27 يناير إلى دكتاتورية نجيب". (10)
* العدد 481 بتاريخ 28 أوت 1952: "نجيب ليس المنقذ ولكن الدكتاتوري". (11)
* العدد 486 بتاريخ 2 أكتوبر 1952: "بدأ يسقط قناع نجيب". (12)

بمناسبة الذكرى الأولى للثورة المصرية خصصت الجريدة عددها 527 بتاريخ 23 يوليو 1953 لنشر عدة مقالات مضادة لحركة الضباط الأحرار؛ حاولت أن تبرهن بفشل الثورة المصرية: "نجيب، خطاباته وأفعاله". (13)
وفي العدد نفسه تهاجم الجريدة الشيوعية زميلتها "الجمهورية الجزائرية" (3) التي مجدت الجنرال محمد نجيب والثورة المصرية في عددها الصادر بتاريخ 17 يوليو 1953 (والذي أشرنا إليه في الفقرة 5).
كما هاجمت الجريدة الشيوعية أيضاً ولأسباب أخرى جريدة "الجزائر الحرة- لسان حال حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" (1)- رغم أنه هو الحزب الأكثر شعبية وامتداد في كل فئات المجتمـع الجزائري. ويجب التذكير هنا بأن الحزب الشيوعي الجزائري كان يصف في الثلاثينات نفس التيار الوطني الذي كان ينشط تحت اسم "حزب الشعب الجزائري" (14) بالحــــزب " الفاشي والهتلري" ! بينما التاريخ يشهد أن هذا التيار الوطني – حزب الشعب الجزائري- في الواقع هو الذي أعطى للجزائر الأبطال الذين فجروا الثورة الجزائرية!
وفي السياق نفسه، أرسل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري رسالة احتجاج إلى الجنرال محمد نجيب مندداً فيها اعتقال 19 مناضلاً شيوعيًا.
وفي شهر أغسطس 1953، نشرت الجريدة الشيوعية سلسلة من المقالات حول فشـــل "الثورة المصرية"، تنتهي بوصف الجنرال محمد نجيب بالدكتاتورية ( الأعداد 530 – 531- 532).

7- "الجزائر الجمهورية"- جريدة يومية يسارية تنتمي إلى الحزب الشيوعي الجزائري (15):
وهي الجريدة الوحيدة من بين نشرات الحركة الوطنية التي كانت تصدر يومياً، إذ علقت على الأحداث في مصر ابتداء من يوم الخميس 24 يوليو 1952.
اكتفت الجريدة في البداية بسرد الأحداث يومياً بكل موضوعية ونقلت بعض الأخبار التي لم ترد في الصحف الأخرى. ونشرت مقالاتها حول الأحداث بمصر في الصفحة الأولى من كل عدد في الأسبوع الأول:
"انقلاب عسكري في مصر: الجنرال نجيب باشا ينصب السيد ماهر باشا في الحكم بموافقة الملك فاروق"(16)؛ الصفحة الأولى والخامسة من العدد الصادر في 24 يوليو 1952. اعتبرت الجريدة اليسارية أن الجيش المصري كان مسيراً من طرف ضباط ساميين "جُهَّال وخونة ولصوص"، لذا كان من الطبيعي أن يقوم الجيش بعملية التطهير الذاتي للتخلص من العناصر المتعفنة.
وتعطي الجريدة بعض المعلومات حول شخصية الجنرال محمد نجيب: " نصف سوداني من جهة الأم (سودانية) ، متحصل على شهادة الليسانس في الحقوق؛ له شعبية في الجيش المصري إذ انتخب رئيساً لنادي الضباط رغم معارضة الملك الذي شجع ترشيح رئيس الأركان".
ونشرت الجريدة خبر صادر من لندن مفاده أن الانقلاب العسكري سببه تعيين صهر الملك/ العقيد إسماعيل شيرين في منصب وزير الحربية. كما لاحظت الجريدة في يوم 25 يوليو 1952 بأن الحكومة البريطانية لم تتحرك ساكناًُ لإبقاء الملك فاروق فوق عرشه. وتضيف الجريدة في عددها الصادر بتاريخ 26 يوليو 1952 خبر نزول القوات البريطانية في منطقة قناة سويس. وتواصل الجريدة نشر المقالات ذات الطابع الإعلامي الموضوعي بالإعلان عن تنازل الملك فاروق عن عرشه، ورجوع نحاس باشا وحاشيته إلى مصر، بينما توضع القوات البريطانية في حالة الطوارئ على مستوى كل الشرق الأوسط. لتنتهي هذه السلسلة من المقالات بخبر تحركات السفير الأمريكي (17) الذي كان الوحيد على علم بقرار الملك فاروق للتنازل عن عرشه. وذهب السفير الأمريكي لمقابلة الوزير الأول المصري قصد "ضمان تغيير نظام الحكم بدون عنف"؛ المصدر: جريدة "الجزائر الجمهورية" – العدد 27/28 يوليو 1952. (18)
ثم في العدد نفسه الصادر بتاريخ 27/28 يوليو 1952 تنتقل الجريدة من الموقف الحيادي الموضوعي إلى التحاليل المتحيزة إذ تعتبر الجريدة – في مقال تحت عنوان "الخطوة الأولى" (19) من إمضى محمد أغريب – "أن إزالة الملك فاروق عن عرشه تسجل على حساب الشعب المصري الصانع الأول لهذا الحدث الذي وصف كمرحلة أولى نحو استقلال حقيقي"؛ وطبعاً يندد المحلل بحكم الملك الفاسد.
ولكن ينطلق في المقال نفسه إلى اعتبارات أخرى إذ يفسر عدم التدخل من طرف القوات البريطانية – التي كانت في حالة الطوارئ – بتطبيق سياسة جديدة للندن تهدف إلى إدماج مصر الجنرال محمد نجيب إلى قوات التحالف الغربية ضد الشيوعية الدولية.
وفي الواقع إن العنصر الأساسي لهذا التحليل مستوفي من مقال لوكالة طاس السوفيتية التي تعتبر بأن "تنصيب دكتاتورية عسكرية في مصر تمهد الأرضية المناسبة لإدماج مصر في التحالف (20) الغربي ضد روسيا".
وهكذا تلتحق جريدة "الجزائر الجمهورية" (15) بنفس الموقف المضاد لحركة الضباط الأحرار التي انفردت به زميلتها "الحرية". (6)

8- جريدة " النجاح ":
تُعَبَّر جريدة " النجاح " – المدعمة مالياً من طرف المخابرات الفرنسية التي بالمقابل توسوس لها ما يجب نشره – عن مواقف العملاء الجزائريين المؤيدين للوجود الاستعماري الفرنسي بالجزائر والملقبين بسخرية "بني وي وي" أي "بني نعم نعم". (21)
تكتفي الجريدة بسرد الأحداث اعتباراً من عددها المؤرخ في 30 يوليو 1952، بدون أن تعطي موقفًا واضحًا من الثورة المصرية، ولكن يبدو أن وراء الحذر يختفي القلق وعدم الرضا – وهذا الموقف طبعاً ينتسب إلى تعليمات الإدارة الاستعمارية.

9- الصحف الاستعمارية:
أول جريدة نشرت خبر "الانقلاب العسكري بمصر" هي صحيفة "أنباء المساء" (22) في عددها الصادر يوم 23 يوليو 1952 مساءً نقلاً عن الجريدة اللبنانية "الحيات". وتطرقت جل الصحف الاستعمارية – التي كانت تصدر يومياً – إلى الأحداث اعتباراً من يوم الخميس 24 يوليو 1952.
اهتمت الصحف الاستعمارية بالأحداث أكثر من التحاليل؛ كما تابعت مصير الملك فاروق يومياً بدون ما تبكي عليه - منذ إزالته من الحكم إلى وصوله يوم 30 يوليو 1952 إلى مدينة "كابري" (23) الإيطالية، وعودته إلى الفساد باستئناف لعبة "البوكر" (24) بالكازينو.
أبرزت جل الصحف الاستعمارية دور ثلاثة شخصيات بعد تنحية الملك: الجنرال محمد نجيب – علي ماهر – ومصطفى نحاس/ رئيس حزب الوفد.
كما نقلت خبر اعتقال 300 ضابطًا و 12 جنرالاً من بينهم علي نجيب شقيق محمد نجيب، وهذا في إطار حملة تطهير الجيش من الفساد.
أبرزت بعض الصحف الاستعمارية جانب من الحكم الشخصي للملك فاروق معتبرة إياه رجل محتل يتاجر بالقطن حسب مصالحه الشخصية وليس حسب مصلحة مصر.
لم ترى جل الصحف الاستعمارية أي تأثير لأحداث مصر عن الوضع في الجزائر، خاصة بعد تصريح أدلاه الجنرال محمد نجيب إلى جريدة "فرنسا المساء" (25) يفند فيه أي اهتمام بمسائل المغرب العربي لأن "الأوضاع في مصر هي انشغاله الوحيد"، حسب ما نشرته الصحيفة.
على العموم لم تأخذ هذه الصحف الاستعمارية موقف واضح باتجاه صعود النظام الجديد بمصر، وهذا راجع ربما إلى نفس الموقف الإنجليزي الرافض لأي تدخل في الأمور الداخلية المصرية؛ باستثناء جريدة "وهران الجمهورية" (26) اليسرية التي التحقت بزميلتها الشيوعيــــة "الحرية" (6) في وصف الجنرال محمد نجيب وحركة الضباط الأحرار بالدكتاتورية.

10- الخلاصة:
حقاً، إن ثورة يوليو المصرية قبلت بالترحيب في الأوساط الوطنية الجزائرية التي اعتبرتها كحركة تحررية بإمكانها أن تساعد كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.
بينما لم تظهر الإدارة الاستعمارية أي قلق من هذه الأحداث، وهذا الموقف ناجم طبعاً عن القرار الإنجليزي الذي ينفي أي تدخل في القضية معتبراً بأنها أمور داخلية تهم الشعب المصري وحده، والنظام الفاسد الذي كان يمثله الملك فاروق لم يشجع أي طرف أجنبي للتدخل قصد إنقاذه.
يبقى الموقف الغريب والمنفرد للتيار اليساري الجزائري – خاصة الشيوعيين – الذي ولو بارك في البداية بتنحية الملك- رفض النظام الجديد والثورة المصرية اعتقاداً بأنها عبارة على صعود "الدكتاتورية".

عبدالكريم بجاجة
خبير في علم الأرشيف

المساهمات
1- مساهمة الباحث فؤاد صوفي، مركز أرشيف ولاية وهران، حول صدى الثورة المصرية في الصحف الاستعمارية بوهران.
2- مساهمة الباحث عمر ميموني، مركز أرشيف ولاية قسنطينة، فيما يتعلق بموقف جريدة "النجاح" التي كانت تصر في مدينة قسنطينة.


الهوامش

(1) L’ALGERIE LIBRE - Organe central du Mouvement pour le triomphe des libertés démocratiques (MTLD).

" (2)Le dernier mot restera au peuple-Irrésistible mouvement de libération en Orient".

(3) La République Algérienne – Organe central de l’Union démocratique du manifeste algérien (UDMA).

(4) Gouvernement provisoire de la République algérienne (GPRA).

(5) "Le Moyen-Orient en lutte pour sa libération; L' abdication du roi Farouk présage-t-elle l’avènement du peuple égyptien ? "

(6) LIBERTE – Organe central du Parti communiste algérien.

(7) " Iran...Egypte..Tunisie..La Liberté en marche".

(8) " clique militaire" .

)9) Parti Communiste Algérien.

(10) " Du coup d Etat du 27 janvier à la dictature de Néguib" .

(11) "Néguib n'est pas le sauveur mais le dictateur".

(12) " Néguib commence à se démasquer".

(13) " Néguib, ses paroles et ses actes ".

(14) Parti du Peuple Algérien.

(15) Alger Républicain

(16) "Coup d'état militaire en Egypte: le Général Néguib Pacha installe M.Maher Pacha au pouvoir avec l'approbation du roi Farouk. "

(17) Jefferson Caffery.

(18) ALGER REPUBLICAIN du 27/28 Juillet 1952: "Pour une liquidation paisible du règne".

(19) "Une première étape"

(20) "PACTE"

(21) "Beni oui oui"

(22) "L' Echo du Soir"

(23) Capri

(24) "Pocker"

(25) "France-soir"

(26) "Oran Républicain"












التوقيع
عبدالكريم بجاجة
خبير في علم الأرشيف
أبوظبي- الإمارات العربية المتحدة
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أرشيف، الصحف، مصر،الجزائر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دراسات أرشيفية: أرشيف الإمارات، واقع و آفاق عبدالكريم بجاجة منتدى الوثائق والمخطوطات 137 Aug-27-2016 08:36 PM
دراسة أرشيفية 4: برنامج تكوين الأرشيفيين عبدالكريم بجاجة منتدى الوثائق والمخطوطات 19 Dec-14-2015 01:10 AM
منهجية لوضع سياسة وطنية لإدارة الأرشيف: التجربة الجزائرية عبدالكريم بجاجة منتدى الوثائق والمخطوطات 11 Jul-14-2014 03:23 PM
التجربة التونسية في إدارة الأرشيف الجاري والوسيط سعاد بن شعيرة منتدى الوثائق والمخطوطات 2 Aug-11-2011 03:18 PM
"قانون الأرشيف الوطني النموذجي". عبدالكريم بجاجة منتدى الوثائق والمخطوطات 12 Oct-13-2010 08:08 AM


الساعة الآن 11:28 AM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين