[جآء الأمل]

د* جلال الغندور: قبلنا المشروع بسبب سوء حالة مخطوطاتنا
د. رفعت هلال: المشروع كله يتعامل مع صور المخطوطات وليس المخطوطات الأصلية ولا يكلف دار الكتب قرشا واحدا

ردود فعل واسعة أثارها الموضوع الذى نشرناه فى العدد الماضى تحت عنوان "صفقة بيع أندر المخطوطات بدار الكتب"، وكان الموضوع تناول عقد المشروع الذى يجرى الآن بين أطراف ثلاثة هى مؤسسة الأهرام ودار الكتب ومركز دعم القرار بمجلس الوزراء وبموجب هذا العقد يتم تحويل أندر المخطوطات بدار الكتب إلى الرقمنة أى إلى وسائط اليكترونية مدمجة "سى. دي" على أن تكون الهيمنة لمؤسسة الأهرام التى تقوم بالإنتاج والتسويق نظير 60% من الأرباح وتقدم دار الكتب مخطوطاتها نظير 30% ويشارك مركز دعم القرار بالأفكار نظير 10% من أرباح المشروع.
واستعنا بآراء خبراء المخطوطات والتراث من ذوى القيمة العلمية والعلمية الرفيعة مثل الدكتور عبدالستار الحلوجى والدكتور أيمن فؤاد سيد والدكتور عبدالحكيم راضى، وقد اجمعوا على أن العقد والمشروع بصورته الحالية كارثة لأنه يفقد دار الكتب استقلالها وكيانها كمؤسسة عريقة كان بإمكانها أن تقوم بنفس المشروع دون حاجة إلى تدخل مؤسسات أخرى تنتهك استقلالها وتهدر كيانها.. وأجمع الخبراء على أن المشروع يحول دار الكتب من دار خدمية تقدم خدمة مجانية أو بأسعار رمزية للباحثين والدارسين تشجيعا للبحث العلمى إلى مؤسسة ربحية تبيع بأسعار عالية الخدمة للباحثين والدارسين وفى نفس الموضوع دافع الدكتور رأفت رضوان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عن المشروع باعتباره يساير العصر ويحول المخطوطات من جثة محنطة إلى كائن حى يستفيد منه من يريدون الخدمة على أوسع نطاق. وإعمالا لحق الرد ننشر فى هذه الحلقة دفاعا عن المشروع من زوايا موضوعية لكل من الدكتور جلال الغندور مدير الإدارة المركزية بدار الكتب ود. رفعت هلال رئيس المراكز العلمية بنفس الدار. ومن ناحيته حرص الدكتور أحمد مرسى رئيس دار الكتب على إبداء إعجابه بموضوعية التحقيق السابق وأمانة عرضه للمشكلة، لكنه رفض التعليق أكثر من ذلك على تفاصيل القضية المثارة.
ونبدأ بحديث الدكتور جلال الغندور الذى بادرنا بقوله:
ضعوا أنفسكم مكان المسئولين عن هذه المخطوطات، ثروتى منها تتناقص يوما بعد الآخر أمام عينى، ابنى يموت أمامى وليس عندى وسيلة لعلاجه فماذا أفعل إلا أن أقبل أى طريقة للعلاج والإنقاذ هذا هو مطلبى الأول والأساسى، إن مخطوطاتنا ليست حالة فريدة فى ذلك فكل مخطوطات دول العالم التى ليس لديها إمكانيات الترميم تعانى مثلنا واقرأوا الكتاب الموسوعى عن حالة المخطوطات فى العالم الإسلامى الذى ترجمه العالم الدكتور عبدالستار الحلوجى لتقفوا على الحقيقة، ففى إيران وتركيا ومصر يعانون نفس المشكلة من سوء حالة كنوزهم وثروتهم المخطوطاتية، ومن أجل هذا قبلنا هذا المشروع وتعلقنا به فروح هذا المشروع ببساطة تقوم على ترميم المخطوط كتوجه أولى للحفاظ عليه ثم تحويل الشكل التقليدى للمخطوط إلى شكل آخر يستطيع الباحث أن يستفيد منه ويستعين به كأن يكون فى صورة ورقية أو ميكروفيلمية أو اسطوانة كمبيوتر، وهذا العمل يساعد فى ذات الوقت على توثيق المخطوط وحفظه للأجيال المقبلة، ولقد استعنا فى ذلك بجهتين حكوميتين قوميتين: مجلس الوزراء وفر لى نظاما آليا للمعلومات لعمل قاعدة بيانات للمخطوطات، والأهرام قبل أن يوثق مخطوطاتى كلها بتقنية الرقمنة أى يحولها إلى أسطوانات "سى. دي" ومقابل أنه سيتحمل تكلفة هذا المشروع التى بالملايين طلب منا أن يسوق هو صور المخطوطات فى الخارج، وهذا ليس بدعة ولا حراما ولا خارج القانون لأن كل المكتبات الوطنية فى العالم تفعل ذلك وتبيعه للراغبين أى أننى يضيف د. الغندور لا أبيع الأصل، ولكن فقط صورة منه، فالأهرام يقوم بنوعين من التسويق، تسويق خارجى يضع فيه الأسعار التى يطلبها فهو حر فى ذلك. وتسويق داخلى وهو الذى يهمنى لأنه يتعامل مع الباحث داخل مصر، والحكاية أن الباحث كان يدفع 40 قرشا ثمنا للورقة التى أصورها له من على الميكروفيلم لأى مخطوطة، وما حدث أنه أصبح يدفع فيها 80 قرشا ومن هنا حدثت المشكلة لعدم فهم الباحث للوهلة الأولى أن اللقطة من على الميكروفيلم تعنى ورقة واحدة ولكن اللقطة من على الأسطوانة تعنى ورقتين، هكذا تقنية الأسطوانة لقطتها بورقتين، فالمبلغ لم يتضاعف كما يتصورون، مشروعى يقوم على تحويل ال 110 آلاف مخطوطة والتى تضم 85 ألف مجموعة داخل دار الكتب من صورتها التقليدية إلى أوعية اليكترونية رقمية، والعمل على ترميمها.
الدكتور رفعت هلال رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية بدار الكتب والمسئول عن تسيير هذا المشروع بدأ كلامه بهدوء وثقة وفى نقاط محددة وواضحة قائلا نحن كمكتبة وطنية عضو فى منظمة المكتبات الوطنية التابعة لليونسكو والذى اتخذ قرارات وتوصيات ملزمة لجميع أعضائها فى المؤتمر السنوى الدولى عام 2000 بضرورة تحويل جميع المكتبات إلى الحالة الرقمية قبل سنة 2005 أى قبل تطبيق اتفاقية الملكية الفكرية، وهكذا أصبح علينا أن نلحق ونشارك فى التحول الرقمى الذى صار شيئا حتميا للتعامل مع العالم فتقدم الأمم أصبح يقاس اليوم بمعيار الفجوة الرقمية ومدى اتساعها أو ضيقها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وفى ذات الوقت لم يكن مقبولا ولا مطلوبا من الدولة أن تزيد من أعباء المواطن العادى وتقتطع من لقمة عيشه كى تحدث مكتبة وطنية أو ترمم مخطوطة، ولهذا كان علينا أن نبدع وننتهج طرفا آخر لحل مشاكلنا، الحفاظ على المخطوطات وترميمها، ولم نجد إلا مؤسسة الأهرام التى قبلت بشروطها للقيام بهذا المشروع.. وقد وضعت هذه الشروط فى المذكرة التفسيرية للعقد من خلال لجنته تسيير المشروع بدار الكتب والتى حددت الشروط التفصيلية الواضحة والملزمة لكل طرف من الأطراف. ويضيف الدكتور رفعت هلال بنفس الثقة والوضوح أنه بعد مرور عام على تنفيذ هذا العمل الذى لم يكلف دار الكتب قرشا واحدا وبدون تعريض مقتنياتها الثقافية لأى خطر أو تداول يضر بها وبدون تنازل عن حقوقها القانونية فى الملكية الفكرية ومع السيطرة الكاملة على جميع خطوات العمل تم الانتهاء من مليون صفحة من حوالى مائة وعشرة ملايين صفحة إلى عملية التحويل الرقمى مع المعالجة الفنية لها وتم نقل 219 ألف صفحة إلى أسطوانات الكمبيوتر.
هذا عن حقوق وإمكانيات الدار لمقتنياتها، أما عن التسويق الذى هو مصدر قلق الآخرين فيؤكد د. رفعت أن الأهرام حتى هذا الوقت خاسر، رغم أنه دخل فى الأول لتحقيق مكاسب وأرباح ولكن بعد أن وضعنا هذه الشروط وأدركوا أنهم سيظلمون بها وافقوا عليها لأن المشروع يتم فى إطار قومى، وللعلم وصلنى خطاب هذا اليوم من الأهرام يعلنون استعدادهم الخروج من المشروع على أن نشترى نحن الأجهزة الخاصة به ويقومون هم بعملية التدريب والتعليم مجانا، الأهرام حتى الآن تكلف كل المصاريف ولم يحصل على أية مزايا، ربما انتظارا للحظة التسويق التى قد تعوضه كل خسائره. إذن فالتحول الرقمى هو الهدف الأساس من مشروعى وعمل المكتبة الرقمية وأن يكون عندنا بوابة رقمية تتيح لنا أن نضع إصداراتنا ومقتنياتنا الثقافية كلها على شبكة دولية حتى يتمكن من هو فى أسوان أو فى السعودية أو السويد أن يدخل ويشترى ويحصل على ما يرغب ويدفع المقابل كما هو متبع فى كل المكتبات الوطنية اليوم. ويضيف الدكتور هلال نقطة جوهرية قائلا: "إن هذا المشروع لا يتعامل مع المخطوط الأصلى على الإطلاق وأنه منذ سرقت مخطوطة "رسالة الشافعي" منذ أكثر من عام تم الإغلاق على المخطوطات وحظر التعامل.. خاصة أن حالة المخطوطات حرجة جدا وتحتاج إلى دعم وتمويل ضخم لترميمها غير متوفر لنا، وبعض أو كثير من هذه المخطوطات لا نستطيع فتحها أو تصويرها، لأن مجرد تعريضها للضوء وحرارة التصوير تحولها إلى ذرات وتراب.. وإنما كل التعامل يتم مع أفلام الميكروفيلم التى صورتها دار الكتب للمخطوطات منذ 51 سنة، ومع النيجاتيف لهذه الأفلام ومحاولة تحويلها إلى الديجيتال أو الحالة الرقمية.
http://www.al-araby.com/articles/906...-906-pnp03.htm