منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات » منتديات اليسير العامة » المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات » عشرون عاماً فى ترميم الذاكرة

المنتدى الــعــام للمكتبات والمعلومات هذا المنتدى يهتم بالمكتبات ومراكز المعلومات والتقنيات التابعة لها وجميع ما يخص المكتبات بشكل عام.

إضافة رد
قديم Nov-14-2006, 02:37 PM   المشاركة1
المعلومات

ولاء شيخ
مكتبي نشيط

ولاء شيخ غير متواجد حالياً
البيانات
 
العضوية: 18054
تاريخ التسجيل: Jun 2006
الدولة: السعـوديّة
المشاركات: 69
بمعدل : 0.01 يومياً


ورقة عشرون عاماً فى ترميم الذاكرة

فى مثل هذه الأيام ، قبل عشرين سنة ، كنتُ فى أولى سنوات الدراسة الجامعية ، وكنتُ كثيرَ التردُّد على مكتبة الهيئة العامة للكتاب بالإسكندرية .. وذات صباحٍ استرعى انتباهى جماعةٌ من اليهود (تميزهم تلك الطاقية العجيبة!) كانوا منهمكين فى جناح التراث بالمكتبة ، وطال مكوثهم وانهما كهم ، ثم خرجوا وقد اشتروا عشرات الكتب من أمهات التراث العربى .
كان السؤال الشديد الإلحاح على خاطرى يومها : لماذا يهتم هؤلاء بتراثنا ؟ .. ولماذا ينبشون ذاكرتنا ؟ .. ولماذا يدخلون هكذا إلى ثقافتنا آمنين ، ونخرج نحن منها آملين أن نعلق بثقافة الغرب ؟
ومن يومها اهتممتُ بالتراث العربى .. وكنت أظن أن هذا الاهتمام يتوقف على القدرة على الاسترجاع (ورُحتُ أحفظُ متونَ الشعر العربى القديم!) ويقف عند القدرة على تمثيل القديم وبعثه (ورحتُ أدقِّق فى تفاصيل العصور الماضية وأُبجِّل التاريخ) .
وسرعان ما ظهر أن ذلك كلَّه محضُ مقدماتٍ ، أما حقيقةُ المهمة فتتمثَّل فى ضرورة ترميم ذاكرة هذه الأمة .. تلك الذاكرة التى اهترأت وتمزَّق ثوبُها فى أذهان معاصرينا ، بفعل سنواتٍ طويلةٍ من الاغتراب عن الذات ، وحملاتٍ متتالية من أوروبا ، وموجاتٍ متتابعة من التغريب .. وترميمُ الذاكرةِ يعنى : تحقيق نصوص التراث العربى تمهيداً للوعى بالمنظومة التراثية وامتدادها فى الحاضر .. وتحقيقُ النصوص يقتضى : استكشاف المخزون التراثى المتوارى خلف رفوف الخزائن الخطِّية العتيقة .. واستكشاف المخزون يلزمه : فهرسة المخطوطات .
ومضت السنون فى محاولات دؤوب لانجاز ما يمكن تحقيق تلك المهام .. ولستُ أنوى هنا استعراض ما مر بى عند اجتياز المفاوز والدروب .. وليس المقام هنا يقضى بتبيان سيرة ذاتية أو ترجمة تأبينية . فالمراد الذى ستدور حوله السطور التالية ، هو تحديدُ الأطر النظرية لتلك العملية التراثية الرامية إلى ترميم الذاكرة، لتكون هذه الأطر بمثابة تجريدٍ للقوانين العامة .. أو هى -فقط- محاولة لتحديد ملامح تلك القوانين التى تحكم العلاقة بين الماضى والحاضر .
فنقول والله المستعان.
البقاء للمدوَّن
إن الصفة المشتركة بين الهنود الحمر وسكان استراليا الأصليين والغجر .. وسائر الجماعات التى زالت من الوجود أو هى اليوم آيلةٌ للزوال ، هو أنها جميعا: جماعات لاتملك ثقافةً مدوَّنةً أو تاريخاً مدونَّاً !
قد تكون لها ثقافةٌ ثرية وتاريخٌ ممتدٌّ ، لكنهما من دون تدوين .. وبالتالى فهى جماعاتٌ بلا ذاكرة .
وفى المقابل كيف استمَّرت جماعةٌ ممزَّقة ، ظلت قروناً طويلةً فى الشتات (أعنى اليهود) وفجأة ، بعد ألفى سنة يجتمع الشتات ويلتقى الأشتات فتقوم لهم دولة (أعنى اسرائيل!) ففيم كان اجتماعهم بعد طول الأمد ؟ وبم التقوا على الرغم من التنائى والتباعد الجغرافى .. إنها الذاكرةُ المدوَّنة (التوراة ، التلمود ، المشنا .. إلخ).
البقاءُ إذن للجماعات ذات التدوين ، وإمكانيةِ الاستمرار متاحةٌ أمام من يملكون التراثَ المكتوب .. ومن هنا نفهم الحكمةَ البالغة الكامنة فى الحديث الشريف : دوِّنوا العِلْمَ بالكتاب . فتدوينُ العلمِ يعنى حفظه واستمراره ، وهو ما حدث بالفعل على امتداد قرون الحضارة العربية الإسلامية .
الحاضر الغائب
التراثُ العربى الإسلامى ، يبدو لى بعد عشرين عاماً حافلةً .. وكأنه الحاضرُ الغائب ! يتمثَّل حضورُه فى امتدادِ جذوره فى الحاضر وبقاء جذوته فينا .. فنحن نتحدَّث نفس اللغة (تقريباً) التى تحدَّثنا بها قبل ألفٍ عام ، ونكتب (تأكيداً) بنفس القواعد والمفردات التى كتب بها ابن سينا والتوحيدى والغزالى وابن النفيس وابن رشد وحسن العطار والطهطاوى وطه حسين على تعاقب أزمنتهم .. ومازلنا نصلى نفس الصلاة ، ونسكن نفس الأرض ، ونتمسَّك بنفس القيم! فالتراث حاضر فى الحاضر ، وفى حاضرنا عشرات الآلاف من المخطوطاتِ المدونة التى ترسم أدق تفاصيل العقل العربى والشخصية الحضارية للعرب المسلمين عبر تاريخهم الطويل .
ومع ذلك ، فالتراثُ غائبٌ عن وعيِنا المعاصر .. فالقليلُ الأقلُّ من المكتبات الخطِّية مُفهرَسٌ ، وبالتالى فالمخزون التراثى لايزال فى معظمه مجهولاً ، والذى نُشر حتى اليوم من التراث العربى محققا أو من دون تحقيقٍ ، لاتزيد نسبته على خمسةٍ بالمائة من مجموع كُتب ورسائل وموسوعات هذا التراث . وهناك العشرات من أخطر الشخصيات التُّراثية وأغزرها إنتاجاً ، لم يُنشر عنها ولم يُنشر من أعمالها صفحةٌ واحدة ، والأمثلةُ كثيرةٌ : عين القضاة الهمذانى - السيد الشريف الجرجانى- ابن زقاعة - رشيد الدين بن خليفة - الدنيسرى .. إلخ .
والأهم ، والأخطر : غياب المنظومة التراثية المتكاملة عن وَعِيْنا المعاصر .. فبالرغم من امتداد التراث فى الخلفية الثقافية والتركيبة الذهنية لدينا ، إلا أننا على مستوى الوعى المباشر ، ندركُ مفرداتِ ودلالاتِ التراث الغربى على نحوٍ أيسر مما نعى وندرك به مفردات ودلالات تراثنا .. ناهيك عن كَمِّ معرفتنا بالآخر ، الذى يفوق كم تعرُّفنا إلى ذاتنا .
لاغنى عن المؤسَّسة
فى ابتداء الأمر ، أعتقدت أنَّ العمليةَ التراثية المؤلَّفة من : الحفاظ - الفهرسة- التحقيق - الدراسة - الفهم .. من شأنها أن تتمَّ ، أو بالأحرى : يمكن أن تتمَّ بجهدٍ فردىٍّ . فقد انخدعتُ بالمجاوزات والتعبيرات المجانية التى تصف أحد العلماء بأنه (أحيا العلمَ القديم فى عصره) أو أنَّ أحد الأئمة (استطاع أن يحيط بثقافةِ عصره وعلوم زمانه) أو أن أحدهم (كان مرجع أهل زمانه) .. إلى آخر تلك الأحكام الطيبة -والمضللة- التى يطلقها اللاحقون عن السابقين عليهم .
ثم وجدت أنَّ ثَمَّةَ شروطاً اجتماعيةً وسياسيةً واقتصادية لإنتاج المعرفة وتصنيع الوعى .. فنحن نظنُّ مثلا ، ونردِّد ، أنَّ حنين بن إسحاق استطاع أن ينقل علومَ اليونان إلى اللغة العربية فى زمن العباسيين . وهذا أمر صحيحٌ ولكن بشروط ؛ هى تلك الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى (تمت) عملية حنين بن إسحاق وفقاً لها ، فالرجل لم يعمل منفردا ، وإنما أنتج فى إطارٍ يتمثل بعضه فى (وجود) بيت الحكمة ببغداد ورئاسته له فترة من الزمن، ثم عزله منه ، ثم عودته .. وفى (وجود) خلفاء من أمثال الرشيد والمأمون كانت لديهم رؤيةٌ معينة للذات والآخر ، فشجَّعوا الترجمةَ عن اليونانية وكانوا يكافئون على الكتاب الذى تُنجز ترجمتُه بوزنه ذهباً .. وفى (وجود) حالةٍ اقتصادية توفِّر الذهبَ الموزون به، وحالةٍ عقليةٍ تؤهِّل أهل الزمان لاستقبال علوم اليونان ، وحالة فكرية تفسح المجال وتعطى الأولوية للعلوم الطبيعية . باختصار : كانت هناك (تساندية) أنتجت ، ضمن ما أنتجت ، ترجماتِ حنين بن إسحاق .. أى أن (عملية) حنين بن إسحاق تمت من خلالِ مؤسسةٍ ؛ وكذلك أمر العملية التراثية اليوم ، بل كل عمليةٍ كبرى فهى لاتتم أبدا بجهد فردىٍّ بعيداً عن المنظومة المؤسَّساتية . وبعيداً عن ذلك يكون العملُ الفردىُّ فى العمليات الكبرى : غير منتجٍ على مستوى التحقُّق.
وقد يكون العملُ الفردى هائلاً فى جهده المبذول ، لكنه مع غياب المؤسسة يظل محكوماً عليه بالفشل أو بالنجاح المحدود جدّاً .. فهو باختصار : دون كيشوتية نبيلة !
استحالة التنظير
لا أدرى حقّاً ، مدى مشروعية عمليات التنظير للعقل العربى .. وما جدوى قراءات (التراث) التى يقدِّمها مؤخَّراً مفكرونا المعاصرون ! إننى أنظر فى قوائم مراجعهم ، فلا أجد مخطوطةً واحدة .. هم إذن يقومون بالتنظير اعتماداً على المطبوع من التراث ، ولايقرأون سوى المنشور . وقد أشرنا إلى أن المطبوع المنشور من التراث لايمثِّل أكثر من خمسة بالمائة من مجموع المخزون التراثى الذى يعكس طبيعة وتطور (العقل) العربى .
من هنا أقول باستحالة التنظير والقراءة الكلِّية للتراث العربى ، يمكن فقط القول بإمكانية استكشاف بعض الجوانب .. أو اقتراح بعض التصوُّرات عن العقل العربى وتطوُّره .. أو طرحِ فرضياتٍ اعتماداً على المتاح بأيديهم من التراث ! أما القول بالقدرة على التنظير الكلِّى والقراءة الشاملة والأحكام العامة للتراث .. فهذا غير ممكنٍ الآن ، مادامت خريطة التراث لم ترسمها الفهارس ، ومادامت الجوانبُ المجهولة من التراث لم تقتحم ، ومادامت يد البحث والدراسة لم تطل نسبة كبيرة من المخطوطات .
علينا إذن أن نعى طبيعة الخطوات المتتالية ، وعلاقات الجوانب المتراكبة للعلمية التراثية .. فلا تسارع بالحكم قبل فحص المقدِّمات والتحفُّظ فى النتائج. بعبارةٍ أخرى : لاينبغى قبل إلقاء الضوء على المخزون التراثى أن نزعمَ (رؤية) هذا التراث . بعبارةٍ أخيرة : لايمكن وضع العربةِ أمام الحصان !
وبعد .. فربما نعود لاستكمال تلك الاستخلاصات النظرية التى بدت لى عبر هذه السنوات الشاقَّة من العمل التراثى ، وهى على كل حال : مجرد تصوُّرات تقبل معاودة النظر ، كما تقبل المناقشة الهادفة إلى التطوير .


المصدر/http://www.ziedan.com/memory/4.asp












  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الماديات التي بالحاسب جآء الأمل منتدى الدروس النموذجية 1 Jun-10-2006 06:58 PM
مقالة عن البروكسي: ما هو؟ فوائده؟ سلبياته؟ raaa منتدى الإجراءات الفنية والخدمات المكتبية 2 Nov-08-2005 06:22 AM


الساعة الآن 12:23 AM.
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جميع الحقوق محفوظة لـ : منتديات اليسير للمكتبات وتقنية المعلومات
المشاركات والردود تُعبر فقط عن رأي كتّابها
توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين