[السايح]

الاحتفاء بالكتاب متعة وارتقاء
مطفأ العينين من لا مكتبة في بيته

في معظم البيوت، لا بد من وجود حيز صغير تشغله مكتبة تتفاوت في حجمها، وعدد رفوفها، وعدد ما تحمله هذه الرفوف من كتب. هذا الحيز يمثل مكتبة المنزل، التي قد تكون مجرد مكتبة صغيرة ذات رفوف لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة، وقد تشغل غرفة كاملة، أو أكثر!

يُقال إن مكتبة الدكتور الراحل، العلامة إحسان عباس شمله الله بواسع رحمته كانت تشغل شقة كاملة، وحين ناء بحمل إيجار شقتين معاً اضطرّ إلى التخلي عن جزء كبير من مكتبته لصالح مكتبة إحدى الجامعات الأردنية، ومع هذا لم يستطع أن يستوعب تلك الحقيقة، إذ كان يفتقد كتبه دائمًا ويشعر بحنين جارف إليها، فكان يتصل بمكتبة تلك الجامعة ويطلب من الموظفين استعارة كتاب أو أكثر لقراءتها ثم إعادتها إلى المكتبة مرة أخرى.

د. فاطمة البريكي *

يُقال إن مكتبة الدكتور الراحل، العلامة إحسان عباس شمله الله بواسع رحمته كانت تشغل شقة كاملة، استأجرها خصيصًا لوضع كتبه بعد أن فاضت بها غرف شقته التي كان يسكنها هو وزوجته، على الرغم من أن رفوف الكتب كانت تعانق السقف في تلك الشقة، ومع هذا اضطرّ إلى استئجار شقة أخرى تقع في المبنى نفسه الذي كان يقيم فيه، وحين ناء بحمل إيجار شقتين معاً اضطرّ إلى التخلي عن جزء كبير من مكتبته لصالح مكتبة إحدى الجامعات الأردنية، ومع هذا لم يستطع أن يستوعب تلك الحقيقة، إذ كان يفتقد كتبه دائمًا ويشعر بحنين جارف إليها، فكان يتصل بمكتبة تلك الجامعة ويطلب من الموظفين استعارة كتاب أو أكثر لقراءتها ثم إعادتها إلى المكتبة مرة أخرى.

لا يعني التمثيل بمكتبة علامة كإحسان عباس بأن هذه المكتبة هي سبب ما أنجزه في مسيرته العلمية والأكاديمية، ويترتب على هذا - بالتالي- القول بوجود علاقة طردية بين حجم المكتبة من جهة والقراءة والثقافة والإنتاج العلمي من جهة أخرى، ولكن التمثيل بمكتبة الدكتور إحسان عباس جاء في سياق الاستشهاد على تفاوت حجم المكتبات، وامتدادها في بعض الأحيان حتى تشغل منزلاً كاملاً يُستأجر خصيصًا من أجلها. أما فعلياً فلا توجد علاقة ثابتة بين حجم المكتبة وهواية القراءة، أو مستوى الثقافة، أو كثافة الإنتاج الأدبي والعلمي؛ إذ يمكن أن نجد الكثيرين ممن تتقلص مساحة المكتبة في بيوتهم حتى لا تكاد تُذكر، ولكنهم من آكلي الكتب، من خلال المكتبات العامة، ومكتبات الأصدقاء، وغيرها.
كما يمكن أن نجد أيضا الكثيرين ممن تمتد مساحة غرفة المكتب عندهم لتنافس مكتبة إحسان عباس على سبيل المثال، ولكنهم لا يكادون يقرؤون شيئاً، ويفضلون تصفح مجلة تقدم وجبات ثقافية خفيفة ومتنوعة على قضاء ساعة بصحبة أحد الكتب التي يضعونها كقطع إكسسوار تزين زوايا مختلفة في المنزل.
ويمكن أن نطلق على هذه الحالة اسم “هواية جمع الكتب” ويوجد لدينا عشاق كُثُر لهذه الهواية. وهواة جمع الكتب يحرصون حرصًا منقطع النظير على جمع أمهات الكتب الدينية والتاريخية والكتب الموسوعية، والأعمال الأدبية العربية والعالمية المترجمة وغير المترجمة، كي يضعوها في مكتباتهم الخاصة التي تتضخم يوما بعد يوم، ويتضخم معها شعورهم بالفخر من امتلاكهم مكتبات بهذا الحجم، تحوي كتبا يفوق عددها الحصر.
ويبدو هذا شكلاً من أشكال حب التملك الذي ينطوي على قدر من الإقرار بأهمية هذا الشيء المتَمَلَّك وبقيمته إما المادية أو المعنوية، ولكنه حب سلبي جدا، لم يشعل في أصحابه رغبة التعرف أكثر إلى عوالم ما يسعون إلى امتلاكه والغوص فيها. هذه الحالة تشبه كثيرا هواية جمع الطوابع، وجمع العملات، وجمع بطاقات الهاتف المستعملة، والبطاقات البريدية، وغير ذلك من جهةِ حب تملكها مع الإقرار بقيمتها، وتشبهها أيضا حين تتوقف هذه الهواية عند مرحلة الجمع، ولا تتعداها إلى مرحلة الإفادة من هذا الكمّ المجموع من الطوابع والعملات وغيرها، واكتساب معلومات عن البلاد وتاريخها، ومناسباتها الرسمية وغير ذلك.
ولكن هواية جمع الكتب كاسم ومسمى تبدو غير ذائعة الصيت كالهوايات الأخرى، ربما لأن أصحابها لا يعرفون أنهم يفعلون ذلك حقيقة، ولا يعلمون أنهم مصنّفون ضمن هواة جمع الكتب، لأنهم يصنفون أنفسهم ضمن فئة القراء والمثقفين لما يرونه في أنفسهم من حرص على جمع الكتب، حتى إن لم يفتحوا كتاباً منها قط، وإن حدث فقد يكون ذلك لسبب آخر لا علاقة له بمضمون الكتاب، أو بقيمته العلمية، مثل الانجذاب إلى العنوان المثير للفضول، أو من باب المجاملة لأن مؤلفه صديق أو قريب، أو غير ذلك من أسباب تقع خارج متن الكتاب نفسه.
وفي المقابل، يوجد أناس يحرصون على الكتاب أكثر من حرصهم على أنفسهم، ويرون أن كل كتاب يمتلكونه يمثل خلية من خلايا جسدهم، وأن غرفة المكتب في المنزل هي أهم الغرف على الإطلاق، وقد يقضون فيها جلَّ ساعات يومهم، لأنهم يشعرون بالراحة النفسية وهم محاصرون بالكتب من جميع الجهات.
هذا الكلام يقودنا لما بدأنا به هذه السطور، وهو أهمية المكتبة المنزلية، ومدى إدراك أفراد المجتمع للدور الذي تؤديه بين أفراد العائلة، وحقيقة اختلاف الإنسان الذي ينشأ في منزل يتضمن مكتبة ثرّة، يجد الباحث فيها عن أساسيات العلوم والمعارف والآداب ضالّته، مع وجود اهتمام بها وتوجيه لأفراد الأسرة للاطلاع على ما فيها من كنوز، والآخر الذي ينشأ في منزل لا يتضمن مكتبة، أو يتضمن مكتبة ضحلة مهملة، لا تجد من يهتم بها، أو يهتم بأن يزوّدها بالكتب وقارئيها.

توعية
إن سوء فهم بعض الناس لدور مكتبة المنزل، أو غرفة المكتب في المنزل، وأهميتها في صقل نفوس أبنائهم، والتعامل معها على أنها من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، أو من الأساسيات بوصفها قطعة من قطع الديكور التي يجب أن تشغل إحدى زوايا غرفة الاستقبال، أو حتى تشغل غرفة مستقلة لتضفي على المنزل مسحة من رقيّ، أدى إلى تقلّص أهمية الكتاب في نفوس البعض، وتراجع قيمته المعنوية بينهم. ومثل هذه الأمور التي يدركها بعض أفراد المجتمع ويستشعرون خطرها لا يمكن التسليم بها، ولا يمكن التعامل معها على أنها واقع يجب أن نتعايش معه، بل يجب علينا إعادة توعية أولياء الأمور وأرباب الأسر بأهمية المكتبة المنزلية، وإعادة تبصيرهم بما أصبح في عُرفهم أشبه بالعادة، التي تخلو من قيمتها الحقيقية، وتُفرَّغ من أهدافها

المصدر
http://www.alkhaleej.ae/articles/sho...cfm?val=347872

[د.محمود قطر]

أخي الفاضل / السايح
كثير هم عشاق المعرفة ، وكثير .. كثير هم عشاق الكتب..
فمثل الدكتور إحسان عباس ، كثير بوطننا العربي ، ولكنهم لا تجذبهم الأضواء ، فبكل جامعة -بمصر على الأقل- تجد مكتبات خاصة لمثل هؤلاء العشاق .
فعلى سبيل المثال - لا الحصر- تجد بجامعة حلوان : المكتبات الخاصة لكل من :
أ.د. محمد محمود الجوهري
أ.د. شوقي سالم
أ.د. النساج
أ.د. كمال أغا
والقائمة تطول .. ولا يتسع لها المقام هنا ، كل ما أود التأكيد عليه ، أن هذا العشق للمعرفة ، فطري .. يولد مع المرء منا ، وينمو أو يضمر حسب البيئة المحيطة بكل منا ، بدءً بالأسرة .. مروراً بالمدرسة (بمراحلها المختلفة) ، الجامعة ، العمل .. المجتمع بأسره .

شكراً على هذا العرض ، وعلى هذا التوكيد على أهمية "المكتبة المنزلية" .. لكن لي رجاء لديكم ..
قل : مطفأ العقل .. ولا تقل مطفأ العينين ، فلدينا الكثير من القمم ، شاء الله لها أن تكون مطفأة العينيين ولكنه -سبحانه وتعالى- أنار تلك الرأس بالعلم والمعرفة .. ولعل أقرب مثال للدلالة على ذلك .. طه حسين .

أكرر لكم شكري
تحياتي ومحبتي للجميع

[السايح]

اخي واستاذي/محمود قطر
شكرا لك على مرورك الكريم
والكلمات الاروع التي زادت الموضوع بالكثير الكثير من المعاني
وكما قلت استاذي
"كثير هم عشاق المعرفة ، وكثير .. كثير هم عشاق الكتب.."