[فجر]

نأتي متأخرين أفضل من ألا نأتي

منير القايجي

رئيس إدارة المعلومات والمكتبة

الأمانة العامة لجامعة الدول العربية

أين نحن اليوم من هذه الثورة المتفاعلة المتنامية كطوفان من معين لا ينضب؟ وأين نرى أنفسنا في وسط هذا الجيشان والأمواج المتلاطمة من حمم لا تعرف راحة ولا تجد وقتا لاستكانة؟
إن المراقب لأداء فعالياتنا العربية في مجال المعلومات وتقنياتها يرى من جهة تطورا ملفتا للنظر ويرى صراعا وإصرارا على اللحاق بركب هذا القادم الجديد القديم..ويلمس تطورا لافتا في مقاربة التطورات التي كانت إلى وقت قريب تعتبر رفاهية وتفوق حاجات واحتياجات مجتمعاتنا.. ومن جهة أخرى يرى تشرذما وابتعادا للفرد عن الكل وإصرار غريبا على خوض التجارب وبذل الجهد والمال في تكرار التجارب غثها وسمينها دون الالتفات إلى من يمكن أن يكون موجودا في المحيط القريب إلى حد الالتصاق أحيانا..
مع كل إطلالة على واقع قطاع المعلومات العربي.. ومع كل قراءة لتفاصيل هذا الواقع، تضغط الحسرة على أنفاسنا عندما تأتي هذه القراءة وهذه التفاصيل من خبرائنا وأخصائيينا العاملين في هذا المجال.. بمعنى أننا نعلم الداء ونرى الدواء ونحجم عن المعالجة .. فهل هو خيار؟؟ أم هو تهاون وعدم تقدير لعواقب تخلفنا عن مواكبة التطور وتأثيراته على تنمية قطاع المعلومات؟؟ أم أن مجد الفرد مطلوب ولو جاء على حساب المجموعة؟؟
إن ما استفزني هنا هو متابعتي لبعض النقاشات العربية في المنتديات المتخصصة في علوم المكتبات والمعلومات.. والتي تركزت حول جدوى الضبط واستعمال أدوات الضبط والمعالجة طالما أن التقنيات وفرت سبل الإحاطة بكل التفاصيل إدخالا واسترجاعا.. وتطورت النقاشات لتتخطى حدود النقاش العلمي حول النقاط المطروحة لتطاول تجارب ومحاولات ناجحة أو في طريقها للنجاح أو فاشلة.. قام بها المتحاورون.. والحق يقال هنا أن بعض هذه التجارب كان رائدا في طموحاته والجهد المبذول في إخراجه..
وليسمح لي الزملاء في اقتباس بعض النقاشات الدائرة حديثا حول إحدى القضايا والتي فوجئت بالردود عليها كما ونوعا. وقد أورد زميل هذه السطور في معرض تعليقه على الطروحات القائلة بعدم جدوى وأهمية أدوات الضبط طالما أن تقنيات المعلومات وبروتوكولات التراسل قد حلت المشكلة..
"وقد أشارت دراسة حول تطبيقات نظم المعلومات في العالم النامي إلى أن قدرات وإمكانات هذه النظم لا تستغل إلا بنسبة ثلاثين بالمائة فقط. أما الإمكانات المتبقية فلا يستفاد منها. وهذا يدل على الهدر المالي الكبير في تقنيات المعلومات ونظمها. والسبب الرئيس - في ظني- هو التركيز على الأجهزة والبرامج وإهمال ما بداخلها (البيانات). وقديمًا قيل: "ستحصل على نفايات إذا كانت المدخلات نفايات"Garbage in Garbage out
وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم المعلومات والضبط الببليوجرافي والضبط الاستنادي من الموضوعات الساخنة في الإنتاج الفكري الخاص بعلوم المكتبات والمعلومات. كما أنه يتم سنويًا عقد المؤتمرات والندوات على المستوى الدولي لمناقشة المشكلات وطرح الحلول في هذا المضمار. وهناك جمعيات علمية مثل جمعية المكتبات الأمريكية والاتحاد الدولي لمؤسسات وجمعيات المكتبات (إفلا) مهتمة بتنظيم المعلومات والضبط الاستنادي والضبط الببليوجرافي على المستوى الدولي...
ويوجد مؤسسات عملاقة توفر التسجيلات الببليوجرافية من أبرزها أو سي إل سي OCLC التي يحتوي فهرسها العالمي على أكثر من ثلاث وخمسين مليون تسجيلة ببليوجرافية لأوعية معلومات من أماكن متعددة من العالم.
فهل نقبل من متخصص أو غير متخصص في علوم المكتبات والمعلومات قوله بانتفاء الحاجة إلى تنظيم المعلومات؟ وهل نقبل من متخصص أو غير متخصص أيضًا قوله بأن الحاسب قادر على استرجاع المعلومات بكفاءة عالية في الوقت الراهن؟" ....
واستمر النقاش واستمرت الردود.. و لكن تحول النقاش من هذه النقطة بالذات (أي أن الحاسب قادر على استرجاع المعلومات بكفاءة عالية دون الحاجة إلى تنظيم المعلومات) إلى نقاش حول جدوى وأهمية تجربة الزميل كاتب التعليق.. وبينما كنت أمني النفس بمتابعة فكرية لموضوع قد يكون خلافيا بين قطبي الرحى في عالم المعلومات.. أخصائييها وتقنييها.. وجدت نفسي أدخل حلبة للصراع والنقاشات حول موضوع التجربة.. مع اعترافي بأن الموضوع قابل للنقاش وإيماني بأن المتحاورين هم على كفاية ودراية وأن لا قدسية في العلم ولا محرمات.. إلا أنني أحسست بأن صاحب التجربة ما كان ليسمع هذه الردود لم يكن له هذه التجربة..
المقصود هنا أن عملنا في مجال المعلومات لا تزال تنقصه روح التكامل العلمي ولا يزال يرى في التجارب الفردية فرصة لبلوغ المقاصد .. رغم محاولاتنا المتكررة ونتائجها المحبطة.. لا يزال هذا العمل بعيدا عن الإيمان بقدرة التكامل في خلق شروط افضل للصراع إن لم نقل للبقاء..لأن البقاء الآن لم يعد للمتفرج.. البقاء الآن لمن يملك مقومات الاستمرار .. وقد أجمعنا على أن المعلومات هي القوة هي البقاء هي الاستمرار لو أحسنا استغلالها وتطويعها لمصلحة مجتمعاتنا ومخططاتنا التنموية.
وقد يتساءل سائل.. من المسؤول عن هذا الوضع؟ ومن يملك مفاتيح الخلاص من هذا الواقع؟؟ كلنا مسؤولون.. أفراد ومؤسسات.. فالإرادة الصادقة لا تعفي من مسؤولية.. والمحاولات الخجولة التي نقوم بها لا تبرئنا من هذه المسؤولية.. صحيح أننا حرصنا مع كل إطلالة للعربية 3000 على الدعوة للتكامل والتنسيق وصحيح أيضا أن افتتاحيات المجلة كانت كلها تصب في خانة الدعوات ووضع برامج عمل وخطط للوصول إلى حد أدنى من التكامل أو التوافق أو التواؤم إلا اننا لم نسجل تقدما يشار إليه بالبنان.. صحيح أن هناك تغييرا في المزاج العربي نحو الإيمان بأهمية هذا التكامل والتنسيق.. وصحيح أيضا أن عدد المؤمنين بهذه القضية يزداد إلا أننا بحاجةإلى خطوات عملية أكثر نجاعة وأفضل تخطيطا وأشد تنظيما..
المطلوب هو البداية العملية.. لقد طالبنا بالبدء في محور أو محورين .. علهما يفتحان الطريق أمامنا إلى خطوات مماثلة.. إلا أننا نشعر دوما بأن هناك من لا يزال يخشى الذوبان في الكل وكأن الفرد أو الواحد سيفقد قوته لو كان في مجموعة .. الدعوات لا تزال موجهة إلى الجميع ..فالعمل العربي المشترك كان و لا يزال سبيلنا إلى التكامل . والعمل في مجال المعلومات رحب وفسيح أمامنا. فهناك توحيد أدوات العمل وهناك توحيد الفهارس العربية.. وهناك توحيد قواعد البيانات وهناك تعريب الأنظمة والنطاقات وهناك إيجاد الاستراتيجية العربية لنظم المعلومات وخدماتها .. وهناك وضع الأدلة والقوانين والتشريعات القياسية العربية.. وهناك خطط التعليم العربي المستمر وتنمية القوى البشرية العربية في هذا المجال.. والقائمة تطول.. ولا نظن بأن بندا واحدا من هذه القائمة يمس قدسية الإقليم أو السيادة الوطنية لأي قطر عربي بل على العكس فإن قوتنا في وحدتنا ووحدتنا لن تكون إلا نتاج إيماننا المطلق بأهميتها وحتميتها..
وكما طرحنا في السابق.. فلتكن المظلة الجامعة لهذه المحاولات مظلة تلقي بظلها على كافة الأطراف العربية .. إن شئتم أن تكون جامعة الدول العربية فليكن.. وإن شئتم النادي العربي للمعلومات.. فمرحبا.. وإن شئتم أي مظلة جامعة عربية على المستوى القومي فيا حبذا.. المهم أن نخطو الخطوة الأولى.. نعم ستكون متأخرة.. ولكن أن نأتي متأخرين أفضل من ألا نأتي..

[آل رشاش]

شيء أكيد وشكرا لك على مجهودك

[الخوارزميه]

فعلا نأتي متأخرين خير من ان لا نأتي شكراُ على طرحك الرائع

[فجر]

شكرا لآل رشاش
وخوارزمية للمرور